}

"معرض أسعد عرابي" وأحقية الفنان في الكتابة عن تجربته

أسعد عرابي 20 أكتوبر 2023
آراء "معرض أسعد عرابي" وأحقية الفنان في الكتابة عن تجربته
تجريد المدينة القديمة/ أكريليك على قماش/ 2023
هل يملك المصور، أو النحات، أو الحفار، أو ممارس التشكيل عمومًا، القدرة المختصة والمعاشة في مهنته مع كل شهيق وزفير، ليلًا نهارًا، وعلى مدى السنوات المديدة من التفوّق النسبي، على تبيان الكوامن الفكرية والأسرار التقنية في عمله الفني؟
الجواب هو بالإيجاب البديهي في شتى الحرف والمهارات والعلوم، ما خلا الكتابة في النقد الفني الوافد من مادة غريبة ومناقضة، سواءً الأدب، أو الصحافة، والانشغال بالمضامين والمجازات السيميولوجية، وأيديولوجية الوصف الواقعي بدلًا من الغوص المتدرب في فحوى الأداء النوعي وطقوسه التي فرخت التيارات المتمفصلة في تاريخ الفن، المعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة.
أطرح هذه المشكلة المزمنة من جديد بمناسبة معرضي المقبل (ابتداءً من 26 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وحتى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023م في غاليري ArtBooth في أبو ظبي)، وأغلب لوحاته منجزة حديثًا (أو مستعادة من اسكتش سابق) تحت عنوان "رفع الحدود بين التشخيص والتجريد"، سأتحدث عنه وعن تجربتي خلال 60 عامًا من العمل الدؤوب في أمسية الافتتاح، وخاصة علاقته بتيارات ما بعد الحداثة. وفد هذا المصطلح من الأدب، خاصةً مسرح العبث، على غرار أعمال الأديبين بيكيت، ويونسكو، من دون ملاحظة أن بوادره الفنية ابتدأت ما قبل الستينيات، بمثالها الممارسة الثنائية للتجريد والتشخيص في الوقت نفسه من قِبَل الفنان نيكولا دوستائيل، الذي عمل على رسوم سريعة لمناظر شاهدها من نافذة القطار، ومن ثم تنفيذها بالألوان في محترفه، مخاطرًا بالتجانس المفتعل بين الاتجاهين، والذي يمثل الماركة المسجلة في التسويق، والأمثلة المبكرة عديدة، وعلى رأسها مسيرة بابلو بيكاسو الثَنوية أيضًا.




يكشف المعرض صراحة عن درجات متباينة من تجريد العمارة المحلية، أو الطبيعة الصامتة، أو الشخوص، ناهيك عن الفروق الحادة بين المواد والتقنيات والقياسات، تختفي هذه الحساسية النسبية عندما تعرض كل لوحة على حدة، وهنا نعثر على المسوغ الشرعي لاجتماع الأعمال المتباعدة زمانيًا.

*  *  *

اكتشف هذه الخاصية الثنائية في عملي لأول مرة فنان تنويري لبناني هو إميل منعم، بمناسبة معرضي الاستعادي في بيروت، حيث نشر مقالًا في "العربي الجديد"، مما يدل على تفوق كتابات الفنانين الممارسين على النقاد الاستهلاكيين. ناهيك أنها ليست المرة الأولى التي أنبه إلى هذه الحقيقة التي كانت موضوعًا لكتاب بعنوان "المصور في مرآة الناقد"، والذي نال جائزة النقد الفني في بينالي الشارقة في عام 1997م.
لعله من الجدير بالذكر أني مختص بعلم جمال الفن العربي الإسلامي في قسم المنمنمات (رسوم المخطوطات)، وعلاقتها بموسيقى المقام والفلسفة الذوقية نتيجة دراسة خلال تسع سنوات في جامعة السوربون، وحصلت على دكتوراة أولى عن الأصول المقارنة لفن السينيتيك، ودكتوراة دولة عن العلاقة بين الموسيقى اللحنية والأرابيسك.
اكتشفت قبل الدراسة منظور عين الطائر، أو العنقاء، أو السيمورغ، في التصوير العربي الإسلامي، واستخدمته في تصوير العمارة الدمشقية البليغة التأثير على من صوروا المدينة القديمة، نراه في لوحة المتحف على ستة أمتار من واجهة المدينة.
هذا ما قادني منذ عام 1958م إلى تصوير النسوة في الاتجاهين، تيمنًا برسوم مخطوطة مملوكية معروفة عن الفن والفروسية التي تأثر بها الفنان جورج بازيليتز.
وكان قد تأثر بهذا الاكتشاف أغلب رواد التعبيرية الذين يصورون من الجهات الأربع من دون قصد ولا دراية، ولوحات معرضي الجديد مثال بليغ على ذلك.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.