}

عن تحقيق التنمية عبر ربطها بالثقافة والفن والمجال

عبد الرحيم العلام 9 فبراير 2022

 

 

سنعد قراءتنا لموضوع التنمية، في علاقتها بالثقافة والمجال، تثمينًا معللًا لبعض المشاريع الثقافية والفنية الإشعاعية، على مستوى المغرب والعالم العربي، من قبيل "موسم أصيلة الثقافي الدولي" بشمال المغرب، و"مهرجان كناوة" بمدينة الصويرة، بغرب المغرب، باعتبارهما معًا مدينتين تطلان على المحيط الأطلسي، وتساهمان، على حد سواء، في طرح سؤال التنمية في علاقتها بالثقافة والفن.
ولاعتبارات مرتبطة بالمقام، سنتخذ من "موسم أصيلة الثقافي الدولي"، بالنظر إلى كونه أقدم مهرجان ثقافي وفني بالمغرب، نموذجًا حيًا يحتذى لمقاربة هذا الموضوع، من زاوية أنه، ومنذ تأسيسه في عام 1978، ما فتئ يقدّم ممارسات ثقافية محلية، تمتاز بصفة التفاعل مع العالم ومع يوميات الناس، رغم طبيعته النخبوية.

ولذلك، يمكن إدراج البعد التنموي لهذا المشروع الثقافي (موسم أصيلة الثقافي الدولي)، ضمن المشاريع الثقافية الرائدة والفريدة في المغرب، ففضلًا عن أنه أقدم مهرجان ثقافي بالبلد، نجد أنه تأسس ليعيد تعريف الفعل الثقافي لا على الأرض والواقع فحسب، بل (وهذا هو المهم) في ضمير المجتمع المحلي والوطني والدولي.

ولعل خصوصية مشروع موسم أصيلة الثقافي الدولي تتأكد لنا عبر جملة من الملاحظات التاريخية والجغرافية والمجالية، منها أن هذا الموسم قد ولد في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب المعاصر، كان ذلك إبان الحرب الباردة بين القوى السياسية الوطنية، بما شهدته فترة السبعينيات من أشكال التداخل والتنافر والجدل بين العمل الثقافي والفعل الأيديولوجي.

فعدا أنه مشروع ثقافي وتنويري ومجالي، ولد في سياق مديني/ قروي صغير ومحدود للغاية، تجسده مدينة/ قرية مغربية صغيرة تقع على أعتاب المحيط الأطلسي، هي مدينة أصيلة الوديعة بعزلتها، فقد استطاع، مع مرور الزمن وتراكم أهدافه وغاياته وخبراته وتجاربه ومنجزاته، تحقيق دبلوماسية ثقافية دولية موازية.

ينضاف إلى هذا كله أن فلسفة "موسم أصيلة الثقافي الدولي" تتجلى في كونه يعكس مسار حياة ثقافية وتنموية ومجالية ومجتمعية، فحافظ على رهان استمراريته، رغم ما واجهه من عراقيل في بداياته، وخصوصًا على مستوى توفير الدعم، بما هي عراقيل عادة ما تخنق مشاريع كثيرة في مهدها، فيما ظل "موسم أصيلة"، رغم ذلك، مشروعًا ثقافيًا تفاعليًا شامخًا، في امتداد إشعاعه، وعلى مدى أزيد من أربعين سنة خلت، مواظبًا بذلك على تعميق التفاعل مع محيطه المحلي والعالمي.

قام المنتدى منذ تأسيسه على شعار راهن على تحقيقه، هو "الثقافة من أجل التنمية"، من خلال فكرة "صباغة الجداريات" 



لكل هذه الاعتبارات، نستطيع اعتبار "موسم أصيلة الثقافي الدولي"، نموذجًا حيًا للمهرجانات الثقافية الرائدة والحية بالمغرب، باعتباره أعرق مهرجان ثقافي في المغرب، يشهد له، منذ تأسيسه، بأدواره الطلائعية في خلق تنمية ثقافية مستدامة بالمدينة، وقد أضحى مع مرور الزمن رمزًا عالميًا للحوار والتعايش والتعدد والتنمية، برهانه المستمر على التنوع، وبأدواره الريادية في خلق تنمية مستدامة، وأيضًا في تمكنه من تحويل قرية صغيرة، من دون ماء، ولا إضاءة، ولا طرق، ولا وسائل نقل، إلى مدينة للثقافة والفنون، وقد غدا عنوانًا قارًا وموعدًا عالميًا بارزًا، موازاة مع ما حققه هذا الموسم من إنجازات تنموية مشهود له بها، بشكل يجعل الحصيلة الثقافية والتفاعلية التنموية لهذه المدينة أكبر من حصيلتها التجارية والبحرية، وهو ما جعل منها نموذجًا حيًا لتسريع عجلة التنمية، في إطار حركة تنموية مستدامة.

هكذا اكتسبت مدينة أصيلة هويتها وخصوصيتها، وهو ما دفع بإحدى الجمعيات المحلية في المدينة ـ وشهد شاهد من أهلها ـ هي (جمعية المحيط لبحارة وأرباب قوارب الصيد التقليدي بأصيلة)، في بيان لها، إلى الإشادة بتجربة منتدى مؤسسة أصيلة، الذي ينظم الموسم، بمثل ما أعربت عن اعتزازها بهذه التجربة التي تمنح المدينة حياة ثقافية موازية، وتكسبها حراكًا مغايرًا، في تأكيدها أن "مدينة أصيلة تشهد تحولًا كبيرًا، شمل مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للساكنة، ساهم بشكل إيجابي وملموس في تحسين مستوى العيش لدى ساكنة المدينة"، مضيفًا (أي البيان) "أن مواسم أصيلة الثقافية الدولية، منذ بدايتها، قد لعبت دورًا أساسيًا في تحريك عجلة التنمية بمدينة أصيلة، وإدراجها في مصاف المدن العالمية المشهود لها بتوظيف الحراك الثقافي والإبداعي والفني كقاطرة للتنمية المستدامة".

وأهمية هذا الشاهد الدال تكمن في كونه يعكس وعي فئة خاصة من شرائح مجتمع أصيلة، بأن الثقافة، في مكوناتها المختلفة، تساهم إلى جانب غيرها من مصادر العيش الأخرى، في تحقيق النماء لمدينتها، اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا وجماليًا، وتحسين سبل عيشها فيها. ويكفي، هنا، ما يعترف به الأصيليون أنفسهم بخصوص عائدات شهر "موسم أصيلة"، الذي يدر عليهم مداخيل مختلفة من مصادر متنوعة (الفندقة، المطاعم، التغذية، كراء البيوت، الحركة التجارية في عديد أوجهها...)، بمثل ما يخلق لهم مواطن شغل، تكاد تغطي بقية أشهر السنة، أي بعد أن تنتهي فترة الموسم وتعود المدينة إلى هدوئها وفراغها وعزلتها.

وهنا، يفرض سؤال المدينة نفسه حول ما يميز مدينة أصيلة الصغيرة عن غيرها من المدن الأخرى؟ ولماذا أصيلة بالذات من دون غيرها من المدن؟ هل يعود الأمر إلى ما تتميز به من خصائص تاريخية وجغرافية وبيئية، مع أنها ليست وحدها ما يجعل منها مدينة بحرية بارزة، وقابلة لأن تدرج في باب الرهان على الثقافة والفن لخلق تنمية مجالية، أم يعود الأمر إلى أسباب أخرى ذات ارتباط بأهل المدينة، وبغيرتهم عليها؟

وبخصوص أصيلة، لا يمكن استبعاد المكون الجغرافي والعنصر البشري، باعتبارهما يجسدان نسيجًا مشتركًا لتمازج تاريخ المدينة بحاضرها، وبتمثلاتها عن ذاتها، وعن راهنها ومستقبلها، وهو ما يستدعي الوقوف عند بعض المميزات المجالية والجغرافية، تحديدًا، التي هيأت مدينة أصيلة لكي تكون مسرحًا لتحقق تنمية ثقافية مجالية مستدامة.

فهذه المدينة التي تقع على شاطئ المحيط الأطلسي، شهدت على مدى أزيد من أربعة عقود من الزمن، أي منذ تأسيس موسم أصيلة الثقافي، تحولات هامة، على مستوى البنيات التحتية والمرافق العمومية وأشكال العمران، واستطاعت أن تتحول، في ظرف زمني قياسي، إلى قطب ثقافي وسياحي دولي هام، يحج إليها، في موسم كل سنة، المثقفون والفنانون والمبدعون ورجالات الدولة، من مختلف أنحاء المعمور. لذلك، يعتبر المحللون السوسيوثقافيون أن هذه المدينة الصغيرة أضحت مركز تنوير وإشعاع تكويني ثقافي كبير.

لقطات من دورتي 2019 و 2021 من "موسم أصيلة الثقافي الدولي" 



ولعل نشاط نسيج المدينة المجتمعي وانسجامه مع محترفات التنمية الثقافية المستدامة، التي اجترحها موسم أصيلة، على مدى أزيد من أربعين سنة، وقد احتفى بتنظيم دورته الثانية والأربعين عام 2021، باعتماد فترتين اثنتين: فترة في الصيف، وفترة في الخريف، بعد أن تم تقسيم دورة الموسم إلى فترتين، بدل فترة واحدة، كما دأب على ذلك منذ تأسيسه، لعل هذا النشاط هو ما جعل من مهرجان أصيلة مجالًا مدينيًا، وورشًا كبيرة، راهنت، منذ تأسيسه، على الثقافة البصرية والجمالية، بما هي ثقافة نابعة من صميم الذوق والحياة الاجتماعية لهذه البيئة الشمالية، وهو أيضًا ما جعل مدينة أصيلة، وهي تتفاعل مع محطاتها التنموية الثقافية الكبرى، تتحول إلى محترف بصري تشكيلي/ فني مفتوح في غرب شمال أفريقيا، في اتخاذه من أزقة أصيلة وحواريها وأحيائها مجالًا للتجلي الثقافي والفني والجمالي والبيئي بامتياز، وتلك كانت إحدى الدوافع الرئيسة التي دفعت بعراب موسم أصيلة الثقافي، معالي السيد محمد بن عيسى، إلى التفكير، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، في تأسيس إطار ثقافي في المدينة.

ورغم الواقع الفطري الذي كان يعيش فيه مجتمع أصيلة وقت تأسيس مهرجانها الثقافي، فلا ينبغي أن يحجب ذلك عنا حقيقته الحضارية الموغلة في التاريخ العربي، فأصيلة، وكما يؤكد أحد الباحثين، كانت من المواقع التاريخية التي استضافت أولى دفوعات المهاجرين من الأندلس، بحكم تواجدها على الطريق، فالممر بين قرطبة وفاس كان عبر طنجة وأصيلة (طريق طنجيس في الخرائط الرومانية القديمة)، كما عاشت أصيلة في ظل حضارات مختلفة: البرتغالية والإسبانية ودخول الإسلام إلى المغرب؛ إذ يقال إن عقبة بن نافع حين بلغ مشارف البحر كان متواجدًا على الشاطئ بين أصيلة وطنجة، والثابت أيضًا هو أن إدريس الأول دخل عبر أصيلة، فأسس دولة الأدارسة في المغرب.



إلى جانب ذلك، كانت أصيلة ميناءً مهمًا، وسكان البحر يتسمون عمومًا بالانفتاح على الثقافات الأخرى، لذلك ظلت هذه المدينة أكثر انفتاحًا ومغامرة وقابلية للتغيير، كما ظلت، على مدار تاريخها المعاصر، محطة لتلاقي الثقافات والأفكار والكتاب والفنانين العرب والأفارقة والأوروبيين والآسيويين والأميركيين. وبطبيعة الحال، نسجت أصيلة من ذلك التلاقي حوارات وعلاقات، فتعرّف البعض فيها على مواقف البعض الآخر، من خلال الاحتكاك والتعايش وتبادل الخبرات والتجارب، فكانت أصيلة جسرًا قصر المسافات ووسع الآفاق المعرفية للواحد عن الآخر، فشكل موسمها بذلك حلقة للتعارف وللتقارب، ومنتدى للحوار بين الذين كانوا يحجون إليه، للمشاركة في مختلف أشكال الحوار وتبادل الأفكار واحترام الرأي والرأي الآخر، تلك التي عمل "موسم أصيلة" على ترسيخها على مدى أزيد من أربعة عقود من الحضور والانتشار والإشعاع الدولي.

هذه، بتركيز مكثف، هي مدينة أصيلة، في تجلياتها الجغرافية والتاريخية والثقافية العامة، فضلًا عن كونها تعكس الأرضية الطبيعية التي ساعدت على تحقيق رهان التحاور والتآلف والمكاشفة والاختلاف، في حميمية وشفافية واحترام، ومن دون تشنج، أو عصبية، بين الأصوات واللغات والحساسيات والتوجهات والعقائد والمرجعيات كافة، ما جعل من موسمها "برلمانًا ثقافيًا" عالميًا، وجعل من المدينة رمزًا لخروج الممارسة الثقافية من العواصم والحواضر الكبرى إلى المدن الصغرى، هذه التي تجبرها المركزية البيروقراطية والاقتصادية على الانزواء في الهامشية، والتخلف والانقراض.

 

من أزقة مدينة "أصيلة"



جدلية الثقافي والتنموي

ولد هذا المشروع الثقافي، في البداية، في صورة جمعية صغيرة تسمى "جمعية المحيط الثقافية"، فقام، منذ تأسيسه، على شعار تشبع به الموسم، وراهن على تحقيقه، هو "الثقافة من أجل التنمية"، من خلال فكرة "صباغة الجداريات" الرائدة في زمانها، فبقي الموسم وفيًا لهذا الشعار إلى اليوم، مطورًا لمفهومه، ولصيغ تراكمه، على مدى عقود خلت، حيث كان منتدى أصيلة في المغرب أول من أطلق هذا الشعار، وجسد هذا التلاقح بين ما هو ثقافي وما هو تنموي، قبل أن تسير بذكره الركبان، ولو على مستوى شعارات فارغة لدى قطاعات وجمعيات وطنية أخرى.

عدا ذلك، كانت أصيلة سباقة إلى تمثل هذه العلاقة الجدلية (ثقافة ـ تنمية)، منذ زمن بعيد، ليس على مستوى الشعار والفعل الميداني فقط، بل أيضًا على المستوى الأكاديمي والفكري، فقد كانت "جمعية المحيط الثقافية"، كما كانت تسمى، من خلال "جامعة المعتمد بن عباد الفصلية"، في دورتها الخامسة، و"المنتدى الثقافي العربي الأفريقي"، التابعين لهذه الجمعية قبل أن تتحول إلى منتدى، سباقة، عبر احتضان مشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عام 1988، إلى تنظيم ندوة دولية، في موضوع "أي ثقافة... أي تنمية"، بحثًا منهما في موضوع العلاقة الحتمية بين العمق الثقافي وأنماط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا بحثًا من المشاركين في الندوة عن الأساليب الممكنة لتوظيف الثقافة والإبداع في حركية التنمية الشاملة، وخاصة مع بداية الترويج لظاهرة الثقافة كحلقة أساسية كانت مفقودة من سلسلة التنمية.

من هنا، برزت الحاجة لدى موسم أصيلة إلى تكثيف الجهود، في سبيل تحقيق تنمية الإنسان، وتعزيز القدرات البشرية، وخدمة المجموعات البشرية في المدينة، لتمكينها من المشاركة في تنمية مجتمعها ومحيطها، وذلك في إطار مفهوم شمولي للتنمية، يربط العملية التنموية بالمجال والمحيط والثقافة والفن، فأصبح كل موسم يجسد لبنة جديدة في بناء الإنسان، ومناسبة لصقل مواهبه وأحاسيسه، وحافزًا لتحسين نوعية حياته وظروفه المعيشية.

ولعل ما يميز مشروع أصيلة الثقافي التنموي في هذا الباب هو تركيزه، في جزء كبير منه، على قضايا التنمية الثقافية والبيئية، في المغرب بوجه خاص، وفي أفريقيا بوجه عام، اقتناعًا من موسم أصيلة بأن الثقافة يمكن أن تكون، لا مدخلًا مهمًا لتنمية المجال المحيط فحسب، بل أيضًا أحد ممكنات هذا المجال، وموارده البشرية والتاريخية والرمزية، فكان الفن والبيئة دائمًا ضمن أولويات العمل الثقافي لموسم أصيلة الثقافي، ما جعل من أصيلة أول مدينة، وأول وسط بيئي، وظف الثقافة والفن في عملية تأهيل المدينة، وتحفيز همم سكانها ـ بداية بالأطفال ـ ووظف الثقافة والفن كمورد في عملية التنمية الشاملة، باعتبارها تنمية للإنسان وتنمية لمحيطه في آن واحد.

من ثم، كان لأصيلة، من خلال موسمها الثقافي، دور الريادة، وبشهادة المسؤولين في الدولة والمشاركين في دورات الموسم، في تحديث العمل الثقافي، والتأكيد على علاقة الثقافي والفن بالتنمية، وتحسين ظروف حياة المواطنين، بشكل جعلها تفوز، عام 1989، بـ"جائزة الأغاخان للعمارة الإسلامية"، اعترافًا لجمعية المحيط الثقافية بدورها الرائد خلال العشرية الأولى لتأسيسها، في تحفيز مختلف مصالح الدولة والبلدية والسكان على إعادة هيكلة المدينة.

وجدير بالذكر أن اﻟﺤﻜﻭﻤﺎﺕ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ أصبحت، ﻓﻲ أكثر ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺎﺕ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ، ﺘﻤﻴل أكثر فأكثر ﻨﺤﻭ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﺍﻟﻁﻭﻋﻲ ﻋﻥ ﺘﺩﺒﻴﺭ ﺸﺅﻭﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻭﺠﻌﻠﻬﺎ ﻀﻤﻥ ﺼﻼﺤﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻁﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ في ﺍﻟﺘﻌﺎﻁﻲ ﻤﻊ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺃﺘﺎﺡ ﺘﻌﺩﺩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺒﺎﺕ، ﻭﺃﻓﺎﺩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ بعضها ﻤﻥ ﺒﻌض، ﻓﺒﺭﺯﺕ ﺃﺸﻜﺎل ﻤﻥ الشراكة ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻥ ﺍﻟﺨﻭﺍﺹ ﻭﺍﻟﻌﻤﻭﻤﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺩﺍﻥ، ﻭﻫﻭ ﺘﻭﺠﻪ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﺤﻜﻭﻤﺎﺘﻨﺎ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺃﻥ تتبناه وﺘﺸﺠﻌﻪ، ﻭﺃﻥ ﺘﻤﻀﻲ ﻓﻴﻪ ﻗﺩﻤًﺎ، ﺒﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻤﻨﻁﻠﻕ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺭﺸﻴﺩ ﻓﻲ ﺘﺩﺒﻴﺭ ﺍﻟﺸأﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، في تأكيده ﺃﻥ التدبير ﺍﻟﻌﺼﺭﻱ ﻷﻱ ﻤﺸﺭﻭﻉ، ﺃﻭ ﻤﺭﻓﻕ ﻋﻤﻭﻤﻲ، ﺃﻭ ﺨﺼﻭﺼﻲ، ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ، ﻤﻥ ﻤﻨﻅﻭﺭ ﻋﻘﻼﻨﻲ، إجراءات ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻤﺘﻌﺎﺭﻓًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻴﻤﻜﻥ ﺇﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺨﻁﻴﻁ، ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ، ﻭﺍﻹﻨﺠﺎﺯ، ﺜﻡ ﺍﻟﺘﻘﻭﻴﻡ.

وإﺫﺍ كان ﺍﻟﻤﺅﺘﻤﺭ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﺍﻟﻤﻨﻌﻘﺩ ﻓﻲ ستوكهولم، عام 1998، ﻭﻗﺒﻠﻪ مؤتمر ﻤﻜﺴﻴﻜﻭ عام 1982، ﻗﺩ ﻭثق ﺍﻟﺼﻠﺔ بين ﺍﻟﺴﻴﺎسات ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ، ﻭﺃﻗﺭ ﺨﻁﺔ ﻋﻤل ﻟﻠﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ، ﺘﺒﻨﺎﻫﺎ وزراء ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ 149 ﺒﻠﺩًﺍ ﻤﻥ ﺒﻠﺩﺍﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ، ﻓﺈﻥ ﻤﺸﻜل ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﻻ ﻴﺯﺍل ﻤﺸﺭﻭﻋًﺎ ﻁﻤﻭﺤًﺎ ﻭﻤﻁﺭﻭﺤًﺎ ﺒﺤﺩﺓ، ﻓﻲ أﺠﻨﺩﺓ ﺤﻜﻭﻤﺎﺘﻨﺎ ﻭﻤﺅﺴﺴﺎﺘﻨﺎ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن، مع ذلك، أن نعترف بأن تجربة "موسم أصيلة الثقافي الدولي" لم تكن منحصرة فقط في تنظيم الملتقيات والندوات والمعارض الفنية والعروض الموسيقية، بل في إسقاطاتها الأخرى، من أجل تحقيق تنمية مستدامة، بشكل يساهم في حماية الإنسان والبيئة، على حد سواء. من هنا، حافظت مؤسسة منتدى أصيلة على تأكيد حضورها التنموي والإنساني والمجتمعي، موازاة مع حضورها الثقافي والفني، حيث يشهد لها اليوم بتدبيرها لعدد من المنجزات والمعلمات، العمرانية والاجتماعية والبيئية والصحية والتربوية والاقتصادية والثقافية، واستقطابها لعديد الاستثمارات المهمة، التي أنعشت المدينة وساكنتها وزوارها.


الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.