}

عن الاحتراف العربي في الغرب

راسم المدهون 21 أغسطس 2023
استعادات عن الاحتراف العربي في الغرب
محمد صلاح اللاعب العربي الأكثر نجاحًا في أوروبا (13/8/2023/Getty)

ظلَ حلم السطوع في الغرب الأوروبي والأميركي حاضرًا دائمًا في مخيلة معظم المبدعين العرب، وبالذات في المجالين الفني والرياضي. هو حلم نابع من سطوة النجاحات الغربية وتحقيقها مكانة عالية جعلت السينما الأميركية سيدة الفن السابع وهوليوود عاصمته، فيما راحت الرياضة عمومًا، وكرة القدم خصوصًا، تحقق لأبطالها مكانة عظمى بالمعنيين المعنوي، وما يرافقه من شهرة، والمادي، الذي يجعل تلك اللعبة الشعبية في العالم كله تدر على صاحبها ثروات لم يكن من الوارد حتى تخيلها من قبل.
هنا بالذات سيطرت على الفنانين واللاعبين العرب فكرة الاحتراف في الغرب، بما هي نجومية ساطعة، وأيضًا بما هي ثروات مالية كبرى يصعب ـ بل يستحيل ـ تحقيقها في البلدان العربية. كانت هذه هي الحال حين وقع اختيار المخرج البريطاني الشهير دافيد لين على نجم السينما المصرية عمر الشريف ليلعب دور "الأمير علي" في الفيلم الذي رأى النور وأخذ طريقه لدور العرض السينمائية في العالم عام 1962 إلى جانب كوكبة لامعة من كبار نجوم السينما، ومنهم أنتوني كوين، وبيتر أوتول، الذي لعب دور لورانس. عمر الشريف في سنة تصوير "لورنس العرب" كان قد لعب أدوار البطولة في عدد وافر من الأفلام في السينما المصرية، ابتداء من فيلم المخرج يوسف شاهين "صراع في الوادي"، الذي أنتج عام 1954، وبات يتمتع بنجومية كبرى في سينما بلاده، وكان طبيعيًا ومفهومًا أن يكون ترشيحه للسينما العالمية نقلة كبرى في حياته الفنية تفتح أمامه أبواب الشهرة أولًا، ثم تمنحه فرصًا للمشاركة في سينما من قماشة مختلفة، وتقع إنتاجاتها تحت الأضواء بصورة غير مسبوقة من قبل.
ليس "لورنس العرب" أهم أفلام عمر الشريف في مرحلة احترافه الغربية، بل نقول أكثر من ذلك إن محتوى الفيلم كان سببًا في انتقادات لا تحصى وصلت حد توجيه اللوم للنجم المصري، غير أن تجارب الشريف اللاحقة، والتي لعب فيها أدوارًا أخرى أهم وأكثر نجاحًا يدفعنا إلى النظر إلى تجربة احترافه في الغرب بإيجابية، خصوصًا في فيلم مكتشفه للغرب البريطاني دافيد لين الثاني "دكتور جيفاغو" المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب السوفياتي بوريس باسترناك، والتي شغلت الأوساط الأدبية والسياسية في تلك الأيام، إلى جانب أدوار أخرى لعبها عمر الشريف كان أشهرها وأكثرها ذيوعًا "ليلة الجنرالات"، الذي لعب فيه دور ضابط ضمن مجموعة من كبار الضباط الألمان يعدون لانقلاب على زعيم النازية أدولف هتلر.

عمر الشريف في لقطة من فيلم "دكتور جيفاغو"




في المقابل، وعلى الجانب الرياضي، كانت بدايات النجم المصري محمد صلاح في فريق نادي "المقاولون العرب"، كونه لم ينتم لأي من فريقي القمة الكروية في مصر الزمالك والأهلي، أي أنه يقع ضمنا في المساحة الأقل شهرة وضوءًا، بل واختلفت عن بدايات احتراف عمر الشريف أن احترافه لم يكن في أحد المراكز الكبرى لمهنته، فصلاح بدأ الاحتراف عام 2012 مع فريق "بازل" السويسري، أي مع ساحة كروية تقع في المساحة الأقل إضاءة وانتشارًا، ولا تقارن بالدوريات الأوروبية الكبرى (إيطاليا، إنكلترا، ألمانيا، فرنسا، وإسبانيا)، ما جعل تجربته السويسرية أقرب لأن تكون محطة وسيطة بين تجربته المصرية، وبين تحقيق إنتاج لافت يوصله إلى تلك الدوريات الكبرى التي تعج بالنجوم. احتراف محمد صلاح سرعان ما أوصله إلى الدوري الأغنى والأشهر والأعظم انتشارًا، الدوري الإنكليزي، فاستقر في فريق "ليفربول"، وحقق باللعب في صفوفه إنجازات كبرى حصد من خلالها جوائز "أحسن لاعب في الدوري الإنكليزي"، و"هداف الدوري الإنكليزي"، وأحسن محترف أفريقي في أوروبا، وكلها إنجازات لم ينجح أي من المحترفين العرب الذين سبقوا صلاح في تحقيقها، ومنهم الجزائري رابح ماجر، والمصري أحمد حسام "ميدو"، الذي سبق أن لعب لأندية كبرى، مثل "أياكس" الهولندي، و"توتنهام" الإنكليزي، وعدد آخر من الفرق الإنكليزية.
اختلاف محمد صلاح عن كل المحترفين المصريين والعرب هو أنه لم يكتف بالموهبة وما تحمله من مهارات فنية، بل عمل بشكل دؤوب على توظيف موهبته وتنميتها في صورة مستمرة، مثلما واظب ولم يزل على التزام الروح والضوابط الرياضية على نحو ساهم إلى حد كبير في دفعه للصفوف الأولى عالميًا، حيث نجح في منافسة نجمي الكرة العالمية الأشهر كريستيانو رونالدو البرتغالي، وليو ميسي الأرجنتيني، في خيارات من يحظى بجائزة الكرة الذهبية، أو الحذاء الذهبي.
في تجربة محمد صلاح الكروية العالمية، لعب الكفاح والدأب والصبر والإلتزام الدور الأكبر، إلى جانب الموهبة، وهو أمر جعله يقف إلى جانب النجم عمر الشريف في مكانتيهما المرموقتين كأهم المحترفين العرب في أوروبا، وفي الغرب عمومًا، رغم تجارب أخرى لعبها نجوم آخرون لعلنا نتذكر منهم بالذات النجم المصري جميل راتب، الذي لعب أدوارًا مهمة في الأفلام الفرنسية، وأيضًا من كانت لهم تجارب احترافية في الرياضة الأوروبية، وإن لم يتمكنوا من امتلاك عقلية احترافية تمكنهم من مواصلة نجاحاتهم الأولى، وتنميتها وتعظيمها، فانتهت تجاربهم دون المستوى والطموح المطلوبين، وعادوا بتجارب ناقصة ومجتزأة.
أعتقد أن ما تفتقده تجارب الإحتراف العربي في أوروبا، سواء في الفن، أو الرياضة، هو بالذات افتقار معظمها إلى تجارب محلية مهمة. النظر إلى العالمية باعتبارها تتحقق من مكان عالمي بالذات هي نظرة ليست دقيقة تمامًا، فالأجدى والأكثر حقيقية وبقاء أن تتحقق العالمية من خلال أعمال محلية تعالج قضايا محلية تخص مجتمعاتنا العربية، وتنجح في تقديمها للعالم في صورة راقية فنيًا وملتزمة بتقدم المجتمع، وبمعالجة قضاياه الأهم ثانيًا، فيما تتحقق في الرياضة من خلال الارتفاع بمستوى دوريات كرة القدم العربية ومنتخباتها، فلا أحد يمكنه أن ينسى أن نجوم العالم الكروي الأشهر والأهم جاءوا من بلدان العالم الثالث، ومنهم البرازيلي بيليه، والأرجنتيني مارادونا، والأرجنتيني الآخر ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو. وهذه في تقديرنا مسألة بالغة الأهمية، فلا أعتقد أن دوري كرة قدم متواضع وقليل الحيلة يمكنه أن ينتج لاعبين كبارًا، أو استثنائيين، إلا في حالات نادرة واستثنائية لا يجوز القياس عليها، أو اعتبارها قاعدة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.