}

عايدة صبرا: مطلوب نقابة فاعلة والانفتاح مسرحيًا على الغرب

حوارات عايدة صبرا: مطلوب نقابة فاعلة والانفتاح مسرحيًا على الغرب
عايدة صبرا وملصق مسرحية "كرز"


إنها بيروت أوائل سبعينيات القرن الماضي، حين تشارك ابنة السادسة في البرنامج التلفزيوني الشهير "ماما جنان" على القناة اللبنانية الوحيدة "تلفزيون لبنان"، وإنها بيروت عام 1982، حين تجتاح القوات الإسرائيلية بيروت، فيوقف روجيه عساف عرض مسرحيته "أيام الخيام" وما إن تنسحب إسرائيل إلى الجنوب يعيد عرضها مع ابنة السنة أولى جامعة بمعهد الفنون، وفي عام 1984 سنراها مع يعقوب الشدراوي في "نزهة ريفية غير مرخص لها" لمناسبة الذكرى الـ60 للحزب الشيوعي، ولتبدأ بعدها سلسلة من المشاركات المسرحية والبرامج التلفزيونية والإذاعية، ثم لتبني مسرحها التجريبي الخاص بها تاركة بصمتها الخاصة من هموم الناس وآلامهم. هي النسخة الأصلية المحترفة للممثلة والكاتبة والمخرجة وأستاذة الرقص والإيماء، عايدة صبرا، التي بنت عمارتها عملًا فوق آخر، ومع كل عمل يتعزّز بداخلها شيء ما، بعيدًا عن اليأس قريبًا من الطموح والسعي الدائم، دون أن تتأرجح من الداخل، فكل شيء يدعو للتأرجح، للإحباط، في بلد لم يدعم مسرحييه في أفضل أيامه، يوم تعمّر البلد سوليديريًا وأُهمل ثقافيًا، والآن مع كل انكسار يوجد طموح. توغل صبرا في استنطاق ما يتوجب استنطاقه، كل باب تطرقه تأخذ منه حكاية فكان برنامج "الست نجاح"، أحد أشهر شخصياتها، سلطت فيه الضوء على الفوارق بين لبنان وكندا عبر لغة كوميدية سوداء، وكانت الناطق الرسمي باسم الوجع في "شو القصة". كتبت وأخرجت عايدة صبرا العديد من المسرحيات، وشاركت في عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، ولها أيضًا كتاب في الشعر. والآن تقدّم في المركز الثقافي بمونتريال (كندا)، حيث تقيم، مسرحية "كرز" للمخرجة عليا خاشوق بالتعاون مع "مؤسسة حي حاتم علي للفنون". والمسرحية مونودراما تطرح أسئلة حول علاقة المرأة بنفسها وخياراتها وهشاشتها تجاه شريكها الرجل، عن "هؤلاء النساء الناجيات اللاتي يتحولن لشجر سنديان بعد موتهن". عن "حي حاتم علي" و"كرز" وعن عايدة صبرا كان لنا معها هذا الحوار في مونتريال:

 

(*) تطلين اليوم في عمل "كرز" في مونتريال، وهو أول إنتاجات مؤسسة "حي حاتم علي للفنون"، نود أن نتعرف على هذه المؤسسة، ولماذا سميت باسم المخرج حاتم علي؟

أمضى حاتم علي آخر سنتين من حياته هنا بمونتريال، واجتمع مع أصدقاء له من الذين يعملون بنفس المجال منهم الفنانة يارا صبري والمخرجة عليا خاشوق. أحب حاتم الحياة بكندا وكان يرغب بأن يكون له عمل هنا وبدأ يفتش عمّا يمكن أن يفعله، ففكر بهذه المؤسسة. كانوا يجتمعون هنا حتى قبيل وفاته لكنه رحل قبل أن يتم تسجيل المؤسسة رسميًا. عندما توفي، أحب أصدقاؤه الأوفياء أن يكملوا هذا الحلم، واتفقوا على الإسراع نحو إطلاق مؤسسة في كندا تحمل اسمه. وهكذا انطلقت، وهي مفتوحة لكل المجموعات الإثنية، وكل من عنده مشروع فني يمكن أن يتواصل معهم كي يساعدوه لإطلاقه، وليس عندهم تمييز، فالمؤسسة مفتوحة للجميع. المسرحية كتبتها وأخرجتها عليا خاشوق. يارا صبري درّبت الكورال والجوقة المرافقة للعمل. وإن أحد أهداف حاتم علي أن يكون لنا كعالم عربي وجود في المشهد الثقافي الكندي.

 


(*) إلى ماذا تتطلع مسرحية "كرز"؟ ولماذا اخترتم أداءها باللغة الفرنسية؟

تتناول المسرحية قضية العنف الزوجي والتأثيرات النفسية للعنف بين الشريكين. تأثير العنف يكون على الاثنين. تطرح المسرحية مسببات العنف وبأن الزوجين مسؤولان عنه، المعنِّف الرجل، والمرأة المعنَّفة التي تقبل السكوت عنه. والمسؤول الأكبر المجتمع الذي يظلم أفراده ببعض الحالات ويوصلها لتصبح عنيفة. عندما تكون المشكلة موجودة بالرجل بسبب طبيعة تربيته ولا يعي لها وحتى لو أدركها لا يحاول أن يعالج نفسه أو أن يتحكم بعلاقته بالشريك. فهذه المسرحية هي صوت كي ندعو النساء المعنفات، ويوجد الكثير ولا يتجرأن على حكي قصصهن، ألّا يخفن، بالعكس يجب أن يُحكى الموضوع كي تتم تسويته بين الزوجين، وكي لا تؤثر الخلافات العنيفة على الأولاد. الرجل ببعض العائلات الشرقية المتزمتة بكندا يدرك أن المرأة هنا لديها حقوق فيقمع زوجته ويجبرها على البقاء بالبيت. جمعت عليا قصصًا عديدة من النساء اللاتي تعرضن للعنف مع الشريك، نساء مشرقيات وغربيات، وسردتها بشكل جميل ومؤثر عن هذا الموروث من أمها وجدّتها، ومن غير الضروري أن يكون العنف بالضرب، من الممكن أن يكون بالمعاملة السيئة والتحقير والقمع، وهذا كان نمطًا طبيعيًا وموروثًا من الجدة للأم للابنة، ومن الشرق للغرب، فهنا أيضًا يوجد عنف.

المسرحية باللغة الفرنسية لأنها مبادرة ليكون الحضور من جميع الإثنيات ومن الكنديين، إذ يهمنا المشاهد العربي ولكن يهمنا أكثر المشاهد الكندي، ليتعرّف على مسرحنا وكيف نفكر، وستكون وسيلة للتواصل كي نقترب من بعضنا. كندا ميزتها بين بلدان العالم الجاليات المتنوعة، ومن الجميل أن نتعرّف عليهم لنكتسب منهم الأشياء الجميلة. السفر يُعتبر ثقافة وتعرّف على ثقافات، نحن لا نسافر، لكن يوجد جاليات متنوعة وكل جالية عندها تقاليدها وتفكيرها، يجب أن ننفتح عليهم، ولأنه يوجد لغة جامعة هي الفرنسية تجمع بيننا وبين الكنديين الذين أتينا لنعيش بينهم، كي نكسر هذا التمايز و"التنوع" بيننا وكي نقول إننا مثلكم مواطنون كنديون.



(*) هل هناك تواصل عربي غربي، وهل تمكنوا من التعرف على الإنتاجات العربية؟

لا أتصور كثيرًا، إلا من عنده فضول. يوجد عدد من الأعمال الفردية للبنانيين من الذين ولدوا هنا وموجودون بقوة وللأسف بلادنا لا تعرفهم. منذ أن جئت إلى كندا لم ألحظ أن مؤسسات كندية لديها الفضول لتتعرف على عروض للجاليات العربية، ولا نشعر أن هناك حضور للإثنيات على مسارحهم. هذا العام قدّمت فنانة مصرية اسمها ناتالي دمّر مسرحية بالفرنسية عن أجواء عائلة مصرية. كانت خطوة كبيرة حيث لاقت نجاحًا كبيرًا. ولكن المطلوب أكثر، شيء له علاقة بخصوصياتنا لأنه عبر هذا التبادل يمكن أن نتعرف على بعض أكثر. التجارب العربية جيدة للجالية العربية ولكن الانفتاح مهم بما أننا جئنا لنعيش هنا، كيف سنندمج إذا لم نبادر، وإذا لم تكن المبادرة من الطرفين. هناك عدد من الفنانين العرب ولكنهم موجودون كأفراد. يجب أن نتوسع وأن تنتشر ثقافاتنا أكثر كإثنيات وكمهاجرين، وألّا نتقوقع داخل جماعاتنا. حتى من جانبنا، لا أرى اهتمامًا بحضور مسرحياتهم، يجب أن نعرف كيف يفكرون، على الأقل من الذين يهتمون بالثقافة.

(*) ثمة جالية عربية كبيرة في مونتريال، هل يوجد اهتمام من قبل جهات معينة بتأسيس مسرح عربي دائم أو عرض أفلام سينمائية عربية بشكل متواصل؟

هذا هو هدف مؤسسة حاتم علي، أن تصبح مؤسسة مفتوحة للجميع كأفراد وإثنيات وكل من عنده مشروع يتم دعمه ليصبح لديه مكان بالمشهد الثقافي الكندي. صراحة أحب التنوع ولا أحب أن أتقوقع. توجد بعض الأعمال الفردية، مثلًا الممثلة المسرحية اللبنانية رانيا الحلو أسست مسرحًا في "لافال" (مدينة بمحاذاة مونتريال) وكانت لها مسرحية بعنوان "هيك بدو المنتج"، ولكن كانت محصورة بالجالية اللبنانية. كما أنها تشارك مع "منشر غسيل" لجوني الحاج. وفرقة جوني الحاج تعرض "ستاند أب" كوميدي بشكل مستمر.



المسرح في لبنان بين

الماضي والحاضر

(*) بالعودة إلى عايدة صبرا وبداياتها، كيف نشأت هذه العلاقة بالمسرح، وإذا أردنا أن نقارن الماضي بالحاضر ما الذي تغيّر على صعيد المسرح؟

علاقتي بالمسرح بدأت منذ أيام المدرسة. بدأت في السادسة من عمري بتعلّم الباليه، وقد لفتُّ نظر معلمة الرياضة، فأخذتني لأشارك ببرنامج "ماما جنان" الذي كان يُعرض على تلفزيون لبنان ومنذ ذلك الوقت بدأ عندي حب المسرح ودخلت لاحقًا إلى معهد الفنون الجميلة. بداياتي كانت مع روجيه عساف في أوائل الثمانينيات في مسرحية "أيام الخيام". كنت سنة أولى جامعة وبعدها مع يعقوب الشدراوي وبطرس روحانا إلى أن بدأت أكتب وأُخرج أعمالي، وتعاونت مع زوجي زكي محفوظ الذي درس معي بمعهد الفنون. كانت في بيروت تجارب مسرحية مهمة وقوية. عدد من المسرحيين كانت عروضهم تسافر إلى الدول الأوروبية كروجيه عساف. قبل الأزمة بلبنان اختلفت نوعية المسرح، لم نعد نرى تجارب قوية من المسرح التجريبي الذي كنا نشتغل عليه. ذهب المنحى نحو مسرحيات خفيفة، بالطبع هي أعمال جميلة وهناك تفاوت طبعًا. ولكن لم نعد نرى أعمالًا مثل أعمال سهام ناصر، ومثل أعمال يعقوب الشدراوي، حتى روجيه عساف لم يعد يشتغل مثل أعماله القديمة. 

(*) ما هو السبب، هل هو الإحباط من الوضع أم قلة الدعم المادي؟

طبعًا الوضع أولًا وثانيًا الإنتاج، ومنه تأثير الحروب الصغيرة التي تحدث من وقت لآخر وأيضًا التغيّر الديموغرافي، بمعنى أن الحمرا كانت مركزًا لاستقطاب المسرحيات القوية. في ظل الحرب كان بشارع الحمرا ثمانية مسارح وكلها تشتغل بقوة. كنتُ أحجز قبل شهرين لأتمكن من حضور مسرحية لزياد الرحباني. وجمهور كبير كان يقصد المسرح رغم الحرب. ولكن تراجَع المسرح فيما بعد ولم ينهض حتى عام 2000، وطبعًا مع الاغتيالات خفّت حركة المسرح قليلًا لأننا نعمل في قطاع يتأثر بالحالة الأمنية. الآن بالحمرا لا يوجد إلا مسرح واحد- "مسرح المدينة"- وضمنه "مترو المدينة" ولم تعد لدينا مسرحيات قوية. أغلب المخرجين هاجروا أو لم يعد يشتغلون مسرحًا. لم نعد نرى تجارب كالتي كانت تتحدانا، كفنانة مسرحية أن أخرج منها وأنا أشعر ماذا يمكن أن أشتغل بنفس المستوى.

عايدة صبرا في عدد من أعمالها



(*) في ظل هذا الوضع، ألا تجدين أن ثمة أعمالًا مسرحية يجب استعادتها؟

بالتأكيد هناك مسرحيات يجب أن تبقى كريبرتوار. هنا في الغرب مسرحيات يستمر عرضها لسنوات. اشتغلت مع المخرج المسرحي اللبناني وجدي معوض في فرنسا العام الماضي، وكل مسرحية له تُعرض لعدد من السنوات وتدور على مسارح فرنسا. بالتأكيد هناك مسرحيات، إذا استعرضنا موضوعها وحواراتها نشعر أنها تطال كل الناس وتصلح لكل زمان ومكان. من هنا أهمية أن يعرف المسرحي أي موضوع يختار ويطرحه. وهناك أيضًا مسرحيات تكون ابنة وقتها حسب الأحداث السياسية والاجتماعية التي تكون طاغية بفترتها، هذه تعيش لفترة محددة.

(*) تركت سابقًا لبنان إلى كندا ثم رجعتِ إلى لبنان وتعودين إليها الآن، هل هذا الانتقال والاغتراب يشكّل لك إحباطًا، وللمبدع بشكل عام وتحديدًا للممثل المعروف ببلده؟ 

طبعًا عندما نبني تجربتنا ونبني علاقتنا مع الجمهور ونكبر معه ثم نذهب لبلد آخر ونريد أن نبدأ في المجال من جديد ونعرّف عن أنفسنا، هذا أمر غير سهل، وخصوصًا أنني جئت بعمر غير صغير، لكن أقول إن كل شخص لديه عقل يفكر لا ينبغي أن يُصاب باليأس ويجب أن نبقى مخلصين لطموحاتنا، ولا أن يمنعنا ذلك من ألّا نفعل شيئًا هنا. صحيح نشعر بالإحباط عندما نشتغل في بلدنا ولكن لا نقدّر كما يجب؛ أعطيت الكثير للمسرح ولكن وصلنا إلى وقت وجدنا أن لا مكان لنا، وخصوصًا أن ما يحدث في الدراما بلبنان هو أنه على قدر ما نجتهد لتسويق أنفسنا ننجح. نحن الآن بزمن التسويق، ولا أستطيع أن أكون هكذا، ولا أعني نفسي فقط بل العديد وجدوا أنفسهم خارجًا بسبب ذلك.

الدراما اللبنانية مصابة بداء

الاستسهال وبالشللية

(*) هذا يدفعنا للتساؤل، لماذا لستِ متواجدة في الأعمال الدرامية اللبنانية؟

لأنني لا أعرف "تمسيح الجوخ"، ولا أحب أن أشعر بالإذلال، وللأسف هكذا أصبح الجو. وأكثر من ذلك، هناك ممثلون يدفعون المال لكي يأخذوا أدوارًا. قصة أن تكوني كفوءة ليست صحيحة تمامًا، بالنادر يحدث ذلك حين يكون مخرج ما يقدّر الممثل، وأنا هنا أحب أن أذكر المخرج إيلي حبيب الذي طلب مني ثلاث مرات لأشارك بمسلسلاته دون أي واجبات. الذين مثل إيلي حبيب نادرون. أيضًا المنتج أحيانًا كثيرة يفرض الممثلين. بالنادر أن أسمع عن "كاستينغ" لاختيار ممثلين. هذا يمون وهذا من جماعتنا وكلها شللية، لذلك نرى نفس الممثلين على الشاشة وأنا أخذت قرارًا ألا أشارك مع ملكات جمال وعارضات أزياء. حوربت لذلك ولكنني صريحة، لأنني كنت تلميذة معهد فنون وأعرف الكفاءات العالية بالجامعة، ولكن لو كان عندنا نقابة فاعلة مثل النقابة بكندا، سنرى خريجّي الجامعة بكل مسلسل جديد، وإلا لماذا كلية الفنون؟ هل من الضروري أن تكون جميلة جدًا، اذهبوا وفتشوا عن الطلاب المحترفين. كل عام يتخرج أكثر من 200 ممثل من جامعات لبنان. شاهدوا مسرحهم بالجامعة واختاروا منهم. ولكن ما يحدث للأسف علاقات شخصية وشللية. أحد الأصدقاء وكان تلميذي كَتَب سيتكوم (عمل كوميدي) ظريف وعرضه على إحدى المحطات التلفزيونية ووضع أسماء ممثلين موهوبين، فاعترضوا وطلبوا أسماء لمشهورين على تيك توك. هكذا أصبحت الموضة. الذي عنده متابعون على إنستغرام وتيك توك يأتون به.

ولنلاحظ الإصرار على نفس المضامين بالدراما اللبنانية. لماذا الإصرار ونراهم يرمون الأموال على إنتاجات محوّلة من التركي للعربي، ألا يوجد لدينا مواضيع. بلبنان إذا دخلنا بناية واحدة، وطرقنا على كل باب وسمعنا قصصهم سيكون عندنا حكايا كثيرة. أيضًا شيء خبيث يحدث والناس لا تنتبه له. مشكلتنا الناس لأنهم ينبهرون بأي شيء وبالتأكيد لا أشمل الجميع. لنلاحظ الأفكار التي يمررونها بالمسلسلات التلفزيونية، متل الطلاق والخيانات الزوجية. ما نشاهده سنرى أثره بعد عشرين عامًا عندما تنهار البنية الاجتماعية العائلية، إنهم يتحكمون فينا، ولا أقول أن نقدّم أفكارًا مغلقة ومتزمتة، أنا ضد التطرف من الجانبين. لدينا قصص ويمكن طرحها بطريقة موضوعية.

(*) هل تعتقدين أن استنساخ الأعمال التركية إشارة إلى أن لدينا أزمة كتاب؟

ليست قصة أزمة كتّاب، بل أن الإنتاج يريد ذلك. هناك استسهال. لدينا كتّاب وطبعًا يتفاوتون بالأهمية وبالجودة. إذا أردنا أن نفتش عن كاتب جيد سنجده لا يعمل لأن الأمور تسير بطريقة أن المنتج يتدخل ويطلب من الكاتب تعديل السيناريو بعد أن يكون الكاتب أكمل كتابة العمل وذلك وفقًا لرغبات المنتج. لذلك لا يمكننا أن نتطور ونتقدم بالمهنة. ينبغي أن ينعقد اجتماع عام لو كان هناك وعي لمشاكل الدراما والثغرات ودرس ماذا يمكن أن نفعل كي تصير الدراما عندنا قوية.

عايدة صبرا في مسرحية "من الآخر" ومسرحية "نساء الساكسفون" وبرنامج "قدح وجم"



(*) على الصعيد الدرامي التلفزيوني اللبناني، ثمة العديد من الاتهامات لعدم وجود توازن بين اللبناني والعربي، أين يقع القصور وهل ينقصنا إعادة تقييم لمهنة التمثيل؟

الإنتاجات المشتركة نادرًا ما تنجح. النجاح لا يكون أن نأتي بممثل سوري. عندما بدأت الإنتاجات المشتركة كان الأمر مضحكًا، الأم لبنانية، الابن سوري، والأخ مصري؛ لا يوجد منطق بالقصص. يجب وجود مختبر لدرس هذه الثغرات. لا يوجد لدينا منتجون فنانون بل تجار، وهذا يؤثر على الأعمال كيف تصل للجمهور. المطلوب ورش عمل لجمع الكتّاب من الدول العربية، كل كاتب يأتي بمواضيع من بلده، هناك اختلاف بالعادات وبالتقاليد، وأيضًا ورش عمل لجمع المخرجين. أي هناك طريقة للعمل تكون مقبولة للجميع. شاهدنا إنتاجات مضحكة ولم يستفد أحد، رغم أن المهم هو الاستفادة من بعضنا البعض. ماذا استفدنا كلبنانيين؟ يُقال إن السوري أقوى من اللبناني، ولدينا ممثلون أقوياء. في الفترة التي كان الإنتاج اللبناني عاليًا ومنتشرًا، لم يكن الإنتاج السوري معروفًا. ولكن عندما بدأت الحرب حدث التشرذم وانقسمت المناطق وبطبيعة الحال تدهورت الإنتاجات اللبنانية. ومنذ أن بدأت الحرب بسورية هبطت الإنتاجات الدرامية قليلًا، وهي الآن تعود إلى صعودها. نحن تدهورنا ولم نصعد كما يجب. وفي الحقيقة أسماؤهم تبيع لذلك تفضّلهم شركات الإنتاج. انظري إلى ممثلينا اللبنانيين عندما يكونون بإدارة مخرج سوري، يخرج منهم إبداع أكثر. والكاتب السوري يمضي شهورًا في كتابة مسلسل واحد. ذات مرة كنت أتحدث مع كاتبة لبنانية وسألتها عن الموضوع الذي ستتناوله فوجدت أنها لا تعرف عنه. قبل الكتابة يجب أن تكون للكاتب ثقافة عن الموضوع الذي يتناوله، أي كل ما يتطلب معرفة ومصادر مرجعية كي يكون ما هو مكتوب له صدقية.

(*) في برنامج "شو القصة" على مواقع التواصل حاولت الحديث عن بعض ما يحدث في كواليس المسلسلات في العالم العربي من ممارسات لا أخلاقية، نود أن نعرف حقيقة ما يحدث، وأين هي إدارة شركات الإنتاج من هذه الممارسات؟

للأسف الممارسات اللاأخلاقية موجودة، وتحدث بلبنان وليس بالعالم العربي. قصص حقيقية وأُخبرت بها شخصيًا. المنتج لا يهمه، وأحيانًا يكون المنتج هو صاحب الواقعة، ولكن الممثل لا يحكي لأنه لا يوجد عقد يحترم الممثل ولا نقابة تحميه. اشتغلت مسرحًا في كندا، ذات مرة وقّعت على عقد يحتوي على 12 صفحة عن التحرش، ليس التحرش الجنسي فقط، أي نوع من التحرش، إذا نظر إليك أحد بطريقة غير لائقة. هنا يوجد نقابة فاعلة وتفرض سعر الممثل. يوجد قانون ونقابة ودولة. وهذا ما ينقصنا بلبنان. على النقابة تنظيم قانون العمل، أن تكون فاعلة وتحمي الممثلين، وليس أن أهاتف مرارًا لأطالب بمستحقاتي. هذا معيب. بعض المنتجين لم يدفعوا للممثلين كامل حقوقهم. القصص أصبحت معيبة وطبعًا بعض الممثلين يرضون لأنهم يريدون أن يبقوا على الشاشة.   

 

(*) عملك لا يقتصر على التمثيل والإخراج بل يشمل الكتابة المسرحية؟ عندما تكتبين نصًا مسرحيًا، هل تميلين إلى أحد التيارات، الواقعية أو الرمزية أو السوريالية وغيرها؟ وماذا يحب الجمهور؟

اشتغلت على المسرح التجريبي. عملي المسرحي "الست نجاح بالمفتاح" كان واقعيًا وفيه شيء من السوريالية. كانت تجربة حلوة. كانت المسرحية عن برنامجي قبل سنوات "الست نجاح" وكل الأحداث التي مرّت بها. فيها شيء سوريالي مستوحى من الأحداث اليومية بلبنان، كنا نحوّلها لعمل ساخر ونضيء من خلالها على قضايا اجتماعية. الجمهور الآن يرغب بالضحك، تخيلوا عدد المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يمر بها اللبناني، بنهاية النهار يريد أن يسترخي لا أن يذهب ليشاهد مواضيع غير خفيفة. بالتأكيد أحب هذه الأعمال لكن من الردود التي أسمعها، الناس أصبحت تفضّل المسلي والمضحك، ولأن الإنتاج ليس قويًا لإطلاق مسرحيات تجريبية تبهر الناس.

 

(*) يقول الكاتب والمخرج المسرحي الإنكليزي هوارد باركر: "أعظم إنتاج للكاتب هو إنتاج شخصية تثير القلق"، هل حققنا هذه العبارة.. وبحكم تواجدك في كندا، ما ملامح الفروق مسرحيًا بين العالم العربي والغرب؟

في لبنان أنتجت مسرحيات عديدة مهمة ومواضيعها لا تزال حاضرة ومؤثرة فينا. كانت لدينا تجارب قوية شاركت في دول عالمية. المسرح الغربي يتميز عنا بالإنتاج والدعم. هنا بمونتريال يوجد الكثير من المؤسسات التي تهتم وتدعم الأعمال الفنية. وهذا هو ما ينقصنا ببلدنا. بوجود المال سيكون الإنتاج مميزًا. بالنسبة للمواضيع، كل مجتمع عنده أفكاره، وكل بيئة لديها حكاياتها. لا يمكن أن نقول من أفضل ومن أضعف. على صعيد لبنان، بالتأكيد لو كانت لدينا مؤسسات حكومية تقدّم منحًا مادية لإنتاج مسرح لكنا أصبحنا في مكان مهم جدًا.

 

(*) أي أعمال تعتبرين أنها شكلت تحولًا أو كانت الأقرب إليك؟

لا يمكنني أن أعمل مفاضلة، مسرحياتي مثل أولادي. أعرف كم تعبت على كل مسرحية وما هي الرسالة التي أريد أن أوصلها من كل عمل، وأعرف كم وضعت من جهد وخبرة بكل عمل. كل مسرحية لها أثر ما. لا يوجد تحديدًا ما يشكل تحولًا، كل عمل كان يعزّز خبرتي أكثر. 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.