}

"صوت الجزائر الثائر" من بودابست.. وثائق إذاعية مجهولة

فائزة مصطفى 16 يوليه 2022
استعادات "صوت الجزائر الثائر" من بودابست.. وثائق إذاعية مجهولة
وليام سبورتيس

 

لا يمكن الحديث عن دور الإذاعات في دعم استقلال الجزائر بدون الخوض في مسيرة المناضل والإعلامي الشهير عيسى مسعودي (1931-1994)، واستحضار الأثر البليغ الذي أحدثه صوته المدوّي والحماسي في نفوس المستمعين في الجزائر والعالم، إذ كان يبث برنامجه "صوت الجزائر" سريًا من تونس ثم المغرب. لكن في الوقت نفسه يجهل الجزائريون العمل البطولي الذي أداه "راديو بودابست"، وميكروفون عميد المناضلين الجزائريين وليام سبورتيس.

في البداية، علينا الإشارة إلى محطة إذاعة العرب التي أنشأها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، كانت برامجها التي تبث عبر أمواج إذاعة القاهرة، تتمحور حول محاربة الإمبرياليين، والترويج للقومية العربية. ومنذ الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، أصبح راديو القاهرة صوت الثوار الجزائريين. وإن كان هذا الجانب معروفًا نسبيًا في تاريخ الدعاية التي قادتها جبهة التحرير الوطني بمساعدة إذاعات عربية في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن تجربة "راديو بودابست" في العاصمة المجرية غير معروفة، وفي ظل غياب المادة المسموعة وصعوبة الوصول إلى الوثائق، ما عدا شهادة المناضل الشيوعي الجزائري وليام سبورتيس في كتابه "جنان الزيتون"، وهي عبارة عن بيوغرافيا أو سلسلة حوارات أجراها معه المؤرخ الفرنسي بيار جون لوفول ليسياني، إذ يتحدث وليام عن طريقة التحاقه بالمجر، فيقول: "عندما غادرنا بالطائرة نحو فرنسا من مدينة سكيكدة شرق الجزائر، مسقط رأس زوجتي مارسال، بجواز سفر صدر منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 1953، لم تعرف الشرطة وجهتنا، وعدد قليل جدًا من الرفاق من كان يعلم. عشت في بودابست بأوراق إقامة مجرية وباسم جزائري مستعار "سراج"، لم يعرف أحد هوياتنا الحقيقية باستثناء عدد قليل من القادة في هذا البلد".

قبل أن يحط وليام رحاله في بودابست، أقام فترة قصيرة في العاصمة الفرنسية باريس، حيث تلقى تكوينًا على أيدي رفاق في الحزب الشيوعي الفرنسي، كانوا يشرفون على برنامج بعنوان: "هذا المساء في فرنسا"، بث انطلاقًا من تشيكوسلوفاكيا والتي كانت منصة إعلامية لبرامج أجنبية أيضًا. يقول: "تعلمت كيفية إنجاز برنامج إذاعي، وقد تلقينا مساعدة دائمة من رفاقنا الفرنسيين الذين زودونا بأخبار من المغرب الكبير. الأمر نفسه قام به رفاقنا بالمجر. كنت أول الملتحقين بهذا البلد ليلتحق بي الرفاق المغاربيون بعد شهر".
 

وليام سبورتيس (الثاني من اليمين) في الجزائر عام 1968 (Getty Images)



برنامج سري ومطاردة البوليس الاستعماري

يوضح وليام أن البرنامج الاذاعي كان بمثابة الناطق باسم الأحزاب الشيوعية في شمال أفريقيا، بعنوان: "صوت الاستقلال والسلام" في نهاية مايو/ أيار عام 1954. وغطى أخبار كفاح الشعوب المغاربية في سبيل استقلالها، وكل الأحداث السياسية في المنطقة وفي فرنسا، عبر ثلاث برامج يومية لمدة نصف ساعة. من السابعة إلى السابعة والنصف صباحًا، السادسة إلى السادسة والنصف مساء، الحادية عشرة إلى الحادية عشرة والنصف ليلًا، موجهًا إلى المستمعين في المنطقة المغاربية على موجات سرية، وكان الفريق يعمل ويقيم في المجر بطريقة متخفية لكن سرعان ما اكتشفت الاستخبارات الفرنسية مصدر البث، لكنهم لم يكتشفوا مطلقًا هوية القائمين على البرنامج.

يقول وليام في مذكراته: "كانت الأمية منتشرة بقوة في بلداننا، وكان من المهم جدًا أن نملك برنامجًا إذاعيًا ناطقًا باللغة العربية لنلمس أكبر عدد من مواطنينا، حسمت مسألة اللغة بسرعة، في البداية اخترنا تنفيذ البرامج الثلاثة باللغة العربية الفصحى. لكن بعد ذلك قام رفيق تونسي بتدريب رفيق مغربي على اللهجة العربية الدارجة". لقد أذاع وليام ورفاقه المغاربيون عبر هذه القناة الإذاعية الكثير من المعلومات حول الثورة الجزائرية مما تسبب بإلحاق الضرر بسمعة المستعمر. ثم دفعت المباحثات بين الدول الاشتراكية والقادة الفرنسيين بالوزير بيار بفيملين (1907-2000) إلى زيارة العاصمة الروسية موسكو للمطالبة بإيقاف بث هذا البرنامج. أرسل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك نكيتا خروتشوف الوزير الفرنسي أولًا إلى المجريين، حيث كانوا مصممين على مساعدة الجزائريين. ولقد صمدوا فترة كافية، لكن بسبب اشتداد الضغط الفرنسي توقف صوت الجزائر من بودابست.

الزميلة فائزة مصطفى في زيارة لوليام سبورتيس بدار المسنين



الإذاعة المجرية.. ملتقى المناضلين المنفيين

يروي وليام تجربته خارج العمل قائلًا: "لقد عشنا هناك، مع المعارضين الإسبان لفرانكو، ومع الجنوب الأفريقيين الذين طاردهم نظام الفصل العنصري الأبارتهايد، والإيطاليين الذين انتفضوا ضد السلطة المسيحية الديمقراطية في أعقاب الهجوم على الأمين العام للحزب الشيوعي بالميرو توغلياتي ( 1893-1964)، وكان معنا أتراك شيوعيون ضحايا الديكتاتورية في بلادهم، وكذلك رفقاء من يوغوسلافيا. لقد استفدنا بشكل شخصي من تضامن الرفاق الشيوعيين المجريين في بودابست، رحلوا فيما بعد إلى الجزائر بعد طردهم من قبل نظام الأدميرال ميكلوس هورثي (1868-1957)، ثم عادوا إلى ديارهم عندما تجسد النظام الديمقراطي في بلادهم".

بعد غلق "إذاعة صوت الاستقلال والسلام" تحت الضغوط الفرنسية، عاد وليام إلى بلاده في عز حرب التحرير الوطني، تكفل برئاسة فرع الحزب الشيوعي في منطقة قسنطينة شرقي الجزائر، وبعد نيل الاستقلال عام 1962، التحق بالجزائر العاصمة حيث ساهم في إدارة صحيفة "الجزائر ريبوبليكان" أو "الجزائر الجمهورية"، ليواصل بذلك المعركة من أجل استكمال الاستقلال الوطني عبر بناء نظام اشتراكي. تدرج صاحب "جنان الزيتون" من محرر إلى أن أصبح الأمين العام. ثم دخل مثل العديد من المناضلين مرحلة التضييق والسجن والتعذيب على يدي نظام الرئيس هواري بومدين إلى أن أطلق سراحه ومارس مهنًا أخرى، وبعد سنوات غادر الوطن في عام 1994 في عز العشرية السوداء.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.