}

نسرين كريدية: جائحة كورونا أثرت كثيرًا على قطاع النشر

إدريس سالم إدريس سالم 14 سبتمبر 2022



النشر وصناعته قضية إنسانيّة وأخلاقيّة، ولا بدّ من الوقوف على التحدّيات والعقبات الخطرة التي تواجهه، في ظلّ دخول ناشرين تجّار، واستغلال الناشر والمؤلّف على حدّ سواء من قبل قراصنة هواة، يسرقون/ يتصيّدون ملفّات الكتب وبصيغها المتعدّدة. والنشر إلى جانب التعليم يبني ذات الإنسان، ويغذّيه بالمعرفة والثقافة، إذ إن جميع الأديان السماويّة والحضارات القديمة شجّعت على التعلّم، إضافة إلى أنه ركن آخر في بناء روح الإنسان، المعطوبة من حروب وصدامات وأوبئة لا تنتهي.

للحديث عن عالم النشر والكتاب، حاورنا الناشرة اللبنانيّة نسرين كريدية، التي ولدت في أواخر السبعينيات، في بيروت العاصمة، وهي خريجة الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، تخصّصت بأوّل شهادة في الإعلان، وثانيها في التجارة والتسويق عام 1998م. وهي لم تختر مهنة النشر إذ نشأت وهي ترافق والدها الناشر ومؤسّس "دار النهضة العربيّة" إلى مكاتبها، حيث ونتيجة شغفها بالقراءة وجدت نفسها مع مرور الوقت عاشقة ومهتمّة بهذه المهنة.

(*) ما هي أهداف "دار النهضة العربيّة" ومشاريعها التي حرصت عليها في مجال النشر وماذا حقّقت منها؟

حرصت "دار النهضة العربيّة" على المحافظة على نهجها الأساسيّ في نشر الكتب الأكاديميّة المتخصّصة في العلوم الإنسانيّة. ولا زلنا لليوم، لدينا أكثر من عشرين عنوانًا سنويًّا مقرّرًا في جامعات العالم العربيّ.

أسّست الدار مشروعًا شعريًّا منذ حوالي عشرين عامًا، ولا يزال قائمًا. وحازتِ الدار على عدّة جوائز في هذا المجال. بالإضافة إلى العناوين الفكريّة والفلسفيّة والرواية.

(*) من خلال تجربتك في النشر، ما المعايير التي تطرحونها والتي لا بدّ أن تكون متوفّرة في المخطوطة المقدّمة/ المرسلة إليكم؟

لدى الدار لجنة مقرّرين، تختار العناوين، وفق مستوى لغويّ عالٍ ومضمون جيّد.

(*) أيّ خصوصيّة ترين أنها تميّزكم ضمن المشهد الثقافيّ، طباعة وتوزيعًا ونشرًا؟

حرص الدار على متابعة التقنيّات الحديثة، من نشر إلكترونيّ إلى التواجد على العديد من المنصّات العالميّة، والتجديد الدائم في الخطط التسويقيّة. لا نخفي أيضًا رغبتنا وحرصنا الدائم على الخوض في غمار المشهد الثقافيّ رغم منشوراتنا الأكاديميّة المميّزة، إذ أننا نولي اهتمامًا كبيرًا بالشعر والرواية.

(*) كيف تنظرون إلى علاقة الناشر والموزّع والمكتبي؟ هل مشكلة نشر وازدهار الكتاب تكمن في القارئ، أم في تسويق الناشر له؟

يحتاج تسويق الكتاب الجيّد إلى مجهود جماعيّ؛ الناشر يحتاج كتابًا جيّدًا، والموزّع يحتاج قارئًا، والقارئ ضالّتنا التي نبحث عنها. هناك ارتباط وثيق بين الثلاثة.

(*) بماذا يفكّر الناشر العربيّ في ظلّ الأزمات والتحدّيات الراهنة عربيًّا وأوروبيًّا؟

يبذل الناشر مجهودًا يوميًّا ومتواصلًا للاستمرار، واللبنانيّ تحديدًا، في ظلّ الصعوبات وارتفاع الأسعار. يفكّر في الاستمرار وفي البقاء على قيد الحياة العمليّة. لا يمكن تخيّل هذا السوق بطريقة أخرى؛ تستطيع أن تقول إننا نكمل بصعوبة.

(*) تنشرون في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع والتربية والفلسفة واللغة والأدب وغيره من المعارف. أين تتّجه بوصلة القارئ العربيّ؟ هل تتتّبعون بوصلة القارئ، أم توجّهون اهتماماته؟

برأيي لا توجد بوصلة للقارئ العربيّ؛ لأنه مشتّت، شريحة منه تضع نصب عينها الشعر، وأخرى الرواية، وفي الوقت ذاته نرى توجّهًا واسعًا للاطلاع على تاريخ هذه المنطقة. القرّاء لدينا هم شرائح، كلّ شريحة تريد شيئًا.

(*) من أهم عنصر في صناعة النشر: الناشر، أم المؤلّف، أم القارئ؟

نحن أمام ثلاثي مهم. هذا الثلاثي يسير كلّ واحد منهم إلى جانب الآخر. لا يمكن النظر إلى أحدهم بمعزل عن الآخر. الكاتب لمَن يكتب؟ والناشر بدون الكاتب كيف يسوّق كتابه؟ والقارئ هو سبب هذه القصّة كلّها، فهو "الدينامو".

(*) ما أصل أسباب مشكلة قراءة ونشر الشعر، إذ المشكلة لم تعد موجودة على الصعيد العربيّ فحسب، بل شملت دُور النشر العالميّة أيضًا؟

هناك مشكلة في النشر أساسًا. بعد أزمة كورونا ابتدأنا مشوارًا جديدًا، هو مشوار الأزمة. وهذه الأزمة شملت كلّ قطاع النشر، ولم يقتصر الأمر على الشعر.

بالعودة إلى الشعر لنتكلّم بصراحة؛ صحيح أن مبيعات الشعر لا تقاس بمبيعات الرواية والكتب الأكاديميّة والسيرة؛ إلا أنه نوعًا ما تحقّق أتعابها وكلفة طباعتها. الناشر يجب أن يشتغل على التسويق لكتابه الشعريّ؛ ليضمن له مبيعه وتكلفته، وهذا ما نفعله نحن بالتحديد.

(*) صناعة النشر تُخضع لمتطلّبات السوق، من عرض وطلب وآليّات تسويقيّة وحاجات متبادلة بين الناشر والسوق. صناعة النشر تجارة أم قضيّة؟

قضية طبعًا. ننطلق من أساسها كقضية لتتفرّع وتكون محورًا للحياة، ولهذا العالم الهشّ، المليء بالكتاب والخيال والموسيقى!

(*) كثير من الناشرين ينجرّون وراء شهرة المؤلّف؛ لضمان مبيعات أكثر، والحصول على الاستفادة المادّيّة والحاجة المعنويّة، جراء شهرته وقرّاءه ومتابعيه. أتغريك شهرة المؤلّف، أم أن الأمر ليس إلا وهمًا على أرض الواقع؟

لنتكلّم بصراحة، لا أحد لا يحبّ الشهرة، سواء المؤلّف أو الناشر. لا أحد يرفض شهرته. ولكن الأهم والمحوريّ في مجالنا هو ألا تكون الشهرة على حساب النصّ والمضمون، أن لا نلغي أولويات قبول النصّ المطروح أمامنا بغية الارتهان للشهرة وعواملها.

(*) كيف تنظرون إلى الدور الذي يؤدّيه الاتّحاد الدوليّ للناشرين في عالم النشر؟

دور مهمّ ومفصليّ في تعزيز عالم النشر، ونقله إلى مصاف أعلى، وتطوير رؤيته وأهدافه.

(*) رؤيتكم لتأثيرات جائحة كورونا على قطّاع النشر ودور الرقمنة من بودكاست – إي بوب – المجال السمعيّ، التي من الواضح أنها باتت عنوانًا للمستقبل، وهل من آفاق لتطوير صناعة الكتاب وأخذ طريقه إلى الانتشار العالميّ؟

أثّرت الجائحة كثيرًا على عالمنا، ولكن استمرّينا رغم المصاعب. بالنسبة للعالم الرقميّ نحن دخلنا فيه منذ سنوات. ونحضر حاليًا لتحويل كتبنا إلى كتب مسموعة. هذه تجربة فريدة، وينبغي علينا متابعتها، لتسير جنبًا إلى جنب مع الكتاب الملموس الورقيّ.

(*) ماذا عن الكاتب، الذي لا يملك نفقات الطباعة، ويُرفض مخطوطه بناء على ذلك؟

نحن لا نغلق أبوابنا في وجه أحد. خصوصًا إذا كان انطباع لجنة القراءة لدينا جيّدًا حول المخطوط، فإننا نسعى جاهدين لإصداره؛ لأن كلّ مؤلَّف ناجح هو إضافة لنا.

انطلاقًا من ذلك، وفي مثل هذه الحالات نقترح على الكاتب عملية النشر الإلكترونيّ. ننشر له كتابه إلكترونيًّا ونهتمّ به أشدّ اهتمام. وأيضًا نعوّل على الجهات المانحة. فحصول الكاتب على منحة كتابة لتمويل طباعة ومصاريف كتابه أمر مريح له وللدار. لا أخفيك مؤخّرًا حصلنا على منحة كتابة إبداعيّة من الصندوق العربيّ للثقافة والفنون- آفاق، هذه المنحة ستساهم بنشر عشرين عنوانًا لعشرين شاعرة وشاعرًا من الوطن العربيّ.

آفاق قدّمت ما لديها من مساهمة في المشروع، ونحن أيضًا نبذل جهدنا ووقتنا وكلّ ما نملك في سبيل الحؤول دون رفض كتاب لأسباب مادّيّة.

(*) كيف تقرؤون المشهد الثقافيّ الكرديّ؟ وهل من تواصل/ احتكاك مع المثقّف والناشر الكرديّ؟

نتواصل مع كافة الشرائح الاجتماعيّة؛ لدينا إصدارات عديدة مترجمة عن الكرديّة، ومشاركتنا دائمة في معرض أربيل الدولي للكتاب.

(*) أختم الحوار بكلمة مفتوحة لك كناشرة ومثقّفة عن المأزق الثقافيّ الذي تتعرّض له بيروت، خاصّة وأن هناك مكتبات كبيرة تغلق أبوابها، ودور نشر تتراجع شعبيّتها، ومعرض أثبت انعقاده الأخير أنه يُدار وفق أجندات وجهات سياسيّة؟

سأكتفي بالقول: أتمنّى أن يستعيد حقلنا بعض نشاطه وعافيته، بعد زوال الأزمة. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.