}

علي المرعبي: في أهمية إيصال صوت الأسير الفلسطيني للعالم

فائزة مصطفى 4 أبريل 2024
حوارات علي المرعبي: في أهمية إيصال صوت الأسير الفلسطيني للعالم
علي المرعبي

 

كان مخطوط المؤلف الجماعي للأسرى الفلسطينيين مصفوفًا وجاهزًا للنشر قبل وقوع أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بثلاثة أيام فقط، ليصدر في فرنسا بعد صفقة تبادل الأسرى ضمن الهدنة المؤقتة للحرب في غزة، فبالنسبة للصحافي اللبناني ورئيس تحرير مجلة "كل العرب" الباريسية، علي المرعبي، لم يكن هناك بدٌ من التريث من أجل استكتاب الأسرى المحررين، بل من الضروري - بحسبه- الإفراج عن النصوص التي كتبت داخل السجون الإسرائيلية، ليتمكن العالم من قراءة ما يختلج في صدور ستة وثلاثين معتقلًا من ألم وأمل، وليعرف مدى مقدرة هؤلاء على اجتياز قضبان الزنازين الانفرادية بأجنحة الإبداع، وعلى مدار مائة وثمانين صفحة، يرافق القراء مثلًا أسامة أشقر في "الرحلة الى القبر"، ويشهدون "عام جديد في السجن" مع أماني حشيم، وينصتون الى "حب ووجع" حسام زهدي شاهين، ويتعلمون من عاهد أبو غلمى ما معنى: "لن تخسر معركة لم تخضها". سنتابع في هذا الحوار مع المرعبي تفاصيل مغامرة أو مجازفة تأليف: "حروف على جدران الأمل- كتابات خلف القضبان".

(*) لماذا استعجلت إصدار هذا الكتاب بدلًا من انتظار نشر ما قد تحصل عليه من رسائل الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في إطار اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أو الذين قد يُفرج عنهم ضمن صفقات تبادل المحتجزين والرهائن مستقبلا؟

لقد اكتفينا بالدفعة الأولى للرسائل والنصوص والمقالات والقصائد التي وصلتنا من الأسرى لأسباب فنية مرتبطة بعدد الصفحات ومتطلبات الإخراج، في انتظار أجزاء أخرى سننشرها لاحقًا. اخترنا نخبة من المعتقلين الفلسطينيين الذين ينتمون إلى مختلف التنظيمات والفصائل والتوجهات السياسية، والصادرة في حقهم أحكام قضائية قاسية. الآن، وجدنا أنه من الضروري إصدار مؤلف جماعي ساهم فيه نحو أربعين أسيرًا وأسيرة، استلمنا نصوصهم ثم جهزناه للنشر في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكن أحداث السابع من الشهر نفسه دفعتنا نحو تأجيل احتفالية لتقديم الكتاب في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، وفي تونس العاصمة، وعمان، والقاهرة، وباريس. فقررنا الإعلان عن إصداره تزامنا مع ندوة أقمناها بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية تحت شعار" فلسطين في القلب". في حين تم تقديم الكتاب خلال ندوة تضامنية مع غزة أقامتها رابطة الكتاب الأردنيين في إربد الأردنية. ثم في ندوة مماثلة نظمها المركز الثقافي التونسي في مارس/ آذار.

(*) هناك تجارب مماثلة مع أسرى ومعتقلين سوريين وعراقيين ومغاربة وغيرهم، ضمن ما يسمى بـ أدب السجون، لكن ما المنفرد في هذه النصوص الفلسطينية؟

الأهم في أي نص هو إيصال صوت الأسير، أيًّا كان اسمه أو انتماؤه، إلى خارج زنزانته، ومساندته نفسيًا على تحمّل معاناته، لا نستطيع تصور حجم سعادة هؤلاء برؤية نصوصهم في متناول القراء، أن يسمع من هم في الخارج ما يشعرون ويحلمون به، وما يؤلمهم ويؤجج أوجاعهم، لذلك نجد في الكتاب قصائد وخواطر وقصصًا قصيرة. وصلتني منهم رسائل شكر وأبدوا استعجالهم برؤية الكتاب مطبوعًا وبالحصول على نسختهم، مثل إسراء جعابيص التي أفرج عنها مؤخرًا في صفقة التبادل، وسنحتفل معها بصدور الكتاب في رام الله بعد نهاية الحرب في غزة.


(*) كيف تمكنتم من استكتاب هؤلاء الأسرى والتواصل معهم داخل السجون الإسرائيلية شديدة الحراسة، على غرار سجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة وسجن نفحة في صحراء النقب؟

لدينا زميل صحافي أسير اسمه أسامة محمد علي أشقر، محكوم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات، تواصلنا معه عبر زوجته للتنسيق مع باقي زملائه من أجل المشاركة في الكتابة، كما تربطنا علاقة مع السياسي والقيادي البارز في حركة فتح مروان البرغوثي، وصلتنا مساهمته بمساعدة زوجته، شرفنا الى جانب المحامية أنيسة بومدين، أرملة الرئيس الجزائري الراحل هوري بومدين بالتقديم للكتاب، كما ساعدنا المحامي حسن العبادي من خلال إبلاغ موكليه بمشروعنا. خرجت النصوص من تلك السجون عن طريق الزيارات العائلية لأهالي المعتقلين، وأيضًا من طرف المحامي بعد لقاء موكليه، أشرف زميلنا نسيم عزيز قبها على جمع المقالات والنصوص وتصنيفها، بمساعدة منار الخلاوي وغصون الغانم، فيما أهدى الفنان التشكيلي العراقي عادل ناجي لوحته لوضعها على الغلاف. إذًا، بهذه الطريقة تسللت كتابات الفلسطينيين من السجون. لم نعدل في العمل حرفا واحدا ما عدا تصويب بعض الأخطاء اللغوية.

لكن بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ألغيت كل الزيارات، بل الكثير من الأسرى المساهمين معنا في الكتاب تم نقلهم إلى سجن عوفر وسجون أخرى، وهنا نستحضر ما كتبه هؤلاء عن ظروف نقلهم واحتجازهم، وما يتعرضون إليه خلال ترحيلهم من إهانة وقمع.

(*) ما أفهمه من حديثك أن تلك المقالات السياسية والمشاركات الأدبية لم تخضع لمراقبة رجال الأمن الإسرائيليين، فهل هذا يعني أن هؤلاء لا يمارسون الرقابة خلال الزيارات العائلية أم هو عدم اكتراث بما يكتبه معتقلون فلسطينيون؟

حسب وجهة نظري، لا يهتم حراس السجون الإسرائيلية والإسرائيليون عمومًا بما يُكتب، وللأمانة أقولها للمرة الأولى، تلقيت اتصالين من أسيرين عبر خط هاتفي أوروبي، تفاجأت حينها من قدرتهما على المجازفة والمقاومة لكسر قيودهما، وإصرارهما على إيجاد كل السبل للتواصل مع الخارج واستنشاق الحرية والتمسك بالحياة، لكن بلغني أنه تم حجز كل تلك الأجهزة، وتشديد الرقابة عليهم منذ بداية الحرب في غزة، بل تمت مصادرة حتى مسخن المياه الخاص بتحضير القهوة والشاي على سبيل المثال، دون الحديث عن تشديد أساليب القمع في حق هؤلاء.

(*) هذا المؤلف الجماعي يذكرنا مثلًا برواية "قناع بلون السماء" للأسير باسم خندقجي التي وصلت إلى القائمة القصيرة من جائزة "البوكر" للرواية العربية، ومثيلاتها من تجارب أظهرت كيف تتحول الزنزانة إلى فضاء للإلهام، ويصبح الأدب ساحات مقاومة جديدة في نظر الأسرى، لكن طريقة خروج النصوص يعطي انطباعًا عن عدم خشية إسرائيل ونخبها من سلاح القلم؟

إلى حد ما هذا صحيح، ولو بلغني أن السجّانين صادروا الأقلام والأوراق من المعتقلين مؤخرًا في غضون هذه الحرب. وفي نفس الوقت وبحكم المعاناة الطويلة للفلسطينيين داخل المعتقلات، صار عندهم أساليب مرنة لتمرير رسائلهم السياسية وتوثيق حياتهم القاسية وراء القضبان، كما ناضلوا من أجل انتزاع حقوقهم مثل السماح لهم بالانتساب إلى الجامعة المفتوحة، وهناك من أنجز أطروحات في الماجستير والدكتوراه وأبحاث علمية، وهذا دليل على وجود متعلمين ومثقفين ومبدعين بين هؤلاء الأسرى، رغم أنهم متهمون بارتكاب عمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي، بينما هم في نظرهم قاموا بعمل مشروع وفق نظر القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعطي لكل مواطن، في أي بلد، الحق في الدفاع عن وطنه وأرضه.

(*) هل هناك مشاريع في هذا الصدد كإصدار أجزاء أخرى، أو ترجمة النسخة الأولى من المؤلف إلى اللغة الفرنسية؟

نحن في صدد الإعداد لكتاب يخص الصحافيين الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة، نجمع فيه سيرهم ذاتية كتوثيق لمسيرتهم الإعلامية، فكما تعلمين هناك أكثر من 120 صحافيا قتيلًا في عام 2023، أغلبهم قضوا في غضون الثلاثة أشهر الأولى لهذه الحرب برصاص الجيش الإسرائيلي أو خلال غاراته وقصفه، الى جانب استهداف عائلاتهم، وهذه جريمة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام، بحسب علمي.   

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.