}

بندقية الصيد

حسن رحيم جدوع 8 يونيو 2024
قص بندقية الصيد
(فائق حسن)
بينما كان (جون) الصياد يغط في نومٍ عميق، دخلت عليه زوجتهُ غاضبة، ضاربةً الباب بقوة؛ فنهض من فراشه فزعًا، وصرخ في وجهها:
ــ ما هذا؟! دعيني أنم، أليس لديكِ أي إنسانية؟
فأجابته بحنق شديد:
ــ أي إنسانية؟! وأطفالك لم يذوقوا الطعام منذ يومين؛ أنت آخر من يتحدث بالإنسانية!
خرج جون ومعه بندقية الصيد. وعندما كان يتمشى بالغابة سمع صوت عصفور يغرّد بفرح، فرفع الصياد بندقيته نحوه، فصرخ عليه العصفور:
ــ يا هذا! لماذا تريد قتلي؟! أنا لديّ أطفال، وأنا أبحث لهم عن طعام. لماذا تريد أن تقتلني؟ أليس في داخلك أي إنسانية؟! اذهب واصطد من حيوانات الغابة.
فأنزل (جون) المسكين بندقيته، وطأطأ رأسه بسبب توبيخ العصفور إياه، وذهب وهو يفكر بشدة بالتوبيخ الذي سيسمعه من زوجته إن لم يعد بالطعام. وعند سيره وجد غزالًا يشرب الماء، ففرح ووجّه بندقيته عليه، وقبل أن يطلق عليه النار سمع صوت زئيرٍ لأسد غاضب؛ فظل جون يلوّح ببندقيته يمينًا ويسارًا باحثًا عن الأسد وهو يرتعد، وإذ هو يرتعش سمع صوتًا من خلفه:
ــ أنت أيها الأنسان المتوحش!
فأدار جون ظهره إلى الأسد وهو يرتعد من الخوف.
ــ اسمع أيها المتوحش، أنا ملك الغابة؛ لن أسمح لك بأن تعبث بمملكتي كما يحلو لك، وتقتل رعيتي. وأنت إنسان؛ كيف لك أن تقتل حيوانًا لم يفعل لك شيئًا؟ ألا تملك ذرة من الإنسانية؟
فأجاب الصياد حزينًا:
ــ أطفالي جائعون، وزوجتي ستوبّخني إن لم أحضر إليهم طعامًا. وأنا لا أملك أي إنسانية لأنني تركتهم جائعين.
فقال له الأسد:
ــ اذهب إلى البحر؛ فليس لي سلطة عليه.
فذهب جون إلى البحر راميًا سنّارته، وهو يرجو أن يصطاد ولو سمكة واحدة تجعله يتخلّص من توبيخ زوجته. وبعد لحظات، غمزت السنارة فقام (جون) بسحبها؛ وخرجت له سمكة كبيرة. ففرح جون بذلك، وجذبها إليه بقوة، وأمسكها بيديه، فصرخت السمكة وهي تبكي:
ــ اتركني أرجوك! أريد أن أُطعم أطفالي. أليس لديك إنسانية!؟
فقال جون:
ــ أنا أيضًا لدي أطفال، وأريد إطعامهم وإلا ماتوا من الجوع.
فقالت السمكة:
ــ اذهب واقطع لهم الفاكهة والخضروات؛ فأنتم يمكنكم أن تتغذوا على الخضروات.
ففرح جون بهذا الاقتراح، وذهب مسرعًا لشجرة تفاح كبيرة، وتسلقها، وأمسك بتفاحة لقطعها، فهزت الشجرة نفسها بسرعة، وأسقطته من الأعلى قائلة:
ــ لقد حملتُ بالثمار لأشهر حتى صارت حمرًا وناضجة بهذا الشكل؛ فلماذا تريد قطفها؟ أليس لديك إنسانية؟
فرجع جون حزينًا إلى البيت، وهو يستعد لأن يستقبل كلام زوجته اللاذع، وهي تلقي عليه الذريعة نفسها التي منعته من جلب أي طعام. لكن في الطريق استوقفت جون مجموعةٌ من اللصوص واضعين البنادق، وقالوا:
ــ أعطنا كل ما تملك في جيبك.
قال:
ــ لماذا؟ فأنا لا أملك سوى هذه البندقية.
فقال أحد اللصوص:
ــ أعطنا إياها، وأعطنا ثيابك؛ نحن نسرق للحاجة، ولا نريد قتلك. ألا تملك أي إنسانية؟
فخلع جون ملابسه، وأعطاهم بندقيته. وذهب يتمشى إلى بيته. وعندما تراءى له البيت من بعيد، تنبّه إلى أنه لا يلبس شيئًا، وأنه لم يرجع من دون طعام فحسب، بل أيضًا من دون ملابس. لا شك في أن زوجته ستقتله في هذه الحالة، وأنها لن تقدّر ما جرى له، وستقول له أكثر كلمة سمعها هذا اليوم. فأخذ بالجري في الغابة والدموع تنهمر من عينيه، حتى أصابه التعب، فاستراح تحت ظل شجرة، فرفع رأسه، ووجد العصفور الذي شاهده قبل قليل وهو ينقر في الشجرة ليستخرج ديدانًا ليأكلها. فقال:
ــ لم تفعل ذلك؟
فأجاب:
ــ إن أطفالي سيموتون إن لم يأكلوا؛ أليس لديك أي إنسانية!؟
فصدم من نفاق هذا العصفور. فقام ليتمشى إلى البحر، فانزلقت رجله، وسقط في عمق البحر، فوجد السمكة الكبيرة التي اصطادها وكانت تأكل السمك الصغير، فخرج من البحر وهو مستغرب من شدة ما رآه، لينتبه لصوت الأسد قادمًا نحوه، وهو يحاول أن يفترسه، فقال له جون:
ــ ماذا تريد؟
فأجاب الأسد:
ــ أريد أن ألتهمك؛ فلم أشبع من ذلك الغزال.
فقال الصياد:
ــ لماذا أكلتَ الغزال؟ ألا تملك إنسانية!؟
فأجابه الأسد:
ــ لأنني جائع؛ وسأموت إن لم أتناول شيئًا.
فقال له الصياد:
ــ حسنٌ؛ أنا إنسان لا أملك إنسانية.

*قاصّ من العراق.

مقالات اخرى للكاتب

قص
8 يونيو 2024

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.