}

في غزة أيضًا "كنا عايشين"... اليوم التالي سوريًا وفلسطينيًا

علي العائد علي العائد 20 مارس 2024
آراء في غزة أيضًا "كنا عايشين"... اليوم التالي سوريًا وفلسطينيًا
هنا، في سورية، ثار السوريون على أبدهم (Getty, 2016)

للعاتبين على حركة حماس، التي نكشت عش الدبور "الإسرائيلي"، كما نكش السوريون قبل 13 سنة عش الدبور "الأسدي"، ننبه أصحاب الغفلة أن العشين عش واحد، فلا أهل سورية كانوا "عايشين" قبل 15 آذار/ مارس 2011، ولا أهل غزة وفلسطين كانوا "عايشين" قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
نعم، زلزل "الإسرائيلي"، و"الأسدي"، الأرض تحت الشعبين الشقيقين، وفجر كل منهما من فوق الشعبين كل أنواع الأسلحة الذكية والغبية، وسعى كل منهما، ويسعى، إلى تهجير ما تبقى من السكان، وفي كلتا الحالتين، عامدًا، متعمدًا، ليصل أحدهما إلى "فلسطين المفيدة"، والآخر إلى "سورية المفيدة"؛ كل ذلك حدث، وسيحدث، حتى لو أن الفلسطيني، أو السوري، استكان واستطاب العيش المفيد للنظامين، فكلا النظامين لا تستسيغ عقيدته إلا أن يثبت لنفسه أنه قوي، وقادر على القتل، ومن دون أن يقتلا لن يشعرا أنهما قادران على الاستمرار ككيانين.
نعم، هما كيانان بالمعنى الحرفي للكلمة، كونهما مؤسسين على القوة أولًا، وليس القوة النسبية، إشارة إلى عبارة الرد المتناسب التي أطلقها صحافيون وإعلاميون وسياسيون في بداية الهجمة على غزة، بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ليس هنالك ما يدعى "رد متناسب". وحتى لو هاجمت "إسرائيل" غزة بقوة تعادل ما يمتلكه "الجيش الأسدي" لحققت فيها من الدمار والقتل ما يعادل ما تحقق، وما يساوي قوة عشرات القنابل النووية الصغيرة.
في سورية، دمر "الجيش الأسدي" المدن ببراميل بارود صماء، فالهدف هو التدمير والترويع، فمن لم يمت بالبارود، هرب بنفسه وعائلته من روع ما رأى وسمع. أما في غزة، فلا سبيل حتى إلى الهرب، فالصديق يحاصرك قبل العدو.
كل ذلك يقول لنا إن أصل الحكاية في سورية ليس في 15 آذار/ مارس 2011، ولا أصل حكاية فلسطين وغزة في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لا نحتاج للتذكير، لكن في الصراخ في آذان هؤلاء وأولئك فائدة؛ الحكاية السورية بدأ نسيجها في 1963، والحكاية الفلسطينية تشكلت منذ ما قبل 1948. هنا، في سورية، ثار السوريون على أبدهم، كما يستمر الفلسطينيون في الثورة على أبدهم منذ 76 عامًا.

وإذا كان في التاريخين من علامة، فإن العلامة الكبرى فيهما أن اليوم السوري، واليوم الفلسطيني، كانا موعودين، وصادف أن كانا في هذين اليومين، في عامي 2011، و2023؛ هما يومان كانا في انتظار اكتمال العلامة فقط.
في عام يهوذا السوري الثالث عشر، يصادف أن السوري والفلسطيني لا يزالان يبحثان عن نهاية تيههما، على حد السيف، بل على صراط يهون معه تعبير درب الآلام، مع أكبر صليب يمكن أن يتخيله المؤمن في نهايات لا يضمن جحيمها، أو جنتها، أحد، لكنه درب آلام لا بد منه، وله نهاية لا بد منها.
ومن مصادفات الأرقام، أيضًا، أن لفلسطين يهوذا آخرَ في هذا العصر، في العام السادس والسبعين بعد "النكبة".
نجازف في القول إن الجيد في آلامنا نحن الفلسطينيين، ونحن السوريين، أن حكاية الثورتين مستمرة، على عكس خلاف ما حدث في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن، والسودان لاحقًا، حيث آلت الأمور إلى ارتكاس الثورات هناك بطريقة قد تفسر بأن وضع تلك الدول لم يكن بذلك السوء الذي يفتح للثورة دربًا واحدًا للتقدم. ففي سورية، ومن قبل في فلسطين، كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية في أشد حالات السوء، ولذلك لم ترتد الثورة فيهما، وإن أضحت في سورية في حالة كمون قد تشبه الوضع السوري ما قبل 2011. أما المحزن في الوضع السوري، والفلسطيني، وفي عموم بلدان الثورات العربية، أن كل تلك الدول عاشت مآسي لا توصف جعلت بعض أصحاب الضمائر البسيطة يفضلون لو استمرت الحياة على ما كانت عليه ما قبل هذه الثورات، بالنظر إلى كل ذلك الدم المسفوح، والدخول في التشرد واللجوء، والفقر، بما حمله ذلك من تفكك اجتماعي، وانعدام في الأمان، وفتح الباب لكل أنواع الشرور ما قبل انفتاح القبور.
عودًا على بدء، لو لم تحدث ثورات الربيع العربي، والثورة في سورية خاصة، في مواقيتها المعلومة السابقة، فقد كان لا بد لها أن تحدث في المستقبل. صادف أن حدثتا، وصادف أن يأتي عام يهوذا السوري، والفلسطيني، اليوم، والشعبان السوري والفلسطيني ما زالا على قيد الأمل في تحقيق أهداف ثورتيهما، وإن لم يحصد الجيل الحالي ثمن تضحياته وآلامه، فسيحصد الجيل التالي، أو التالي لهما، ما ستجنيه فلسطين، وسورية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.