}

عبد الله تايه: أدبنا الفلسطيني في غالبه أدب مقاوم

أوس يعقوب 3 أغسطس 2023

بعد خمس روايات، وسبع مجموعات قصصية، والعديد من المؤلّفات في حقول النقد وأدب الرحلة والتراجم والإعلام، صدرت للقاص والروائي الفلسطيني عبد الله تايه رواية بعنوان "وجع لا بُدّ منه"، يتتبّع فيها معاناة الفلسطيني أينما سافر سواء داخل فلسطين أو في دول الشتات.

تايه يعيش في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزّة، وبدأ الكتابة منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين. وكان شغل منصب الأمين العام المساعد للاتّحاد العامّ للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، ومنصب نائب رئيس منظمة كتّاب أفريقيا وآسيا في فلسطين، كما شغل منصب مدير عامّ في وزارة الإعلام الفلسطينية. في مطلع شهر نيسان/ أبريل الماضي، أطلق مبادرة تأسيس "نادي القصّة الفلسطيني" من قطاع غزّة المحاصر.

وفي 13 آذار/ مارس 2022، أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية اختيار تايه "شخصية العام الثقافية لعام 2022". وقال بيان الوزارة: "تم اختيار تايه وفقًا لمعايير شخصية العام الثقافية ومحدداتها، ومن منطلقاتِ دوره الريادي والقيادي في العملِ والفعل الثقافي الوطني الفلسطيني، وحضوره اليومي والدائم في الحياة العامّة الفلسطينية كمثقفٍ يسعى من خلال دوره الإبداعي الأدبي والوظيفي الثقافي من أجل رفعة شأن وحضور الثقافة الوطنية الفلسطينية". وفي الشهر التاسع من نفس العام، قلّد تايه "وسام الثقافة والعلوم والفنون – مستوى الإبداع".

هنا حوار مع تايه للدخول إلى عوالم روايته الأخيرة، وللحديث عن مسيرته الأدبية الإبداعية، والمشهد الأدبي الغزّي، وراهن القصّة القصيرة في فلسطين، وتفاصيل مبادرة إطلاق "نادي القصّة الفلسطيني".  

(*) كيف تعرّف بنفسك؟ وماذا تخبرنا عن بداياتك الأولى في عوالم الكتابة الإبداعية؟

أنا كاتب فلسطيني لاجئ طرد أهلي من قرية بيت دراس في 1948 عام النكبة. بدأت الكتابة منذ أواسط السبعينيات، تسكنني قريتي وهموم وطني وما يعانيه الفلسطيني داخل وخارج فلسطين التاريخية، وفي المخيمات في دول الجوار. مؤرق بقضايا الحرّية والاستقلال والعدل الاجتماعي والهموم الإنسانية والحنين إلى حياة حرّة كريمة في وطن مستقل.

(*) هل ثمّة محطة أساسية في حياتك كان لها الأثر الكبير في مسارك الأدبي؟

حياتي في مخيم جباليا في قطاع غزّة منذ الخمسينيات، والعيش فيه في ظل الظروف المأساوية من فقر ومرض وبطالة وإهمال وازدحام، والعيش على إعانات وكالة الغوث في بيوت القرميد المؤقتة في المخيم، كان لها الأثر الكبير في تكوين اهتماماتي الثقافية والأدبية، خاصة وأني عشت سنوات طويلة تحت الاحتلال ورأيت من النماذج الإنسانية في المخيم ما لا حصر له من المعاناة والقهر والبؤس، فوجدت في الكتابة وسيلة للتعبير عن هذه الهموم والآمال.

(*) في روايتك الأخيرة "وجع لا بُدّ منه"، تناولت ما يتعرّض له الفلسطيني من عذابات جسَدية ونفسية واجتماعية وسياسية من التشتّت في البلاد العربية والأجنبية منذ النكبة، عاكسًا واقع الظلم والقهر والبؤس الذي يرزح الإنسان الفلسطيني تحت وطأته في أرضه المحتلّة. ما الذي حفّزك على تناول هذا الموضوع تحديدًا؟

خلال سفري إلى بلاد وعواصم متعدّدة عربية وغير عربية، لطبيعة عملي السابق في وزارة الإعلام وفي اتّحاد الكتّاب، وصلتي بالناس وما نواجهه في السفر كفلسطينيين، وجدت نفسي مندفعًا لتبيان هذه المعاناة الدائمة في السفر والمعاملة المختلفة لنا في المعابر والمطارات، ذلك لأنّ أبسط حقوق الإنسان هو حقّه في السفر بكرامة، وقد لاحظت في تجربتي الشخصية أنّ معظم الدول التي تدّعي التعاطف مع فلسطين تمارس نفس الأساليب علينا في السفر، كتبت روايتي آملًا أن أشعل ضوءًا يلفت الانتباه إلى معاناتنا في التنقل.

(*) وأنت تكتب، ما هو هامش الحرّية الذي تضعه لنفسك، وهل من "تابوهات" تودّ كسرها عند اقتحامك للممنوع والمسكوت عنه في مجتمعاتنا الفلسطينية والعربية؟

الكاتب وظيفته أن يحاول كسر هذه "التابوهات"، ولكن حسب ما يلزم في السياق الأدبي وفنّيته والموضوع والفكرة التي يناقشها الكاتب، لا أحبذ الكسر لمجرّد الكسر بل بما يخدم العمل فنّيًا وأدبيًا، وأنا لا أحب الخروج على بعض السياقات التي لها علاقة بالمعتقدات الدينية، وما تعارف عليه المجتمع من قيم وأصالة وموروث تراثي إنساني رفيع.

نحن نريد المساهمة في الفعل الحضاري الإنساني بمكوّناته المبدعة الخلاقة المستنيرة، وأخذ ما يتناسب مع قيمنا من الحضارة الإنسانية بعيدًا عن التقليد والنقل لمجرّد النقل، فالمهم هو ما يناسبنا غير منقطعي الصلة بالتطوّر والتطوير في المجالات المفيدة.

(*) هل هناك إمكانية لأن يبتعد الروائي عن ذاته وعوالمه الاجتماعية والثقافية، أم أنّ الذاتية هي جزء من أي كتابة؟

لكل إنسان اهتماماته المتناسبة مع ثقافته وميوله ورغباته وهواياته، والكاتب القصصي والروائي المعني بالسرد لا يمكن أن ينفصل عن ذاته والظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية المحيطة به، بل إنّ الكتابة تعتبر تنفيسًا ذاتيًا عن مكنونات الكاتب وإرضاءً لنفسه وذاته أوّلًا ثم يأتي بعد ذلك ما يأتي من الأسباب، إنها إشباع لرغبته ونفسيته وطموحه وآماله وتعبيرًا عن قلق الذات ثم ينطلق فيما بعد إلى المكوّنات والأهداف الأخرى، ولو أنّ الكتابة لا تحقّق للكاتب رضى نفسيًا وإشباعًا لرغبة في التميّز لما استمرّ في الكتابة والتجويد، ولكان انصرف عنها لعمل أو هواية أو اهتمام آخر.

(*) ماذا ترى أنك حقّقت في "وجع لا بُدّ منه" أكثر من رواياتك الأخرى؟

"وجع لا بُدّ منه" ليست رواية لمعاناتي الشخصية فقط، ولكنها رواية لمعاناة كل فلسطيني أينما ذهب وسافر سواء داخل فلسطين أو في دول الشتات، لذلك هي رواية الوجع لكل فلسطيني ليشعر الإنسان الفلسطيني المظلوم أنّ هذه روايته، وهي تجربته الشخصية وليست مجرّد تجربة الكاتب.


(*) بين روايتك الخامسة "قمر في بيت دراس" (2001)، وروايتك الأخيرة السادسة (2022)، فاصل زمني طويل يتجاوز العقدين. لماذا هذا الانقطاع الطويل عن كتابة الروايات؟

خلال هذه الفترة ألحت عليّ مجموعة من الأفكار التي رأيت أن أهتم بها خارج الكتابة الروائية، وأنها تحتاج إلى شكل ووعاء آخر من الكتابة والتصنيف بفعل موضوعها، فأصدرت ثلاث مجموعات قصصية "انفلات الموج" (2001)؛ و"جنود لا يحبون الفراشات" (2003)؛ و"ما قالته الرواة عن الحواري" (2016)؛ ومجموعة "قصص فلسطينية من غزّة" مترجمة للإنجليزية stories from GAZA (2021)؛ وكتاب مقالات ثقافية "ليلة السابع من ديسمبر" (2003)؛ و"الإعلام الثقافي في الإذاعة والتليفزيون" (2006)؛ و"الإبداع في معاني أسماء الله الحسنى" (2015)؛ و"كُتَّاب فلسطينيون من القدس" (2016)؛ و"رحلتي إلى الصين، من أدب الرحلات" (2018)؛ و"الإعلام الثقافي في إذاعة فلسطين" (2020). بالإضافة إلى كتابين في الدراسات الأدبية "الرواية الفلسطينية والصراع الدائم" (2020)؛ و"قراءة في الأدب الفلسطيني الحديث" (2021). كل هذه الكتب نشرت في هذه الفترة الزمنية، ولدي سبعة كتب من ذات الفترة لم تنشر بعد، ولدي رواية جديدة عنوانها "غزّة مذاق آخر" ستنشر قريبًا.

(*) بين القصّة والرواية، أين تعثر على شغفك بشكلٍ أقوى وأكثر وعيًا ونضجًا في الكتابة الأدبية؟

إني مهتم بالرواية والقصّة القصيرة وتعرفون أنّ لهذين الجنسين مواصفات أدبية وفنّية وتقانات مختلفة، الموضوع والفكرة هما اللذان يسيطران على اختيار وعاء الكتابة المناسب قصّة أو رواية.

شخصيًا لا أفضّل وعاء على وعاء إلّا بسؤال نفسي ما الشكل الأدبي الأنسب لموضوعي وفكرتي التي أريد أن أعبر عنهما، هذا ما يحدد اختياري.

(*) هل قال عبد الله تايه كل شيء في نتاجه الأدبي الصادر حتى الآن؟

بالتأكيد لا، فحين يظن الكاتب أنه قال كل شيء عليه أن يصمت لأنه لم يعد عنده ما يضيفه، والسؤال هل اعترف كاتب ما أنه قال كل شيء؟ لم يوجد هذا الكاتب بعد، فالحياة المتغيّرة كل لحظة وهذه الصراعات التي تدور حولنا وداخلنا تحتاج إلى مواصلة الكتابة، الكاتب المبدع والمثقف والذي يمتلك الحساسية الفنّية للإبداع والقضايا الإنسانية يظل القلق يلازمه رغمًا عنه، ولا بدّ أن يفجّر قضايا ذات جدّة ويعبر عنها بما امتلكه من قدرات جمالية وفنّية وإلا لماذا نسميه مبدعًا؟! أليس لأنه نموذج مختلف عن الآخرين! ويلاحظ ما لا يلاحظه الآخرون! ومسؤوليته الأخلاقية والإبداعية والوطنية والإنسانية تفوق مسؤولية الآخرين! على جهود المبدعين قامت الحضارات وازدهرت الأزمان.

(*) كيف جاءت فكرة تشكيل "نادي القصّة الفلسطيني"، والذي تمّ إطلاقه في شهر نيسان/ أبريل الماضي، وما هو الهدف الرئيسي من وراء بعث هذا النادي؟

يدّعي كثيرون أنّ زمن القصّة القصيرة قد ولى لصالح الرواية! وأنا لا أرى أي سبب فنّي يدعم هذه المقولة لا على مستوى القصّ العربي ولا الأجنبي، كل الحكاية هي الجوائز الثمينة التي قرّرتها جهات متعدّدة. القصّة القصيرة فنٌّ صعب وليس سهلًا كما يعتقد البعض، والكثير من الدول العربية يوجد فيها نوادي للقصّة مثل مصر والسودان، وقبل عدة أسابيع نظم موقع "الساردون يغردون" المصري، مسابقة للقصّة القصيرة على مستوى الوطن العربي، ومثّل كل دولة ثمانية كتّاب للقصّة، والدول المشاركة كانت أربع عشرة دولة، ولكم أن تتخيلوا عدد كتّاب القصّة الذين شاركوا في هذه المسابقة، لهذا وذاك ورغبة في التواصل مع كتّاب القصّة القصيرة في فلسطين والارتقاء بها إبداعيًا وجماليًا وفنّيًا رأيت أهمية وجود "نادي فلسطيني للقصّة"، وبعد إعلاني عن بعث النادي في وسائل الإعلام الفلسطينية انضم له ما يزيد على ستين كاتبًا للقصّة إضافة إلى عدد من النقّاد، ويجري حاليًا العمل للترتيبات الخاصّة بالنادي.

(*) هل تابع النقد تجربتك الإبداعية؟ وإلى أي حدّ أسهم في تطوير مشروعك السردي؟

هناك مجموعة من النقّاد في فلسطين يعطون اهتمامًا لما ينشر من أجناس الإبداع المختلفة لي ولبقية الكتّاب الفلسطينيين، والعمل الجيد هو الذي يجذب النقّاد لساحته للتأمل والكشف والإضافة، وكل ناقد محكوم لثقافته وقدراته النقدية ودراساته المتعدّدة. بخصوص كتاباتي الروائية والقصصية فإنّ عددًا كبيرًا من النقّاد والدارسين اهتموا بها، وكتبوا كثيرًا من الدراسات والمقالات التي نشرت في الصحافة والمواقع الأدبية وغير الأدبية الوطنية والعربية. أضف إلى ذلك أنّ هناك العديد من الكتب ومباحث الدراسات العليا حول كتبي وإبداعي.

(*) ما هي نظرتك العامّة إلى المشهد الأدبي الغزّي قياسًا بالمشهد الأدبي الفلسطيني عمومًا من حيث المحتوى وأساليب الإبداع؟

المشهد الأدبي الغزّي مشهد ثري وفاعل ونشط يمور بإصدارات كثيرة وظهور كتّاب وشعراء من الشباب الموهوبين، وتدار فيه ندوات ثقافية وأدبية عديدة كل شهر.

أنا مطمئن لهذا الجيل الجديد الذي يكرس وقته وجهده وثقافته للكتابة والإبداع متمنيًا على النقّاد متابعات نقدية جادّة لهذه الإصدارات.

(*) كيف تنظر إلى راهن القصّة القصيرة في فلسطين، هل ثمّة تجارب جديدة مميّزة تستحقّ العناية بخاصّة في قطاع غزّة؟

يكتب القصّة القصيرة في قطاع غزّة كتّاب مبدعون من جيل الكتّاب المكرسين ومن الجيل الجديد، وهناك اهتمام بالكتابة القصصية والتنوّع في الشكل والمضمون وطرائق التعبير، يوجد مستوى لائق للقصّة في غزّة يحتاج للمتابعة والتشجيع وتبني دور النشر لهذه الكتابات القصصية.

(*) ماذا يعني لك اختيارك، من قِبل وزارة الثقافة الفلسطينيّة في رام الله، "شخصية العام الثقافية" لعام 2022؟

أعتز بتكريمي بهذا اللقب، ويحدوني الأمل في الاستمرار بدوري الأدبي والثقافي معبّرًا عن قضايا شعبي الوطنية والإنسانية حتّى تتحقّق أهدافنا في الحرّية والاستقلال.

(*) تُرجمت بعض أعمالك إلى عدد من اللغات العالمية، ما شعورك حيال هذا؟ وهل تعتقد أنّ في الأدب رسالة كونية تتخطّى الحواجز الثقافيّة؟

أدبنا الفلسطيني هو في غالبه "أدب مقاوم" لأننا لا نزال تحت الاحتلال، وهو أدب إنساني فنحن مثل شعوب الدنيا نريد الحرّية والاستقلال، وكلما ترجم عمل من أعمالي أو أعمال إخوتي الكتّاب في فلسطين فإنني أشعر بسعادة غامرة حيث تصل من خلال كتاباتنا معاناة شعبنا لقرّاء جدد بلغات أخرى تصل إليهم فلسطين وشعبها وتراثها وأحزانها وآلامها وأحلامها من خلال الرواية والقصّة والقصيدة والمسرحية والأغنية، هنا شعب إنساني يشارك في الحضارة العالمية من خلال الأدب؛ قصّة ورواية وشعر وكل الأجناس الأدبية الأخرى.

(*) على ماذا تشتغل حاليًا؟

سيتم قريبًا نشر روايتي الجديدة "غزّة مذاق آخر"؛ ومجموعتي القصصية المترجمة "قصص من غزّة"؛ وكتاب بعنوان "قراءة في أدب عربي وعالمي".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.