}

حول جويس كارول أوتس مرة ثانية

إسكندر حبش إسكندر حبش 13 يناير 2024
آراء حول جويس كارول أوتس مرة ثانية
تشير جويس كارول أوتس لشرور الحلم الأميركي (Getty)
ليس لي أن أدافع عن نفسي، وبالتالي عن شيء سبق لي أن كتبته؛ كلّ ما في الأمر أنني أجدني منساقًا، هنا، لتوضيح بعض النقاط التي أثارت بعض التعليقات (الخاصة) حول مقالتي الماضية التي تناولت فيها الكاتبة الأميركية "جويس كارول أوتس: شرور الحلم الأميركي" (هكذا كان عنوان تلك المقالة).
هذه التعليقات أرسلها إليّ العزيز أنطوان شلحت، على "الواتس أب" وكانت بمثابة إعادة إرسال ما كتبه له شخص لم يقل لي أنطوان من هو بطبيعة الحال. كانت الرسائل على الشكل التالي، وأنقل حرفيًا: "مساء الخير أنطوان العزيز... وأرجو أن تكون بألف خير/ أود لفت انتباهك أن جويس كارول أوتس التي يمجدها مقال إسكندر حبش المنشور في ضفة ثالثة، ويظهرها ككاتبة في جبهة الممانعة هي مجرد صهيونية/ في 2019 تجاهلت باحتقار نداءات مقاطعة إسرائيل، واستلمت جائزة القدس/ التي يسميها صوت الذين لا صوت لهم هي أيضًا صوت إسرائيل/ يعني ببحث بسيط على اسمها بغوغل سيتبين كم هي صهيونية" (انتهت الرسائل المنقولة)، ويضيف أنطوان: "وصلتني هذه الرسائل قبل قليل من أحد الزملاء... ما رأيك؟".
سأبدأ من مكان آخر غير التشكيك (الشخصي)، فيما لو حملت هذه الرسالة أي تشكيك بي (وهذا لا يظهر البتة فيما وصلني من أنطوان). سأفترض الأحسن. فهذا أمر أشعر فيه بالرضى التام، وموقفي واضح تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه دولة الاحتلال، لذا لن أتوقف عنده، لأني غير مطالب بتقديم أوراق اعتماد لأحد. فمثلما يقول كاتب الرسائل "يعني ببحث بسيط على غوغل..." (سأكمل تعليقي على هذه الجملة في مكان آخر) سوف يعرف مواقفي الممانعة جدًا. في أي حال، لنكمل.
يقول صاحب الرسائل أنني أمجد أوتس "وأظهرها ككاتبة في جبهة الممانعة". لا أعتقد ـ بل أنا واثق، والمقالة لا تزال منشورة، وفي إمكان القراء أن يدخلوا إليها ـ أن هناك حرفًا في مقالتي كلها يشير إلى أنني أحشر الكاتبة الأميركية في هذه الجبهة. إن كلّ ما أشير إليه، وبالأحرى كل المقالة، مبنية على فكرة واحدة أساسية: نقد أوتس للنظام الأميركي، أو بالأحرى للحلم الأميركي، الذي لم ينجب في رأيها نظامًا عادلًا، بل كان المساهم الأكبر في خراب أشياء كثيرة. كل الكتب التي أشرت إليها وتناولت أفكارها، في مقالتي تلك، هي بعض قليل من 100 كتاب (وأكثر) نشرتها أوتس خلال مسيرتها الإبداعية، والتي تركز ـ وبوضوح لا لبس فيه ـ على وقوفها ضد هذا الحلم، وعلى سخريتها منه، وعلى نقدها له. من أين، إذًا، يسمح السيد القارئ بأن يقول إنني أجعلها في جبهة الممانعة؟ لقد كتبت عن فكرة حاضرة بقوة عند أوتس، لا أكثر، ولا علاقة لي بأي تهويمات تخطر على بال أي قارئ في العالم.




ثانيًا، لنفترض بداية أنها "صهيونية" كما يقول ـ وأنا شخصيًا لا أعتمد على مصادر الإنترنت، لأنها لغاية الآن لا تُعد بمثابة مرجعيات علمية، ما عدا تلك المواقع المعترف بها، وهي قليلة بالمناسبة. لذا أسأل، أي مواقع تشير أو بالأحرى تُظهر جويس كارول أوتس على أنها صهيونية؟ الكتب التي تناولتها في مقالتي لا تملك أي احتمال لذلك، لذا أجدني مضطرًا إلى الطلب من حضرة كاتب الرسائل أن يقرأ (أو أن يعيد قراءة) الكتب التالية التي أشرت إليها في مقالتي وهي: "جليسة الأطفال"؛ "هم"؛ "نحن آل مولفاني"؛ "الشلالات"؛ "شقراء"؛ "حبّ أبي"؛ "بيلفلور"؛ "الملحمة القوطية"؛ "كآبة أميركية"، و"كتاب الشهداء الأميركيين"، كما أطلب منه، راجيًا، أن يشير إليّ أين يجد الكاتبة تتحدث عن الصهيونية، أو تمدحها، في هذه الكتب؟ أو في مقالتي.
ثالثًا، ورد في الرسائل: [أنها] "تجاهلت باحتقار نداءات مقاطعة إسرائيل، واستلمت جائزة القدس". فعلًا، حازت أوتس على "جائزة أورشليم"، كما يسمونها هم (عام 2019). وهي جائزة أدبية يمنحها الكيان مرة كل عامين، وقد حازها: برتراند راسل، وماكس فريش، وأندريه شوارتز بارت، وإينياتسو سيلوني، وبورخيس، وأوجين يونسكو، وسيمون دو بوفوار، وأوكتافيو باث، وإيشعيا برلين، وغراهام غرين، ونايبول، وكوتسي، وإرنستو ساباتو، وزيبينو هيربرت، وشتيفان هايم، وماريو بارغاس يوسا، وخورخي سيمبرون، ودون دوليلو، وسوزان سونتاغ، وأرثر ميلر، وأنطونيو لوبو أنطونيش، وليتسيك كولاوسكي، وهاروكي موراكامي، وكونديرا، وإيان ماكيوان، وإسماعيل كاداريه، وجوليان بارنز، وكارل أوفيه كنوسغارد، وأنطونيو مونيوث مولينا... فقط موراكامي قال في كلمة الاحتفال شيئَا عن الفلسطينيين، بينما سكت الباقون. من هنا، علينا أن نعيد، إذًا، موقفنا من غالبية كتّاب العالم. وأنا معك فعلًا وقولًا، لكن قبل ذلك، لنطالب بعض الحكومات العربية بقطع علاقتها مع إسرائيل، أو على الأقل إقفال سفاراتها، أو أضعف الإيمان، أن لا يقفوا مع توحشها في غزة حاليًا. المشكلة ليست في أن هؤلاء الكتاب قبلوا هذه الجائزة، بل هي فعلًا في فكرنا الذي لم يعرف كيف يعيد صوغ فكرة حقّه "ويقنع" بها الآخرين. كل أولئك وعيهم غربي، والعمل يكمن في تغيير هذا الوعي. وهذا ما بدأت بعض بوادره تلوح في الأفق. مثل قريب جدًا بأنه يمكننا ذلك؛ غالبية الحضور في كأس العالم في قطر مؤخرًا عادوا بأفكار جديدة، بعد أن كانوا يخشون المجيء ويعترضون على كثير من الأشياء قبل البطولة. إذًا، يمكن ذلك أيضًا على جميع المستويات. وأحب أن أضيف هنا أنني بعد قراءتي لهذه الرسائل، بحثت على الإنترنت ـ عملًا بالنصيحة ـ عن علاقة أوتس بالصهيونية (ولا يشير كاتب الرسائل إلى أي علاقة لها بــ"إسرائيل")، ولم أجد سوى أنها تتحدث عن جدتها اليهودية، وكيف اكتشفت ذلك بعد موت الجدة (على موقع "جيروزاليم بوست" مثلًا). فلو قالت أوتس أي شيء لكانت الصحيفة أبرزت ذلك وبإلحاح. ومع ذلك، هل يدلني الكاتب على هذه المواقع. وسأكون له شاكرًا. وسأضيف أنني تابعت أيضًا ما كتبته أوتس على موقع X  (وفق النصيحة أيضًا)، ولم أجد فعلًا أي شيء له علاقة بالصهيونية، بل إنها في عدد من تغريداتها تشير إلى وجوب وقف الحرب وأنها ـ أي الحرب ـ ستدمر الطرفين، ولن تنتهي إلا بفناء أحدهما. من جهتي، أنا الممانع، أخالف أوتس، لأني أريد هزيمة "إسرائيل"، لكن في الواقع كلامها ليس سوى "ترجمة" لما يطرحه كثيرون حول حلّ الدولتين.
رابعًا، "منذ بداياتها، قررت الروائية أن تكون "صوت الذين لا صوت لهم"، وأن تمثل الأقليات مهما كانت عليه: النساء، والسود، والمعدمين: كل شخص لديه صوت في كتبها ليصبح رمزًا لبلد لم يتوقف عن ممارسة الاضطهاد والجريمة والقتل"... هذا ما قلته حرفيًا في مقالتي. ووضعت "صوت الذين..." (بين مزدوجين وقد طرأ على بالي هذا التوصيف بكونه كان شعار الجريدة التي عملت فيها طيلة عمري، "السفير"). الجملة واضحة، وهي تحيل إلى شرور الحلم الأميركي، لا إلى أي شيء آخر. فهل لدى أحد أي تفسير لها مخالف؟
ومع ذلك كله، أشير مجددًا في نهاية هذا التعليقات، إلى الطلب من كاتب الرسائل إلى الزميل أنطوان، أن يدلني فعلًا على المواقع (المعتمدة عالميًا والمعترف بها) التي تتحدث عن صهيونية أوتس. لأنني بالتأكيد لم أقرأ لها كل شيء. ومن صفاتي أنني أحب أن أكتشف باستمرار، وأن أبدل بعض أفكاري، لأن بعضها الآخر ثابت: كهزيمة إسرائيل مثلًا.
ولأختم، الكلام ليس دفاعًا عن أوتس، (ولا عني، بطبيعة الحال)، ولكن دعوة فعلية إلى قراءة ما كُتب جيدًا، وعدم مزجه مع أفكارنا السابقة واستيهاماتنا المتعددة. فلقد كتبت مقالة عن نقد أوتس لمجتمعها. ولا شيء أكثر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.