سليم حيدر شاعر كلاسيكي على غرار محمد مهدي الجواهري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة، وهو في تجربته الشعرية المديدة، لم يلتفت إلى تيار الحداثة الشعرية التي أسست قصيدة التفعيلة (بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة ومصطفى البدوي وخليل حاوي) ثم قصيدة النثر (أدونيس ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا ويوسف الخال)، بل بقي وفيًا للقصيدة العربية ذات المصراعين، فلعلها أكثر طواعية للتعبير عن الأفكار والرؤى والمواقف.
الشاعر الثوري
ولد سليم حيدر في بعلبك في سنة 1911، ونُفي أهله إلى تركيا في سنة 1916 جراء مواقفهم القومية العربية، فتعهده عمه نافذ، وانتقل به إلى بلدة بدنايل المجاورة. وبعد سنتين عاد إلى بعلبك مع عودة الأهل من المنفى. درس على مارون عبوّد في ثانوية "الجامعة الوطنية" في عاليه، وسافر إلى فرنسا في سنة 1931 لاستكمال تعليمه العالي، فحاز الإجازة في القانون من إحدى الجامعات الفرنسية في سنة 1935 ومعها الإجازة في الأدب، ثم الدبلوم في العلوم السياسية في سنة 1936، والدكتوراه في الحقوق في سنة 1937، وكانت أطروحته عن "البغاء والاتجار بالنساء والأطفال".
عاد إلى بلده وعمل في حقل القضاء، وأصبح أول سفير للبنان في إيران، ثم انتُخب نائبًا في المجلس النيابي في سنة 1953، وعين وزيرًا ثلاث مرات بين 1952 و1955. وفي أثناء نيابته ساهم في سنة 1953 في منح المرأة اللبنانية الحق في الترشح للانتخابات النيابية. وكان يتقن الفرنسية والإنكليزية، ويُلمّ بالفارسية والروسية والألمانية واللاتينية، وتوفي في سنة 1980.
لم يكن سليم حيدر قائدًا لحزب سياسي، أو زعيمًا لطائفة أو عشيرة، بل كان نائبًا عن الشعب. ونيابته تلك ما كانت مدينة لأي زعيم أو أي وصاية أجنبية، إنما جاءته من مكانته العلمية أولًا وآخرًا، فهو رجل علم ورجل إصلاح. والإصلاح في لبنان هو شأن ثوري بالضرورة نظرًا إلى السدود الطائفية والموانع السياسية التي ما انفك المتمولون والتجار وأرباب المصالح يشيدونها ويُعلون أسوارها.
اشتُهر سليم حيدر بمواقفه المبدئية في السياسة والقانون والإصلاح والتقدم. وكان من بين أبرز مآثره الموقف من جمال عبد الناصر (راجع ديوانه "يا نافخ الثورة البيضاء")، والموقف من العمل الفدائي الفلسطيني. وفي خضم المجادلات الفكرية والسياسية التي نشبت بعد هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967، دعا سليم حيدر الدول العربية إلى تأسيس "صندوق الفداء العربي" لدعم النضال الفلسطيني المسلح، وإلى إلحاق الشبان العرب بكتائب الفداء العربي (راجع: مواقف وآراء سياسية، بيروت: مطابع قدموس الجديدة، 1969، ص 57). وكان يردّد دائمًا: إن واجبات الدول العربية غير المتاخمة لإسرائيل أضخم من واجبات الدول المتاخمة. معسكرات التدريب يجب أن تكون فيها، والمساعدات المادية يجب أن تأتي منها أضعاف ما تأتي من الدول المتاخمة. يكفي الدول المتاخمة أنها تجابه إسرائيل وجهًا لوجه، وتتعرض في كل يوم، بسبب الفداء أو تذرعًا بالفداء، لغارات إسرائيلية لعل أسلم نتائجها الدمار والتقتيل والتشريد (المصدر السابق، ص 55).
دواوينه
في خزانة سليم حيدر نحو اثني عشر كتابًا شعريًا تناول فيها قضايا فلسفية وتاريخية وسياسية ووطنية، ولعل أبرزها ديوان "الخليقة" (نُشر بعد وفاته في سنة 2001) الذي يؤرخ فيه بدايات الكون حتى سقوط مملكة بابل (2740 بيتًا). وله أيضًا ديوان "آفاق" (1946) الذي ينطوي بدوره على مَنَازع فلسفية شتى، وكذلك ديوان "العدالة" (1946)، و "ألسنة الزمان" (1956) وهو عبارة عن مسرحية من فصل واحد، شعرًا ونثرًا، ذات طابع فلسفي (قدم لها كمال يوسف الحاج). أما ديوان "يا نافخ الثورة البيضاء" (1971) فقد حظي بتقديم ثلاثة أعلام هم عمر أبو ريشة وطلال سلمان وبولس سلامة. وفوق ذلك ترك سليم حيدر مجموعة من الدواوين ذات جرس متقارب مثل "أشجان" (قدم له السيد محمد حسين فضل الله) و"ألحان" و"ألوان" و"لبنان" (قدم له إدمون رزق)، و"إشراق" و"آفاق" و"أشواق" (قدم له توفيق يوسف عواد). ولا أجازف بالكلام، في هذا الميدان، إذا قلتُ إن السفارة والنيابة والوزارة ظلمت سليم حيدر المفكر والشاعر والمصلح، فجعلته سياسيًا بالقوة، وطغت تلك الصفة، ولو موقتًا، على شاعريته وتأملاته الفلسفية وآرائه الإصلاحية. ولكن، في نهاية المطاف، لا تبقى غير حجارة الوادي. وحجارة الوادي هنا هي سيرة سليم حيدر وشعره وأفكاره ومواقفه التي ما فتئت كلها مغروسة في الأرض وبين أيدي الناس، وهي أغراس تنمو باستمرار، ويعتني بها برهافة إبنه الأديب الدكتور حيّان حيدر.