}

المجلات الثقافية في المغرب: احتفاء بذكرى تأسيس مجلة "آفاق"

استعادات المجلات الثقافية في المغرب: احتفاء بذكرى تأسيس مجلة "آفاق"
الاسم "آفاق" من اقتراح القاص الراحل عبد الجبار السحيمي
يحتفل المغرب الثقافي هذه السنة بمرور ستين سنة (1963 ـ 2023) على تأسيس إحدى أقدم المجلات الثقافية الحديثة في المغرب؛ يتعلق الأمر بمجلة "آفاق"، التي يصدرها اتحاد كتاب المغرب منذ عام 1963، وهي المجلة التي صدر عددها الأول حول (القصة) في: يناير ـ فبراير ـ مارس 1963، فامتدت صامدة، في وجه التقلبات والتحولات الثقافية والسياسية والمادية، لتواصل صدورها إلى اليوم، حيث يتم الاحتفاء بصدور عدد جديد ممتاز ومزدوج 91 ـ 92، في يناير 2023، حول (الثقافة الحسانية)، باعتبارها أحد مكونات الثقافة المغربية.
هكذا، إذًا، تواصل مجلة "آفاق" صمودها وصدورها، في وقت عرفت فيه مجموعة من المجلات الثقافية العريقة طريقها نحو التوقف، على امتداد بعض بلدان العالم العربي، ومن بينها المغرب، حيث توقفت تقريبًا كل المجلات التي ظهرت إبان الفترة الاستعمارية، بمثل ما توقفت مجلات أخرى ظهرت في فترة ما بعد الاستقلال، وتحديدًا منذ سبعينيات القرن الماضي وما بعدها، من قبيل مجلات: أنفاس، أقلام، الثقافة الجديدة، الجسور، البديل، الزمان المغربي، لاماليف، المقدمة، كلمة، الموقف، دراسات سيميائية أدبية لسانية، قاف صاد، فكر ونقد، وغيرها من المجلات التي لم يكتب لها أن تعمر طويلًا، فيما ظهرت مجلات ثقافية جديدة، تغطي مجالات ثقافية مختلفة، وتواصل رحلة التنوير والحداثة والتجديد.
ووسط كل هذه المخاضات من الولادة والغياب، واصلت مجلة "آفاق" رحلتها وأداء رسالتها الثقافية، بشكل مؤثر ومضيء، إلى اليوم. ولكي نموضع هذه المجلة الثقافية، وهي تحتفي اليوم بذكراها الستين، في سياقها التاريخي والتطوري العام والمتواصل، موازاة مع ظهور مجلات ثقافية مغربية أخرى، كانت تواكبها، بعد فترة التأسيس وبعدها، كما كانت تملأ الساحة الثقافية إلى جانبها، سنتفادى العودة إلى مرحلة تاريخية سابقة، شهدت ظهور مجموعة من المجلات الثقافية المغربية، إبان الفترة الاستعمارية، في تبنيها للنزعة الإصلاحية خصوصًا، ودفاعها عنها، وأيضا في عملها على أداء رسالتها من أجل تحرير الإنسان المغربي والحفاظ على هويته العربية الإسلامية، فكانت أولى تلك المجلات، التي يرى جل الباحثين أنها تشكل البداية الفعلية للمجلات الثقافية في المغرب، هي مجلة "المغرب" (التي ظهرت في الرباط سنة 1932)...

مرحلة الاستقلال
لكن في مرحلة استقلال المغرب وما بعدها، ظهرت مجلات ثقافية جديدة، نذكر من بينها، على الخصوص، مجلة "دعوة الحق" (شرعت في الصدور في يوليو1957، وتعد من بين المجلات التي ما زالت تواصل صدورها إلى اليوم)، وهي كما تقدم نفسها، في تلك المرحلة، "مجلة شهرية تعنى بالبحوث الدينية وشؤون الثقافة والفكر"، فقد ارتبطت، منذ تأسيسها من قبل الملك الراحل محمد الخامس، بالنزعة الإصلاحية في المجال الديني أساسًا، بعـد إعلان استقلال البلاد عام 1956، وخـروج المستعمر الأجنبي، حيث "أصبح من أكبر الواجبات المنوطة بنا في فجر نهضتنا الشاملة أن نضاعف عنايتنا بالناحية الروحية والفكرية، ونعمل على تحرير العقول من قيود بعض التقاليد والأوهام التي لا تتلاءم والمفهوم الصحيح لتعاليم ديننا الحنيف(..). ولذلك، سرنا أن تتولى وزارة الأوقاف إصدار مجلة جامعة تعنى بصفة خاصة بناحية الإصلاح الديني، كما تعالج مختلف الشؤون الاجتماعية والثقافية..."، كما جاء في الكلمة الموجهة من الملك محمد الخامس إلى المجلة.
وهو التوجه نفسه الذي كشفت عنه افتتاحية العدد الأول من هذه المجلة، رغبة من مؤسسيها في "أن توفق في ضم أصوات الدعاة والمصلحين والعلماء والشباب المثقف من أبناء هذا القطر السعيد، بعضها إلى بعض، لتجهر جميعها بهذه الدعوة".
كما أنها الرغبة التي عبر عنها عبد الوهاب بنمنصور في خاتمة دراسته المعنونة بـ "الدعوة إلى الحق" المنشورة ضمن العدد الأول نفسه، في قوله: "ولا ريب في أن مجلة "دعوة الحق" ستسد كلمة طالما قضت مضاجع المهتمين بمصير الإسلام في المغرب العربي والراغبين في الدفاع عنه والمنافحة(...)، وعسى أن يلتف حولها العلماء والأدباء المشبعون بحب الملة الحنيفة السمحاء حتى تستطيع أن تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل"، وهو توجه للمجلة يعكس، في العمق، استمرارية الإصلاح بالمفهوم نفسه الذي كان سائدًا تقريبًا قبل الاستقلال، أي قبل أن تتطور هذه المجلة في ما بعد، وتطور، بموازاة ذلك، ملفاتها ومواضيعها ونظرتهـا الدينية إلى المجتمع، وأيضًا قبل أن تظهر في المغرب، بعد ذلك بكثير، مجلة ثقافية دينيــة أخـرى بعنوان "قضايا إسلامية معاصرة" ذات توجه عصري في طبيعة الرؤية إلى الشأن الديني في العالم الإسلامي، وفي طريقة معالجتها للقضايا الإسلامية المعاصرة، وفي تكريسها أيضًا للخطاب التنويري، ومساهمتها التحديثية للفكر الديني بشكل عام.

أسئلة الهوية
ومع بداية ستينيات القرن الماضي، انشغل المثقف المغربي بطرح بعض التساؤلات المصيرية الجديدة، من قبيل: من نحن؟ وأين نحن؟ وإلى أين نسير؟ وكان يسعى إلى "إيجاد أجوبة لها"، فجاءت مجلة "البينة" (مايو 1962) لتنهض بهذه الرسالة، والتي ترمي إلى تعريفنا بأنفسنا، وبمركزنا في الوجود، وتذكيرنا بقوانا المادية والروحية، وما نستطيع أن نقوم به من خير لأنفسنا وللناس...". ويضيف علال الفاسي، مدير المجلة في افتتاحيته، محددًا وظيفة المجلة وتوجهها العام: "فقد أسست لتكون لسان الحق ومنبر الصدق وأداة الاتصال بين الذين يعنيهم أمر الإسلام، وأمر الفكر الإسلامي، عن طريق البعث الاجتماعي والثقافة المتحررة".
وبحثًا عن تأسيس ثقافة مغربية جديدة موصولة بأسئلة المجتمع والتغيير، ظهرت، مباشرة بعد ذلك، مجلة "آفاق" (1963)، فارتبطت، في بداية صدورها، بـ"اتحاد كتاب المغرب العربي"، قبل أن تتحول إلى "ناطق رسمي بلسان اتحاد كتاب المغرب" فقط، متوخية من صدورها "التعبير الصادق عن الفكر في المغرب العربي"، والمساهمة "في كل ميادين الرقي الإنساني"، بحيث رفعت المجلة في بدايتها شعار "إلى الأمام" في افتتاحياتها الأولى: "ليس أجدر بهذا الشعار "إلى الأمام" من مجلة "آفاق"، فاسمها يشير إلى الأمام في غير تحديد ولا توقف".
وهذا المضي إلى الأمام، ونحو أفق ثقافي أكثر رحابة، لم يكن من الممكن تحقيقه، لو لم تجعل المجلة من بين أهدافها محاربة كل فكر هش عقيم وجامد ومنغلق، ولو لم تفتح "آفاق" بابها لكل المبادرات الجادة والهادفة، ولكل الآراء المختلفة، وفي هذا الإطار يقول محمد عزيز الحبابي (أول رئيس لاتحاد كتاب المغرب العربي)، في كلمته الافتتاحية للعدد الأول من المجلة: "فلتكن آفاق ملتقى البوادر وبؤرة احتكاك التجارب، فيها تذوب وتصاغ الآراء والإرادات (...). إنها معركة ضد كل إقطاعية فكرية، ضد كل جموح أو جمود تفرضه الطائفيات...". فهي مجلة إذ تحارب التحجر والانغلاقية، فإنها تتبنى "مبدأ الانفتاح على الثقافات العالمية (...) هذا هو الطريق السليم لمغربة الثقافة".

صدر أول عدد من مجلة "أقلام" في مارس/ آذار عام 1964


ويضيف الحبابي، محددًا بذلك التوجه العام للمجلة في مسايرتها لتاريخ الإنسانية، وانفتاحها على عالم الأمس، وعالم اليوم وعالم الغد: "أردناها مجلة آفاقية: سوقًا للفكر العربي، ومهرجانًا للثقافة الإنسانية، وملتقى لكل حماة رسالة الكلمات في دنيا العرب، وفي عالم حضارة القرن العشرية التي تشمل دنيا العروبة وتفعل فيها".
أما اسم المجلة "آفاق"، فكان من اقتراح القاص المغربي الراحل عبد الجبار السحيمي، خلال اجتماع لبعض عناصر المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب وأعضاء الاتحاد، ببيت الإعلامي والكاتب الصحافي الراحل محمد العربي المساري، حيث تم التفكير في تلك الفترة في تأسيس مجلة ناطقة باسم الاتحاد، وهو الوقت نفسه الذي تم فيه تبني تسمية المجلة بـ "آفاق". أما شكل المجلة، ومضامينها، وحجمها، وغلافها، وكمية الأعداد الصادرة منها، وطريقة تمويلها، فكانت تخضع باستمرار لبعض التغييرات بين كل فترة رئاسية للاتحاد وأخرى.



ومن بين تلك التغييرات والإضافات التي طاولت مجلة "آفاق"، في الفترة الأخيرة، أشير إلى عمل الهيئة التنفيذية الحالية للاتحاد على تغيير شكل المجلة، وأركانها، فضلًا عن عملها على إصدار "كتاب" مصاحب لمجلة "آفاق"، هو "كتاب العدد"، ولأول مرة في المغرب، وفي تاريخ الاتحاد، يوزع مجانًا مع المجلة، ويكون موضوعه هو نفسه موضوع ملف العدد، وقد صدرت في الفترة الحالية، مجموعة من الكتب الموازية لأعداد مجلة "آفاق"، وهي حول "التشكيل والتصوير في المغرب"، و"ثقافة الصحراء"، و"السينما المغربية"، و"الثقافة الأمازيغية"، و"الثقافة الحسانية"... كما خصصت المجلة في أعدادها الأخيرة، حيزًا أنيقًا ومميزًا فيها، خاصًا بـ"التشكيل"، من خلال انفراد هذا البعد الفني بركن في المجلة، بالألوان، وبورق خاص ومميز، تحت تسمية "رواق الاتحاد"، حيث يتم تخصيصه، في كل عدد، لعرض تجربة تشكيلية لأحد الفنانين التشكيليين المغاربة وغيرهم، في تباين حساسياتهم الإبداعية واختلاف تجاربهم الإبداعية وأجيالهم.

فهرسة "آفاق"
عملت الهيئة التنفيذية الحالية، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد، على إصدار كتاب، على مدى فترتين، يتضمن فهرسة لجميع أعداد مجلة "آفاق"، منذ تأسيسها، توثيقًا لذاكرة المجلة، وتيسيرًا لعمل الباحثين، ما يبرز الأهمية التي تحظى بها هذه المجلة على مدى تاريخ صدورها وتراكمها، بما تواصل لعبه من أدوار طلائعية وتجديدية في المشهد الثقافي والإبداعي المغربي.
بعد ظهور مجلة "آفاق"، بسنة، ظهرت مجلة "أقلام"، فلعبت بدورها أدوارًا طلائعية، منذ صدور عددها الأول (في مارس 1964)، وعلى امتداد واحد وستين عددًا قبل أن تتوقف، وهي التي بررت ظهورها آنذاك، في افتتاحية العدد الأول، "لتعبر عن إحساس عميق يشعر به جل المثقفين، وهو أن الفكر متخلف عن العمل، وأنه لا يتوغل في صميم المجتمع، وفي أعماق الإنسان المغربي". كما كانت تجسد في بداياتها "دعوة لجميع الأقلام الصادقة لتسهم في بناء ثقافة أصيلة، وهي تتعهد بأنها ستقدر كل محاولة فكرية جادة، وتأمل أن تتيح الفرص لجميع المواهب الناشئة لتتلمس طريقها، ولتقوم بأداء رسالتها ولتفسح المجال الأوسع للذين ضاقوا بصمتهم الطويل". من ثم، كان رهان هذه المجلة التاريخي يتمثل في ترسيخ تقاليد ثقافية جديدة متممة لتلك النزعة الإصلاحية والتحررية التي كانت سائدة إبان الاستعمار الأجنبي للمغرب.
وبعد مضي أزيد من أربعة عقود من صدور العدد الأول من مجلة "أقلام"، ظهرت مجلة ثقافية جديدة باسم "فكر ونقد" (مارس 1997)، بإشراف أسماء كان لها حضور مركزي في مجلة "أقلام"، بهذا الشكل أو ذاك، لكن مع بروز اختلاف في هوية هاتين المجلتين المترابطين، وفي أهدافهما، رغم الفارق الزمني الفاصل بينهما، وذلك تبعًا لاختلاف السياق التاريخي والثقافي الكامن خلف ظهورهما معًا، والمؤطر لزمن صدورهما أيضًا، حيث أصبح المطلوب اليوم، حسب افتتاحية العدد الأول من مجلة "فكر ونقد"، هو التوسل "بالنقد"، فـ"الكلمة الآن هي لـ"النقد..!"(..)، وذلك دليل على أن الأمر يتعلق بمرحلة انتقالية، مرحلة يتم فيها تصفية الحساب مع القديم لفتح المجال أمام الجديد. إنها المرحلة التي يكون فيها طرح السؤال في مثل صعوبة تقديم الجواب، ومن هنا بروز "النقد" كمشروع وحيد ممكن... لذلك، فقد تمثل طموح هذه المجلة في "المساهمة في نشر وعي صحيح بطبيعة هذه المرحلة التي يجتازها الفكر المعاصر".

ظهرت مجلة "المناهل" عام 1974


كما حددت مجلة "الثقافة المغربية" الصادرة عام 1970، توجهها العام في كلمة محمد الفاسي، وزير الدولة آنذاك المكلف بالشؤون الثقافية والتعليم الأصلي، في "ملء الفراغ الذي تعرفه الساحة على مستوى مجلات عربية متخصصة في كل ما يتعلق ببلاد المغرب الإسلامي قديمًا وحديثًا"، وفي "إحياء تراثنا والتعرف على خصائص حضارتنا. وستهتم هذه المجلة بكل ما يرجع لتاريخ المغرب العربي، وإسبانيا، وصقلية، الإسلاميتين، وجغرافيتها وآدابها ولغاتها وعوائدها وفنونها الشعبية في الماضي والحاضر...".




وقد طرأت على هذه المجلة، بعد أزيد من ثلاثة عقود من الصدور، سلسلة من التحولات، سواء في توجهها العام، أو في شكلها وموضوعاتها، وتعرضت للتوقف في بعض الفترات، ثم عاودت صدورها، كما أنه بظهور شقيقتها مجلة "المناهل" (عام 1974)، تغيرَ دور مجلة "الثقافة المغربية" الذي سبق أن أعلنت عنه، فأصبحت مجلة "المناهل" تضطلع بهذا الدور، لكن بمنظور جديد وحديث منفتح على الموروث الثقافي والثقافة الحديثة، على حد سواء.

تحولات سياسية وأيديولوجية
بعد ذلك دخلت الثقافة المغربية في منعطف جديد، إبان سبعينيات القرن الماضي، بما عرفته المرحلة من تحولات سياسية وأيديولوجية، ومن أحداث ونضالات اجتماعية هامة، ساهمت جميعها في بلورة تجربة سياسية وثقافية واجتماعية في البلاد، فظهرت مجلات ثقافية جديدة مؤثرة، سرعان ما تحول لديها مفهوم الإصلاح، في هذه الفترة وبعدها، من "ثقافة الإصلاح" إلى "إصلاح الثقافة"، وأصبح الاهتمام مركزًا على النهوض بالحقول المعرفية والفكرية والأدبية والفنية، وكذا العمل على بعث ثقافة جديدة تستجيب لطموحات الجماهير وتحدياتها ونضالاتها وصراعاتها ورغائبها في التغيير والتنوير والحداثة والتغيير والسجال الثقافي والنقد، وخلق بديل ثقافي ومجتمعي، فازداد التراكم الفكري والأدبي والإبداعي، في تلك الفترة، كما ازداد الوعي بأهمية الثقافة في المجتمع، بمختلف فروعها، بما فيها الثقافة الشعبية، وظهرت أقلام وأسماء جديدة، وصدرت مجلات ثقافية جديدة بعد ذلك، فأضحت تعنى، بشكل متخصص في معظم الحالات، بحقول الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والدراسات النفسية وعلم التربية والمنطق واللسانيات والسيميائيات والنقد الأدبي والشعر والقصة، بحيث قد لا يسعنا المجال، هنا، لحصر مختلف تلك المجلات الثقافية، والوقوف عند توجهاتها العامة، وأدوارها المختلفة في ترسيخ ثقافة وفكر وأدب جديد، والمساهمة في تطويرها، وتمثل أسئلتها المتحولة. ومن بين أهم تلك المجلات الثقافية التي كان لها صدى واسع، في تلك الفترة، مجلة "الثقافة الجديدة" (خريف 1974)، بما يعكسه اسمها من رغبة في التغيير والخلق، كما جاء في افتتاحية عددها الأول: "تغيير الإنسان المغربي العربي وخلقه من جديد، ليدخل حدود إنسانيته المغتالة"، وخلق "ثقافة جديدة" من حيث نوعيتها ورؤيتها. وقد تبلور هذا الشعور، لدى هذه المجلة، انطلاقًا من الإحساس الذي أصبح ينتاب المثقف المغربي في تلك الفترة وهو مقتنع بأن ثمة أزمة حقيقية تعيشها الثقافة المغربية فكرًا وإبداعًا، والتي هي جزء من الأزمة الثقافية التي يعرفها العالم العربي".
وتركز هذه المجلة، من خلال ذلك، على ما تسميه بالخاصية القومية العربية، حيث كان هدفًا يتمثل في "المساهمة في بعض جوانب الثقافة العربية، تعريفًا ومناقشة، في حدود الإمكان والضرورة، وما نقوله في الجانب العربي نعممه على الصعيد العالمي".
كما تميزت المراحل التالية، أيضًا، بانفراد بعض مجالات الإبداع والتعبير ببعض مجلاتها المتخصصة، وظهرت لأول مرة مجلة للشعر، أنشأها "بيت الشعر في المغرب" بعنوان "البيت" زمن رئاسة الشاعر محمد بنيس للبيت، كما ظهرت مجلة للقصة، كانت تصدرها "مجموعة البحث في القصة القصيرة في المغرب"، بعنوان "قاف صاد"، لكن سرعان ما توقفت، هي أيضًا، عن الصدور... وقبل هاتين المجلتين المتخصصتين بكثير، كان كل من محمد برادة، ومحمد العربي المساري، وعبد الجبار السحيمي، قد أصدروا مجلة بعنوان "القصة والمسرح" عام 1964، لكنها لم تعمر طويلًا...
ذلك هو السياق التاريخي والثقافي العام الذي يؤطر ظهور بعض المجلات الثقافية المغربية، التي واكبت ظهور مجلة "آفاق"، بمثل ما واكبت فترات متعاقبة من استمراريتها، متسلحة بتوجهات ثقافية وأكاديمية وأيديولوجية مغايرة، حيث برزت الحاجة، وقتئذ، إلى بعث ثقافة وطنية جديدة ومغايرة، ساهمت فيها مجلات ثقافية مستقلة، من قبيل مجلة "علامات" لمديرها الدكتور سعيد بنكراد، وأخرى تابعة لبعض الجهات الحكومية، وغيرها من المجلات التابعة لبعض المؤسسات الأكاديمية والسياسية والجمعيات الثقافية...

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.