}

"غاز لو سمحت"..

صدام الزيدي صدام الزيدي 20 يوليه 2022
يوميات "غاز لو سمحت"..
طارق بطيحي، سورية

 

5 صباحًا: في أثناء انتظام طابور الغاز بأسفل الحارة، وصل الدور إلى شاب لأول مرة أتعرف اليه، عزل أسطوانته جانبًا قبل خط النهاية، وقال لي: ما زلت أنتظر تأتي الفلوس من البيت. يا إلهي، صعقني بكلماته وذبحني من وريدي... فهمت مباشرةً إنهم أصلًا لا يجدون قيمة تعبئة الأسطوانة، وفورًا قلت له: والله لو معي الآن مبلغ التعبئة لأقرضتك ولأمهلتك حتى يوم القيامة. ترك الأسطوانة وطلب مني الانتباه لها. نبهته إلى أنني على خط النهاية وبعد لحظات سأدفع قيمة تعبئة الأسطوانة خاصتي وأعود لأنام بعد ليلة من السهر امتدت حتى خيوط النهار.

شابان في الجوار معهما 5 أسطوانات و5 كروت، فورًا يبلغني أحدهم إن كنت في حاجة لكرت سيعطونني إياه مجانًا إذ في حيازتهم فقط قيمة 4 كروت. كانت فرصة ثمينة أن آخذ الكرت وأعود حاملًا أسطوانة أخرى هي فارغة مركونة في مطبخنا، تنتظر الله. تذكرت أننا ندخر 9 آلاف ريال. كان الطابور قليل الاحتشاد بخلاف المرات السابقة. حتى لو طلبت من العاقل إمكانية حصولي على كرت ثان لي، أظنه سيفعل، لأن الناس بعد عيد والعوز يدقدق الجدران والبيوت بعد أن دقدق صدور الرجال والأمهات وجيوبهم/ نّ...

لا نهاية لوجعي، وقهري، وتأنيب ضميري، الآن؛ لِم لا أعود للبيت لاستقطاع 5900 ريال وإنقاذ أسرة متعففة عادت أسطوانتها فارغة تهتزّ إلحافًا وخفةً ويأسًا... ما الذي جعلني شحيح الروح في موقف هكذا؟ 

أما مسألة أن أستغلّ الأمر، لتعبئة أسطوانة ثانية، وثالثة ربما، فهذا ليس من مبادئي، ليس لأن هنالك من قدم عرضًا (كروتًا) دون مقابل، إنما لأنني لا أريد لصدري أن يضيق إذا ما تذكرت أن كوب الشاي الساخن الذي في يدي، كان ينبغي أن يكون في يد رجل عجوز - يغالبه السكري وأسقام أخرى- نقيم معًا في جغرافيا واحدة، تحت سماء واحدة، وفي حارة واحدة، أو في يد امرأة انتهت لتوها من إطفاء نار المطبخ وأخذت تغني لأن القهوة تعطر أجواء البيت والأمور تمام ولا قلق لأن الله (كتب على نفسه الرحمة)، فأشعل نارًا زرعت البسمة على محيا بناتها اللاتي استيقظن لتوهن في أعقاب ليلة ممطرة، معتمة، حزينة، ثقيلة، كسابقاتها..

**

وأنا أغادر المكان، شرخ ما ضرب مقدمة الطابور، وفي الزاوية: 6 أسطوانات خارجًا. وفي الأثناء، مندوب الغاز ينادي بصوت مسموع: يا ناس، تحركووا...

**

عند خط البداية، أنا أنسلّ رويدًا من مهمة شاقة، وثمة صوت من أفق قريب، يزحف على ركبتيه: (ييييي، وين ساروا أصحاب هذولا الدبات)؟!

**

بعد منتصف البارحة، استأذنت الصديق د. حاتم الصكر، ضمن دردشة ودية سريعة على واتساب، أنني سأغادر للنوم، بهذه العبارة: "قات وليل/ وطابور قبل 5 صباحًا/ ينتظرني/ للحصول على أسطوانة غاز/ بإشراف عاقل الحارة/ وغياب عاقل المنطق والفلسفة وعلم النفس/ وعلم العذاب الأكبر"، وكانت فاتحة لاستذكار محب بلغة الشعر وهواجس الأيام، من الدكتور حاتم: "عناء لا يستحقه شاعر. اليمن أسمى وأغلى مما صار به وإليه. في منامي كثيرًا ما أراني أسير في طرق صنعاء  الفارغة.. وألتقي أصدقاء شاخوا وطلابي حزانى، والضوء شحيح".


(16  يوليو/ تموز، 2022)

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.