}

عبده منصور المحمودي: الطفرة الأدبية اليمنية غير مُواكَبة نقديًا

صدام الزيدي صدام الزيدي 3 أكتوبر 2024

عبده منصور المحمودي شاعر وباحث أكاديمي يمني من مواليد محافظة الضالع (جنوبيّ البلاد)، يعمل حاليًا أستاذًا مساعدًا للأدب والنقد الحديث في جامعة عدن، كما أنه مهتم بدراسة الأدب اليمني المعاصر، والتحليل الأنثروبولوجي للثقافة الشعبية في اليمن. حاصل على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث من كلية الآداب، جامعة تعز اليمنية عام 2014، وقبلها كان حصل على ماجستير في اللغة العربية وآدابها في عام 2009 من الكلية نفسها، وليسانس آداب في 2006- جامعة تعز، وبكالوريوس لغة عربية- كلية التربية في الجامعة نفسها عام 2005.

صدرت له مجموعتان شعريتان: "أقرب من وجع السؤال" عن دار همسة- مصر، 2021؛ "غربان قابيل وأغصانهم" عن منشورات مواعيد- صنعاء، 2023، إضافة إلى دراستين نقديتين: "المنهج وقضايا الأسلوب في أعمال عباس السوسوة" عن المركز الديمقراطي العربي، برلين- ألمانيا، 2022؛ "رواية الحرب في اليمن"، هي عبارة عن دراسة في أدب الحرب وسرديات الصراع، عن دار عناوين بوكس- القاهرة، 2024.

والمحمودي حاصل على عدة جوائز شعرية نذكر منها: جائزة رئيس الجمهورية للشباب في محافظة تعز- اليمن (مناصفة- 2006)؛ جائزة ناجي نعمان الأدبية- لبنان، 2022؛ جائزة نجوم الإصدارات- مكتب الثقافة بمحافظة تعز- 2023، عن مجموعته الشعرية "سيزيفان وصخرة واحدة"؛ المركز الأول في مسابقة الشعر بجامعة تعز- 2007؛ درع الجامعة وجائزة رئيس جامعة تعز للإبداع الأدبي والفني (المركز الأول) 2010؛ جائزة مهرجان "همسة" الأدبي- مصر، 2021. شارك في عدد من الفعاليات الإبداعية، النقدية والثقافية في اليمن. تنشر له قصائد ودراسات نقدية وأنثروبولوجية في صحف ومنابر نشر ومجلات محكّمة يمنية وعربية.

هنا حوار معه:

(*) لنبدأ الحديث من دراستك الصادرة حديثًا "رواية الحرب في اليمن: دراسة نقدية في أدب الحرب وسرديات الصراع". وتأتي هذه الدراسة بعد عقد من الزمن على بدء الحرب الدائرة حاليًا في اليمن. ما الذي عاينتْه الدراسة، وما أهم ما خلصت إليه من نتائج؟ بصيغةٍ أخرى، كيف هي سردية الصراع السياسي اليمني القائم في متن المنجز الروائي؟

في البدء، أنا سعيدٌ بهذا الحوار معك، وأجدها مناسبة لأثني على اشتغالك المتجدّد على تقديمِ خطابٍ صحافي وثقافيٍّ مختلف.

باتفاق أدبيات التاريخ، لا شك في أنّ من أهم خصائص التاريخ اليمني ــ القديم والحديث ــ أنه تاريخٌ مثخنٌ بالحروب والصراعات. وقد وجد طريقه إلى السردية اليمنية، لا سيما الروائية منها. وهو ما عملتُ على تحليله، في كتابي الجديد "رواية الحرب في اليمن: دراسة في أدب الحرب وسرديات الصراع"، الصادر مؤخرًا عن دار عناوين بوكس في القاهرة.

تناولتُ في هذا الكتاب/ الدراسة السياقات الفاعلة في تشكيل السردية الروائية في اليمن. وبوجهٍ خاص، ما يتعلق منها بتسريد تجارب الحرب والصراع، بمختلف أبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية.

أمّا نتائج الدراسة، فقد تعدّدت بتعدّد معالم رواية الحرب في اليمن، لكن يمكنني الإشارة إلى بعضٍ منها. فمن أهم تلك النتائج أن رواية الحرب في اليمن تتفرّد بخصائص مقصورة عليها، تتشكّل من خصوصية الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تنتمي إليه، بما فيه من خصوصية الصراع وأبعاده، وماهية أطرافه، والغايات الكامنة وراء كل جولة من جولاته، والتداعيات المترتبة على هذه الغايات. كما أن رواية الحرب في اليمن لم تصل ــ بعدُ ــ إلى مستوى التخصص والتعمق، الذي وصلت إليه الرواية الغربية في تناول الحرب. لكنها - على ذلك - تقدّم صورة واقعية ومؤثرة عن الحرب وتداعياتها في المجتمع اليمني. وإلى ذلك، يظهر في رواية الحرب في اليمن نسقٌ من الارتقاء الكتابي، الذي يستند إلى تشبيك أحداث الصراع، وتوظيف ارتباطاتها وامتداداتها التاريخية، في اتصال الحاضر بالماضي، من خلال ما يتجانسان فيه من بُنية صراعٍ محكومةٍ بغاياتٍ سياسية، وتداعيات كل ذلك، في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

انتصار للحياة بوجه الدمار

(*) لنتحدّث عن الرواية اليمنية، في المجمل، وأنت أحد النقاد المهتمين بدراسة الأدب اليمني المعاصر. هنالك زخم لافت في الإصدارات والعناوين الروائية اليمنية في السنوات العشر الأخيرة. ما الذي يعنيه هذا الزخم، وهل المضمون الفني مواكب لحال العصف هذه؟

عطفًا على حديثنا عن الحرب وتداعياتها في مختلف مجالات الحياة في اليمن، بما في ذلك مجال الكتابة الروائية؛ يمكن القول إن هذا الزخم - في حدّ ذاته - يعني انتصارًا للحياة في وجه آلة الحرب والدمار. ولا شك في أن بعضًا منه متّسمٌ بمستوى عالٍ من المواكبة الفنية. وفي المقابل، هنالك بعضٌ آخر، لا تتوافر فيه النسبة المأمولة من المواكبة الفنية، أو لا يتوافر فيه القدر الكافي من المقومات والتقنيات السردية. لذلك؛ فإن الموضوعية تحتم علينا الإشارة إلى أن بعض التجارب الروائية في اليمن، لا تزال بحاجة إلى مزيدٍ من الإعداد والقراءة والإلمام بأدوات الكتابة السردية.

(*) وماذا عن الشعر اليمني الراهن، هل هو بخير؟

الشعر واحد من الأجناس الأدبية التي تتوافر فيها مقومات البقاء. لذلك؛ فالشعر اليمني الراهن بخير. ولا سيما في تفاعله مع متغيرات الحداثة ومسارات التجريب، بعد أن انفتحت التجارب الشعرية على كثير من التجارب الخارجية، بفضل الطفرة المعاصرة في وسائل التواصل الحديثة.

وعلى ذلك، فإن ما يمكن التعريج عليه في توصيف حال الشعر المعاصر ــ في اليمن وغير اليمن ــ هو ما أفضى إليه التنافسُ بينه والرواية على تصدّر المشهد الأدبي والثقافي؛ إذ تقدّمت عليه الرواية، فاستحوذت على تلك الصدارة؛ لما تتميّز به من مرونة وخصائص، تُمكّنها من استيعاب معطيات الحياة المتسارعة في العصر الحديث.


(*) هنالك هجمة على النقد والنقاد اليمنيين، أو لنقل: نوع من العتب على خفوت وتبعثر (وربما شللية) وهامشية ما يطالعنا نقديًّا. كيف ترى إلى هذا الأمر؟

بغضّ النظر عن التعاطي الاصطلاحي مع هذه الإشكالية، كأن يقال إنها "هجمة" على النقاد، أو نوع من "العتب"، أو توصيفها لبعض المنجز النقدي الحديث بأنه غالبًا ما يأتي ضمن سياق من "الشللية"، أو "الهامشية"... فكل هذه المُسميّات لها ما يبرّرها. خاصة إذا ما نظرنا إلى بعض التجليّات النقدية، التي تدور في دائرة الانطباع الذاتي، أو الاحتفالي، أو الشخصي، وما في سياقه.

لكن هذا لا يعني أن كل ما يُكتب من نقدٍ لا يتجاوز هذه الدائرة، أو أنه لا يرقى إلى المستوى النقدي المبني على التمكُّن من آليات التحليل والتقييم والتقويم. ولا سيما في بعضٍ مما يُنشر من كتاباتٍ نقدية. ومثله ما يتوالى من اشتغالِ كثيرٍ من الباحثين على موضوعات نقدية، في رسائل وأطروحات أكاديمية، أو أبحاث أكاديمية محكّمة.

وإلى ذلك، فإن من مبرّرات تلك (الإشكالية/ الهجمة)، اتّساع الفجوة بين الإبداع والنقد؛ فالطفرة الأدبية ــ للأسف ــ لا توازيها طفرة نقديةٌ مواكبةٌ لها. وإن كان المنجز الإبداعي ــ في ماهيته ــ أسبق من العملية النقدية، وأكثر منها ثراءً وتنوعًا واجتراحًا لمسارات جديدة. إلّا أن ذلك، لا يعني أن الاشتغال النقدي بخير، بعد أن تعثر في استيعاب مستجدات المنجز الإبداعي غزير التدفق.

وفي كل الأحوال، لا يمكن إغفال العوامل المتعدّدة الفاعلة في اتّساع هذه الفجوة بين النسقين (الإبداعي/ والنقدي)، أبرزها الحال البائسة، التي يعيشها اليمنيون، كانقطاع الرواتب، وارتفاع تكلفة الحياة المعيشة، وانعدام فرص العمل. كل ذلك، يجعل من البحث عن أبسط مقومات الحياة أولويّةً تتجاوز أيّ اهتمامٍ، بما في ذلك الاشتغال النقدي.

(*) بوصفك أحد الفائزين بجوائز رئيس الجمهورية للشباب (مجال الشعرــ 2006 ــ محافظة تعز ــ مناصفة) برأيك، ما الذي أحدثتْه هذه الجائزة على مدى سنوات حضورها من أصداء ورؤى؟   

كل جائزة أدبية لا شك في أنها تُحدث هالة من الأصداء والرؤى، بأي شكل من الأشكال. لذلك، فقد أحدثت هذه الجائزة نوعًا من التحفيز للطاقات الشعرية، وأتاحت لبعضٍ ممن فازوا بها ــ وأخلصوا لموهبتهم الشعرية ــ فرصة الإطلال منها على المشهدين الثقافي والإبداعي.

(*) بين الشعر والكتابات النقدية، أين تجد نفسك؟

هذه المحاور تنتمي إلى الكتابة؛ بوصف الكتابة أهم منجزات الحضارة الإنسانية. لذلك؛ فأنا أجد نفسي في الكتابة، وفي هذه الثلاثية منها بوجه خاص. ففي حنايا الشعر أجد نفسي تُعاقر اللذة في اقتراف البوح الوجداني الموارب، وترتقي معارج التعبير عما يعترك فيها من تفاصيل الحياة الشائكة.

وإلى ذلك؛ فالشعر هو الباب الذي انفتح لي على فضاءات الكتابة، وفيه نلتُ عددًا من الجوائز الأدبية، كـ"جائزة رئيس الجمهورية" ــ التي أشرتَ إليهاــ و"جائزة الشعر في جامعة تعز"، و"جائزة ناجي نعمان الثقافية" في لبنان، ومثلها "جائزة مهرجان همسة الدولي للفنون والآداب" في القاهرة، وليس انتهاءً بفوز ديواني "سيزيفان وصخرة واحدة" بجائزة مكتب الثقافة في محافظة تعز العام الفائت.

أمّا الكتابة النقدية، فإنني في واحتها أُعايش جماليات المنجز الأدبي، هوايةً، ومجالًا لعملي الأكاديمي أستاذًا للنقد والأدب الحديث في جامعة عدن. كذلك هي الكتابة الصحافية، التي تمثّل فضاءً لتحليل بعض الإشكالات المعاصرة. وعلى ذلك؛ يمكنني القول إن الكتابة النقدية هي الأكثر حظوة باهتمامي، والأكثر استحواذًا على كثير من وقتي واشتغالي الكتابي.

(*) لنتحدث عن الثقافة الشعبية. إلى أي مدى اليمن غنية بهذا الموروث، ومَن يهتم بتوثيقه ومقاربته بالدراسة والتحليل الأنثروبولوجي وأنت أحد المهتمين بدراسة الثقافة الشعبية؟            

اليمن من أغنى البلدان بالموروث الشعبي؛ فكل منطقة يمنية زاخرة وثرية بالثقافة الشعبية. وأنا أجد متعةً فيما أتطرق إليه ــ في بعض كتاباتي ــ من مقاربةٍ وتحليل أنثروبولوجي لما يلفت انتباهي من سياقات الثقافة الشعبية اليمنية، الغنية بتفاصيل وإحالات ورؤى وخبرة إنسانية متراكمة.

وقد بُذِلتْ ــ ولا تزال تُبْذل بين الحين والآخر ــ جهودٌ محدودة: رسمية، وغير رسمية، وفردية. منها ما يهدف إلى جمع هذا الموروث وتوثيقه، ومنها ما يتناوله بالدراسة والتحليل الأنثروبولوجي.

وعلى ذلك، فإن هذه الجهود المحدودة ــ على قيمتها ــ لا تصل إلى المستوى الذي يتناسب مع ثراء هذا المنحى الثقافي وتنوُّعه. فلا يزال الموروث الشعبي في اليمن حقلًا واعدًا، يكتنز مادةً غنية، وخصوبةً مغريةً بالاشتغال عليه في برامج بحثٍ وجمعٍ وتوثيقٍ وتحليل ودراسة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.