في مُختتم نص سيري قصير لي بعنوان "طعام الكائنات: جدي الأب وخروف الحص" نشرته "ضفة ثالثة" بتاريخ 10 الجاري، وردت هذه العبارة: "وهو ما حدا بكاتب هذه الكلمات إلى تدوين هذه السطور قبل أزيد من عشرين عامًا في كتاب "كل ما في الأمر"".
وفي يوم 19 أيلول/ سبتمبر نشرت "ضفة ثالثة" عرضًا وتحليلًا بعنوان: "كل ما في الأمر: حضور الغياب في أقاليم الشعر"، تناول فيه الناقد والشاعر راسم المدهون كتابًا شعريًا للشاعر وليد الهليس صادر في عام 2023.. وكما هو واضح فقد مضت تسعة أيام فقط على استذكار كتابي "كل ما في الأمر"، وإيراد فقرة منه، قبل أن يتم تناول كتاب بالعنوان نفسه للشاعر الهليس.
صدر كتابي في عام 2000 عن دار أزمنة في عمّان، التي كان يديرها الكاتب الراحل الياس فركوح، أي قبل أزيد من عشرين عامًا، وكما ورد في نصي "طعام الكائنات"، وقبل 23 عامًا على صدور كتاب الشاعر وليد الهليس.
وددتُ أن أوضح ذلك للتاريخ... للتاريخ الأدبي فقط. ولوضع الأمور في نصابها، وذلك تفاديًا لأي لبس قد يقع فيه دارس، أو باحث، علاوة على جمع القارئين.
وإني على ثقة بأن الشاعر الهليس المقيم في المهجر لم يطلع على كتابي، وهو بالمناسبة كتاب نصوص ومقالات. وكذلك الحال مع الصديق الشاعر راسم المدهون كاتب المقال.
وهو ما يثير مسألة استخدام عنوان الكتاب نفسه لدى أكثر من أديب. ويُفترض أن محرك البحث غوغل، وغيره من أدوات البحث، تسعف الأدباء والمؤلفين على تفادي تكرار عناوين وضعها غيرهم لكتبهم. خلافًا لما كانت عليه الحال في الماضي حين كان المؤلف يعتمد على ذاكرته، أو على البحث المضني في مكتبة عامة، أو مكتبة جامعية، أو بالاستعانة بصديق قوي الذاكرة. علمًا أنه يقع في عالم التأليف والنشر، تكرار لعناوين الكلمة الواحدة، فقد تكون هناك العديد من النصوص السردية التي تحمل عناوين مثل: المدينة، الصديق، النهر، السلاح، الأم، المساء، الهدية، الجسر، الآنسة، القطار... ولدى كاتب هذه الكلمات كتاب قصصي بعنوان "القطار". وهو تكرار مفهوم. لأن العنوان في هذه الحالة عام، وغير مخصوص، من ناحية فنية. بيد أن المحذور يقع لدى تكرار عناوين فنية ومخصوصة، فلا مشكلة كبيرة أن يكون هناك أكثر من نص بعنوان: السلاح، لكن مشكلة تقع حين يصدر هذه الأيام مثلًا نص بعنوان "وداعًا للسلاح"، وهو عنوان رواية شهيرة لأرنست همنغواي. ولا مشكلة مع وجود أكثر من نص سردي قصير بعنوان: المساء، على أن مشكلة تقع حين يتم صدور نص بعنوان "حديقة المساء"، وهو عنوان مجموعة قصصية لإبراهيم أصلان. وهذا التكرار في الحالتين لم يقع، وقد تم إيراده هنا على سبيل الافتراض لتوضيح الفكرة.
وفي الظن أن عنوان "كل ما في الأمر" يقع في منطقة وسطى بين ما هو عام وما هو مخصوص. إذ نردّد هذه العبارة في أحاديثنا وكتاباتنا النثرية، غير أن الذي حدث أن كتابًا بعينه اتخذ لأول مرة من هذه العبارة عنوانًا له في عام 2000، وصدر في العاصمة الأردنية، كما تمت الإشارة.
وهذه مناسبة لتوجيه التحية إلى الشاعر الهليس، الذي نعيش معه بكل جوارحنا جرح غزة النازف، وقد فَقد الشاعر عددًا من أفراد أسرته هناك، عليهم الرحمات. ومع إزجاء التحية للشاعر والناقد راسم المدهون ابن قطاع غزة المنكوب، وأحد كتاب قلائل يُعنون بتوثيق الأدب السردي الفلسطيني الحديث، ويتابع بتمعّن وبصورة حثيثة إصدارات زملائه الأدباء، وقلّما حظي بمتابعة لأحد إصدارته الشعرية المميزة.