}

رشاد أبو داود: خيمة ولادتي لم تزل تسكنني

أحمد طمليه 24 سبتمبر 2024


ولد الصحافي والكاتب رشاد أبو داود في مخيم عسكر- نابلس عام 1950، لأبوين هاجرا عام 1948 قسرًا من قريتهما الجماسين قضاء يافا وانتقلا إلى عمان ثم الزرقاء حتى المرحلة الثانوية.

يحمل درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنكليزي ـ جامعة دمشق. بدأ حياته الصحافية في 1976، في صحيفة "الأنباء" الكويتية وتنقل بين عدة صحف ومجلات عربية كصحافي وكاتب منها: الخليج الإماراتية،  الدستور الأردنية، مجلة بسمة الأردنية، آخر خبر الأردنية، الوقت البحرينية، البيان الإمارتية، مجلة المجلة السعودية.

صدرت له أربعة كتب في الأدب والشعر: "لكم أنت بي - نكهة وطن"، "كلام طري"، "اسمعي ما تقول يداي"، "ظل أحمر"، وقيد الطباعة "عمان... وأخواتها الجميلات".

في هذا الحوار مع رشاد أبو داود تحتار بأيهم تبدأ، رشاد الصحافي الذي مارس مهنة الصحافة منذ ما يقارب 47 عامًا، بدأها كمترجم ثم محرّرًا ثم مدير تحرير لصحف عربية مهمة، يبدأ يومه فيها مع الحبر والخبر وينهيه بهدير المطبعة ليراقب أول الطبعات ويطمئن على صفحاتها من وجود أي خطأ، أم تبدأه برشاد الكاتب والشاعر، أم باللاجئ الذي ولد في خيمة بعد نكبة 1948 بسنتين؟

لنبدأ بالثالث، اللاجئ:

(*) الطفولة هي التي تحدّد مسار حياة الإنسان. تظل مختزنة في ذاكرته، تحدّد ميوله واتجاهاته سلبًا أو ايجابًا. وتؤثر على مسيرته وشخصيته اجتماعيًا ومهنيًا وحتى سياسيًا. كيف أثرت طفولة اللاجئ فيك لتحقق نجاحات صحافية وإعلامية على الصعيد العربي؟

فتحت عيوني على الحياة في "بيت" جدرانه خيمة وسقفه خيمة. أب وأم وثلاثة أطفال أكبرهم أنا. الأب والأم هُجِّرا من بلدتهما يافا المطلة على البحر الأبيض ليجدا نفسيهما في العراء إلى أن "تصدقت" عليهما الأمم المتحدة بخيام مع مئات آلاف اللاجئين في الدول العربية المحاذية لبلادهما فلسطين. حول الخيمة كان ثمة مساحة متر واحد زرع فيه أبي دالية وشجرة ليف وميرمية ونعنع، شأنه شأن كل أهل المخيم، ربما للتعويض عن بياراتهم وبيوتهم واخضرار حياتهم السابقة.

تلك الخيمة لم تزل تسكنني رغم سنوات عشتها في عدة مدن عربية من عمان إلى دمشق إلى الكويت إلى الشارقة إلى البحرين، وما زرته من أغلب العواصم العربية.

كنت في الصف الأول الابتدائي وكان أبي فخورًا بدخول ابنه البكر المدرسة. اشترى لي شنطة وبدلة كاكي من نابلس وأعد لي "طبلية" عند نجار المخيم لأحل واجبات المدرسة وأدرس عليها. أحببت المدرسة وأحبّني المدرّسون لهدوئي وحلّ واجباتي وحفظ دروسي. وهكذا كان ترتيبي الأول في الصف. منذ تلك السنة لازمتني فكرة أن أقوم بعملي بأكمل وجه وأن أعطي العمل الأولوية في حياتي وهذا ما زرعته في أولادي.

حياة الشتات

(*) حياة الشتات التي عشتها في طفولتك أثّرت بشكل ايجابي على شخصيتك بالرغم من أن ثمة أطفالًا تؤثر فيهم سلبًا فيهربون من المدارس إلى الشوارع ومن الطرق الموصلة إلى النجاح إلى الأزقة الموصلة إلى الفشل أحيانا، كيف كان ذلك؟

في السنوات الأولى للنكبة لم يكن لدى اللاجئين أرض أو مال ليواصلوا حياتهم، إلا نافذة وحيدة هي التعليم، لذلك كان هم الآباء أن يتعلم أبناؤهم. قلة من كانوا يخرجون أبناءهم من المدارس إلى المهن ليساعدوهم في مصاريف العائلة. وكان للمدرّسين في مدارس " الأونروا" فضل كبير في حرصهم على تعليم التلاميذ، فقد كانوا هم أيضًا لاجئين.

أتذكر عندما كنت في المرحلة الإعدادية قال جار لنا لأبي "لماذا لا تخرج رشاد من المدرسة وتخليه يتعلم صنعة الحدادة مع ابني"؟ رأيت أبي يشيح بوجهه عنه ولم يجبه. عندما خرج الجار من بيتنا قال أبي غاضبًا وكان عصبيًا حادّ الطبع "شوف ال..... شو بحكي" وراح يكيل الشتائم للرجل. من تلك الحادثة وموقف أبي زاد تعلقي بالدراسة وإصراري على أن أظل متفوقًا رغم ظروفنا الصعبة.




(*) ما سر الفاصوليا البيضاء وهي بعض ما يتوفر لأهل غزة الآن في ظل الحرب والتجويع والتعطيش، والتي كتبت عنها في أحد مقالاتك؟ هل هي مما اختزن في ذاكرتك من الطفولة؟

نعم. كانت الفاصوليا جزءًا من "المؤن" التي كانت "الأونروا" توزّعها شهريًا علينا نحن اللاجئين مع مواد أخرى كالعدس والفول والسمنة والأهم الطحين. وكان يوم التسليم شاقًا على الناس سواءً لجهة الازدحام الشديد أو لجهة نقل المؤن، وكان أسهل الطرق الحمير والعربات ذات الثلاثة عجلات. لم نكن نعلم أن هذه المؤن التي تقدمها الأمم المتحدة عبر وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" هي ثمن بالتقسيط لوطن مغتصب!

مع ناجي العلي

(*) قلت إنك تزامنت وتزاملت مع ناجي العلي أثناء عملكما في الصحافة  الكويتية. هل تحدثنا عن ناجي؟

بداية، جمعتني مع ناجي النكبة والخيمة. فهو اللاجئ ابن مخيم عين الحلوة في لبنان وأنا ابن مخيم عسكر في نابلس ومخيم الزرقاء في الأردن. في الكويت كان ناجي أجرأنا وأشجعنا. كان يفكر ويرسم كما لو أن النكبة في يومها الأول بعد عشرات السنين من وقوعها. لم يكن يهادن أحدًا ولا يجامل أو يتنازل عن أن تحرير فلسطين لا يتم عبر المفاوضات والتنازلات بل عبر المقاومة المسلحة. الحرب الحالية تؤكد ما كان يؤمن به ويعبّر عنه عبر حنظلة. كان ناجي يرى أبعد ممّا نرى، ودفع حياته ثمنًا لقول الحقيقة التي غابت أو غيّبت عن المشهد الفلسطيني والعربي ولم تعد القضية الفلسطينية قضية مركزية.



يافا... برتقالة العالم

(*) يافا بلدك الأصلي وقد ولدت خارجها. ما هي صورتها في مخيّلتك من خلال ما حدّثك والداك عنها، خاصة أنك لم تزرها حتى الآن؟

الحكاية مُرّة وطويلة. حدثتني أمي عن بيتهم المطل على البحر وعن مزارع البرتقال والمزروعات والخضار وكلها لم تكن للبيع بل يأخذ الناس حاجتهم من جيرانهم بدون مقابل مادي. أهلي كانوا فلاحين يزرعون ويربون الماشية والأبقار. يسهرون في ضوء القمر وينيرون الحياة بالمحبة حتى لليهود الذين كانوا يأتوهم مهاجرين من أوروبا بعد الحرب العالمية. لكن للأسف تأكد أن أغلبهم تمسكنوا حتى تمكنوا فقتلوا وطردوا أهل البيت الذي استضافهم بحسن نية. لذلك، كلما ذُكرت يافا أتخيّل العالم برتقالة. تلك البرتقالة التي لم تزل تتدحرج منذ سقطت يافا.

(*) نحن على أبواب عام على حرب الإبادة الصهيونية على غزة والتي توسّعت إلى الضفة الفلسطينية. كيف ترى المستقبل؟

أرى أن التاريخ يعيد نفسه لكن هذه المرة بالاتجاه المعاكس، باتجاه فلسطين والقدس. فما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أعاد القضية الفلسطينية إلى بدايتها وكشف للعالم زيف الكيان الصهيوني الذي ادّعى أن فلسطين "أرض بلا شعب" فإذا بهذا الشعب وبعد 76 سنة من الاحتلال يتحدّى الدولة الصهيونية ويهزم "الجيش الذي لا يهزم" ويشقّ المجتمع الإسرائيلي أفقيًا وعرضيًا.

لقد فشلت حكومة المتطرّفين، وهي أكثر الحكومات تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو في تحقيق ما يسميه "أهداف الحرب" المتمثّلة حسب قوله بالقضاء على حماس وإنهاء وجودها في غزة، وأخيرًا إعادة الأسرى الذين لم يعد لهم أهمية ضمن أهدافه. وما حقّقه بعد ما يقارب من سنة جرائم إبادة جماعية وضعته في قفص اتهام منظمة العفو الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، ووضعت دولته في مصاف الدول المنبوذة المارقة على الشرعية الدولية.

المظاهرات شبه اليومية لأهالي الأسرى والقوى المعارضة لسياسة نتنياهو، كما الاستقالات في صفوف كبار الضباط تهدد بتفكيك المجتمع الاسرائيلي إضافة للانهيار الاقتصادي وهروب حوالي مليون إسرائيلي من "أرض الميعاد". وهذه خطوات نحو زوال الدولة كما أعرب عن ذلك قادة ومسؤولون وجنرالات إسرائيليون حاليون وسابقون  ومنهم  بيني غانتس وإيهود باراك وإسحق بريك. مع استمرار العدوان على غزة وصواريخ المقاومة في غزة ولبنان واليمن يتحسس كل إسرائيلي جواز سفره للهروب.

الصحافة الورقية تذبل ولا تموت

(*) نظرًا لتاريخك المهني الطويل في الصحافة على مستوى العالم العربي، هل برأيك الصحافة الورقية إلى زوال؟

الصحافة الورقية كشمعة تذوب تدريجيًا لكنها لن تختفي، تظل بقايا شمعة. الصحف العريقة الذكية أدركت التطور التكنولوجي فسارعت إلى التحوّل التدريجي إلى الصحافة الإلكترونية بكل خصائصها وميزاتها ومردودها الإعلاني، ما يمكنها من البقاء.

ونحن حتى اليوم نجد أن صحفًا كانت ورقية فقط هي مصدر الأخبار الموثوقة والتحليلات المتزنة، فلا تكاد تمر نشرة أخبار على المحطات الفضائية من دون ورود اسم نيويورك تايمز أو واشنطن بوست أو الغارديان أو غيرها. أما بالنسبة للصحافة العربية فشأنها شأن كل ما في الوطن العربي من ضعف وتراجع والأسباب معروفة للجميع!

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.