}

أمين معلوف و"التعايش الإنساني" الذي أوصله لرئاسة الأكاديمية الفرنسية

دارين حوماني دارين حوماني 3 أكتوبر 2023
آراء أمين معلوف و"التعايش الإنساني" الذي أوصله لرئاسة الأكاديمية الفرنسية
(Getty)
انتُخب الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف (74 عامًا) يوم الخميس الفائت لمنصب "الأمين العام الدائم للأكاديمية الفرنسية" خلفًا لإيلين كارير دانكوس التي شغلته منذ عام 1999 وتوفيت في الخامس من شهر آب/ أغسطس الماضي وكانت على علاقة وطيدة بمعلوف. ومعلوف حائز على جائزة غونكور الفرنسية (Prix Goncourt) عن روايته "صخرة طانيوس" عام 1993. وكانت النتيجة شبه متوقعة بعد منافسة مع صديقه جان كريستفو روفان، الكاتب والطبيب والدبلوماسي السابق والحائز جائزة غونكور أيضًا عام 2001 عن روايته "البرازيل الحمراء". وفاز معلوف بمنصب الأمين العام للأكاديمية بأغلبية 24 صوتًا مقابل 8 لروفان من بين 35 عضوًا فيها. وقد صرّح بعد انتخابه تحت قبّتها: "أنا مقتنع بأن مهمة الأكاديمية الفرنسية أصبحت اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه في زمن ريشيليو (الكاردينال ورجل الدولة الفرنسي الذي توفي عام 1642). الأكاديمية عنصر أساسي في هوية الأمة وتأثير فرنسا في العالم". وتعتبر الأكاديمية الفرنسية المؤسسة المسؤولة عن الدفاع عن اللغة الفرنسية والنهوض بها، ولم يشغل هذا المنصب سوى 32 شخصًا منذ عام 1635، عام تأسيس الأكاديمية.

وفي خطاب قبوله عضوًا في الأكاديمية الفرنسية عام 2011 في الكرسي رقم 29 الذي كان يشغله عالم الاجتماع والأنثربولوجيا كلود ليفي شتراوس (1908-2009)، كان معلوف قد عزم على "تقويض وهدم" ما أسماه "جدار الكراهية" بين الأوروبيين والأفارقة، بين الغرب والإسلام، بين اليهود والعرب "نحن في عالم مضطرب، وأعتقد أننا بحاجة إلى أماكن تمثّل نوعًا من الضمير الأخلاقي... أحلامي اليوم يُساء إليها. جدار يرتفع في بلدان الشرق الأوسط في وجه العوالم الثقافية التي أطالب بها. هذا الجدار، لم أكن أنوي تجاوزه لأعبر من ضفّة إلى أخرى. جدار المقت هذا، جدار الكراهية بين أوروبيين وأفارقة وبين الغرب والإسلام وبين اليهود والعرب، طموحي هو هدمه، إزالته، ومحوه. هذا كان دائمًا علّة حياتي، علّة كتابتي". معلوف كان قد أسّس لمقولته هذه منذ عمله الأول "الحروب الصليبية كما رآها العرب" (1983) وما تلاه من أعمال أبرزها "صخرة طانيوس" و"سمرقند"، وقد وصفته جريدة "لوموند" الفرنسية يوم الجمعة الفائت "ماضي معلوف وأعماله يجعلان منه رجلًا عابرًا للحدود، مسكونًا بسوء الفهم المحتمل الذي يفصل الغرب عن الشرق. كاتب قادر على بناء الجسور والثقافات، يكره التوترات القائمة على الهوية والجماعة". كما وصفته وزيرة الثقافة الفرنسية، ريما عبد الملك، وهي لبنانية فرنسية أيضًا "إنه اختيار ممتاز... كاتب عظيم، رجل أخوة وحوار واسترضاء... رمز رائع لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم".

وكانت إيلين كارير دانكوس، التي خلفها معلوف، قد كرّست الكثير من الجهد من أجل إكمال الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية والذي أُعفي منه معلوف اليوم. في حين تقع أمامه مسؤوليات أخرى عليه أمام الانتقادات الواسعة التي تطاول الأكاديمية المحافظة، خاصة في موضوعات مثل التهجئة أو الكتابة الشاملة، مشيرًا أيضًا إلى أنه ينوي الانخراط في "تفكير متعمق" قبل الطبعة العاشرة، "لم يعد من الممكن تصوّر القاموس اليوم كما تم تصوّره من قبل". ومن المسؤوليات الملقاة عليه موضوع التمويل، حيث تعاني الأكاديمية الفرنسية، كغيرها من فروع المعهد الفرنسي، من وضع مالي حساس، إذ تعيش على عائدات أصولها المالية والتبرعات والإرث. كما توجد خمسة كراسٍ فارغة في الأكاديمية، يشغل الأكاديمية 35 عضوًا من أصل 40، وقد صرّح معلوف، وهو العضو الثاني عربيًا بعد الكاتبة الجزائرية آسيا جبار في الأكاديمية، "نحن بحاجة إلى انتخاب المزيد من النساء الأكاديميات. سيتم ملء خمسة مقاعد في الأكاديمية". وكان قد صرّح لوكالة فرانس برس: "لن أذهب إلى حد القول إن اللغة (الفرنسية) في خطر، لكن هناك تهديدات مستمرة. أعتقد أننا بحاجة إلى رؤية للغة الفرنسية التي يمكن أن تصبح منتصرة مرة أخرى. على أي حال، الأكاديمية ليست ولن تكون أبدًا حزبًا سياسيًا، من المهم أن تكون هناك جميع الحساسيات وجميع الآراء ممثلة، وأن يحدث كل هذا من باب المجاملة والصداقة والأخوة".


أمين معلوف قادم من عائلة صحافية وأدبية، فوالده رشدي معلوف كان شاعرًا وصحافيًا بارزًا، درس الاقتصاد وعلم الاجتماع، وبدأ حياته مراسلًا صحافيًا يغطي الأحداث في عدد من دول العالم منها السقوط الملكي في أثيوبيا عام 1974 وسقوط مدينة دايفوس الفيتنامية عام 1975. انتقل للعيش في فرنسا عام 1976 بسبب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت أثرًا كبيرًا في نفسه وعلى أعماله، وبدأ العمل كاتبًا ومراسلًا في مجلة "جون أفريك" (Jeune Afrique) الأسبوعية ثم ترأس تحريرها، حيث كان حاضرًا في إيران عند سقوط الشاه وإعلان إيران جمهورية إسلامية عام 1979، كما كان كاتبًا صحافيًا في "النهار العربي والدولي". ومنذ عام 1984، كرّس نفسه، كما صرّح في أحد حواراته، لكتابة الروايات والمقالات ونصوص الأوبرا، وخلال مسيرته الفرنسية حاز العديد من الجوائز، إضافة إلى جائزة غونكور، جائزة "المقال الأوروبي"( Prix européen de l'essai) عام 1999 عن عمله "الهويات القاتلة" (1998)، وحاز في عام 2010 على "جائزة أمير أستورياس" (The Princess of Asturias Awards) وهي أرفع جائزة إسبانية عن جميع أعماله، كذلك حصل عام 2016 على "جائزة الشيخ زايد للكتاب" في نسختها العاشرة بعنوان "شخصية العام الثقافية"، إضافة إلى جوائز وشهادات فخرية وتكريمات أخرى حول العالم.

اختار أمين معلوف في روايته الأولى "الحروب الصليبية كما رآها العرب" موضوعًا حساسًا عن الشرق الذي لا يرى في الغرب إلا عدوًا والغرب الذي لا يرى في الشرق إلا تخلفًا وعنفًا. بدا معلوف وكأن لديه هدف ما، كان يبحث عن رواية التاريخ والحقائق من وجهة نظر "العرب" ربما إنصافًا لهم أمام رؤية الغرب المسيطرة عالميًا، ورغم ذلك فقد كان موضوعيًا وحياديًا في روايته التي يمهّد لها بقوله "ينطلق هذا الكتاب من فكرة بسيطة: سرد قصة الحروب الصليبية كما نظر إليها وعاشها وروى تفاصيلها ‘المعسكر الآخر‘ أي الجانب العربي، ويعتمد محتواها على شهادات المؤرخين والإخباريين العرب في تلك الفترة"، ويسرد في الرواية كيف أن المسلمين كانوا يعتبرون الحروب الصليبية حروبًا استعمارية للسيطرة على الشرق وثرواته وليس لإنقاذ مسيحيي الشرق من اضطهاد المسلمين لهم، فعند وصولهم إلى المشرق العربي أخذوا ينهبون الممتلكات من دون أن يستثنوا الكنائس من النهب. وقد جاء على لسان المؤرخ الفرنسي راوول دي كين الذي أتى مرافقًا للحملة "الصليبية" على الشرق قوله: "لم تكن جماعتنا لتأنف وحسب من أكل قتلى الأتراك والعرب بل كانت تأكل الكلاب أيضًا". وفي المقابل يذكر معلوف شهادة المؤرخ العربي ابن جبير (1145-1217م) الذي يحكي عن عدل مسيحيي الشرق في توزيع الحقوق مع المسلمين الذين كانوا يشكون من جور حكامهم، فيكتب ابن جبير: "ليس هناك حدّ لسلطة الأمير الاعتباطية، وعليه فإنه لم يكن بالإمكان إلا أن يتأخر نمو المدن التجارية، وكذلك تطور الأفكار"، واعتبر ابن جبير أن عدل الإفرنج وحسن إدارتهم يشكلان خطرًا مميتًا على المسلمين. 

ولكن الأهم في تأريخ معلوف هو الخاتمة التي قد تعدّ رسالته الأولى للعالم، يقول فيها: "لقد حاز العالم العربي في الظاهر نصرًا مبينًا... جاءت النتيجة معاكسة تمامًا... لم يكن كما قلنا سوى مظهر، إذ لا بد بعد مرور الزمن من ملاحظة: كان العالم العربي في عهد الحروب الصليبية من إسبانيا إلى العراق لا يزال فكريًا وماديًا خازن أرقى حضارة على وجه الأرض. ولسوف ينتقل مركز العالم بعزم وتصميم إلى الغرب... هل يمكن الذهاب إلى حد التأكيد بأن الحروب الصليبية قد أطلقت إشارة نهضة أوروبا الغربية التي تتوصل بالتدريج إلى الهيمنة على العالم، ودقّت نفير موت الحضارة العربية؟". ويتابع معلوف: "في حين كان عهد الحروب الصليبية شرارة ثورة حقيقية اقتصادية وثقافية معًا بالنسبة إلى أوروبا الغربية فإن هذه الحروب المقدسة ستفضي في الشرق إلى عصور طويلة من الانحطاط والظلامية".

ولا يختلف هدف معلوف في  رواياته الأخرى عن هذا المسار التأريخي، فقد أصدر عام 1986 رواية "ليون الأفريقي" عن شخصية "الحسن الوزان" أو "ليون الأفريقي"، الرحالة الذي ينتقل من غرناطة إلى المغرب إثر هزيمة المسلمين فيها عام 1492م وهجرتهم إلى المغرب حيث يصف محنة الموريسكيين وظروف الاستسلام والهجرة، ولكن فاس المغرب لن تكون وجهته الأولى، فليون سوف ينتقل من بلد إلى بلد، السودان، الحجاز، ثم مصر مدفوعًا بظروف يقصّها الكاتب بأسلوب سردي للأحداث، فالرواية بقدر ما هي حكاية ذلك الرحاّلة هي أكثر من ذلك سرد للظروف السياسية والمجتمعية التي حكمت ذلك الزمن، إلى أن يصل ليون إلى روما حيث سيتبوأ مركزًا مهمًا ويصبح نصرانيًا، وفي طريقه المتشعبة والواسعة سنرى ليون، الشخصية التي لا انتماء محدّد لها، تحلم بعالم لا حرب فيه، عالم يعمّ فيه التسامح، وحيث يكتب معلوف: "ليون الرحالة كان أيضًا أنا".

في لقاء الآخر...

العديد من شخصيات معلوف انطلقوا للقاء "الآخر" في العوالم "الأخرى"، من ليون الأفريقي ثم عمر الخيام "الشاعر التائه" في روايته "سمرقند" (1988) الذي يركب الباخرة "التايتنك" مع مهاجرين من كل العالم يحلمون بأميركا. وعمر الخيام هو المثقف الذي يندم على الدخول في معركة ليست معركته. وفي "صخرة طانيوس" يحكي معلوف عن فتى مسيحي في إحدى قرى جبل لبنان يعيش مع إحساس بالاغتراب بسبب جهله لوالده الحقيقي، وتدور الأحداث في منتصف القرن التاسع عشر ساردًا من خلالها معلوف صراع القوى العثمانية والغربية على الجبل اللبناني، ويظهر بطل معلوف شخصية شجاعة ترفض الظلم وتشكّك بكل الآراء والمفاهيم الاجتماعية.


هي شخصيات إشكالية لا تبتعد عن شخصية معلوف وفكره ورؤيته للعالم التي عرضها في أكثر من كتاب ومقالة والتي حققت له هذا الإعجاب الغربي فيه. ومن كتبه الفكرية "اختلال العالم- حضاراتنا المتهاتفة" (2009) الذي يعرض فيه لاختلال العالم الفكري والمالي والجيوسياسي والأخلاقي، ويبدي قلقه ومخاوفه من هذا الاختلال والأخطار التي تتطلب حلولًا شاملة للمحافظة على ما صنعته البشرية حتى الآن من حضارة وجمال، وحيث "نزداد ضياعًا كلما ازددنا تقدمًا"، كما يكتب معلوف في مطلع الكتاب، ويضيف لاحقًا: "العالم العربي- الإسلامي يغوص أكثر فأكثر في ‘بئر‘ تاريخية يبدو عاجزًا عن الصعود منها، وهو حاقد على الأرض كلها الغربيين، الروس، الصينيين، الهنود، اليهود، إلخ. والبلدان الأفريقية، هي، باستثناء حالات نادرة، غارقة فى حروب أهلية، وأوبئة، ومتاجرات قذرة، وفساد شامل، وانحطاط للمؤسسات، وتفكك للنسيج الاجتماعي، والبطالة الكثيفة". وينتقد معلوف الغرب أيضًا الذي لم يكن ينشر القيم في البلاد التي كان يستعمرها بقدر ما كان يقمع شعوب هذه البلاد، وحيث ينتج أسلحة قادرة على إبادة المدنية كلها. كما يتطرق إلى الطائفية الدينية وارتيابه منها، إذ يقول: "لبنان الذي ولدتُ فيه هو المثال النموذجي لبلد مفكك من جراء الطائفية"، ثم يضيف "الطائفية كانت تبدو مجرد راسب مشرقي، أما اليوم أمست الظاهرة عالمية، ومن الممكن أن يكون لمستقبل الإنسانية جمعاء هذا اللون".

وفي كتابه "الهويات القاتلة"، يطرح عددًا من الأفكار أبرزها مفهوم الهوية والذي يختزل الشخص إلى انتماء واحد، في موقف متحيز وقد يكون مذهبيًا ومتعصبًا وأحيانًا انتحاريًا، "عندما يتصور الأشخاص هوياتهم بوصفها مكونة من انتماءات متعددة حتى تتولد علاقة مختلفة مع الآخرين... لم يعد هناك بكل بساطة ‘نحن‘ و‘هم‘". كما يتحدث عن حسنات العولمة كما عن مخاطر الهيمنة التي فرضتها هذه العولمة، والقلق من أن نصبح في وقت تتحدث فيه وسائل الإعلام اللغة نفسها بعدما كانت تقدّم آراء مختلفة "إذ كل ما تفعله هذه الأبواق هو تضخيم الرأي السائد حاليًا لدرجة أنه يطغى على أي صوت آخر. والواقع أن تدفق الصور والكلمات لا يترك مجالًا للحس النقدي".

رسالة معلوف الفكرية والإنسانية لم تشفع له في أكثر من مكان حيث كانت رواياته ومواقفه تثير جدلًا بين الأوساط الثقافية العربية وحتى بين بعض الكتّاب الأوروبيين، وخصوصًا إثر مقابلته مع قناة i24 الإسرائيلية عام 2016، فقد أثارت هذه المقابلة جدلًا بين المثقفين العرب، وتعدّ هذه القناة وفق "موقع عرب 48" أهم الأذرع الإعلامية الصهيونية وتستهدف المجتمع العربي وتبث بثلاث لغات، العربية والفرنسية والإنكليزية، وتسعى القناة لاستضافة محللين عرب من فلسطين والعالم العربي بهدف الظهور كقناة نزيهة وموضوعية. ومن ردود الفعل كانت مقالة الناقد اللبناني بيار أبي صعب في مقالته "أمين معلوف>.. ليون الإسرائيلي!"، يقول أبي صعب: "هل صاحب ‘ليون الافريقي‘ ساذج لدرجة انّه لم يرَ الفخ؟ ألم يجد حرجًا من هذه ‘المبايعة‘ الرمزية “لإسرائيل”؟ ليس أمرًا ثانويًّا أن يعترف”بإسرائيل” كاتب عالمي. ربّ قائل إن أي مبدع عربي يحلم اليوم بمكانة في فرنسا، عليه أن يمرّ في خانة ‘إسرائيل‘، ويحظى ببركة برنار هنري ليفي. لكنه أمين معلوف! ماذا يفعل هنا قبالة الكاميرا ‘الاسرائيليّة؟ كالتلميذ المجتهد والمهذب والمطيع يخضع لاستجواب المذيعة الهستيريّة"!

وكتب يومها الشاعر والناقد اللبناني إسكندر حبش في مقالته "خيانة المثقف": "لا أعتقد أنّ المفاجأة تكمن في ظهور أمين معلوف على تلك المحطّة، بل المفاجأة أن لا نكون قد قرأنا كتبه فعلًا. لنعد مثلًا إلى رواية ’سلالم الشّرق‘ الّتي نشرها في منتصف تسعينيّات القرن الماضي، ألم يجعل من بطلة روايته هذه شخصيّة ’إسرائيليّة‘ تأتي إلى فلسطين، بعد قرار التّقسيم، لتسكن مدينة حيفا؟ صحيح أنّ بطلته هذه ليست من ’اللّواتي يعشقن الذّبح‘ (كما يكتب) بل وتحلم ’بإقامة مدينة مشتركة بين العرب واليهود‘، بيد أنّ السّؤال: كيف يمكن لهذا التّعايش أن يتحوّل واقعًا حين تعتبر حيفا ’مدينتها‘؟".

وكان روبرت فيسك (1946-2020) أحد الصحافيين البريطانيين البارزين والداعمين لحملات مقاطعة إسرائيل كتب عن معلوف إثر تعيينه عضوًا في الأكاديمية الفرنسية عام 2011 : "أفضل أعمال معلوف هي ‘الحروب الصليبية كما رآها العرب‘، وهي رواية غير خيالية عن ‘حرب الحضارة‘ الأولى مستمدة في الغالب من الوثائق العربية وليس الأوروبية. وكشفت كيف أكل فرسان العالم المسيحي الجائعين ضحاياهم المسلمين بالقرب من مدينة حمص السورية. والآن يعود معلوف بمزيد من الخيال، عن عالم مضطرب، ويحدّد مسارًا للقرن الحادي والعشرين، ووصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه ‘الصوت الواضح والهادئ والمقنع من العالم العربي الذي كان الغرب ينتظره‘"، ويضيف فيسك: "إن نظرته إلى الشرق الأوسط والعالم الغربي مذهلة ولكنها معيبة للغاية. عندما يقول إن ‘نهاية ميزان الرعب خلقت عالمًا مهووسًا بالإرهاب‘، فلا يسعني إلا أن أتفق معه. ومع ذلك، عندما يخبرنا أن ‘أغنياء أو فقراء، متعجرفين أو مضطهدين، محتلين أو محتلين، كلهم - نحن - على متن نفس الطوافة الهشة ونحن جميعًا ننزلق معًا‘، لا يسعني إلا أن أقول إن هذا هراء. الفلسطينيون الذين يحتلهم الإسرائيليون، والإسرائيليون الذين يحتلون الضفة الغربية ليسوا في ‘نفس الطوافة الهشة‘. لقد فاز الكثير (في الوقت الراهن). لقد خسر الكثير الآخر. والسؤال الحقيقي ــ في حالة فلسطين ــ هو ما إذا كان الإسرائيليون سوف يتوقفون عن سرقة الأراضي الفلسطينية التي لا تنتمي إليهم، والتي يبنون عليها مستعمرات للإسرائيليين، والإسرائيليين فقط، في انتهاك لكل القوانين الدولية. ويجدر بنا أن نتأمل – وهو ما لا يفعله معلوف – أنه في عام 1983، كان جزءًا من وفد لبناني زار إسرائيل، عندما كان الرئيس اللبناني يتماشى مع رغبة أميركا اليائسة في التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي لبناني. وتفقد معلوف الأضرار التي خلفتها صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية على بلدة كريات شمونة اليهودية. أستطيع أن أفهم لماذا دفن نفسه في فكرة ‘خسارة الطرفين‘، ولكن هناك جانب أخلاقي، أخلاقي لذلك، يبدو أنه مفقود من كتابات معلوف. في عام 1982، تسبب الإسرائيليون في لبنان في معاناة أكبر بكثير (17.500 قتيل، معظمهم من المدنيين) مما تسبب فيه الفلسطينيون في إسرائيل. وعندما يتعلق الأمر بالديمقراطيات، يخبرنا معلوف أنه ‘لا يعرف الكثير من الأنظمة التي تعمل بشكل أفضل‘ من الأنظمة الديمقراطية في أمريكا. حقًا؟ وعندما يسأل نفسه ما إذا كان الأميركيون والإسرائيليون ‘خلال العقود القليلة الماضية لم يتحملوا مسؤولية أكثر تحديدًا‘ عن انحدار العالم، فإن الإجابة ‘ربما‘ ليست جيدة بما فيه الكفاية".

حديث معلوف عن السلام والتعايش بين الأديان والتي أوصلته إلى عالميّته لا يتسرّب في كتبه الفكرية ورواياته التاريخية فقط، بل في حواراته أيضًا، ففي روايته "سلالم الشرق" يكتب معلوف "المستقبل مصنوع من الحنين إلى الماضي"، وفي حوار معه يقول تعليقًا على الرواية: "تتم إعادة بناء المستقبل من الأوقات الجيدة من الماضي. من الأشياء التي أحببناها في ماضينا: نوع من الجنة المفقودة، لقد عرفت وقتًا من التعايش في لبنان قبل الحرب، وليس من قبيل الصدفة أن أواصل الحديث عن التعايش والحياة المشتركة... أنا من أجل السلام وأعتقد أن هذه المنطقة بأكملها قد عانت الكثير. وقد عانى لبنان على وجه الخصوص، وحان الوقت لوقف هذه المعاناة ، للنظر إلى المستقبل بطريقة أخرى. ويمكننا التعايش، شريطة أن نعيش في بيئة من الحرية والعدالة، إذ يتم تقييم كل إنسان لقيمته الخاصة، وليس وفقًا لانتماءاته. وأعتقد أن هذا الاعتقاد مرتبط بأصولي. عندما نعيش في لبنان، فأول دين لدينا هو دين التعايش". ثم يضيف عند سؤاله عن هذا الزمن الذي نعيش فيه: "‘التيه‘ هذه الكلمة بمثابة الوصف الأول الذي يقفز إلى ذهني. نحتاج وسط عالم بلا معالم مرشدة، إلى بوصلة سياسية وأخلاقية جديدة".

 

مراجع مختارة:

https://www.independent.co.uk/voices/commentators/fisk/robert-fisk-the-immortality-of-a-great-if-flawed-historian-2336906.html

https://www.lemonde.fr/en/culture/article/2023/09/28/academie-francaise-elects-amin-maalouf-as-new-perpetual-secretary_6140542_30.html

https://shorturl.at/kwBIL

  

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.