هدى حمودة شاعرة ومترجمة جزائرية تهتم بترجمة نصوص عن الفرنسية لها علاقة بالشعر، الفن، الجمال. تخرجت في قسم الإعلام في جامعة سطيف الجزائرية. نشرت لها في منابر ودوريات ثقافية عربية عدة نصوص ترجمية تتناول أدب الرحلة، والاستشراق، وموضوعات أخرى، لكن الشعر يستحوذ على الحيز الأكبر من اهتماماتها. وهنا نشير إلى ترجمتها قصائد لكل من شارل بودلير؛ ليونيل راي؛ ليدي داتاس؛ آن بيرييه؛ نينا بيربروفا؛ أندريه شديد، وآخرون. كما نشر لها أخيرًا ملف مختارات من الشعر الجزائري الناطق باللغة الفرنسية. هنا، حوار معها:
(*) تخرجت في قسم الإعلام في جامعة سطيف الجزائرية، لكنك اتجهت للترجمة الأدبية. كيف وجدت الفضاء الترجمي؟
تجربة رائعة ذهبت إليها بمحض الصدفة، وفيها وجدت مكاني. قلت لنفسي، وقتها، هنا تحديدًا أريد أن أكون، وسط لعبة الكلمات اللماحة هذه التي كثيرًا ما اختبرتني بعمق، وقرّبتني من صمتي، وعلّمتني كيف أنصت لحركة انتقال المعاني من لغة إلى أخرى. هنالك جمال أخّاذ وذكاء متّقد في لغتي العربية كشفه التلاقي مع لغة أخرى من خلال عملية الترجمة. لقد حرّكَت داخلي كل البرك الراكدة. الترجمة إبداع ثانٍ، أن تنحت من النص الأصلي شكلًا يواتي لغتك وتلبسه أجمل ما تملك من كلمات، أن تختبر اللغة في مكانها الأول عند تشكل النص، وتعود معها في كل مرة إلى نقطة البدء. كم مرة بدأت مع كل نص ترجمته؟ لا أعرف! لكني في كل تجربة كنت أحبو حتى أكبر مع النص المُترجَم، ونصير جديرين ببعضنا بعضًا. هنالك كثير من الأخطاء صرت أتقبلها أكثر، فاللعثمة ضرورية ليُخلق النص القادم بصلصاله الأنقى، ولأشتد أنا.
(*) تهتمين بترجمة نصوص لها علاقة بالشعر والفن والجمال... هل ذلك لأنك شاعرة أساسًا؟ والملاحظ أنك اكتفيت حتى الآن بنشر نصوص ومقالات من ترجماتك. فمتى نقرأ لك كتابًا ترجميًا؟
الشعر في داخلي يحرّكني في كل تجارب حياتي، وإن صمتُّ طويلًا عن كتابته. لا أعرف لم حدث هذا، وأتمنى أن تكون الترجمة دافعًا لذلك. وجدت الكلام نفسه في حوار ترجمته لبول أوستر يتحدث عن دور الترجمة في حياته ككاتب. وهذا منحني كثيرًا من الأمل. تدفعنا الترجمة إلى الكتابة من جديد، وكثيرًا ما حدث ذلك. أرجو، صدقًا، أن يحدث ذلك معي. بالنسبة للكتاب، تجربتي مع الترجمة قصيرة، تمشي بخطى متأنية، ولا أحد يدري ما تخبئه الأيام.
(*) ما هي هموم المترجم العربي، ولماذا أدبنا المكتوب بالعربية لا يُترجم إلى لغات أخرى إلا في حالات نادرة للغاية. ما هي الأسباب في رأيك؟
نفتقد إلى الدافع، لمكان خصب تبدع فيه بكل طاقتك وأنت مُؤمّن. مكانة المترجمة لا تقل عن الكاتب في شيء، أنت في النهاية تقرأ نصًا بلغتك الأم فيه كثير من روح وتجربة المترجم، مهما كان، لا أفهم لماذا يلقى به في زاوية بعيدة، وكأن العملية حدثت بلمسة ساحر.
أما عن ندرة ترجمة نصوص من الأدب العربي إلى لغات أخرى، فالأمر يعود لنا بالدرجة الأولى، فعيوننا مفتوحة بانبهار على منتج الآخر في مقابل هذا التقزيم المعلن للذات. وإلا كيف تفسر ترجمة شعراء عرب بقيمة محمود درويش، مثلًا، أو سعدي يوسف، للغات أخرى، العالم العربي بكل ما يحويه من تناقضات يثير فضول الشعوب الأخرى الذواقة للفن والجمال لتسمع شيئًا آخر غير صوت الرصاص العالي في هذه البلاد الغارقة منذ عقود في فوضاهم الخلاقة.
(*) اليوم، في زمن الانفتاح التكنولوجي، وفي مستهلّ إشراقة الذكاء الاصطناعي، ما مستقبل الترجمة الاحترافية في رأيك؟
هل سيعوض الذكاء الاصطناعي دفء الدم البشري، لحمه وحسه وروحه؟ سؤال ندعه للزمن الذي يحمل معه تفاصيله بالتأكيد. لكنني متفاءلة لمشاهد الحنين البشري للأرض، وتفاصيل الحياة البسيطة، هذا الالتفاف نحو جوهر كامن فينا في قمة الهرج الذي نحياه. الترجمة ككل مناحي حياتنا لا بد أن تصمد كما ستصمد الطبيعة في وجه البرودة والسرعة، وإلا سيبقى الإنسان مجرد متفرج على ما يُفعلُ به وبعالمه.
(*) حدثينا عن المشهد الثقافي الراهن في الجزائر؟
في الحقيقة، ليست لي علاقة بالمشهد الثقافي الجزائري، فأنا كائن ظِلّ، يحيا داخل عالمه الصغير بعيدًا عن كل ما يحدث في الخارج.