}

أديب حسن: الرواية مغامرة إبداعية وليست ورشة صناعية

أوس يعقوب 13 أغسطس 2023
حوارات أديب حسن: الرواية مغامرة إبداعية وليست ورشة صناعية
أصدر أديب حسن ثماني مجموعات شعرية
يأخذنا هذا الحوار مع الشاعر والروائي والطبيب السوري أديب حسن (القامشلي 1971) إلى الحديث عن روايته الجديدة "قيامة جميلة" (2023)، ومشروعه الإبداعي الذي شقّ طريقه فيه شاعرًا في البدء، حيث صدرت له ثماني مجموعات شعرية كانت أولاها بعنوان "موتى من فرط الحياة" (1999)، ثمّ ناقدًا مع صدور دراسة له بعنوان "القصيدة الومضة" (2009)، بالاشتراك مع مواطنه الناقد الأكاديمي هايل محمد الطالب، ثمّ روائيًا بعد إصداره لروايته الأولى "الخزّاف الطائش" (2019). 
حديثنا مع صاحب "لا أشبهني" (2018) دار أيضًا حول حدود التقاطع والتلاقي بين الشعري والروائي في تجربته الإبداعية، وتأثير الاثني عشر عامًا من الخراب المريع والدمار والحرب التي نعيش فصولها في سورية حتى يومنا هذا على الكتّاب السوريين، وعن رأيه في الجوائز الأدبية وأثرها في المشهد الأدبي العربي، ومواضيع أخرى.
يُذكر أن أديب حسن يقيم حاليًا في أبو ظبي. وكان نال عددًا من جوائز الشعر العربية، منها: "جائزة البياتي الشعرية" (المركز الأول)، بيروت (1998)، عن مجموعته الشعرية الأولى "موتى من فرط الحياة"، و"جائزة سعاد الصباح" (المركز الأول)، الكويت (1999) عن مجموعته الشعرية "إلى بعض شأني"، و"جائزة طنجة لأفضل مجموعة شعرية مطبوعة"، عن مجموعته الشعرية "ملك العراء"، المغرب (2004).



(*) نستهل هذا الحوار معك بسؤالك عن النشأة والبدايات في عوالم الشعر والرواية والطب؟منذ النشأة طفلًا، أحببت الكتب نتيجة عمل الأب في مكتبة المركز الثقافي، ثمّ صحافيًا صغيرًا ساهم في تحرير عدد من المواد لمجلات الأطفال وقتها، مثل "سعد" الكويتية، و"سامر" اللبنانية، ثمّ شاعرًا هاويًا في أواخر المرحلة الإعدادية، وشاعرًا شابًا ينشر نتاجه في صفحات الأدب الشبابي في الصحف السورية في المرحلة الثانوية، وشاعرًا مشاكسًا في المرحلة الجامعية، أولى مراحل النضج...
ليس هنالك كثير لأتكلّم عنه حول الطب، فمجموع درجات الثانوية العامة كان كفيلًا بسلوك درب هذه المهنة في مجتمع يعتقد أنها مهنة مميزة.
أمّا الرواية فقد جاءت متأخرة قليلًا ربّما بعد نضج كثير.

(*) درست طب الأسنان وجراحتها، وتمارس مهنتك كطبيب، إضافة إلى كتابة الشعر والرواية والنقد. ما علاقة الطب بالشعر والسرد والنقد؟ أو بصيغة أخرى، ما الذي يُغري في الأدب، وما الذي يضيفه الطبيب للشاعر والروائي عندك؟
لا علاقة تذكر بين الطب وما ذكرت من فروع الكتابة، فالطب مثله مثل أيّ مهنة أخرى، لا بل أظن العلاقة عكسية والتأثير سلبي جدًا، لأنّ مهنة الطب مهنة متطلّبة، وتحتاج للدراسة المستمرّة، وحضور المؤتمرات العلمية لمتابعة التحديثات وما أكثرها، ولذلك لا يترك سوى فتات وقت وطاقة لبقية الاهتمامات فيضيق عليها ويخنقها. هنالك مهن أقل تطلبًا وتعطيك فسحة وقت أكبر للإخلاص لمشروعك الأدبي.
الشعر في الدم لمّاح وبارق، ولا يلزمه طقوس ووقت وتدبر، عكس النقد والرواية.
أنا أخوض معركة داخلي بين جانبين غير متكافئين من حيث القوة.

(*) صدرت لك أخيرًا رواية بعنوان "قيامة جميلة". كيف تقدّمها لنا، عمّ تتحدّث، وما الذي أوحى لك بفكرتها، وفي أيّ أجواء كتبتها؟
بدأتُ فكرتها بتداعيات حلم، واكتملت عندما وجدت ما يواكب الحلم في شخص متصوّف أسطوري مُختلف على وجوده من عدمه، وهو أحد الأولياء الصالحين في قسنطينة. من هذه الشرارة بنيت عالم الرواية، من خلال ارتحال "جان" من سفوح جبل الجودي في رحلة البحث عن "جميلة" القسنطينية، متتبعًّا إشارات "سيدي مسيّد"، التي كانت ترسم له الدرب الطويل، وهو درب المريد الذي يثق بحكمة شيخه، درب الحالم الذي لا يفقد إيمانه بحلمه، ليلتقيا في مدينة كبيرة تجتذب العمالة الوافدة، حيث يبدأ التعارف بينهما، ويعانيان معًا وسط الآلة الرأسمالية الجشعة التي تقتل روح البشر وتحوّلهم إلى روبوتات في معسكرات عمل.
"جميلة" و"جان" القادمان من بلدين دمّرتهما الحروب يحملان بذور هذا الدمار، ويحاولان بحبهما أن يُخرجا ذلك الألم العميق من روحيهما. تجري بهما الأحداث تواليًا حتى نهاية الرواية المفتوحة على سؤال، بل أسئلة كثيرة.


(*) بعد سنوات ممتدّة من حضورك على ساحة الشعر السوري، وإصدار ثماني مجموعات شعرية، ومجموعة مشتركة مع مواطنك الشاعر محمد المطرود، أصدرت روايتك الأولى "الخزّاف الطائش" (2019)، ما كواليس ومبرّرات تلك الخطوة الجديدة في مشروعك الإبداعي؟
"الخزّاف الطائش" كانت لزمنٍ طويلٍ هاجسًا ممضًا لي مع بدايات الخراب السوري. كتبت كثيرًا من فصولها وتركتها سنوات، ثمّ عدت لها عند وصولي إلى دولة الإمارات بعد سنوات صعبة في البرزخ التركي؛ عدت لأكمل تفاصيلها، أو لأعيد كتابتها، فكانت الرواية الأولى رواية الألم والارتحالات التي فُرضت على الناس بعد حرمانهم من صكوك الوجود على الأرض التي ولدوا عليها، كتبت الرواية بمشهديّة بعيدة عن الوصف التقريري والسرد الجاف والحوارات المملة، هي رواية تغوص في الواقع الأليم وتشرّح تفاصيله، رواية تتداخل فيها أزمنة وأمكنة وشخوص وكأنها تريد قول كلّ شيء في صفحاتها المئة والخمسين.

(*) في عام 1999، أصدر الناقد المصري الراحل جابر عصفور كتابه الشهير "زمن الرواية"، وتحدّث فيه عن أنّ هذا الزمن هو "زمن الرواية"، وليس "زمن الشعر". فهل يُعدُّ خوضك تجربة الكتابة الروائية بعد ثماني مجموعات شعرية اعترافًا غير مباشر منك بصحة ما ذهب إليه عصفور؟
ضمنًا، لا أعرف إن كان ثمّة ما يحفّز على كتابة الرواية نتيجة الاهتمام الزائد بها في العقدين الأخيرين، لكن بالنسبة لي الرواية ليست ورشة صناعية تجلب موادها الأولى وتشرع في عمل مفصل وفق هيكلية مسبقة، الرواية فكرة ولغة وعالم حي ونابض، ويستحيل أن يتخيل الروائي مآلات شخوصه وأحداث روايته، فهو يسير خطوة بخطوة مع شخوصه.




ويعيش مع الأحداث ويتفاعل معها، يستحيل بث الروح في هيكل مسبق الصنع. الرواية بالنسبة لي مغامرة إبداعية بكلّ ما في الكلمة من معنى، مغامرة تستحقّ الخوض بغض النظر عن هذه الأقاويل التي تثار بين الحين والآخر لتؤكّد انحسار أجناس أدبية وبروز أخرى.

(*) ماذا عن حدود التقاطع والتلاقي بين الشعري والروائي؟ وإلى أيّ حدٍّ يتدخّل الشاعر والسارد في داخلك في "هندسة" نصوصك لغةً وروحًا وخيالًا؟
هذا سؤال مهم، وعادة ما يوجّه للشاعر الذي يخوض تجربة الرواية، وسؤالي المقابل لِمَ على الروائي التخلّي عن الشعرية في لغة الرواية؟ ما هي الأضرار التي تسبّبها الشعرية للرواية، وهل اللغة الشعرية تُنقص من جماليات أو من اكتمال البنية الروائية، المسألة أو الأجوبة عن هذه التساؤلات تحدّد موقفك من اللغة التي تكتب بها روايتك. بالنسبة لي لطالما أحببت قراءة الروايات ذات اللغة الشعرية المركّزة واللمّاحة التي تكثر فيها الإشارات والتلميحات، ولطالما نفرت روحي من الروايات ذات السرد الناشف والحوارات الطويلة والوصف التقريري، طالما اتّجهت لكتابة الرواية فسأكتب ما أحبه وفق نهجي وقناعتي ولا تعنيني العمارات التقليدية والنظريات الأكاديمية، أريد أن أكتب شيئًا أحبه، وعندي أن تكتب ما تحب هو المدخل لأيّ إبداع مختلف.

(*) هل تكتب ضمن سيناريو مرسوم سلفًا، وأسلوب مقرّر مسبقًا؟ وهل تتصوّر شخصياتك قبل سكبها على الورق؟
سبق أن أشرت لجواب هذا السؤال في معرض إحدى إجاباتي السابقة، لا أؤمن في الكتابة الأدبية بالتفكير المسبق والسيناريوهات المسبقة، الأدب ليس ورشة كما أسلفت، هو عملية معقّدة يضع فيها كلّ كاتب بصمته الشخصية التي تتنافى مع التصوّرات المسبقة، هذه التفاعلات الداخلية للكاتب هي التي تقود الرواية إلى سيناريوهاتها الخاصّة التي لا يكون حتى الكاتب مطّلعًا عليها، قد يكتب فصل من الرواية ثمّ يقوده هذا إلى إبداع أحداث ومشاهد الفصل الآخر، وهكذا تبدو الكتابة الروائية عملًا مُتضافِرًا يسير من الداخل للخارج.

(*) من يقرأ أعمالك قبل نشرها؟ وهل أنت من أنصار فكرة وجود "محرّر أدبي" في دُور النشر؟
في بعض الأحيان، لا بدّ من اطّلاع بعض المقرّبين الثقات على طبيعة مشروع العمل الروائي، قد يكون هذا مفيدًا أحيانًا، ولكن في المجمل قد يفسدون على الكاتب الدفقة التلقائية للعمل، عندما تبدأ الإضافات والتعديلات يفقد العمل الروائي لمعة الانبثاق، ويغدو لوحة فيها من التّكلّف والصرامة وربّما الذهنية الحدّ الذي يُفقدها جمالها البديهي والفطري، ولهذا فإنّ المشاورة واطّلاع الآخرين على خامة العمل الروائي سلاح ذو حدّين.

(*) كإنسان وروائي، ما هو تأثير الاثنتي عشرة سنةً من الخراب المريع والدمار والحرب التي نعيش فصولها في سورية حتى يومنا هذا عليك؟ ومن بعد؛ إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يكون الروائي حياديًا في قضية تمثّل وطنًا وشعبًا تعرّض لكلّ أنواع الظلم والاضطّهاد من مختلف الرايات المتحاربة في الأراضي السورية؟
روايتي الأولى "الخزّاف الطائش" كانت شبه مكرسة لتداعيات الخراب السوري العميم على البشر والحجر، فلا مهرب ولا مناص من تأثيرات المأساة السورية على كلّ كتابات الأجيال التي عايشت هذا الحدث المأساوي.




وفي "قيامة جميلة" كان لهذا الخراب حضوره في شخصية "جان" الهارب بكلّ انكساراته من هول تلك المآسي، من دون أن يستطيع التخلّص من تلك الجراح العميقة التي ظلّ يحملها كوشم أبديّ.

(*) في رأيك، هل حرّضت الحرب شهية الأدباء ليكتبوا ما كتبوه عن فواجع المجتمع السوري، وكشف المستور في ثناياه، وما كانوا ليكتبوه لولا ما حدث من حرب طويلة الأمدّ، زادها الزلزال المُدمّر، في شباط/ فبراير الماضي، خرابًا وقتلًا وتشريدًا؟
إلى حدٍّ ما، ولدى بعضهم كانت الحرب وما خلّفته محرّضًا وباعثًا وسببًا أساسيًا للكتابة، ولكن هنالك فرق واضح بين من تمثّل هذه المأساة ووظّفها بإتقان وحنكة، وبين من استسهل وكتب ما يشبه التوثيق والوصف لتلك المأساة.

(*) ماذا عنك، هل الكتابةُ في الحيّزِ الضيقِ، حيّزِ المواجهة، طوق نجاة في مواجهة ما يحيط بنا من خراب؟
بالطبع، الكتابة في وجه من وجوهها الكثيرة هو ما ذكرت، ولكن هنالك أشياء أخرى، منها ما هو مفسّر وواضح، ومنها ما هو خفي، تشترك كثير من الأمور وتتزاحم في الذهن والوجدان حتى تدفع الكاتب إلى مغامرته، والسؤال هذا يحيلنا إلى ماهية وظيفة الأدب في المجتمع، ودوافع اللجوء إلى الكتابة الأدبية، وهو حقل شاسع مختلف عليه على الدوام.

(*) كيف ترى أثر الجوائز الأدبية في المشهد الأدبي العربي، والتي كان لك منها نَصيِب؟ ولماذا تثير غضب ومرارة كثير من الكُتّاب العرب؟
الجوائز وضعت لغايات معينة، ومنها إثارة الجدل. هذا جزء من فكرتها. وطالما كان فيها إغراء مادي ومعنوي ستبقى خاضعة للإملاءات والأهواء بنسب تقل وتكثر حسب مكانة وقيمة وتقاليد الجائزة. إجمالًا، الجوائز لا تمنح العمل الأدبي سوى الانتشار والاهتمام والأضواء، لكنها لا تعلي من القيمة الأدبية، بل ربّما تساهم في التضليل والانكباب على أعمال معينة لأسماء يراد تعويمها لأسباب تتعلّق برغبة الممولين.

(*) هل سنرى لك قريبًا مجموعة شعرية، أو رواية، جديدة؟
لا شيء في الأفق، رغم كثرة الأفكار، أنا الآن في هدنة بعد روايتي الأخيرة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.