}

"كاميرا فلسطين".. تاريخ بديل في ألبومات واصف جوهرية

ترك الموسيقار وعازف العود والمؤرخ الفلسطيني واصف جوهرية (1897 ـ 1973) مذكرات مثيرة حول الحياة اليومية في القدس التي ولد فيها أواخر القرن التاسع عشر حتى سقوط المدينة ولجوئه إثر النكبة إلى لبنان. وقد وصفت صحيفة ذا غارديان البريطانية الكتاب عام 2019 بأنه أحد أهم عشرة كتب مذكرات حول القرن العشرين.
نَشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية أغلب هذه المذكرات في عام 2003، كما نُشرت أجزاء منها بالإنكليزية لاحقًا في كتاب بعنوان "حكواتي القدس: حيوات وأيام واصف جوهرية".


كنز فوتوغرافي
ولا تكتمل هذه المذكرات من دون الكنز الفوتوغرافي الذي احتفظ به جوهرية في سبعة ألبومات فوتوغرافية، وصدرت مطلع هذا الشهر في كتاب "كاميرا فلسطين"، من تأليف مشترك ما بين عصام نصّار، الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا، وإسطفان شيحا، من جامعة ويليام وماري في الولايات المتحدة، وسليم تماري من جامعة بير زيت. وإضافة إلى توفره مطبوعًا، سيكون متاحًا للقراء على النت مجانًا اعتبارًا من أغسطس/ آب المقبل.
كان جوهرية نشطًا في الأجواء الثقافية والفنية في المدينة في أواخر سنوات الحكم العثماني، وخلال مرحلة الاستعمار البريطاني. ويأخذ الكتاب ألبومات جوهرية موضوعًا رئيسيًا متوسعًا في مفاهيمنا حول الصور والألبومات، وما يمكن أن يستخلص منها.


ثلاثة مؤلفين
ويأتي المؤلفون من خلفيات مختلفة: نصّار من التاريخ، وشيحا من الدراسات الثقافية والعلوم الإنسانية، وتماري من علم الاجتماع. وهم كتبوا دراسات مستقلة حول الموضوع ذاته من زوايا مختلفة، إضافة الى فصول كُتبت بشكل مشترك حول الصورة واستخدامها في تفكيك الخطاب الاستعماري.





وفي الفصل الأول، يصف المؤلفون المشروع البحثي حول الألبومات بأنه فرصة نادرة لفحص موجز مرئي مؤلف محليًا لفلسطين خلال أواخر الفترتين العثمانية والانتدابية. وقد رأوا في الألبومات خلاصة وافية بصرية مؤلفة كمشروع وثائقي ومشروع تاريخي بوعي ذاتي، وفي بعض الأحيان انعكاس ذاتي.
وجاء في مقدمة الكتاب "قد يُلاحظ بحق أن صور جوهرية عن "الفلسطيني" كانت مشبعة بفرضياته وافتراضاته الطبقية والجندرية والجغرافية".


المتفرج الفلسطيني
ومع ذلك، تضيف المقدمة، فإن حصر تحيزات الجوهرية في موضوع وطني قد يكون مثمرًا في الكشف عن مركب من "المتفرج الفلسطيني" الذي يعمل كخلاصة وافية لعدد من المواقف الخاضعة (ذكر، أنثى، فلاح، برجوازي، مسيحي، مسلم، إلخ). كما أن هذه الألبومات نفسها متعددة الأوجه، مما يسمح للعديد من الشخصيات المتنافسة بالظهور. هذا، على الرغم من الاختلافات في مناهجنا الخاصة".
يقول عصام نصّار لـ"ضفة ثالثة": "كمؤلفين، كانت لدينا الفرصة النادرة للنظر ولدراسة ما يمكن وصفه بأنه سردية متفرج، أو مراقب فلسطيني لما كانت الحياة في زمنه".
يضيف "على الرغم من الاختلافات في مناهجنا الخاصة، كان الفلسطيني في الألبومات، أمام كل منا نحن الثلاثة موضوع متفرج نشط، وطبقي، وجنساني، وليس نازحًا انبنت علاقته بالصورة على الحنين إلى الماضي".


حقيقة اجتماعية
وجد الباحثون موضوعًا معقدًا عبر التاريخ، يتعايش مع مؤقتات نظام بصري (بين الحين والآخر)، ويفهم فلسطين ليس على أنها تاريخية عفا عليها الزمن، بل حقيقة اجتماعية حية وحيوية.
وببساطة أكثر، يقدم هذا الكتاب تاريخًا شائعًا للموضوع الفلسطيني، والتصوير الفوتوغرافي الفلسطيني، وفلسطين الانتدابية (التي تتمحور بشكل خاص حول عاصمتها التاريخية، القدس)، حيث ظهرت من خلال الأرشيف المرئي الذي يربط بينهما. إنه تاريخ شعبي يعيد الفلسطينيين إلى تاريخهم في كل من فلسطين والتصوير الفوتوغرافي لها.


المتشائل
دراسة نصّار، وهي الأولى في الكتاب من ناحية الفصول المستقلة التأليف، تعاملت مع الألبومات الفوتوغرافية بوصفها أرشيفات وسردية تعكس وجهة نظر معدها ورؤيته المحلية لما كان يتم طبخه في فلسطين، ويتعلق بغيابها لاحقًا وتغييب سكانها كمواطنين، مشبهًا واصف جوهرية بشخصية إميل حبيبي "سعيد أبي النحس المتشائل"، الذي عد نفسه من الشخصيات الهامة التي شاركت في كل أمر، بينما أشير لها في الصحافة باسم الآخرين (فلان وفلان وآخرين).
دراسة تماري ركزت على تمثيل الأعيان المقدسيين في الصور، وعلاقة الرعاية الأبوية ما بين الأعيان والمتنفذين مع العامة، بما في ذلك الجوهرية ذاته. ويمر تماري على الموسيقى الجوهرية في العهد العثماني، وعلى الأنشطة الفنية في فلسطين.
أما دراسة شيحا، فاستندت إلى النظرية واصفة الاستشراق بأنه سرقة، وتعاملت مع الصور ليس بوصفها نافذة على "الماضي الجميل"، بل فرصة لإعادة تحرير الصورة من سياقها الاستعماري، ووضعها في سياق تحرري.


الاستناد إلى الصورة
وإذا ما رجعنا إلى مذكرات جوهرية التي حررها نصار وتماري، تفيدنا بأن هذه الصور تضيف جانبًا مهمًا إلى النص ذاته، وبهذا يكون جوهرية من أوائل المؤرخين الذين استندوا إلى الصورة أكثر من الوثيقة لسرد التاريخ الفلسطيني. فحديثه عن قصصه ومغامراته الشخصية وضع دومًا في إطار أكبر كثيرًا من إطاره الخاص.




وهو بذلك لم يكتب مذكرات شخصية، وإنما شهادات حية عن حياة مجتمعه وسياسته، مستخدمًا علاقاته الشخصية محطات ليس إلا. وهذا الانطباع تثبته الصور الفوتوغرافية وترتيبها في الألبومات.
فجوهرية لم يكن مصورًا، ولم يأخذ الصور الفوتوغرافية شخصيًا، بل جمعها من مصادر عدة، وبعناية فائقة، موثقًا إياها، كما لو كان يوثق لمشروع كبير جدًا، مثل تاريخ القدس في تلك الفترة.


بديل التاريخ الرسمي
هذا الكتاب الجديد في السلسلة الجوهرية راجع مخطوطته عدد من الباحثين في موضوع الصورة الفوتوغرافية، منهم أرييلا عائشة أزولاي، التي وصفته (كما يظهر على الغلاف الخلفي) بأنه يقدم بشكل بارع تاريخًا محتملًا لفلسطين، أي بديلًا للتاريخ الرسمي. أما زينب تشيلك، الباحثة في تاريخ التصوير العثماني، فوصفت الكتاب بأنه يشكل فصلًا جديدًا في كتابة تاريخ التصوير في المنطقة.




نشرت الكتاب دار نشر جامعة كاليفورنيا التي قالت في موقعها الإلكتروني إن "الصور التسعمئة لجوهرية تروي البيئة الثقافية والسياسية الثرية لفلسطين العثمانية وفلسطين الانتداب. نصّار وشيحا وتماري يضعون هذا الأرشيف في مفترق طرق بين تاريخ التصوير في العالم العربي والتاريخ الاجتماعي لفلسطين".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.