}

لزهاري لبتر: سنستعيد مفتاح "المدينة المغتالة" من فرنسا

فائزة مصطفى 26 أغسطس 2022
حوارات لزهاري لبتر: سنستعيد مفتاح "المدينة المغتالة" من فرنسا
لزهاري لبتر (Getty)

 

 

يقود الكاتب والناشر الجزائري لزهاري لبتر معركة استعادة تراث مدينته الذي نهبته قوات الاستعمار الفرنسي قبل 170 عامًا، إذ راسل مجددًا الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، للمطالبة بإعادة مفتاح إحدى بوابات مدينة الأغواط (400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة)، إضافة إلى خمس رايات مقاومة الزعيم ناصر بن شهرة (1804-1884) ضد المحتل. ويعتبر صاحب رواية "حيزية" تلك المقتنيات الموجودة في متاحف مستعمر الأمس جزءًا من الذاكرة الشعبية المثخنة بجراح الماضي، ومكتنزة أيضا بإرثها الحضاري، كما يتحسر على بقاء تلك المرحلة التاريخية الحافلة بالبطولات طي النسيان والإهمال.

 هنا حوار معه:

(*) مع اقتراب ذكرى سقوط مدينة الأغواط في يد المحتل الفرنسي في 1852، وتزامنًا مع ستينية استقلال الجزائر، أطلقت حملتك لاستعادة التراث المسلوب من مدينتك الواقعة في مدخل الصحراء، هل يمكن أن تحدد كيف قادتك الصدفة الى اكتشاف وجود هذه الآثار داخل المتاحف الفرنسية، وخاصة مفتاح المدينة المفقود؟

في الحقيقة، بعثت صديقة لي صور هذه المقتنيات خلال زيارتها لمتحف في جنوب فرنسا، نظرًا لاهتمامي بتاريخ بلدي بشكل عام وتاريخ مسقط رأسي الأغواط على وجه الخصوص، وقد كرست لهذه المدينة العتيقة المقاومة خمسة كتب، لتقودني رحلة البحث إلى اكتشاف هذه المقتنيات التي أخذها المستعمر الفرنسي أثناء احتلاله المدينة قبل قرن وسبعين سنة، بعد تدميرها وابادة ثلثي سكانها وتهجير ما تبقى منهم من أطفال وعجزة نساء ورجال. لقد خلصت إلى أن حاكم الخدمات المدنية لبلدية الأغواط المختلطة (1955-1946)، جورج هيرتس (1911-2014)، وهو ينحدر من منطقة "آكس أون بروفانس" أين يوجد متحف "أونبيري"، وهذا ما يفسر وجود المفتاح بالصورة والتعليق في كتابه: "الجزائر البدوية والحضرية 1830-1954"، والصادر عن منشورات "تاكوسال"، بمرسيليا في عام 1989. وكما ذكرت في رسالتي الى الرئيس الفرنسي، فإن هذا المفتاح أخذ من طرف عسكري صبايحي (مجند جزائري في صفوف المحتل الفرنسي) والذي سلمه بدوره إلى الجنرال جان جاك بيليسي (1794-1864)، بعدما أدرك أنه ليس مصنوعًا من ذهب كما اعتقد في بادئ الأمر.

 

(*) وماذا بشأن الرايات التي رفعها سكان الأغواط أثناء مقاومتهم الشهيرة؟

توجد خمس رايات في متحف "ليزانفاليد" بالعاصمة الفرنسية باريس، وهي الأعلام التي أرسلها وزير الحرب الفرنسي آنذاك الى الأمير "جيروم" في 30 ديسمبر/ كانون الأول عام 1852، وعلقت في أقبية بعد أن باركها كاهن في تلك الفترة. وقد أحصيت من بينها: علم من الحرير يتجاوز طوله المترين وستين سنتمترًا مع كرة مذهبة، والثاني هو مرفوع بعمود طوله متر ونصف المتر، برأس حربة، وراية من الحرير أيضا مثبتة على عمود بطول يقارب ثلاثة أمتار، وفي منتصفها يد وهلال. كما يدور الحديث كذلك حول مدفع مقاومة الأغواط بدون تحديد مكان وجوده. وفق ما جاء في كتاب بعنوان: "معركة الأغواط الابادة أو عام الخلية" للكاتب محمد شتيح، الصادر في عام 2010.

 

مفتاح  إحدى بوابات الأغواط الموجود في متحف أمبيري في سالون دو بروفانس بجنوب فرنسا



(*) اخترت أن تقود هذه المبادرة من خلال مخاطبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باسم المجتمع المدني الجزائري وسكان الاغواط والمثقفين، فما هي أصداء هذه الحملة التي بدأت برسالة مفتوحة منشورة على شبكة الإنترنت، وهل كان التجاوب كافيًا مع ندائك في البلدين؟

في الواقع، لقد أطلقت هذه العملية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، على الموقع الإلكتروني "شانج. أورق"، الخاص بجمع التوقيعات، من خلال نشر رسالة موجهة إلى السيد عبد المجيد شيخي، مستشار رئيس الجمهورية الجزائرية المسؤول عن الأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية، وتمكنت العريضة من جمع مئات التوقيعات من المواطنين من كافة أنحاء البلاد في ظروف بضعة أيام، لكن ظل ندائي بدون إجابة. أعدت نشر نفس الرسالة في فبراير/ شباط عام 2022، وظل الأمر على حاله. لا نتيجة تذكر. فأعدت الكرة في 13 يوليو/ تموز من العام نفسه، لكن هذه المرة بعثت برسالة مفتوحة للسيد إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، عبر صفحتي على موقع فيسبوك. وقد ذكرت في الرسالة أن ندائي هو باسم سكان الأغواط وكل الجزائريين، وأننا نطلب منه استخدام سلطته أمام المؤسسات والسلطات المعنية، وفي إطار الاتفاقيات والقوانين والمواثيق الدولية، بإعادة تلك الغنائم إلى مكانها الطبيعي، وهو متحف مدينة الأغواط.

 

(*) انضمت الجمعية الفرنسية جوزيت وموريس أودان إلى مبادرتكم، وقد خاطبت الرئيس ماكرون ووزارتي الثقافة والدفاع الفرنسيتين، وأيضا السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غاييه، فإلى أي مدى تعولون على النخب في البلدين من أجل حسم موضوع إعادة الإرث الثقافي المنهوب من فرنسا إلى الجزائر؟

هذه المبادرة الجميلة هي من طرف السيد بيار مونسا، رئيس هذه الجمعية التي تحمل اسم الشهيد الجزائري وأرملته جوزيت، لقد أراد مساندة ما نقوم به بطريقته الخاصة، وأنا أثمن تضامنه معنا في هذه القضية التي أعتبرها قضية كل جزائري غيور على وطنه وكل محبي وأصدقاء الجزائر. أما أنا فقد بادرت إلى نشر رسالتي المفتوحة الثالثة بالتشاور والاتفاق مع شخصيات وجمعيات من المجتمع المدني بالأغواط، ومن الموقعين على العريضة أذكر: الأستاذ الجامعي والكاتب محمد شتيح، الباحث في التاريخ بشير بن شهرة، الفنان المسرحي هارون الكيلاني، الفنان التشكيلي الطيب العيدي، المختصة في القانون سهام عماري، وحبيب محصر وهو فنان ومحافظ المهرجان الدولي للسماع الصوفي، ونورالدين خميلي، رئيس جمعية 4 ديسمبر 1852. وغيرهم. وكما ورد في الرسالة، شددت على أن هؤلاء سيقدرون الجهد الذي سيبذله الرئيس الفرنسي، استمرارًا لما قام به من حيث الاعتراف بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في بلادنا.
 

من مؤلفات لزهاري لبتر  



(*) ألا ترى أن السلطات الجزائرية هي المسؤولة عن استعادة التراث المادي واللامادي من فرنسا كما حدث مؤخرًا مع المستعمرات الفرنسية القديمة في أفريقيا؟

من البديهي أن مثل هذه المبادرات ترجع أولًا وأخيرًا الى الدول ومؤسساتها التي لها الصلاحيات الكاملة للقيام بها، والجزائر ماضية قدمًا في استرجاع تراثها المادي واللامادي مثل الكثير من البلدان، وفي اعتقادي بالتوازي مع سياسة الدولة في هذا المجال يمكن للمثقفين والنخب أن يؤدوا دورًا معتبرًا وهذا من واجبهم الوطني.

 

(*) هل تتذكر إن قامت مؤسسات أو عائلات بمثل هذا النوع من المبادرات في الماضي، أو اتفاقيات بين البلدين في هذا المنحى؟

أشهر مبادرة في الجزائر حسب معرفتي هي مبادرة "اللجنة الوطنية لاسترجاع بابا مرزوق"، المدفع الحربي المشهور، الموجود في مدينة "براست" في فرنسا منذ عام 1830، وتترأس المحامية فاطمة الزهرة بن براهم اللجنة.

 

(*) تعليقًا على مبادرتك، أبدى البعض من خلال تعليقاتهم وتحفظهم بشأن عودة هذه المقتنيات الأثرية الى بلادنا، قلقهم بشأن ظروف صيانتها ورقمنتها.. إلخ.. ما رأيك؟

لا أعتقد ذلك، حتى ولو أني أتفهم هذا التخوف والأمثلة كثيرة بالنسبة للإتلاف واللامبالاة ونهب الآثار والاتجار بالقطع الفنية والأثرية. إن مسؤولية الحفاظ على هذا التراث وصيانته ترجع بالدرجة الأولى إلى الدولة وللمتاحف، ثم تحسيس المواطنين بأهميته لأنه ملك لهم وللأجيال القادمة. 

 


(*) نعود للحديث عن الأغواط، أنت واحد من أكثر الكتاب تعلقًا وتوثيقًا وكتابة عن هذه المدينة، في محاولة لانتشال ذاكرتها الشعبية الثرية من النسيان، كيف خضت رحلة البحث في الأرشيف وفي يوميات هذه المدينة أو ملهمة الرسام الفرنسي أوجين فرومونتين؟

ألفت كتابًا بعنوان "الأغواط في عيون الصحافيين والكتاب والرسامين والرحالين والمستكشفين والمحتلين"، وكتاب "الأغواط المدينة المغتالة أو وجهة نظر فرومونتين"، وكتب المؤرخ دحو جربال مقدمته، ووثقت جانبًا من سيرتي ذاتية في كتاب "الملعقة وأشياء أخرى بسيطة"، وترجمه إلى اللغة العربية بوداوود عمير وقدم له الكاتب ياسمينة خضرا... إلخ. أنا أعتقد أن كتابة تاريخ المدن ولو عن طريق الرواية والقصة والشعر وجمع وتوثيق ونشر تراثها تساهم بقدر كبير في كتابة التاريخ من طرف المؤرخين. إن اطلاعي على تاريخ مدينتي والاهتمام بثقافتها المتنوعة وتراثها المادي واللامادي هو الذي جعلني أبحث في الأرشيف وأكتب عنها، وأكرمها وأعرّف بها الآخرين، وهذا ما يجب القيام به في كل مدينة من طرف المثقفين والنخب.

 

(*) ماذا عن مشاريعك الثقافية القادمة في الكتابة والنشر، خاصة دار "لزهاري لبتر" التي أصدرت عددا مهما من الكتب في السنوات الماضية؟

أنهيت تجربتي، أو بالأحرى مغامرتي، في النشر في عام 2015 بعد عشر سنوات من النشاطات المكثفة في هذا المجال، ونشرت خلالها حوالي ستين كتابًا باللغتين العربية والفرنسية. أنا مهتم اليوم بالكتابة فقط، وأقضي معظم وقتي منذ سنة في تأليف كتابين: "القاموس الجزائري للشريط المرسوم والرسم الصحافي"، كما أكتب رواية حول المناضلة والشاعرة الجزائرية من أصل فرنسي "آنا غريكي".

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.