}

"سنرجع يومًا".. عن الحق الذي لن يغيب

دارين حوماني دارين حوماني 24 مايو 2022
استعادات "سنرجع يومًا".. عن الحق الذي لن يغيب
"ويستمر الكفاح"، سليمان منصور

 

في مقابل مطعم "أرض كنعان" في الحي الثقافي "كتارا" في العاصمة القطرية الدوحة، مفتاح دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، تم تدشينه في الذكرى الـ 68 للنكبة الفلسطينية، وأشرفت على صناعته شركة "دلتا فابكو القطرية" بطلب من صاحب المطعم، هو "مفتاح أرض كنعان" الذي يبلغ طوله 7.8 متر ووزنه 2.7 طن وعرضه 2.8 متر وهو الأكبر في العالم؛ هذا المفتاح بحسب صانعيه رمز للبيت الفلسطيني المغتصَب ولحلم العودة، وهذه الرمزية تنطبق على مفاتيح عديدة يحاول الفلسطينيون تمثيلها في مجسمات فنية أو لوحات تشكيلية أو في الأدب، شعرًا ورواية.

ثمة مفاتيح عديدة أيضًا تجوب الأرض كل عام في الخامس عشر من أيار/ مايو حيث يحملها الفلسطينيون في مسيرات تجوب مختلف الدول لتذكير العالم بهيئاته الدولية ومنظماته الحقوقية بحق العودة إلى فلسطين، وأصبحت بمثابة الهوية التاريخية للفلسطينيين منذ أن أُجبر مئات الآلاف على الخروج من فلسطين في عام 1948 تحت وطأة الوحشية الصهيونية ولا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم لتصبح جزءًا من إرث يوثّق لعمليات التهجير القسري وللألم التاريخي ويؤكد الخريطة الكاملة لفلسطين دون تقطيع. ومن الرواق العميق للوجع وعمره 74 عامًا غدا المفتاح ثقافة جمعية في الوعي الفلسطيني والعربي ودخل في كل مكان وكأنه يحتفظ بأصوات الذين هُجّروا لأزمنة لاحقة.

ومن منطقة الأدب والفن التشكيلي واللذين أثبتا أنهما عاملان أساسيان في ترسيخ الوجود الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي نتذكر هنا عددًا من القصائد التي شكّلت العودة حضورًا بارزًا فيها، كما نعرض لعدد من اللوحات التي جسّدت الألم الفلسطيني المزمن عبر مفتاح العودة.

كتب العديد من الشعراء الفلسطينيون عن العودة، أبرزهم شاعر العودة هارون هاشم رشيد الذي كتب قصيدته الخالدة "سنرجع يومًا" التي غنت فيروز من كلماتها؛ "سنرجع يومًا إلى حينا/ ونغرق في دافئات المنى/ سنرجع مهما يمر الزمان/ وتنأى المسافات ما بيننا/ فيا قلب مهلًا ولا ترتمي/ على درب عودتنا موهنا/ يعز علينا غدًا أن تعود/ رفوف الطيور ونحن هنا"..

والشاعرة فدوى طوقان تقول في قصيدتها "نداء الأرض": "أتغصب أرضي؟ أيسلب حقي وأبقى أنا/ حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا/ أأبقى هنا لأموت غريبًا بأرض غريبة/ أأبقى؟ ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة/ بلى سأعود/، هناك سيطوى كتاب حياتي/ سيحنو عليّ ثراها الكريم ويؤوي رفاتي/ سأرجع لا بد من عودتي/ سأرجع مهما بدت محنتي../ سأنهي بنفسي هذه الرواية/ فلا بد، لا بد من عودتي".

ويؤكد الشاعر محمد القيسي على العودة: "لا بد أن يعود/ يعود ما مضى/ من رحلة الغياب/ لا بد أن يعود طائر السفر/ ويلتقي الأحباب/ ويرجع الغياب/ ويقطف الثمر".

أما الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) فيبني عودته على الحوار والتساؤل، يقول: "ويسألني الرفاق ألا لقاء/ وهل من عودة بعد الغياب/ أجل سنقبّل التراب المندى/ وفوق شفاهنا حمر الرغاب/ غدًا سنعود والأجيال تصغي/ إلى وقع الخطى عند الإياب/ مع الفجر الضحوك على الصحاري/ نعود مع الصباح على العباب".

ويتحدى الشاعر عبد الغني التميمي المحتل بمفتاح البيت، يقول: "لم يزل مفتاح بيتي في يدي/ لم أزل أحضن ذكرى بلدي/ ما عرفت اليأس- يا جلاد – يومًا/ هذه آلاتك أشحذها وهذا جلدي/ أيها القاتل يومي بُؤْ بِهِ/ أنت لا تقوَ على قتل غدي".

عملان لرائد القطناني



التشكيل

تشكيليًا قدّم لنا سليمان منصور بلغة سردية لونية عمله "ويستمر الكفاح"، وهو عمل من بين مشهديات عديدة أنجزها الفنان عن العذاب الفلسطيني اليومي والهوية القلقة الممزوجة بالتحدي والإرادة في مشروع فني متكامل عمل الفنان منذ بداياته على ترسيخه عاكسًا بذلك مواقفه الفكرية والجمالية فبدت لنا اللوحات ببساطتها مكثفة بالمعاني ومكتسية بأبعاد تعبيرية وواقعية عميقة، كأن سليمان منصور يأتي بالماضي إلى الحاضر ويريد مع كل عمل أن يعيد الفلسطينيين إلى أرضهم عبر لوحاته. في لوحته "ويستمر الكفاح" (زيت على كونفاس) ثلاثة شخوص فلسطينية، أم وابنة وابن، برفقة طائر الحمام، يمشون بعزم وسط شاطئ بحر مزدحم بالسعيدين. الأم تحمل ريشة الألوان وترفع يدها للعالم والابنة تحمل مفتاح العودة وكتابًا والابن يحمل بندقية وغصن زيتون؛ هذه هي لغة منصور سليمان اللونية وهي أيضًا الثقافة الجمعية للفلسطينيين وسط عالم يسير وكأن فلسطين لم تكن، فيما تزيد خطوط شال الابن وخطوط زي الأم الشعبي الفلسطيني من إبراز الحركة وجعلها أكثر حيوية. يؤلف منصور في عمله هذا بين كائناته وخامات الألوان عملًا سرديًا كاملًا عن فلسطين العزيمة والإرادة والصمود للعودة.

رائد القطناني يعمل على تطويع الألوان الشمعية لبناء لوحات واقعية تعبيرية تحمل كل لوحة حكاية وفكرة. يشتغل الفنان على ثيمة "العودة" في عملين له "سنعود" عبر رمزية المفتاح. في اللوحة الأولى ثمة يد عتيقة تميّز بها الفنان في العديد من لوحاته، يد امرأة فلسطينية، هي يد فلسطين نفسها، يعمل القطناني على تشريح ثنايا الجلد بألوان ترابية وداكنة وبحنين مجروح متراكم من عام إلى عام وكأنه ينحت هذه اليد من الطين ومن التراب الفلسطيني ومن الصخر الغائر في الزمن. تشكل اليد بؤرة العمل ليقع نظرنا عليها وعلى المفتاح ثم ننتقل إلى الجسد، ترتدي الامرأة الزي الشعبي الفلسطيني وثمة خاتم فضي في اليد في تمسّك وتعزيز للهوية الفلسطينية وللتراث الفلسطيني. في لوحته الأخرى امرأة فلسطينية تحمل عددًا من المفاتيح يشتغل فيها الفنان على الجماليات التكوينية للتراث الفلسطيني مع منديل الامرأة وخلفية من بلدة فلسطينية قديمة يؤكد القطناني مرة أخرى فيه استخدامه لعناصر الهوية الفلسطينية. نحن أمام عملين يحيلان إلى صبر الفلسطيني العتيق وإلى الزمن الذي يمر فوقه فيما لا يزال متمسكًا بالمفتاح كشعار وحيد للحياة.

عملان لوائل أبو يابس (من اليمين) وأيهم حماد  



وكما اشتغل القطناني على المرأة الفلسطينية المسنّة وما تمثّله من تجسيد لفلسطين كلها، أنجز الفنان أيهم حماد عملًا عن مفتاح العودة تحمله امرأة مسنة وتحدق بنا بثبات وبإصرار وإرادة كاملة بأن هذا المفتاح لا مهادنة عليه. تقف المرأة بزيها الفلسطيني وخاتمها الفضي في غرفة متصدعة تحيلنا إلى أحد المخيمات الفلسطينية في الشتات. اختار الفنان لون بشرة المرأة بلون الجدران وقبضة يد المرأة بلون المفتاح في رمزية لهذه المأساة الإنسانية المزمنة التي تقبض على الحق في العودة بحزم وعلى العد التنازلي لذلك الزمن القادم.

وبهدوء لوني مشتق من ألوان الأرض الصيفية عمل الفنان التشكيلي وائل أبو يابس، من مخيم الدهيشة في بيت لحم، على حلم العودة عبر فتاة تحمل مفتاحًا وتجلس على سطح بيت بين بيوتات فلسطينية قروية وأحجار وأعشاب خضراء. وفي تكوين تشكيلي عميق نرى جسد الفتاة كبيرًا مقارنة بحجم البيوت الموضوعة فعليًا بحجمها الأصغر في الذاكرة. معالجة بصرية مؤثرة لحلم الأجيال الفلسطينية في الشتات، جيلًا بعد جيل، بالعودة إلى فلسطين، وفيما أسلاك الاحتلال الإسرائيلي مفتوحة وكأن الفنان يريد أن يؤكد على إصرار الأجيال القادمة على هذا الحلم الذي سيتحقق يومًا ما. هي لوحة أشبه بوثيقة نقرأها بصمت وبحزن ثم نعلقها على الحائط ليبقى الحلم واقعًا تحت العين مباشرة.

"حلم"، نمير قاسم/ "مفتاح العودة"، إيمان خشان 



"حلم" هو عمل الفنان التشكيلي نمير قاسم مشغول بالأكريليك والرمل الخشن على القماش. كأننا أمام ذاكرة لها ثقب يمتد إلى الماضي السحيق مستخدمًا العناصر المكانية نفسها حيث البلدات الفلسطينية التي تم تهجير أهلها فيما ترفع يد من هذه الذاكرة مفتاح العودة بألوان مشبعة بالحمرة الداكنة وما يرمز لها هذا اللون فلسطينيًا من تضحيات بالدماء على طريق فلسطين. يقف هذا المفتاح في وسط الثقب كنواة للذاكرة الجماعية. لا شيء يعكّر هذه اللوحة التعبيرية، لا خطوط أخرى، ولا انزياحات لونية سوى الأحمر وتدرجاته اللونية من الخارج للداخل تعيد تظهير الألم الفلسطيني في الشتات وحلمه الأزلي. أما إيمان خشان من مخيم شعفاط في شمال القدس فرسمت بالأكريليك على ورق "مفتاح العودة" تحمله امرأة فلسطينية بزيها الشعبي في عمل معاصر مشبع بالخطوط والألوان الحميمة التي تنتمي وجدانيًا إلى الأرض الفلسطينية مع سماء زرقاء تحيلنا إلى الأمل الدائم، فيما يقف المفتاح ثابتًا بين دوران السنين. نص إيمان خشان البصري يقوم على مقومات جمالية فريدة تدعو المشاهد إلى تفكيك المعاني من بين الخطوط لنقع على لغة تستعير ثالوث الانتماء المزمن حيث الألم والصبر والإيمان بالعودة.

من نتائج النكبة الشتات والغربة واللجوء، لكن أدب العودة والفن التشكيلي المرتبط به حمل دلالات عديدة أهمها مفهوم الحرية والصبر والإيمان بالعودة والتأكيد على الوجود المؤقت في البلاد العربية التي لجأ إليها الفلسطينيون، وخصوصًا مع محاولات الاحتلال طمس الوجود والهوية الفلسطينية وسرقة تاريخ فلسطين وفي ظل المساومات والاتفاقيات العربية على تجاهل حق العودة ما جعل هذا المفتاح والتذكير بحق العودة أدبًا وفنًا يتحول فيهما إلى أحد أهم أسلحة المعركة الثقافية مع المحتل.

 

مراجع مختارة:

 http://www.womenfpal.com/news/2011/5/21/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a

https://journals.iium.edu.my/arabiclang/index.php/jlls/article/download/737/371/1483

https://cutt.ly/XHXrdwP

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.