}

وليام سبورتيس: أنا يهودي جزائري وأناضل مع الفلسطينيين

فائزة مصطفى 20 مارس 2022
حوارات وليام سبورتيس: أنا يهودي جزائري وأناضل مع الفلسطينيين
وليام سبورتيس في غرفته بدار المسنين

لا يمكن وصف المشاعر التي تنتابنا بعد لقاء شخصية ملهمة مثل مناضل كبير بحجم وليام سبورتيس (ولد في قسنطينة عام 1923)، وهو غير معروف لدى الجيل الجديد، ومُغيّب من الذاكرة الوطنية، لكنه أحد صانعي التاريخ الجزائري الحديث. قرأت سيرته في كتاب "جنان الزيتون"، التي دونها الباحث الفرنسي، بيار جون لوفول لوسياني، عام 2012، ساردًا مساره في الحزب الشيوعي والثورة والصحافة، ومعاناته بعد الاستقلال. عثرت على رسالته الشهيرة إلى الرئيس هواري بومدين خلال حرب عام 1967، يعلن فيها من زنزانته مناهضته للعدوان الإسرائيلي. وحينما التقيته مؤخرًا في دار المسنين في باريس بدا لي كما تخيلته صامدًا وبشوشًا رغم هشاشة جسده في سن يقارب المئة عام، وبجواره لوحة تجسد الأديب الملتزم كاتب ياسين، وفي الركن المقابل لسريره توجد صورة مدينة أجداده. فدار بيننا هذا الحوار بالدارجة الجزائرية:

وليام سبورتيس مع عائلته بعد الاستقلال في الجزائر العاصمة 

 



(*) لا أستطيع أن أعبر لك عن مدى سعادتي بلقائك. طالما حلمت برؤيتك، وبالجلوس إلى جانبك. ما أعرفه أن آخر زيارة لك للجزائر كانت في عام 2007، أي قبل مرضك، بعدما غادرتها لأول مرة في عام 1994 بسبب تهديدات الجماعة الإسلامية المسلحة في بداية العشرية السوداء. أولًا، ما الذي تشتاق إليه أكثر في وطنك الأصلي؟

أشتاق إلى الجزائر العاصمة، وقسنطينة، ووهران، وكل أنحاء الوطن، بعد مغادرتي لبلادي في عام 1994، حرصت على القيام بجولات كبيرة في جميع الولايات خلال عودتي في كل عام. تلك بلدي، وبلد أمي وأبي. لقد ولدوا هناك، فأمي أمازيغية من منطقة الأوراس، وأبي ينحدر من الأندلس (إسبانيا)، حيث هرب أجدادي من المجازر التي تعرضوا لها رفقة الأمازيغ (المورسكيين). فهاجروا جميعهم إلى الجزائر. لا يمكنني نسيان بلدي، رغم إقامتي في فرنسا منذ ثمانية وعشرين عامًا. هي دائمًا هنا داخل رأسي.

(*) كيف واجهت رسائل الموت التي تلقيتها من عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الحزب المحظور حاليًا؟
لقد تلقينا جميعًا، من دون استثناء، تلك التهديدات. كل الجزائريين دخلوا في صراع كبير مع الأصوليين والراديكاليين الذي كانوا طلقاء في تلك الفترة. كانوا يقتلون إخوانهم، وحتى أخواتهم، كان وقتًا صعبًا وعصيبًا. للأسف، هذا الوقت لم نخرج منه بعد، صحيح ليس كالسنوات الماضية، لكن الخطر ما زال كبيرًا، ويترصد ببلادنا.


(*) ألا تفكر في العودة إلى وطنك؟
لا أستطيع الآن، حاليًا أنا في التاسعة والتسعين من عمري، مريض ولا يسمح لي سني، ولا أعتقد أنني سأعيش لفترة أطول، ولو أن الأعمار في يد الله.


(*) التحقت بالحزب الشيوعي في أربعينيات القرن الماضي، واشتهرت بمحاربتك للنازية والاستعمار. كنت صوت الجزائر الثائرة في إذاعة بودابست السرية. عملت في صحيفة ألجيري ريبوبليكان بعد الاستقلال. طاردك الفرنسيون، ثم سُجنت وعذبت بعد الاستقلال بسبب معارضتك للانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، ثم وضعت قيد الإقامة الجبرية لسنوات. ما لفت انتباهي خلال حديثي معك هو إعجابك بشخصية الرئيس هواري بومدين، الذي تصفه بالزعيم والوطني، متجاوزا كل ما ألحقه بك من تضييق، ما سر ذلك؟
لقد كتبت عن ذلك في مذكراتي، وموقفي هذا هو نفس ما قاله رفيقي في النضال، الكاتب بشير حاج علي، الذي تعرض هو أيضًا للتعذيب على يد نظام بومدين. أنا أؤمن بأن المعارض السياسي لا ينتقم من خصمه، ولا يعاديه لأسباب شخصية، نحن ننظر إلى عمل الآخرين، وليس إلى ما نقله، أو كتبه، الآخرون عنهم. بعض الأعمال التي قام بها هواري بومدين أيدت مصلحة الجزائر، الخيرات التي ما زالت موجودة في البلاد هي نتيجة لما قام به، ولذلك نشكره، كما ننتقد أعماله الأخرى التي لم تكن في صالح الجزائريين.




(*) هنالك من يتساءل عن أسباب خلاف الرئيس الجزائري الأسبق مع الشيوعيين، رغم دورهم الكبير في استقلال البلد. قلت لي، في حديث جانبي، إن الأشخاص المحيطين به هم من منحوه صورة مغلوطة عنكم؟
أرى أن اختيار الرئيس بومدين الانتماء إلى المعسكر الشرقي على حساب الغربي شجاعة، ودليلًا على قوة الدولة في عهده. كذلك قرار تأميمه لكثير من القطاعات. فأن يحدد رئيس بلد ما المعسكر الذي يستورد منه سلاحه فهذا يثبت استقلالية قراراته. فالخيار لم يكن سهلًا في تلك المرحلة. ثم ما أثار إعجابي بشخصيته هو تخلصه من المحاباة، ورفضه لتولية أقاربه المناصب. أتذكر يوم وفاته. كنت حينها في مطار عنابة متجهًا إلى العاصمة للمشاركة في جنازة الراحل، فلاحظت أن أخاه يرفض استخدام اسم بومدين حتى لا يحظى بمعاملة مختلفة، أدركنا يومها أن بومدين من أمر عائلته ومحيطه بعدم استغلال سلطته، أو صلة القرابة معه.


(*) حتى يومنا الآن، ما زلت تناضل في سبيل القضية الفلسطينية. هي فرصة لكي تصحح تلك الصورة النمطية لدى الجيل الحالي الذي يخلط بين اليهودية والصهيونية، فكل شخص يهودي في اعتقادهم هو مساند لقيام دولة إسرائيل، فهل يمكن أن توضح لنا مساعيك في سبيل دعم الفلسطينيين؟
نعم، أنا يهودي، وأدافع عن القضية الفلسطينية لأنها قضية عادلة، وتلك أرض الفلسطينيين، وفلسطين للفلسطينيين. اليهود يعيشون هناك إلى جانب العرب مثلما كانوا يعيشون في الجزائر مثلًا، ونحن ضد السياسة الصهيونية، لأنها عنصرية. ونحن نقف مع هذا الشعب الذي يكافح من أجل تحرير وطنه، وفي سبيل أن يعيش اليهود والعرب في تلك الأرض في هناء وسلام، وأن تكون بينهما أخوة كبيرة.

مذكرات وليام سبورتيس "جنان الزيتون.. سيرة شيوعي جزائري" (2012) 






(*) لنتحدث عما يجري في الجزائر، خاصة بعد الحراك الشعبي الذي دفع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى التنحي عن السلطة. كيف تُقيّم تلك الهبة الشعبية والتحركات التي شهدها الشارع الجزائري؟
الوضع ليس جيدًا، وأنا غير راض على ما يحدث. لكن لا أستطيع إعطاء تفاصيل عن السياسة المنتهجة حاليًا من قبل النظام الحالي، لأنني لا أملك أخبارًا صحيحة تسمح لي بإعطاء كلمتي حول الراهن. أنا أفكر وأتابع لغاية اطلاعي على حقيقة ما يجري. لا أستطيع تكوين رأي وأنا بعيد.


(*) ما رأيك في ما قام به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بدءًا من قضية موريس أودان، واحياء ذكرى مجزرة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، التي وصفها بأنها جريمة غير مغتفرة، وخطوات أخرى في إطار تقرير بنجامين ستورا، ومصالحة الذاكرة، وتسوية قضايا متعلقة بماضي بلاده الاستعماري؟
يتبنى الرئيس ماكرون خطابًا متناقضًا حول هذا الملف. من الصعب أن أعطي رأيي حول ما يقوله، فأنا لا أثق في ما يقوم به، ولا أثق بالفكر الإمبريالي عمومًا. أنا لا أثق في ما يصدر عن هؤلاء، لأنهم يصدرون كلامًا اليوم، ثم يغيرونه في الغد.


(*) هنالك أفكار منتشرة وسط أبناء جيلي خاصة بأن يهود الجزائر اختاروا حمل الجنسية الفرنسية، ووقفوا إلى جانب المستعمر، على حساب دعم ثورة إخوانهم، رغم أن هنالك أسماء كثيرة لمناضلين من الديانة اليهودية. هل المناهج المدرسية وحدها المسؤولة عن هذه المغالطات؟
أرى أن هذا النمط من التفكير يشكل خطرًا على الجزائر في وقتنا الراهن. جيلي كان واعيًا بهذا الاختلاف، ويعرف الحقيقة التاريخية. على شباب اليوم أن يقرؤوا الكتب للاطلاع على الحقيقة الكاملة عن تلك المرحلة، وحدها القراءة، ودخول المكتبات، من تجعلهم يكتشفون ذلك.


(*) كثيرًا ما تستخدم الصحافة الجزائرية مصطلح "صديق الثورة"، في الحديث عن المناضلين من أصول أوروبية. وهنا أذكر رسالة نشرتها عائلة الشهيد هنري مايو في مختلف وسائل الإعلام، تندد فيها باستخدام هذا الوصف في حق هذه الشخصية التاريخية التي منحت حياتها في سبيل استقلال وطنها. لماذا يتكرر هذا الالتباس، أو التمييز، من وجهة نظرك؟
ماذا تريدين أن أقول لك؟ (يضحك)، أريد فقط أن أذكر سيرة هنري مايو، الذي كان رجلًا شريفًا، آخر مرة التقيته فيها كان قد طلب مني أن أساعده في تهريب الأسلحة من ثكنة جيش المستعمر الفرنسي. لقد نجح في تلك المهمة.. وأتوقف عند هذه الجملة، لأن هذا كاف للحديث عما قام به. إن الناس التي لا تعرف شخصية مايو، وموريس أودان، وزوجته جوزيت، مثلًا، ولا تعترف بهم فقط، لأنهم يحملون أسماء أوروبية، عليهم أن يدركوا أن هؤلاء جزائريين، فكل من يدافع عن وطنه ويضحي بنفسه من أجله هو جزائري، أما الباقي فهي خرافات أطلقها أناس وقفوا ضد الشيوعيين، وما يرددونه حول هؤلاء نابع من ألسنتهم المرُّة.


(*) ما هي الرسالة التي توجهها إلى الشباب الجزائري، بعد كل هذه التجربة الحياتية وأنت تقترب من بلوغ قرن من عمرك؟
على الجزائريين أن يقرؤوا، ويحاولوا فهم ما حدث، أن يبحثوا عن الحقيقة بأنفسهم في الكتب، كما أندد بالوضع المزري الذي يعيشه المواطنون، يجب مساعدتهم ومنحهم رواتب مالية كافية تمكنهم من العيش بكرامة، وحتى لا تبقى الطبقة البورجوازية وحدها من تسيطر على الجميع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.