}

أناهيد

محمد خلفوف 8 يونيو 2022
قص أناهيد
عفيفة اللعيبي، العراق

 

كل فتى تقابله كان يموت!  

أناهيد كانت فتاة عادية، عادية للغاية. تدرس الأدب الإنكليزي في الجامعة، ترتدي الجينز، لديها صفحة على إنستغرام، تحب ميريل ستريب... فتاة عادية مثل بقية الفتيات العاديات. لكن كل فتى كانت تقابله يموت. يموت بطريقة مفاجئة.

قبل أن يموتوا كانوا يختفون، ذلك الاختفاء الغريب والغامض، تنقطع أخبارهم، ثم تعرف أنهم ماتوا. تاركين أشباحهم داخلها.

تتذكر أناهيد جيدًا أول فتى عرفته ومات. لقد كان زميلها في الثانوية، مات غرقًا، في منتصف العطلة الصيفية. كلهم ماتوا، اختفوا أولًا ثم ماتوا: غرقًا، في حوادث سير، انتحارًا، ميتات مفاجئة...

يحدث هذا معها منذ عشر سنوات، إنه أشبه بلعنة دخولها عالم الأنوثة. لعنة لا تعرف لها تفسيرًا؛ لعنة مفاجئة جعلت من حياتها مليئة بالفشل والحزن.

في الجامعة هي دائمَا وحيدة، صامتة، لا تتحدث إلى أحد، ولا تصادق أحدًا. ربما يراها الآخرون فتاة غريبة الأطوار، أو متكبرة... لكنها كانت غير ذلك. بين الحصص تذهب أناهيد إلى مقصف الكلية وتطلب شطيرة وكوبًا من الحليب، تجلس في زاوية، تستمع إلى الموسيقى، تأكل شطيرتها، وتقرأ كتابًا. لم تكن قادرة على مصارحة أحد، حتى عائلتها. لم يكن لديها أصدقاء. إنها خائفة، لن يصدقها أحد. هي نفسها لا تصدق ما يحدث لها، كأنها داخل فيلم رعب، لا تعرف كيف تتصرف، عاجزة، تفكر باستمرار.

إنه عامها الأخير في الكلية، تمر الأيام بشكل عادي ورتيب.. المحاضرات، الامتحانات... تساءلت طويلًا: هل هي بشعة؟ تأملت جسدها... لا، لم تكن بشعة، كانت ذكية، بسيطة، وديعة، متأنقة... ومرغوبة، كانت تستطيع شم رائحة الرغبة تنطلق من عيون الرجال المحدقين.

تفكر أناهيد أثناء تحضير بحث تخرجها حول توني موريسون، أثناء قراءة روايات فرجينيا وولف وكتب جانيت وينترسون حول الجندر والنسوية، أثناء مشاهدة نيكولاس كيدج يقبل ميغ رايان في مدينة الملائكة... إلى متى سيستمر هذا؟ إلى ما بعد التخرج؟ إلى أن تصبح عجوزًا؟!

 آخر فتى تعرفت عليه كان كاتبًا. كاتب مغمور يكتب قصصًا فنتازية. ثرثار، لكنه خجول. غريب الأطوار يشبه وودي آلن.

التقيا ثلاث مرات فقط. تحدثا عن الكتب وعن الفشل وعن الحزن والانتحار... بدا متعبًا، قرأت بعضًا من قصصه، شعرت بانجذاب غريب نحوه ـ ربما أيضًا حدث معه نفس الشيء. أخبرها بأنه يشعر أنه يعرفها منذ زمن "يحدث هذا!"، قالت أناهيد.

"لا.. ليس الأمر كذلك.. أشعر بأنني قابلتك في مكان ما، في عالم مواز...".

أعطاها الكاتب المغمور قصة كتبها بخط يده على ورقة مسطرة. قال إنها آخر قصة كتبها وآخر قصة سيكتبها.

"أشعر بالتعب.. لم أعد قادرًا على الاستمرار، في الحياة وفي الكتابة يا أناهيد...".

طوت الورقة ووضعتها في حقيبتها الصغيرة.

ومثل بقية الفتيان مات الكاتب المغمور، اختفى أولًا ثم مات. انتحر داخل شقته. عكس الآخرين شعرت أناهيد بالأسف نحوه هذه المرة، كأن جزءًا من روحها اقتلع... فجأة تذكرت القصة التي منحها، لم تقرأها، انشغلت ولم تقرأها... بحثت وسط فوضى أوراقها حثى عثرت عليها، مطوية داخل كتاب. قرأتها، مرة ثم أخرى، ذهلت: كانت القصة تتحدث عنها، عن فتاة يموت كل فتى تقابله.

* كاتب من المغرب.

مقالات اخرى للكاتب

قص
5 يوليه 2022
قص
8 يونيو 2022
قص
6 أغسطس 2019
قص
12 يونيو 2019

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.