}

أمير تاج السر: تراودني فكرة الكتابة عن البيئة الخليجية

حوارات أمير تاج السر: تراودني فكرة الكتابة عن البيئة الخليجية
أمير تاج السر

يُعدّ الشاعر والروائي السوداني أمير تاج السر (1960) أحد الروائيين العرب الذي يمتلك من الأدوات الإبداعية ما تؤهله للسير قدمًا في تاريخه الإبداعي، حيث إنه جعل من المكان خريطة وجدانية مفعمة بالانتماء والهوية رغم غربته الطويلة، واستطاع وضع اسمه في الصدارة بين كتاب الرواية في العالم العربي. تمتاز نصوصه بلغة شعرية فريدة ومكثفة. بدأ ممارسة الكتابة في مرحلة مبكرة من حياته، ففي المرحلة الابتدائية كان يكتب القصص القصيرة، وفي المرحلة الثانوية بدأ يكتب الشعر بالعامية، وفي ما بعد غنى مطربون أشعاره، ومضى في كتابة الشعر خلال دراسته للطب؛ فنشر دواوين شعر بالعامية السودانية، ثم انتقل إلى كتابة الشعر الفصيح عام 1985، ونشره في صحف عدة. وفي عام 1988، كتب روايته الأولى "كرمكول" أثناء دراسته الطب في القاهرة بين عامي 1980 ـ 1987 لتكون بدايته الفعلية كروائي سوداني. وفي عام 1993، انتقل إلى مدينة الدوحة في قطر ليعمل فيها طبيبًا للأمراض الباطنة. صدر له 24 كتابًا في الرواية والسيرة والشعر، وحظيت أعماله باهتمامٍ ملحوظ في الأوساط الأدبية والنقدية، وترجمت بعض رواياته إلى الإنكليزية والفرنسية، وحصل على جوائز عديدة. ومن بين رواياته: "كرمكول" (1988)؛ "سماء بلون الياقوت" (1996)؛ "نار الزغاريد" (1998)؛ "مهر الصياح؛ (2009)؛ "صائد اليرقات" (2010)؛ "قلم زينب" (2010)؛ "ذاكرة الحكائين" (2015)؛ "سيرة الوجع" (2019)، "تاكيكارديا" (2019)؛ "شمشون وتفاحة" (2020)؛ "غضب وكنداكات" (2020)؛ "حارس السور" (2020)، و"حراس الحزن" (2021)، وغيرها.
كما صدر له عن دار تشكيل للنشر والتوزيع، أخيرًا، كتاب "فوتوغرافي: غليان الصور"، والذي دفعنا لإجراء هذا الحوار معه:




(*) ما هي أبرز القضايا والمحطات التي يمكن الوقوف عندها في "فوتوغرافي: غليان الصور"؟

هذه الرواية عبارة عن صور متداعية يتجول بها عبد الكريم المصور في بيئته وبيته والشوارع والمدينة كلها. هو لا يبحث عن شيء معين، لكن قد يحب، وقد تحبه امرأة، وقد يتشابك مع الموت. ويحتك بشخصيات غرائبية تمنح التداعيات طعمها الأسطوري، لكن دائمًا يوجد واقع مرير وسطوة باطشة للحياة الخشنة على الجميع.

(*) هل ثمّة ما تقوله الرّواية ولا يقدر الشّعر على قوله؟ ولماذا؟
طبعًا السرد أقدر من الشعر في الإمساك بنبض المجتمعات بجميع خصائصها، ويمكن كتابة الشعر داخل الرواية، والرسم التشكيلي داخل الرواية، وحتى الغناء وتوظيف المسرح، فالرواية عمل شامل لفنون كثيرة تتداخل مع بعضها لتنتج النص، أما الشعر فهو يناسب الإمساك بلحظة سريعة، أو ومضة، وهو خير ما يوثقها. ولأن القصيدة غالبًا ما تُكتب في جلسة واحدة، لذلك نستثيرها في الأحداث التي لا بد من توثيقها بسرعة، على أن هذا الزمن تغيرت فيه أشياء كثيرة، والآن توجد القصة الومضة، أو القصيرة جدًا، وهي حكي في شكل قصيدة صغيرة.

(*) ما مدى تأثرك بالصراع القائم في وطنك السودان؟
طبعًا، كأي مواطن سوداني تأثرت بالحرب، وكنت من الرافضين لها من البداية، وكتبت في ذلك، كما دونت مأساة الحروب في نصوص لي مثل "توترات القبطي"، و"زهور تأكلها النار". الحرب تقضي على العامر، على الأخضر واليابس، وتقترح ضحايا لا ناقة لهم ولا جمل، نعم هناك ميليشيا انتهكت البلاد واستباحت الأعراض، واستولت على ممتلكات المواطنين وقتلت واغتصبت.




وفي المقابل، كانت الدولة مسؤولة عن تكوين تلك الميليشيا وتسليحها. وفي وقت ما كانوا يعدونها رمزًا للتفاني، وأن أفرادها يحمون الوطن، ويدافعون عن المواطن. نحن كمواطنين لا علاقة لنا بكل تلك الأطروحات، وهناك من نوه إلى خطورة وجود جيشين داخل البلاد، لكن لا أحد سمع، والآن تبدو الأمور صعبة للغاية، وتبدو الحرب بلا نهاية، والعودة إلى الأمن والسلام من ضروب المحال، عمومًا نحن نبدي آراءنا، وليس لدينا ما نفعله.


(*) وعلى هذا الجانب، فإن للغربة الطويلة والحنين موقعًا لا يمكن إغفاله في كتاباتك... فهل تتفق معي؟
بالتأكيد تؤثر الغربة الطويلة بمفرداتها كلها على الكتابة، هناك حنين جارف دائمًا إلى ما كان وما يمكن أن يكون لو ظل الإنسان في وطنه، نصوص كثيرة لي يظهر فيها هذا التوق الجارف. وفي المقابل، بلاد الخليج العربي ليست غربة موحشة، إنها وطن دافئ أيضًا، وشخصيًا منحتني دولة قطر كثيرًا من الوقت لأواصل مشروعي الكتابي. وأظن لو كنت في وطني ما كنت وجدت وقتًا لعمل شيء، مع الانشغال بكسب لقمة العيش.


(*) من الملاحظ في رواياتك أن ثمة تداخلات بين المادة التاريخية والمادة التخييلية؟
رواياتي بلغة شعرية، لأني في الأصل شاعر، وطورت من نثري ليقترب من الشعر، وهكذا كتبت من الأول، وهذا ما ميز النصوص عن غيرها من المطروح، تعرفين أن الأفكار ثابتة، لكن الأسلوب هو الذي من المفترض أن يختلف، وطبعًا هنالك تداخلات بين الواقعي والأسطوري والغرائبي في معظم أعمالي.


(*) ما الذي تحتفظ به من أدواتك الكتابيَّة الشّعريَّة حين تشرع في كتابة نصَّك الرّوائي؟
التكثيف والاقتصاد في اللغة، وعدم الإسهاب والمضي بالنص إلى الترهل، إنها أدواتي الثابتة، أما القصيدة فأدعها تكتب نفسها بأي صورة، بالرغم من أنني لا أكتب شعرًا بصورة جادة منذ زمن طويل، إنها دفقات تأتي أحيانًا، وأتركها تكتب نفسها.


(*) ظل المكان السوداني ملهمًا ومنسوجًا في أعمالك رغم غربتك الطويلة؟
أنا كاتب محلي، ما زالت تأسرني أجواء أفريقيا ومفرداتها وطقوسها الأسطورية، لكني أعرج أحيانًا على أجواء أخرى، وأظنني سأظل هكذا حتى النهاية، وكثيرًا ما تراودني فكرة أن أكتب عن البيئة الخليجية، وآمل أن أفعل.


(*) قد تنسى الطبيب أثناء الكتابة، ولكنك لا تنسى الكاتب أثناء ممارسة الطب، ومن الطب تستوحي حكاياتك، لأن ذاكرة الطب حاضرة في الأدب. ما مدى تأثير مهنتك كطبيب في كتابة الرواية؟
طبعًا، الطب يمد الكاتب بالشخصيات والحكايات، والتنقل به يساهم في تنويع الأداء، ولعل عملي في الحدود الإريتيرية كطبيب ساعدني في التقاط أجواء روايات.


(*) هل ما زال النص الإبداعي العربي بعيدًا عن التناول النقدي من منظور النقد الثقافي؟
النقد لم يعد في وسعه متابعة ما يكتب، ليس تخلفًا منه، ولكن لصعوبة ذلك، والذي يكتب دراسة في هذه الأيام، يشكر عليها فعلًا.


(*) كيف ترى أثر العالم الرّقميّ في الظّاهرة الأدبيَّة سلبًا وإيجابًا؟
سهولة الانتشار في فيسبوك وتويتر ألحق بالمنظومة الإبداعية كثيرًا من الخلل، فالكل هناك رائع وجميل وموهوب، بلغة فيسبوك. أنا لا أتابع كثيرًا، لكنني أحتفي بالموهوبين دائمًا في كل مكان وزمان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.