}

محمد حقي صوتشين: أنا سفير الأدب العربي لدى تركيا

أوس يعقوب 13 يونيو 2023
حوارات محمد حقي صوتشين: أنا سفير الأدب العربي لدى تركيا
محمد حقي صوتشين


يُعَدّ الكاتب والمترجم التركي محمد حقي صوتشين (Mehmet Hakkı Suçin)، من أبرز مترجمي الأدب العربي الكلاسيكي والأدب الحديث إلى اللغة التركية، وهو في مقدّمة المترجمين الأتراك الذين أعادوا الاهتمام بالأدب العربي في تركيا، بعد قطيعة استمرت لعقود مع اللغة العربية وثقافتها. ويُحسب له أنّ ترجماته لا تحظى باهتمام الأوساط الأكاديمية فقط، بل أصبحت تحقق مقروئية عالية بين القرّاء الأتراك.

ولد صوتشين في مدينة إغدير بتركيا عام 1970، وتخرّج في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أنقرة. وتناول الأدب القصصي عند يحيى حقي في رسالة الماجستير (1998). وناقش مشاكل الترجمة واستراتيجياتها بين اللغتين العربية والتركية في رسالة الدكتوراه (2004). عمل أستاذًا زائرًا في جامعة مانشستر البريطانية (2006)، وهو حاليًا عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة غازي في العاصمة التركية أنقرة. وترأس اللجنة التي أعدّت مناهج اللغة العربية لمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية في تركيا، وذلك تمشيًا مع الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات (2010-2012). 

ترجم من العربية إلى التركية العديد من الكتب والدواوين الشعرية من الأدب العربي الكلاسيكي والحديث، من ذلك المعلّقات السبع، و"حيّ بن يقظان" لابن طفيل، وكتب لأدونيس، ومحمود درويش، ونزار قباني، ونجيب محفوظ، ويحيى حقي، وجبران خليل جبران، وغسّان كنفاني، وعدنيّة شبلي، ومحمد بنيس، وغيرهم. كما ترجم إلى اللغة العربية شخصيات كلاسيكية من الشعر التركي مثل يونس أمرة وأحمد اليَسَوي، وشخصيات تنتمي إلى الأدب الحديث.

نال صوتشين العديد من الجوائز الأدبية في حقل الترجمة، منها جائزة أفضل ترجمة من "اتحاد كتّاب الأتراك" عام 2016 عن ترجمته لـ "كتاب الحبّ" لنزار قباني، وجائزة أفضل ترجمة لعام 2022 من ملحق الكِتاب لصحيفة "دنيا" التركية عن ترجمته روايةَ "تفصيل ثانوي" لعدنيّة شبلي. كما نال جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، (فئة الإنجاز) في عام 2022 عن كل أعماله في مجال الترجمة بمناسبة إدراج اللغة التركية ضمن الجائزة. وكان عضوًا في "لجنة التحكيم" للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) خلال دورتها عام 2014. كما كان عضوًا في "لجنة التحكيم" ومستشارَ "لجنة التسيير" لجائزة الشيخ حمد للترجمة في دورتها عام 2015.

هنا حوار معه:

(*) كيف تقدّم نفسك لقرّاء "ضفة ثالثة"؟

بعبارة غير رسمية: سفير الأدب العربي والثقافة العربية لدى تركيا. وبعبارة رسمية: أكاديمي في مجال اللغة العربية وآدابها ومترجم للأدب العربي.

(*) ما هي آخر إصداراتك المترجمة من العربية إلى التركية؟

صدرت لي خلال السنوات الثلاث الأخيرة عدة ترجمات، تأتي في صدارتها "المعلّقات السبع" التي ترجمتها إلى اللغة التركية شعرًا، ثم أصدرت ترجمة "حيّ بن يقظان" لابن طفيل حيث أخذت بعين الاعتبار كونه نصًا سرديًا بجانب كونه نصًا فلسفيًا. وترجمتُ مختارات للشاعر التركي الصوفي الكبير يونس أمرة، هي أيضًا كانت تجربة فريدة بالنسبة لي. وصدر لي مؤخّرًا "الكتاب الخطاب الحجاب" لأدونيس، و"كتاب الأصنام" لابن الكلبي، وأخيرًا رواية "رجال في الشمس" لغسّان كنفاني. عليّ أن لا أنسى ترجمتي لرواية "تفصيل ثانوي" لعدنيّة شبلي، و"هذا هو اسمي" لأدونيس، و"كزهر اللوز أو أبعد" لمحمود درويش.

(*) ما هو أول عمل أدبي عربي ترجمته، وكيف وقع عليه الاختيار؟

بدأتُ بترجمة قصائد وقصص قصيرة من الأدب العربي لمجلات أدبية في تركيا. هكذا وجدت نفسي أترجم ثم أرسل ترجماتي إلى المجلات الأدبية التي طلبت مني ترجمة المزيد في وقت لاحق.

أما أول كتاب ترجمته إلى التركية فكان أقصوصة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي الذي درستُ أعماله القصصية في رسالة الماجستير.


(*) هل هناك اعتبارات محددة لاختيارك الأعمال التي تترجمها؟ وهل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

اختيار العمل للترجمة عملية صعبة فعلًا. أول معيار بالنسبة لي هو أن يكون العمل الأدبي له وزن في النظام الأدبي العربي شعرًا أو سردًا، قديمًا أو حديثًا. أما المعيار الثاني فيتمثل في أن يحظى العمل المخطط ترجمته بتلقٍ لا بأس به في تركيا، لأنّ الناشرين لن يجازفوا في نشر عمل لن يُقرَأ. وأخيرًا، أترجم ما يخاطب ذائقتي الأدبية والثقافية.

أما مسألة التحرير، فالترجمة بدون مراجعة ستبقى ناقصة. أنا محظوظ من هذه الناحية لأمرين: أولًا لأنني أتعامل مع دور نشر كبيرة تحظى بنظام تحرير صارم، وثانيًا لأنّ في بيتنا من تقوم عن تطوّع بقراءة ما أكتبه أو أترجمه، زوجتي الشاعرة ألتشين سيفغي صوتشين هي القارئة الأولى لكتاباتي، مثلما أنا قارئها الأول.

(*) ترجمت لعدد من أقطاب الشعرية العربية الكبار غير أنك أعطيت لكلٍ من أدونيس ومحمود درويش قسطًا أكبر من باقي الشعراء، فما هو السبب؟

في رأيي أدونيس ومحمود درويش يمثلان منهلين أساسيين في الشعر العربي الحديث، يكملان بعضهما من ناحية الشعرية العربية. فأدونيس يمثل في القصيدة العربية الحداثة والفكر والرأي الحر والجرأة والعاطفة الممزوجة بالعقل. أجدُ فيها آفاق الحرية والنقد، ما يؤديني إلى التفكير والتأمّل والرغبة في إنتاج قصائد أخرى. وهي قصيدة حديثة بكل مقوماتها شكلًا ومضمونًا. وهي التي تجمع بين العشق الصوفي والعشق الإيروسي. أدونيس يأخذنا من خلال لغته القوية إلى ألحان صافو الرعوية، وأغاني أوفيد، بل إلى بودلير، ومالارميه والعديد من شعراء العرب أمثال المتنبي وأبي تمام وأبي نواس وأبي العتاهية والمعري وغيرهم، فقصيدته هي قصيدة عربية بقدر ما هي قصيدة غربية حداثية. أما درويش فيكتب قصيدة ذكية مع كون العاطفة في الواجهة دائمًا. فنقرأ في قصيدته شعر الموسيقى وموسيقى الشعر في آن واحد، لذلك هي قصيدة ملائمة للرقص والإيقاع. وهي قصيدة مقاومة ثائرة لكنها ليست "صارخة"، تُؤَالِفُ بين الثورة والغنائية والحقيقة والأسطورة. تستخدم وسائل الإيقاع العربي التقليدية لكنه يجدّد نفسه بصورة متواصلة، الأمر الذي جعله يقترب إلى قصيدة النثر وخاصة في أعماله الأخيرة. هو أيضًا مثل أدونيس شاعر "مثقف"، لن يفهمه إلّا القارئ المثقف، بفارق أنّ القصيدة الأدونيسية مناسبة أكثر للقراءة البصرية، بينما القصيدة الدرويشية ملائمة أكثر للقراءة الصوتية.

أريد أن أبدع باللغة التركية شاعرًا عربيًّا يضاهي عظماء الشعر الكلاسيكي في العالم

(*) ما مدى إقبال القرّاء الأتراك على الشعر العربي المترجم؟

كانت هناك ترجمات ملفقة كارثية شوّهت سُمعة الشعر العربي في تركيا. ترجماتي التي صدرت بعد هذه النكبة الشعرية "أعادت الاعتبار للشعر العربي" على حدِّ قول المترجم القدير أحمد زكريا. بعد هذه الترجمات بدأ القارئ التركي يتوصل إلى الذوق الأصلي والنكهة الحقيقية للشعر العربي. والدليل على ذلك مشاركات القرّاء لهذه الترجمات في وسائل التواصل الاجتماعي، وما كتبه الشعراء والنقّاد عنها في المجلات الأدبية التركية، على سبيل المثال لا الحصر، مقالات لكل من الشاعر حيدر أرغولان، والناقد دوغان هيزلان، والناقد زكي قرمزي، والشاعر عمر أرديم، والشاعر أنور طوبال أوغلو، والناقدة بورجو آلكان، والناقد سعاد باران، والروائي مصطفى أورمان، والمترجمة أولكر إينجة وأسماء أخرى كثيرة.

كانت لهذه الترجمات أصداء كبيرة في الساحة الأدبية التركية. على سبيل المثال، أُدرج ديوان "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" لمحمود درويش ضمن أول 11 كتابًا مترجمًا إلى التركية خلال عام 2016، من قبل ملحق الكتاب الأسبوعي لصحيفة "جمهوريت". كما اختار الملحق نفسه محمود درويش "شخصية الغلاف" بمناسبة صدور ترجمتي لديوان "كزهر اللوز أو أبعد". وأعلن "نادي القلم الدولي" فرع تركيا شهر آب/ أغسطس (شهرَ قراءة أعمال محمود درويش) في كل أنحاء تركيا بمناسبة صدور هذه الترجمة.

من ناحية أخرى، أُدرجت ترجمتي لـ"المعلّقات السبع" ضمن أفضل 50 كتابًا في تركيا لعام 2020. وفي مطلع العام الحالي كان أدونيس شخصية أحد أعداد ملحق الكتاب الأسبوعي لصحيفة "جمهوريت" بمناسبة صدور "الكتاب الخطاب الحجاب". كما نالت ترجمة "كتاب الحبّ" لنزار قباني جائزة أفضل ترجمة عام 2016 من "اتحاد كتّاب الأتراك". هذه كلها مؤشرات ذات مغزى.



(*) ما هي عوائق ترجمة الشعر العربي القديم والحديث إلى اللغة التركية؟

في الواقع، ليس بيدنا وصفة عامة تسري على كل الحالات. فكل عمل ترجمة بحدِّ ذاته حالة فريدة يجب التعامل معها بصورة خاصة، لذلك كل عمل ترجمة يتسم بالفرادة والخصوصية. وكل حالة تفرض على المترجم أن يتبنّى مقاربة تخص هذه الحالة، سواء كان الشعر العربي كلاسيكيًا أو حديثًا. ورغم هذا التعميم، ثمة عوائق تظهر أمام مترجم الشعر الكلاسيكي بوجه خاص مثل التغيّر الدلالي والأسلوبي، والتغيّر في طرق إبداع الإيقاع الشعري عبر العصور، واضطرار المترجم إلى "إيحاء" القارئ بأنّ النص الذي بصدده هو نص كلاسيكي، وغيرها من التحديات.

(*) إلى أي مدى لعب حصول كلٍ من نجيب محفوظ وأورهان باموك على جائزة نوبل للآداب، دورًا أساسيًا في ترجمة الأدب العربي إلى التركية، والأدب التركي إلى العربية؟

حصولهما على جائزة نوبل للآداب شدّ انتباه الناشرين إلى الأدبين العربي والتركي. أورهان باموك أكثر حظًّا من نجيب محفوظ، فمعظم أعماله تُرجمت من التركية إلى العربية مباشرة، والفضل في ذلك يعود إلى المترجم السوري الكبير عبد القادر عبد اللي (رحمه الله). على عكس محفوظ الذي تُرجمت معظم أعماله إلى التركية من خلال الإنكليزية وليس من العربية مباشرة.

(*) ما تقييمك لحال الأدب العربي المترجم للغة التركية خلال العقد الأخير؟

صدرت خلال هذه الفترة ترجمات لأسماء عربية من الأدب الحديث، على سبيل المثال لا الحصر، أدونيس (7 أعمال)، محمود درويش (4 أعمال)، غسّان كنفاني (3 أعمال)، نزار قباني (عملان)، طيب صالح (عملان)، بهاء طاهر (عملان)، خالد خليفة (عملان)، جوخة الحارثي (عملان)، وعمل واحد لكلٍ من عبد الرحمن منيف، وصنع الله إبراهيم، ونهاد سيريس، ورضوى عاشور، وأحلام مستغانمي، وأحمد السعداوي، وأمير تاج السر، وهدى بركات، ومحمد بنيس، ونوري الجرّاح، وأحمد الشهاوي، وخلود المعلا، ومازن معروف، وملاك مصطفى، وتيسير خلف، وريم الصقر، بالإضافة إلى "المعلّقات السبع"، و"طوق الحمامة" و"حيّ بن يقظان" من الأدب الكلاسيكي. هذه النظرة السريعة للترجمات خلال عشر سنوات تقول لنا إنّ الأعمال المترجمة من الأدب العربي قليلة جدًا مقارنة بالأدب المترجم من الإنكليزية والفرنسية والإسبانية مثلًا.

(*) ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟ وما هو إصدارك القادم؟

عندي شغف كبير حاليًا في الترجمة من الأدب العربي الكلاسيكي، إذ تشغلني ترجمة مختارات من ديوان "مالئ الدنيا وشاغل الناس"، الشاعر العربي الكبير المتنبي، الذي لم تتم ترجمة أشعاره حتى الآن إلى اللغة التركية. لقد نشرتُ بعض قصائده في مجلات أدبية تركية وتلقيتُ انطباعات جيدة من الشعراء والقرّاء.

وأريد أن أبدع باللغة التركية شاعرًا عربيًّا يضاهي عظماء الشعر الكلاسيكي في العالم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.