}

تناص لا بدَّ منه ما بين "الأسدية" و"الإسرائيلية"

علي العائد علي العائد 29 ديسمبر 2023
آراء تناص لا بدَّ منه ما بين "الأسدية" و"الإسرائيلية"
القتل يغذي قوّة جيش الاحتلال (Getty)
يعيش الفلسطيني منذ 75 عامًا على بعد صفر من عدوه، كما لو أنه يعيش تحت سلطة دكتاتور. في الشمال، وعلى بعد تكتيكي بينهما، يضطر أخوه السوري، على معاناة العيش نفسه، لكن الزمن أدنى من 75 عامًا. يفصلهما مع تثبيت الزمن 22 عامًا فقط، لكن الزمن يمضي، وقد يبلغ السوريون الزمن صفر، مع تمنِّ أن يتوقف الزمن الفلسطيني عند اليوبيل الماسي للنكبة.
قتاليًا، لم تكن المسافة صفر، إذًا، وليدة ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هي أبعد حتى من عمر الكيان الصهيوني العابر، على اعتبار أن غولدا مائير حملت جواز السفر الفلسطيني ما بين 1921 و1948، لتصبح في ما بعد أول رئيسة وزراء لدولة شكلها جيش مؤلف من عصابات وميليشيات. فالسيدة غولدا الفلسطينية التي كانت تعيش على المسافة صفر من جارها الفلسطيني أصبحت زعيمة حزب العمل، ورئيسة الوزراء، لتأمر جيشها بقتل الفلسطينيين من المسافة صفر في حرب 1973.
أما المسافة صفر السورية فتعود إلى ما قبل عام 1970، إلى عام 1963، أو 1961، حين بدأت الأسدية باختطاف حزب البعث العربي الاشتراكي، وتحويل الحزب القومي العربي إلى مزرعة من الاستزلام بالاستناد إلى العسكرة في البداية، وفي ما بين عام 1966 إلى عام 1970 إلى استزلام الطائفة، لتصل إلى مفهوم الأبد الذي تتشاركه مع "إسرائيل" (ما بعد كامب ديفيد، وما بعد 1980 في الدولة الأسدية) على نحو منهجي غير قابل للإنكار، حتى لو اختلفت التفاصيل هنا وهناك.



الدولة العبرية نشأت في خطر، وتعيش في خطر، وستستمر في هذا مهما طال عمرها. أكثر من ذلك، هي حريصة على أن تربي العدو، فلا شيء أكثر ضرورة لتعاضد مواطنيها من الخوف. هي مدركة أنها تعيش في وسط معاد، ولا سبيل لتأبيد استمرارها إلا بالتأكد من تفوقها النظري بالقوة على مجموع أعدائها المحيطين. لكن ما حدث في 7 أكتوبر الماضي كان خارج الحسابات قليلًا، ما أدى إلى تخلخل يقينها القلق. غزاها مئات من شباب حماس، والجهاد الإسلامي، فدفعت ثمنًا لم تدفعه في يوم واحد منذ ولادتها ككيان. هيبتها تذررت بطريقة لم تخطر لها حتى في أسوأ كوابيسها، هي صاحبة عقيدة القتل، القتلِ الذي يغذي قوة جيشها على طريقة أن من يلقي وردة على جندي إسرائيلي جزاؤه قنبلة. فإذا لم يكن الرد على غزة كمية من البارود تعادل عددًا من القنابل النووية، فإن الخطوة التالية لحماس وأخواتها ستكون ربما نسف مقر رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو نسف الكنيست نفسه، أينما كان، في تل أبيب، أو في القدس المحتلة.
لكل ذلك، كانت جرعة الانتقام "الإسرائيلية" غير متصورة حتى من "إسرائيل" نفسها. في الجولات الخمس السابقة في غزة كان الجزاء من جنس العمل، وكان الانتقام محدودًا في زمانه، وفي مكانه، وعدد الضحايا الكبير في كل مرة يكاد يكون متوقعًا، أو يكفي لإشباع شهوة القتل المؤسس عليها الجيش التلمودي العتيد.
هناك، في سورية ما بعد 2011، حدث شيءٌ ما يشبه ما بعد 7 أكتوبر. تجرأ شباب سوري على هيبة الأبد، بالصوت، والصورة، وبالقلم، ليس أكثر. أطفال درعا كتبوا على الجدران، وشباب حمص حطموا صور الدكتاتور وتماثيل أبيه، وشباب حماة هتفوا وراء القاشوش. وفي إدلب، رسم الشباب مستقبل سورية الخالي من الدكتاتور. وهكذا عبَّرت كل المدن السورية، على الإطلاق، بطريقتها، عن رفضها للأبد.

تجرّأ الشباب السوري على هيبة الأبد عام 2011 (Getty)

هنا، وهناك، ذهبت هيبة الدولتين المصطنعتين، التي قد يجوز وصفهما معًا بالديكتاتورية، وإن كانت الدكتاتورية "الأسدية" أشد وضوحًا. فـ"إسرائيل" دكتاتورية حين يتعلق الأمر بطريقة معاملتها للفلسطينيين، وإن كانت ديمقراطية مع رعاياها اليهود. وحين تجرأ الشباب على هيبة الأبد هنا وهناك، كان لا بد من رد يسد أفق المستقبل على هؤلاء الشباب. وفي الحالتين، لم يكن الرد مجرد انتقام، عبر البراميل الغبية "الأسدية"، التي لا تتميز كثيرًا عن البراميل "الإسرائيلية" التي تخلت عن ذكائها المدّعى، كما تخلى "جيش الدفاع الإسرائيلي" عن "أخلاقيته" غير الموصوفة، حتى ولو كانت هذه الأخلاقية مجرد كلمات خالية من الدلالة. كان الرد تعبيرًا صريحًا نابعًا من الخوف من مستقبل تطور قدرات هؤلاء الشباب، على الرغم من ميزان القوى الذي سيبقى لمصلحة "إسرائيل" حتى على المدى البعيد.
"إسرائيل" الخائفة، بطبيعة تكوين كيانها، كما الكيان "الأسدي"، ليست خائفة فقط من جرح هيبتها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فطبيعة التعليمات التلمودية الداعية إلى القتل بالحجم الكبير لجميع أعدائها تقودها في ذلك السبيل، إذ كل ما غير يهودي هو عدو منذ التواريخ الأولى لإبداعات كتَّاب التلمود.
لكن ما جرى في 7 أكتوبر الماضي فاصل وعلامة في القرن الحادي والعشرين الفلسطيني. ولا يذكر، ربما، معظم الإسرائيليين الأحياء آخر مرة عاشوا فيها مثل هذه الأيام، ولا يريد من عاشوا هذا التاريخ أن تكون هنالك مرة تالية يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تكرر فيها 7 أكتوبر جديدًا، فقد يكون في هذا التكرار نهاية إسرائيل، أو بداية نهايتها.
بعقل بارد، وإذا أردنا ان نتقمص شخصية محامي الشيطان، لنكون في مكان "إسرائيل"، سنعطي الحق لإسرائيل في فعل ما تفعله بعد 7 من أكتوبر الماضي. ولذلك، ليس أمام "إسرائيل" في حال نجحت حماس والفصائل المقاومة الأخرى في الصمود والخروج من هذه الحرب غير منكسرة، ومن ثم  تكرار 7 أكتوبر جديدًا، إلا الذهاب مجبرة في عملية سلام ينتزع فيها الفلسطينيون حقوقهم في أرضهم، وما يترتب على ذلك من تعويضات، حتى يرضوا، ربما وفق قرار التقسيم الأممي لعام 1947، أو على الأقل وفق حدود ما قبل 5 يونيو/ حزيران 1967، وبأثر رجعي ناسف لاتفاقية أوسلو.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.