}

الشيخ نوح: الذائقة الموريتانيّة شعريّة تقليديّة بشكلٍ أساسي

أوس يعقوب 30 أبريل 2023
حوارات الشيخ نوح: الذائقة الموريتانيّة شعريّة تقليديّة بشكلٍ أساسي
الشيخ نوح

يحلُّ الشاعر والروائي الموريتاني الشاب الشيخ نوح (1982) في هذه الفسحة الحوارية ضيفًا على "ضفة ثالثة"، للحديث معه حول جديده الشعري والسردي، ومجمل مشروعه الكتابي الإبداعي.
يُعَدّ نوح اليوم ـ بحسب النقّاد ـ أحد أبرز الأدباء الشباب في موريتانيا، الذين استفادوا من الانفتاح على العالم الخارجي في العشرية الأخيرة. وقد صدرت له حتى الآن خمس مجموعات شعريّة هي: "أرغفة السماء" (طبعة أولى في 2018، وثانية في 2022)، و"عراجين القلق الأولى" (2019)، و"على سجادة مني" (2021)، و"جميلاتٌ حتى في المرآة" (2021)، و"مقايسات أخرى للجهة السابعة" (2023)؛ وروايتان هما: "أبادي" (2019) و"القاسم ولد الحسين" (2021)، إضافة إلى كتاب بعنوان: "أعشاب وقداحة... اشتعالات داهمة ونصوص ناجية من المحرقة" (2021)، يضمُ مجموعة من المقالات الأدبيّة والنقديّة والفكريّة والسياسيّة، ومقابلات. ومن الجوائز الأدبيّة التي نالها: جائزة "اتحاد الأدباء والكُتّاب الموريتانيّين" في عام 2012. وجائزة "مهرجان المدن القديمة" في مدينة تيشيت عام 2013. وجائزة "أفضل قصيدة مكتوبة باللغة العربيّة" من "مؤسّسة متحف أمير الشعراء أحمد شوقي" في مصر، قبيل صدور مجموعته الشعريّة الأولى "أرغفة السماء" عام 2018.
هنا نص الحوار:




(*) متى نُشرت أوّل قصيدة لك؟ وعن أيّ شيء تتحدّث، وبمن تأثّرتَ آنذاك؟
كما أتذكر كانت لديّ محاولات مبكرة لنصوص خدج (ما بين 1997ـ 1998) لم تكتمل أبدًا، وقد ضاعت مني كما ضاعت مني تلك الطفولة، وأعني الطفولة التي ضاعت بمعناها الفلكي، وإن كنت بالمعنى النفسي ما زلت قابضًا عليها. أما أوّل نص نشر لوحده فلا أتذكره. أوّل قصيدة مكتملة كتبتها كانت عام 1998، وكان عمري حينها 15 عامًا.

(*) بالعودة إلى بداياتك، كيف كان جوّ البيت والمكان، وهل هنالك عوامل دفعتك إلى الكتابة؟
باستثناء اهتمام والدتي، رحمها الله (توفيت قبل شهرين)، بالشعر الشعبي، والتي جعلتني أهتم بالشعر عمومًا لم يكن في البيت شيء استثنائي. أما في خصوص المكان، فإنني تنقلت خلال طفولتي ومراهقتي، وحتى بعد ذلك، في أمكنة عدة، ولهذا تبدو علاقتي بالمكان معقدة، تبدأ من السحنات واللغات المختلفة، ولا تنتهي عند روائح التوابل، ونكهات الأطعمة، واختلاف المظاهر الثقافيّة. أفادني هذا الأمر كثيرًا في تشكيل رؤية أكثر ثراءً، وأثرى ألوانًا إزاء العالم، وبالتالي أكثر تسامحًا وانفتاحًا إنسانيًّا.

(*) مَن هُم الأشخاص الذين كانوا مصدرك، ومَن هُم الشعراء الذين أثّروا فيك في تلك الفترة؟
في الحقيقة، أنا خريج سباحة ثقافيّة حرّة، فإذا كان من أشخاص فهم شخصيّات في الكتب، أما من أثّر فيّ من الشعراء، فإنني منذ البداية لم أحلم أن أكون نسخة كربونية من أي شاعر كان، مع أني قرأت لشعراء كبار في العصر الحديث، وكذلك لديّ قراءات في التراث، إلّا أنّ الشعر كمادة للقراءة ليس أكثر قراءاتي، بل إنّ قراءاتي تتركّز أساسًا حول حقول العلوم الإنسانيّة، والسرد، وتاريخ العلوم والفلسفة بشكلٍ خاصّ. الشعر هو أكثر ما أكتبه، وأقلّ ما أقرأه.

(*) ما الحدث الحاسم الذي تعيه تمام الوعي، وترى فيه فاصلًا أحدث تحوّلًا حقيقيًّا في تجربتك الكتابيّة الإبداعيّة؟
أوّلًا، في شأن الشعر: عام 1998، عندما كنت في الثانوية، سألنا أستاذ اللغة العربيّة محمد ولد إبراهيم عن تطلّعاتنا، فأخبرته أنني "أطمح أن أكون أحد رواد الشعر العربي"، فعلّق بقوله: "أنت قريب من مرادك يا ولد نوح، فقط ببعض الاهتمام والمثابرة ستحقّقه"، فكان هذا الكلام فاصلًا في قراري بشأن مسيرة حياتي.




ثانيًا، في شأن الرواية: حدث أن سافرت خارج البلد، ومكثت هناك ما يربو على السنتين، ثم تهيأ لي أن صورته من الخارج أوضح لي منها وأنا في داخله، ومن هنا قرّرت تسريد المجتمع الموريتاني، وبدأت مشروعي السردي بروايتي الأولى "أدباي"، التي نشرت في مطلع العام 2019، وكتبت بعدها رواية "القاسم ولد الحسين".

(*) "مقايسات أخرى للجهة السابعة" هو عنوان مجموعتك الشعريّة الخامسة، الصادرة حديثًا، عن "منشورات خديجة عبد الحي". ماذا تخبرنا عنها؟
إنها مجموعة نصوص تقترب من ثيمات الغربة، وأسئلة الوجود، وتقارب العالم من وجهة نظر شعريّة. وأعتقد أنها عمل مهمّ في إطار مشروعي الشعري؛ باعتبارها تجربة مستقلّة عما سبقها إلى حدٍّ كبير، ومحاولة لاكتشاف جهة سابعة تليق بجلال الشعر وأبهة الفنّ، وتشكّل معادلًا موضوعيًا رائعًا لمأساة الوطن وقلق الوجود.





(*) بعد مجموعتين شعريتين، أصدرت روايتك الأولى "أدباي". لِمَ هذا التحوّل؟ وما الذي قدّمتهُ في الرواية، ولم تقدّمه في الشعر؟
كما سبق أن أجبت أعلاه، فإنّ ظروف الغربة كانت وراء ذلك، بالإضافة إلى أنني كنت أحمل هذا العمل في ذهني قبل سنوات، بعد أن وصلت إلى قناعة مفادها أنّ السرد يمنح أكثر من صوت، ويتّسع لأكثر من جنس أدبي، وله القدرة على استيعاب الصراعات الإنسانيّة، وحركة المجتمع، بشكلٍ مذهل.

(*) كيف كانت علاقتك بفنّ الرواية قبل أن تبدأ بكتابة نصك الروائي الأوّل؟
كنت أقرأ الرواية، ولكن ليس بشكلٍ جدّي ومنتظم. غير أنني خلال السنوات التي أعقبت كتابتي لهذه الرواية انكببت على قراءة عشرات الأعمال السرديّة الكلاسيكيّة والحديثة، وكذلك على قراءة النقد الروائي العربي، والمترجم المكتوب بالفرنسية بشكلٍ أساسي.

(*) هل هذا "زمنُ الرواية" فعلًا؟ وهل يمكن أن يهجر الشيخ نوح الشعر يومًا ما إلى الأبد، ومتى يمكنك أخذ مثل هذا القرار؟
نعم، إنه "زمن الرواية"، كما يقول بذلك أهل الاختصاص، أما الشعر فليس له زمن، لأنّ الشعر هو الزمن. ولا أتوقّع أن أتوقّف عن كتابة الشعر بإرادتي البتة ما دمت واعيًا بالزمن.

(*) صدرت لك حتى الآن خمس مجموعات شعريّة وروايتان، إضافة إلى كتاب "أعشاب وقداحة... اشتعالات داهمة ونصوص ناجية من المحرقة" (2021)، عدا الترجمة من لغات أخرى. يبدو أنك لا تعبأ بمسألة تجنيس الكتابة؟
الفنُّ كلٌ متكامل، والقطيعة بين أجناسه ذهنية، ليس إلّا. ثم أنني أحيا بالكتابة في مختلف الأجناس، وأعيش من العمل في الصحافة، وهي مهنة أنكرت جميلها طويلًا، ولكن حان الوقت لكي أعترف بفضلها عليّ.

(*) قال هاروكي مواركامي مرّة: "الكتابة بالنسبة إليّ عملية مؤلمة". ومرّة قال فرانز كافكا: "الكتابةُ شكلٌ من أشكال الصلاة"، كما لو أنها تحتاج نوعًا خاصًّا من الخشوع والإيمان. أنت ما الذي تعنيه لك الكتابة؟
الكتابة هي البحث عن وطن المنفى هروبًا من منفى الوطن... إنها عملية تحليم متكرّر للعالم وشذوذ خلاب!

(*) تقول: "للمكان سطوة ما في عرفي... علاقتي بالمكان مضطّربة وجدلية وغاية في التعقيد والتعرّج". هل للمكان علاقة بالكتابة، وهل كان لتجربة تغيير الأمكنة التي مرّرت بها تأثير على شعرك وعلى كامل إنتاجك الأدبي؟
طبعًا، هنالك تأثير للأمكنة كما أسلفت. إنني أحمل معي تفاصيل الأمكنة وروائحها أينما حلّلت. إنّ المكان، مجردًا من شرور الإنسان، جنة خالصة. إنّ الجنة ليست سوى مكان في النهاية.

(*) كيف تنظر إلى الجوائز الأدبيّة في العالم العربي، وهل تراها داعمة للنصوص الجيدة، وإضافة لكتّابها؟
هذا يتوقّف على الجائزة، وما ترمي إليه. على العموم، فإنّ بعض الجوائز ظالمة، لأنه "ما أظلم ممن يعطيك من جيبه ليأخذ من قلبك"، كما يقول جبران. مع ذلك، تظلّ الجوائز ذات أهمية قصوى، لكونها تشكّل دعمًا ماديًا للكاتب العربي في مشهد ثقافي لا يؤمّن فيه الفنّ والأدب ثمن رغيف خبز. هنالك كتَاب أنقذتهم الجوائز، وهناك كتّاب أردتهم الجوائز، وفي كلتا الحالتين لا علاقة لي بالموضوع، فلم أتذوق نكهة خبز الجوائز، لأنّ همّي الأوّل هو أن أكتب وأكتب...

(*) في رأيك، ما هي أبرز العوامل التي أدّت إلى الولادة المتأخرة للرواية الموريتانيّة، ذلك أنّ أوّل رواية صدرت بالبلاد كانت عام 1981، وهي "الأسماء المتغيّرة" للشاعر أحمدو ولد عبد القادر؟
الذائقة الموريتانيّة ذائقة شعريّة تقليديّة بشكلٍ أساسي، وبالتالي فإنّ السرد لم يكن له حضور كبير، إضافة إلى أنّ الرواية انبثقت من عالم المدينة وتناقضاتها وصراعاتها الاجتماعية والاقتصادية، والموريتانيون حديثو العهد بالمدينة بالمعنى المعاصر. غير أنه يلاحظ خلال العقدين الأخيرين نوع من الانفجار الروائي الذي سيتمخض بلا شك عن حركة أدبيّة سرديّة مهمّة، وقد أفرزت بوادرها حتى الآن أعمالًا مهمّة، بعضها حصد جوائز عربيّة مرموقة، مثل "جائزة نجيب محفوظ للرواية"، و"جائزة كتارا"... إلخ.

(*) ما هي الأشياء التي ترى أنها ساهمت في تطوّر الأصوات الشعريّة والروائيّة الموريتانيّة؟ وهل ترى أنّ المدونة النقديّة العربيّة رافقت هذا التطوّر وأظهرته، أم أنها عمدت إلى تجاهله؟
وجود الدولة المركزية في هذا الفضاء الصحراوي الشاسع لا شك أنه ساهم في تطوّر ثقافي ملموس، غير أنّ النقد العربي لم يهتمّ كثيرًا بهذا الركن القصيّ، وأنا هنا لا ألقي اللائمة على أي كان، وإنما أثبّت معطى على الأرض، وأسائل مسؤوليتنا كموريتانيّين أوّلًا: ماذا قدّمنا لهذه المنجزات، وماذا قدّمت السلطة والمجتمع للمثقّف والمبدع؟ إنّ هذا السؤال المؤلم كالدمّل حان الوقت ليطرح من دون مواربة ولا مجاملات ولا نفاق، كما درج على ذلك معظم مثقّفي البلد، وبلا خوف، وهذا الأهم. إنني أعوّل على الأجيال الجديدة في طرح هذه الإشكاليّات بشجاعة.

(*) ما هي مشاريعك المستقبليّة على مستوى الكتابة الإبداعيّة؟
الآن أعمل على كتابة مشروع شعري مستقلّ حول الصحراء، فمنذ مئات السنين، بل آلاف السنين، وهذا الفضاء المفتوح يُلقي علينا الدروس، ويقترح علينا أعمق التجارب الإنسانيّة، ولكن لا أحد يهتمّ. لقد قرّرت أن أنصت للصحراء هذه المرّة، وأن أكتبها شعرًا. أما سرديًّا فلديّ عملان جاهزان للنشر أحدهما بعنوان "بائع السم البريء"، والآخر أتحفظ على عنوانه. ورجائي أن يرى أحدهما النور في أقرب فرصة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.