حشدُ أقدارٍ،
حشْدُ مَواسِمِ السَّهَرِ، أنتَ.
فلا تتَّكِئ،
ولا تتَّكِلْ.
لكَ من أمسِكَ ذاكرةٌ معجونةٌ برمل العدَّائين. ومن يومك قسَّمتَ خيالكَ
شطائرَ من الحلوى المرَّة توزعها مثلثاتٍ موَّهتَ بها المتربِّصين
بأبواب حلمك القلق؛ موَّهتَ بها الزنابيرَ وهي تعزفُ بزَمْزمتِها على شبابيكك
الصيفية. لكنَّكَ تجاهلتَ طيشَ العسلِ المُهرَّبِ في قواريرِ الفلاَّحينَ أسرى طيبتِهم
يأتونَ بها إلى فِراشِ العرائسِ.
أنت لستَ حارسَ التويجات في مساء الحدائقِ.
ولستَ بنافخِ اليأسِ على نبتةِ الخلود.
خُذِ المكائِدَ وامضِ بها عبرَ الطُرُقِ
المُموَّهةِ بأسيجةِ الغضبِ.
امضِ بها صاقلًا حجرَ روحكَ
كأنهُ حجرُ "فيلقوس" ـ الحجرُ القُزحيُّ
يُلمِّعُ لك طريقك كمرآةٍ.
لا تخشَ الرَّجم.
هي هناك بانتظاركَ على أدراجِ البازلت،
فمن سواكَ سيغسل بقعَ دمِ الطيرِ المسفوحِ
على عتبةِ العصيان.
شَدِهًا كنتَ أيها الطفلُ لحظةَ التعْميدِ،
شَدِهًا كنتَ،
وأنت تمتصُّ قرْصَ القربان حيث لم تكُ
قد نبتت لكَ أسنانٌ بعدُ.
وأنت تفتحُ عينيكَ في وجوه الغرباء،
وتسمعُ ابتهالًا أخرسَ،
مُحتضَنًا بساعدَيْ عرَّابكَ الرَّشيق
توَّجوكَ إبنًا للبراءةِ.
أيعلمونَ أنهم حمَّلوكَ شُبْهةَ الخطايا التي نثرَ
صواعقها الجوَّابونَ الحُفاةُ
بين نهرين؟
سيتسلَّلُ العطشُ من أردانِ السَّيْلِ.
هُم لا يشبهونَ إخوةً لكَ في الولادةِ.
سيرْتجيكَ دلاَّلو الرؤيا أن تَفضَّ أختامَ البرقِ،
وأن تُخزِّنَ قواريرَ الزَّيتِ المُقطَّرِ
من حَبَقِ الرُّهبانِ للذينَ يجوبونَ موانئَ
ترسو فيها سفنُ الأشباح،
وبقايا من قواربِ الضباب التي
تهرِّبُ السَّاعينَ إلى تفاح الغيبِ.
كانوا يخمنونَ أنكَ لم تعُد عصيًّا على قراءة تاريخ الماء.
لقد عوَّلوا على ظمَأ يقينك وعلى احتدامِ السّوادِ غيظًا
مِنْ يقينِ البياضِ. جرحُ البياضِ ينقشونَ عليهِ أسماءَ أسباطِهِم
الذينَ صَهَروا من الملحِ قلائِدَ لصدر نهركَ.
غرقتَ فيهِ مرتين،
وتطهَّرتَ فيهِ مرتينِ،
وأسْلمكَ للحياةَ مرتين،
وفي المرتين منحكَ النهرُ قلادةَ العبورِ سالمًا
إلى ضفافِ السفرجلِ،
متوَّجًا بالأبيضِ كامتحانٍ أوَّلَ لذهولِ
رؤياكَ المخضرَّةِ على شجرةِ الشكِّ.
مرتجِفًا، تركُضُ بالأقحِوانِ ـ زهرةِ الغريب، والنهرُ حارسكَ.
تُهيبُ بالدُوريِّ، والزُّمَّجِ، والعقعقِ أنْ تمْنحَكَ حصانةً
ضد القنصِ من طلقةٍ بين ظلَّ الأرضِ وعرش السماء.
لكنها لم تتيقَّن بأنك قد قلَّمتَ، في تؤدةٍ، أغصانكَ اليابسةِ بمقصِّ
تفضحهُ رجفةُ يديك شِبهِ المُرتخيتين على المقبضِ،
تصْطَكُّ أسنانكَ، كالذي أدمنَ مُصاصةَ النَّوى،
أو كأدْرَدَ يلوكُ عِنبةً قابَ نضوجٍ.
(غوتنبرغ).