}

جان دوست: الشعر منحني لغة جميلة أستخدمها بسردي الروائي

جان دوست شاعر وروائي ومترجم سوري كردي يقيم في ألمانيا ويحمل جنسيتها، من مواليد 1966 في حلب. درس العلوم الطبيعية، وعمل مدرسًا بضع سنوات. في عام 2000، هاجر إلى ألمانيا كلاجئ سياسي، ويعمل هناك في مجال الترجمة.
يعد دوست أحد أبرز الروائيين السوريين. له عدد من الأعمال الروائية الإبداعية التي كتبها باللغتين العربية والكردية، من أهمها: "ميرنامه" (2011)؛ "دم على المئذنة" (2014)؛ "مارتين السعيد" (2015)؛ "نواقيس روما" (2016)؛ "ثلاث خطوات إلى المشنقة" (2017). صدر له عدد من المجموعات الشعرية، وله كتب في البحث والترجمة.
حصل على جوائز عدة، منها جائزة القصة الكردية القصيرة في 1993، وجائزة الشعر الكردي في ألمانيا عام 2012، وجائزة الكتاب الشرقي عن ترجمة قصص كردية في كتاب بعنوان "رماد النجوم" (2013)، كما حصل على جائزة دمشق للفكر والإبداع. وفي عام 2014، حصل على جائزة حسين عارف في مهرجان كلاويز الذي يقام سنويًا في إقليم كردستان العراق. هذا الحوار مع جان دوست، يتمحور حول روايته الجديدة "الأسير الفرنسي".

 



(*) رواية "الأسير الفرنسي" تجمع بين فن السيرة الذاتية، وفن السرد التاريخي المروي المبني على وثائق أصلية تتناول فترة معينة من فترات التاريخ الإنساني. حدثنا عن حكايتها، والتاريخ الذي يكمن وراءها، وما الذي أوحى لك بفكرتها؟
سؤال كبير، بل مجموعة أسئلة صعبة سأجيب عنها باختصار. هي حكاية مبعوث نابليون بونابرت إلى شاه إيران عام 1805، في مهمة رسمية أوكلها إليه نابليون. يقع المبعوث في الأسر، ويكتب مذكراته ويومياته. ذلك الرجل شهد أحداثًا تاريخية مهمة؛ لأن جوبير كان يخاف من أن يطمس التاريخ قصته، ولكن القدر أظهر مشيئة أخرى.
كتبت الرواية بسبب ولعي بهذه المواضيع التاريخية التي يشتبك فيها الشرق بالغرب.


(*) غالبًا عندما تكتب الرواية التاريخية نجدك تكتبها من زاوية جديدة. ما علاقة الرواية بالتاريخ الحقيقي، وكيف استقيت عنوان الرواية؟
بلا شك، هيكل الرواية يعتمد على مادة تاريخية حقيقية. لكن الإكساء بلغة العمارة الهندسية يأتي من الخيال. الحوارات، وبعض القصص، إلى آخر ما هنالك مستقاة من المخيلة التي أردد دائمًا أنها من يقوم بتصحيح التاريخ، أو ترميم ما تهدم منه. العنوان فرضته القصة، وفرضه بطل الرواية الفرنسي الذي يقع أسيرًا.

(*) الرواية غنية بالموضوعات التاريخية التي ذكرها جوبير في مذكراته ويومياته التي كان يكتبها لأنه لم يجد في السجن ما يشغله إلا الكتابة. جوبير عاش أحداث الثورة الفرنسية، والحملة على مصر، وعمل في الخارجية الفرنسية دبلوماسيًا ومبعوثًا خاصًا للإمبراطور نابليون بونابرت. لماذا اخترت هذه الشخصية لتكون بطلًا للرواية؟
أحب هذه الشخصية المتنقلة في بيئات مختلفة. الشخصيات المتحركة العابرة للقوميات والجغرافيا والأديان، الشخصيات التي تحيط بالحقائق من جوانب متعددة، ولا تكتفي بزاوية نظر واحدة لرسمها. ويمكنني القول إن هنالك قاسمًا مشتركًا واحدًا بين جميع أبطال رواياتي. فكلها تقريبًا تنتقل وتهاجر وتختبر الثقافات الأخرى وتغير قناعاتها، وتكون هوياتها الخاصة بعيدًا عن الهويات الموروثة الثابتة.
هذه الشخصيات الديناميكية هي التي تستهويني، وهي التي أشتغل عليها في مختبراتي السردية أكثر من غيرها.



(*) قلت في لقاء صحافي سابق إن  "الرواية بشكل عام ترصد العلاقة المرتبكة أحيانًا بين الشرق والغرب، وتشابك الحضارتين، سواء بالصراع، ثم بالتعارف من خلال الجهود المهتمة بدراسة الآخر ومحاولة فهمه بعيدًا عن القوالب النمطية التي كانت شائعة". ثمة علاقة معقدة بين الشرق والغرب، وبين من يجري الدراسات عن حياة الشعوب، ومن تتناوله الدراسات. ماذا تقول في ذلك؟
الشرق والغرب ليسا فقط منطقتين مختلفتين بالجغرافيا والطقس... إلخ. هما الآن مفهومان متناقضان وجوديًا مع الأسف. وبينهما حروب تاريخية وتأثير متبادل ومد وجزر على مدى قرون عديدة.. أدعو إلى صيغة تفاهم بين هذين المفهومين، وإعلاء شأن ثقافة قبول المختلف.
الغرب يريد الهيمنة، والشرق يعيش وهمه بالتفوق الأخلاقي. الشرق يعيش في الماضي، أو بالأحرى الماضي يعيش فيه، بينما الغرب يفكر في المستقبل. وقد أشرت في "الأسير الفرنسي" إلى هذا الأمر على لسان المستشرق دو ساسي، الذي يبين لطلابه أن الشرق ليس كتلة صلبة مصمتة، بل أنواع كثيرة، وأن الشرق الذي وصلت جحافله إلى حدود باريس هو الذي يجب أن يخشاه الغرب.

(*) جاءت أحداث متسلسلة تاريخيًا، ومدعومة بوثائق وصور وضعتها في نهاية الرواية، إضافة إلى لوحات فنية. في إحدى اللوحات يظهر لنا جوبير بصحبة شاه إيران ونابليون يقف لاستقبالهما. هل ذلك توثيق للأحداث، ولشخصية جوبير؟
بالتأكيد. هذه رواية تاريخية، والشخصية الأساسية حقيقية. وهناك وثائق عنها في الأرشيف العثماني استخرجتها، واعتمدتها في روايتي.

(*) كشاعر، حصلت على جائزة الشعر من رابطة الكتاب والمثقفين الكرد السوريين، خلال مهرجان الشعر الكردي الذي أقيم عام 2012 في مدينة إيسن الألمانية، كما حصلت في 2013 على "جائزة دمشق للفكر والإبداع"، التي أعلنتها مجلة "دمشق" الصادرة في لندن. بعد ذلك، أخذتك الرواية.
الشعر مشروع إبداعي لم يتطور عندي، ولم أستطع أن أضيف شيئًا لهذا الفن، سواء ما كتبته بالعربية في هذا المجال، أو ما كتبته بالكردية. لكنني أشكر الشعر لأنه منحني لغة جميلة عذبة أستخدمها في سردي الروائي.

(*) ماذا تعني لك الجوائز؟
الجوائز اعتبارية، وتنبيه إلى التميز. تمنح المبدع ثقة إضافية، لكنها ليست كل شيء. المبدع الحقيقي لا يهتم بالجوائز.

(*) هل تعتقد أن الكتابة بالكردية واجب قومي. كيف ترى تلقي العرب للأدب الكردي الحديث، ولترجماتك خصوصًا؟ وهل الكتابة سعيٌ لرأب الشقوق التي تصيب الهوية؟
القارئ العربي أصبح ينفتح على الأدب الكردي المترجم إلى العربية، وكذلك المدون بالعربية. هنالك أدب عربي بأقلام كردية بدأ يجد طريقه لدى القراء العرب، لما يحمله من موضوعات مختلفة تشرح بنية المجتمعات الكردية، والتاريخ الكردي. هذا النوع من الأدب تأخر كثيرًا، ولم يستطيع العرب الاطلاع على الثقافة الكردية بالرغم من كون الشعبين متجاورين منذ أكثر من 1500 عام. وهنا تبرز أهمية الأدب في تقريب المسافات بين الشعوب، وتبديد التصورات السلبية المسبقة.




أفرح كثيرًا حينما أجد قارئًا من المغرب يقول لي لقد تعرفت على الموضوع الكردي الفلاني بفضل روايتك... أشعر أن الرسالة وصلت، وأنني تمكنت من اختراق الجدار العازل بيني وبين أخ لي في مكان بعيد بيننا مشتركات كثيرة، لكن لا يعرف أحدنا الآخر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.