}

عارف العارف كمؤرخ بصري: النكبة الفلسطينية بالصور (2)

هاني حوراني هاني حوراني 29 أغسطس 2024


تحرّى عارف العارف، في أثناء إعداده لكتاب النكبة، أن تكون أجزاءه الستة الأولى حلقات متتالية لرواية النكبة، إلا أن الجزء السابع من الكتاب، والذي حمل عنوان "النكبة بالصور"، يكاد أن يكون كتابًا موازيًا للأجزاء الستة السابقة أكثر مما هو جزءٌ متممٌ لها (1).

أعدّ العارف الجزء السابع ونشره باللغة العربية شأنه شأن الأجزاء السابقة عام 1961، لكنه أعاد إصداره ونشره في العام التالي باللغتين الإنكليزية والعربية معًا (2)، بل إن تصميمه وترتيب صفحاته أعطى الأولوية للغة الإنكليزية، حيث يفتح الكتاب من الشمال إلى اليمين وتبدأ مواده النصية باللغة الإنكليزية لتليها ترجمة النص الإنكليزي أو تلخيصه باللغة العربية. ومن ناحية أخرى فقد أُعد الكتاب ليكون ألبومًا، تحتل فيه المادة البصرية، ولا سيما الصور الفوتوغرافية المكانة المركزية على مدار صفحاته، أما النصوص فهي مكرّسة غالبًا لشرح الصور، أو التعليق عليها.

يفسّر عارف العارف رؤيته لكتابه المصوّر في مقدمته، حيث يقول: "إن الصور التي تراها في هذه المجموعة هي صور للأحداث التي حدثت في فلسطين خلال تلك الفترة الرهيبة من الزمن (أي ما بين قرار التقسيم الدولي في 29-11-1947 وبين توقيع اتفاقيات الهدنة ما بين الدول العربية الأربع المحاذية لفلسطين ما بين شباط/ فبراير 1949 وتموز/ يوليو 1949) إضافة إلى صور الأشخاص الذين جرت الأحداث على أيديهم" (3).

ويضيف: "وهناك صور الأشخاص، وإن كانوا قد قضوا قبل هذه الفترة من الزمن، إلا أني رأيت من مصلحة التاريخ أن أثبّت صورهم هنا، لما بين الفترتين من صلات تاريخية لا بد للمتتبع من دراستها، إذا ما أراد أن يدرس الأسباب التي أدت إلى نكبة فلسطين والفردوس المفقود" (4).

ويوضح العارف نواياه من وضع الكتاب المصور بقوله: "إنني لا أرمي من وراء عملي هذا إلى التنديد بأعمال الأشخاص الذين ثَبَّتُ صورهم، أو التمجيد والإطراء، وإنما أرمي إلى تسجيل الأحداث كما حدثت، وإلى تثبيت صور الأشخاص الذين جرت الأحداث على أيديهم في ذهن القارئ، لما في ذلك من فائدة لا يدركها إلا الخبيرون بتتبّع الأخبار والسير، ولا بدع فإن الحادث الذي تسمع بوقوعه في زمن مضى يركز في ذاكرتك وقتًا أطول من المعتاد، إذا عرفت الشخص الذي جرى ذلك الحادث على يده، أو رأيت صورته في الوقت الذي تقرأ فيه سيرته، وكذلك قل عن المكان الذي وقع فيه الحادث، فإنك إذا عرفته استطعت تعقب الخبر بسهولة ويسر" (5).

وبعد أن يوضح أنه بذل جهده كي يرتب الصور حسب تسلسلها التاريخي، إلا في حالات استثنائية، يعترف العارف بأن مجموعة الصور التي يتضمنها هذا الجزء المصوّر من النكبة، "ليست كاملة، وأن هناك مواضع كثيرة كانت مسرحًا رهيبًا للقتال، إلا أنه لم يستطع الاهتداء إلى صورها، بسبب البعد والفوضى وخطر التنقل من مكان إلى مكان في أثناء القتال، وبسبب الحدود وخطوط الهدنة والرقابة العسكرية التي قامت بعد وقف القتال" (6).

رواية بصرية لأحداث النكبة

يضم الجزء السابع والأخير من النكبة أكثر من 650 صورة، معظمها صور فوتوغرافية والقليل منها رسوم خطية أو خرائط. وقد توزعت هذه الصور على إثني عشر فصلًا حملت العناوين التالية:

اليهود والانتداب؛ ذيول التقسيم؛ مقاتلو فلسطين؛ صور التدابير العسكرية التي اتخذها البريطانيون؛ مصير مدينة أورشليم (القدس)؛ الحرب الطاحنة في فلسطين، الجامعة العربية والدول العربية؛ الزعماء الأردنيون في عمان، حكومة عموم فلسطين، دولة إسرائيل، ماذا حدث بعد المأساة؛ والمرأة العربية.

وقد كانت أغنى هذه الفصول بالصور كل من الفصل السادس: "الحرب الطاحنة في فلسطين" بعدد صور وصل إلى 144 صورة، ثم الفصل الخامس: "مصير مدينة القدس" بعدد صور بلغ 106 صور. أما أفقر الفصول بالصور فكان الفصل التاسع بعدد لا يتجاوز أربع صور، وهي على صلة بحكومة عموم فلسطين، والفصل الثاني عشر بعدد صور بلغ 14 صورة، وهي تصف نضالات المرأة الفلسطينية والعربية.

لقد خصّص عارف العارف الفصل الأول، والذي حمل عنوان "اليهود والانتداب"، ليكون بمثابة خلفية عامة لتطورات القضية الفلسطينية منذ بواكير الاستيطان اليهودي في فلسطين وظهور الحركة الصهيونية، ثم صدور وعد بلفور عن الحكومة البريطانية، مرورًا بأهم التطورات السياسية والعسكرية التي عرفتها فلسطين، بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917 وفرض الانتداب عليها، وحتى مغادرة الجيوش البريطانية في أيار/ مايو 1948.

اليهود والانتداب

يروي عارف العارف أحداث هذه الحقبة، أي 1917- 1948، من خلال 53 صورة يستهلها بصورتين ليهود القدس في نهاية القرن التاسع عشر. وتظهر الصورة الأولى الحالة البائسة التي كانوا عليها، قبيل ظهور هرتسل وعقد المؤتمر الصهيوني الأول، عام 1897. ومن ثم تليها صورة لملهم الحركة الصهيونية وأول من وضع فكرة الدولة اليهودية (1895) وسعى إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين (7)، ونعني به ثيودور هرتسل، لتليه صورة للبارون إدموند روتشيلد (8) الذي تلقى وعد بلفور من الحكومة البريطانية (عام 1917)، ثم صورة ثالثة للورد بلفور وزير خارجية بريطانيا، الذي اشتهر بالوعد الممنوح باسمه لليهود بوطن قومي في فلسطين باسمه (9) وتتتالى صور الشخصيات البريطانية واليهودية التي لعبت أدوارًا رئيسية في احتلال فلسطين وفرض الانتداب عليها، مثل اللورد أللنبي (10)، والسير هربرت صموئيل (11)، ونورمان بنتويتش الذي عين عام 1918 مدعيًا عامًا لحكومة فلسطين قبل أن يصبح المستشار القانوني لحكومة الانتداب (12)، والمسؤول عن وضع سلسلة التشريعات التي أرست الأسس القانونية لإقامة اليهود ومن ثم لقيام الدولة اليهودية.

ومن بعد، تتتالى الصور التي تروي الأحداث المفصلية التي بدأت بفرض سلطة الانتداب على فلسطين، مرورًا بالهجرات اليهودية المتواترة إلى فلسطين. قد تبدو العديد من صور هذا الفصل مألوفة في الوقت الحاضر، لكنها لم تكن كذلك أيام صدور كتاب العارف المصور عن النكبة.

ولو أردنا توصيف صور الفصل الأول لوجدنا أن كلًا منها ينطوي على رسالة محددة إلى القارئ. منها، مثلًا، نشره عدة صور تظهر شباب وشابات يهوديات يتدرّبن على استعمال السلاح والقتال على يد جنود بريطانيين، وصور أخرى للبوليس اليهودي وقد جرى تنظيمه على يد حكومة فلسطين عام 1938(13). والمغزى هو التواطؤ البريطاني وراء بناء القوة الذاتية لليهود والحركة الصهيونية منذ البدايات وحتى مغادرة الجيوش البريطانية لفلسطين.

مجموعة أخرى من الصور تصور قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في مناسبات مختلفة، مثل انعقاد المؤتمرات العربية الفلسطينية المكرّسة لمواجهة السياسات البريطانية والتوسع الاستيطاني الصهيوني، وكذا هو أمر صور الوفود الفلسطينية المتوجهة إلى لندن منذ عام 1929 لعرض قضيتهم على الدولة المنتدبة على فلسطين. وكذلك صور هذه القيادات وهي تتصدّر التظاهرات الشعبية في عام 1933، أو وهي تمثل أمام حكومة الانتداب، أو وهي تقود إضراب 1936 (14).

ويضم الكتاب في فصله الأول مجموعة صور للجان البريطانية والدولية التي زارت فلسطين بحثًا عن حلول للمسألة الفلسطينية، لا سيما لجنة بيل Peel، واللجنة البريطانية الأميركية التي تلتها، واللجنة الدولية الخاصة U.N.S.C.D.T التي انتدبتها هيئة الأمم المتحدة، وجلّها انتهت إلى مقترحات بتقسيم فلسطين وقيام دولتين مستقلتين للعرب واليهود واقتراح تسوية نهائية للنزاع.

هذا وتروي مجموعة الصور الأخيرة في الفصل الأول أحوال فلسطين بعد صدور قرار التقسيم وانفجار القتال ما بين التنظيمات العسكرية الفلسطينية واليهودية، واتساع رقعة الإرهاب الصهيوني الذي طاول أيضًا المؤسسات البريطانية وفندق الملك داود، واغتيال الكونت فولك برنادوت، الذي انتدبته هيئة الأمم المتحدة كوسيط دولي في النزاع بين العرب واليهود (15). ومن ثم رحيل القوات البريطانية عن القدس وإنزال العلم البريطاني من على ساريته في ميناء حيفا، إيذانًا برحيل آخر جندي بريطاني عن فلسطين يوم 30 حزيران/ يونيو 1948.



تظاهرات وإضرابات رفضًا للتقسيم

باستثناء ثلاث صور تصدّرت الفصل الثاني، والذي حمل عنوان "ذيول التقسيم" فإن غالبية الصور الثلاثين كانت توثق لردود الفعل الفلسطينية والعربية الغاضبة، والرافضة لقرار التقسيم. أما الصور الثلاث التي استهلت هذا الفصل فأولها رسم لخارطة فلسطين بموجب قرار التقسيم، تليها صورة الرئيس الأميركي هاري ترومان، الذي وصفه الكتاب بأنه "واحد من أكثر الداعمين المؤثرين للصهيونية" (16).

أما الصورة الثالثة فهي للسيد تريغف لي، السكرتير العام للأمم المتحدة في زمن اتخاذ قرار التقسيم، والذي جَنّد فريقه لدعم الحلول المنحازة لإسرائيل (17).

ثم تتالت الصور التي تعكس الغضب الفلسطيني، كما تجلى في التظاهرات والإضرابات التي شلت مدن فلسطين لعدة أيام، لا سيما القدس، نابلس، يافا، وغزة والمجدل. كما تعرض الصور ردود الفعل العربية، كما تبدو في دعوة شيوخ الأزهر للجهاد وتظاهرات القاهرة وبيروت، والجالية العربية في الأرجنتين. وفي الوقت نفسه أظهرت صورة لحائط المبكى كيف أنه كان فارغًا من المصلين اليهود إبان الإضراب العام الذي شلّ القدس والمدن الفلسطينية الأخرى.

مقاتلو فلسطين وشهداؤها في صور

حمل الفصل الثالث عنوان "مقاتلو فلسطين"، وقد استهل بصور لأعضاء اللجنة التنفيذية لجمعية الشباب، وعددهم تسعة يمثلون شباب قضية فلسطين. وقد حرص هذا الفصل، كما يبدو، على توثيق صور المنظمات والأفراد الذين كان لهم دور بارز في مواجهة قرار التقسيم، ومن هنا تضمن الفصل صورًا جماعية لقادة وأعضاء منظمة "الفتوة" وكذلك منظمة "النجادة"، وحظيت "الجهاد المقدس" وقادتها، ولا سيما عبد القادر الحسيني، بحصة الأسد من الصور الفوتوغرافية. كذلك تكررت صور أعضاء "فرقة التدمير" التابعة للجهاد المقدس، وهي التي لعبت أدوارًا هامة في نسف المباني الرسمية للحركة الصهيونية والمرافق الخدمية البريطانية (18).

وإلى جانب المقاتلين الذين احتفى العارف بهم وثبت صورهم في هذا الفصل، فقد اختتم بصورة لأحمد حلمي باشا عبد الباقي (19)، أحد زعيمين بقيا في القدس ولم يغادراها خلال الحرب الممتدة عام 1948. أما الثاني فهو د. حسين فخري الخالدي (20).

كرّس العارف الفصل الرابع لتوثيق التدابير العسكرية التي اتخذها البريطانيون بعيد صدور قرار التقسيم، وما أحدثه من ردود فعل فلسطينية وعربية غاضبة.

وهكذا نجد صورًا عدّة لبوابات القدس وقد أغلقها البريطانيون لمنع المقدسيين من الخروج ومواجهة اليهود خارج البلدة القديمة. وها هنا نرى باب العمود والباب الجديد وقد أغلقهما الجنود البريطانيون، كما تكثر صور الجنود البريطانيين وهم يجوبون شوارع القدس، أو يحرسون مدخل الحي اليهودي، أو هم يفتشون العرب ويصادرون أسلحتهم، أو وهم يرتقون أسطح المباني لمراقبة حركة السكان.

يضم هذا الفصل صورًا أخرى لآليات ودبابات بريطانية وهي تتحرك ما بين المدن الفلسطينية، في حين تظهر صور عديدة الأضرار التي ألحقتها الألغام الفلسطينية بالقطارات العسكرية البريطانية، وكذلك بمصفحة يهودية. ويعج الفصل الرابع بصور الأضرار التي لحقت بأعمدة التلفون وأنابيب البترول والقطارات البريطانية، فيما تظهر صور أخرى أبراج المراقبة والطائرات والبوارج والسفن العسكرية البريطانية في ميناء حيفا، بعيد صدور قرار التقسيم.

مصائر القدس في ألبوم النكبة

يخصّص عارف العارف فصلًا حافلًا بالصور عن مدينة القدس تحت عنوان "مصير مدينة أورشليم"، وهو بشكل عام يرصد مظاهر الدمار التي لحقت بالمدينة. ونعني به الفصل الخامس، الذي زاد عدد صفحاته عن 75 صفحة.

يعج الفصل، بصوره التي تزيد على مائة، بمشاهد الدمار الذي حل بمعالم القدس المدنية والدينية ومرافقها الاقتصادية، وهو يبدأ من مشهد عام للقدس من بعيد، كما تُرى المدينة من جبل المشارف بالشيخ جراح، حيث ترتفع في أفقها سحابات الدخان جراء انفجار القنابل والألغام.

ثم تلت تلك الصور الافتتاحية مشاهد الحرائق والدمار الذي لحق بدور السينما، ركس وأديسون؛ مطاحن القمح في يافا؛ عمارة أولاد شاهين ودار ثريا البديري في حي القطمون؛ فندق سميراميس الذي دمّر جرّاء نسفه على يد مقاتلين يهود، وقتل جرّاء ذلك 18 عربيًا وجُرح عشرون.

هنا أيضًا صور عدة لمواقع في الحرم القدسي وقد تعرّضت للقصف، بما فيها المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرفة، وصور عديدة أخرى للكنائس المتضررة من قصف القوات الصهيونية، مثل كنيسة الروم الكاثوليك، كنيسة القيامة، كنيسة مار جرجس وكاتدرائية القديس جورج.

صور الفصل الخامس لم تخلُ من مشاهد الدمار الذي أحدثه المقاتلون الفلسطينيون، بدورهم، في الجانب اليهودي، منها صورة نسف مطبعة "البالستاين بوست" في القدس؛ الدمار الذي لحق ببعض منازل حي مونتيفيوري اليهودي؛ نسف سينما أوديون، ودار الوكالة اليهودية في القدس؛ رشق مبنى النوتردام... إلخ.

تظهر صور الفصل الخامس أيضًا الدمار الهائل الذي حل بشارع باب الخليل التجاري وحي المصرارة وبالعمارات الكبيرة في القدس، إضافة إلى التلف الكبير الذي أصاب مدرسة البوليس الفلسطيني، وفندق بالاس وفندق فاست.

لم تنجُ بوابات القدس القديمة من اعتداءات العصابات الصهيونية المسلحة إبان النزاع، وها هي صور الفصل الخامس، تظهر مشاهد تفجير هذه العصابات لباب العمود، وهو ما أدى إلى قتل 14 عربيًا، كما تظهر صورة أخرى المقاتلين الفلسطينيين وهم يحرسون الباب الجديد، من وراء المتاريس، وفي صورة ثالثة يظهر البوليس البلدي وهو يحمي باب الخليل، فيما تظهر صورة رابعة شرطيا عربيا ملقى على الأرض، بعد أن أرداه المسلحون اليهود قتيلًا في شارع مأمن الله، يوم 7 كانون الثاني/ ديسمبر 1948. 

الحضور العسكري البريطاني، خاصة قبل الانسحاب من القدس يوم 14 أيار/ مايو 1948، كان ظاهرًا في بعض صور الفصل الخامس الخاص بالقدس، حيث نجد - على سبيل المثال - جنودًا بريطانيين يراقبون من فوق عمارة شميت، ومن فوق الأسوار ساحة باب العمود، والهدف هو منع المقاتلين العرب من الخروج من المدينة القديمة.

ويختتم هذا الفصل بنشر عدد كبير من الصور التي تتعلق بنتائج القتال الرامي للسيطرة على البلدة القديمة للقدس، والتي ظلت بيد العرب. هنا نجد مجموعة من الصور للحي اليهودي في البلدة القديمة وقد تحول إلى أطلال، حيث سقط في 27 أيار/ مايو 1948، إضافة إلى مشاهد عدة لاستسلام مختار اليهود ووجوه الطائفة اليهودية في الحي القديم. ولا يفوت على العارف تضمين الفصل الخامس مشاهد نقل الجرحى والمرضى من اليهود على يد المقاتلين العرب، حيث ينشر صورًا عدة لعمليات إسعاف هؤلاء على يد أطباء وممرضات عربيات (21).


وقائع الحرب بالصور

تحت عنوان "الحرب الطاحنة في فلسطين" جاء الفصل السادس من "النكبة بالصور"، كأكبر فصول الكتاب، سواء من حيث عدد الصفحات (91 صفحة) أو من حيث عدد الصور الفوتوغرافية (144 صورة).

يبدأ هذا الفصل بمجموعة من الصور الفوتوغرافية لمدينة يافا تصدّرتها صورة ليافا القديمة، ثم صورة أخرى لتل أبيب كما يمكن مشاهدتها من يافا، لتليها صور أخرى لـ"يافا الجميلة، زهرة فلسطين"، حسب وصف العارف، وهي تظهر كيف كانت تبدو قبل بدء القتال، من جهة القدس، ثم لـ"يافا الجديدة"، حيث التقطت الصور من جهة الكنيسة الكاثوليكية، ومنها يُرَى المرفأ الذي كانت تشحن منه صناديق البرتقال إلى موانئ العالم الأخرى.

تظهر الصور اللاحقة العمال الفلسطينيين وهم يفرزون البرتقال ويعبّئونه في صناديق معدّة للتصدير. وتليها صورة لأحد يهود يافا وهو يرحل إلى تل أبيب بحراسة الجنود البريطانيين. وفي مشهد آخر تظهر دار الحكومة في المدينة وقد تعرّضت للنسف على يد إرهابيين يهود، كما تظهر الصور الأخرى الدمار الذي حل بشارع المنشية بيافا، وكذلك بالمباني الواقعة بين يافا وتل أبيب. وتنتهي مجموعة صور يافا إبان الصدام بمشهد رحيل سكان المدينة، بعد أن انسحبت منها قوات جيش الإنقاذ وتخلت عن الدفاع عنها.

دفعة أخرى من الصور تظهر تعرض سيارات شركة البوتاس اليهودية للهجوم، ومثل ذلك حدث مع قافلة يهودية كانت قادمة من تل أبيب للقدس، فضلًا عن آلية عسكرية يهودية سقطت بيد المقاتلين العرب عند قرية شعفاط.

ويعرض الفصل السادس عدة صور لبرك سليمان الواقعة على طريق القدس - الخليل التي كانت تزود القدس بالماء، حيث انقطع الماء عن القدس جراء استيلاء اليهود على جزء من الأنابيب عند جبل المكبر، كما تضمن الفصل صورًا أخرى لعين قارة ومياه رأس العين، حيث شكلت السيطرة على مصادر المياه عاملًا رئيسيًا في الصراع.

يفرد عارف العارف عددًا من الصور الفوتوغرافية لمعركة الدهيشة التي شهدت تصدّي الثوار العرب لقافلة سيارات يهودية قادمة من كفار عصيون، والتي أوقعت عددًا من القتلى والأسرى اليهود بيد الثوار.

وتختتم مجموعة الصور الخاصة بمعركة الدهيشة بصورة لكامل عريقات الذي أشرف على إدارة معركة الدهيشة.

يتوقف العارف عند قرية القسطل والمعركة التي شهدتها، والتي قادها عبد القادر الحسيني واستشهد فيها. ويبدأ بصورة لعبد القادر الحسيني في عربته العسكرية. 

الرئيس الأميركي هاري ترومان (يسار) الذي وصفه الكتاب بأنه "واحد من أكثر الداعمين المؤثرين للصهيونية" (Getty)


الجيوش العربية في حرب فلسطين

يبدأ الفصل السابع، الذي حمل عنوان "الجامعة العربية والدول العربية"، بمجموعة صور لأعلام جامعة الدول العربية والدول العربية الأعضاء حينذاك (1960)، وعددها 13 دولة، وتلتها صورة لكل من عبد الرحمن عزام وعبد الخالق حسونة اللذين شغلا منصب أمين عام الجامعة العربية على التوالي.

يعد الفصل السابع واحدًا من الفصول الكبيرة، إذ احتوى على 93 صورة غطت أدوار عدد من الدول العربية والجامعة العربية إبان حرب 1948 على الصعيدين السياسي والعسكري، وكذلك خلال مفاوضات الهدنة الدائمة، من ذلك صورة لاجتماع الملوك والرؤساء العرب في إنشاص/ مصر، يوم 28 أيار/ مايو 1946، وأخرى لاجتماع جامعة الدول العربية في القاهرة يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، وهو الاجتماع الذي تتوّج بقرار رفض تقسيم فلسطين الصادر عن هيئة الأمم المتحدة.

حرص عارف العارف على تغطية دور الجيوش العربية، ولا سيما الجيش المصري والعراقي والسوري إبان القتال وأثناء مفاوضات الهدنة، وكانت الحصة الأكبر من الصور للجيش المصري وضباطه الكبار، ولقائد فرق الفدائيين المصريين، الشهيد أحمد عبد العزيز. كما حظي عبد المجيد حسن، وهو الطالب المصري الذي اغتال محمود النقراشي رئيس وزراء مصر بسبب سحب الجيش من فلسطين، بصورة له إبان محاكمته.

أما سورية، فقد حظيت بعدد ملحوظ من الصور، لا سيما لقادتها السياسيين، مثل شكري القوتلي، رئيس الجمهورية، والأمير عادل أرسلان وزير الخارجية، وفارس الخوري مندوب سورية لدى الأمم المتحدة، إضافة إلى سعد الله الجابري رئيس الوزراء، ونبيه العظمة أحد الزعماء السوريين الكبار، ممن ساهموا في الدفاع عن قضية فلسطين. وإلى جانب هؤلاء تضمن الفصل السابع صورة لرئيس أركان الجيش السوري عام 1948، اللواء الركن عبد الله عطفة، وصورا أخرى لجنود سوريين وهم يتدربون على السلاح، أو وهم يتقدمون نحو سمخ قبل احتلالها، يوم 18 آذار/ مارس 1948.

الحضور العراقي في حرب فلسطين عكسته مجموعة من الصور، بدأت بصورة لطلائع الجيش العراقي عند وصولهم إلى المفرق، في الأردن، وبصورة أخرى للزعيم ظاهر محمد الزبيدي، قائد الرتل العراقي الذي هاجم مستعمرة كيشنر، وثالثة للكولونيل عمر عالي، الضابط الذي قاد الهجوم العراقي لاستعادة جنين، وأخرج اليهود منها بعد 24 ساعة من احتلالهم لها، يوم 3 حزيران/ يونيو 1948، أما بقية الصور فقد أبرزت النصب التذكارية التي خلفها الجيش العراقي في مدينة جنين لتخليد شهداء الجيش العراقي، وشهداء جنين وقراها.

حظي جيش الإنقاذ الذي شكلته جامعة الدول العربية لتعبئة المتطوعين العرب للقتال في فلسطين، بعدد من الصور، ولا سيما لقائده فوزي القاوقجي، ولبعض من الضباط العرب الذين انضموا إلى جيش الإنقاذ.

الفصل السابع حفل بدوره بصور الملوك والرؤساء العرب إبان حرب 1948، منها صورة الملك فاروق ملك مصر، وأخرى للملك فيصل الثاني ملك العراق، حين كان وليًا للعهد حينذاك؛ وعبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، سيف الإسلام عبد الله، وليًا للعهد في اليمن. هذا إضافة إلى صور أخرى لشخصيات فلسطينية وعربية، منها صورة لأحمد الشقيري الذي وصفه العارف بأنه "أحد الزعماء الكبار في فلسطين"، ممن لعبوا دورًا هامًا في قضية فلسطين، ومثّل سورية والعربية السعودية في الأمم المتحدة.

على الرغم من تواضع صور الجماهير العربية في الفصل السابع إلا أنه لم يخلُ من بعضها؛ منها صور تظاهرات بيروت ضد قرار التقسيم، وصورتان لجماهير القاهرة وهي تستقبل جنود وضباط الجيش المصري بعد عودتهم من الجبهة الفلسطينية. ومن ناحية أخرى، حظي المتطوعون المسلمون اليوغسلاف في حرب فلسطين بثلاث صور فوتوغرافية. ويشير تعليق عارف العارف إلى أن 120 من المسلمين اليوغسلاف شاركوا في القتال في فلسطين.

على صعيد المشاهد العامة، وهي قليلة، تظهر بعض الصور نهر الأردن وجسر اللنبي على نهر الأردن كما كان قائمًا قبل حرب 1948، ثم بعد أن نسفه اليهود، إثر صدور قرار التقسيم. ومن هذه الصور مشهد لسور تيجارت الذي طوق به البريطانيون حدود فلسطين، منعًا لتسلل الثوار وتهريب السلاح إليها. وصورة أخرى لمحطة روتنبرغ لتوليد الكهرباء التي أقيمت في الأراضي الأردنية، عند جسر المجامع، بأموال يهودية وبريطانية، وقد ظلت تعمل حتى حرب 1948.

خصّص عارف العارف فصلًا كاملًا، هو الفصل الثامن، لما سمي بـ"الزعماء الأردنيون في عمان"، وقد ضم 28 صورة فوتوغرافية بدأت بمشهد عام لقصر رغدان، الذي وصفه العارف بأنه قصر الملك عبد الله، حيث عقدت اجتماعات عسكرية عديدة أثناء القتال في فلسطين، عام 1948. وتتالت بعدها صور عدد من المسؤولين الأردنيين، في مقدمتهم سمير الرفاعي الذي كان رئيسًا للوزراء حين صدر قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، ثم صورة توفيق أبو الهدى الذي خلف سمير الرفاعي في موقع رئيس الحكومة الأردنية في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1947، وظل في منصبه هذا حتى 11 نيسان/ أبريل 1950. وقد علق العارف على صورة أبو الهدى بقوله إنه "واكب معظم أحداث النكبة"، و"كان أبلغ وزير خارجية بريطانيا أن الجيش العربي سيدخل فلسطين صوريًا، وأنه سيقف عند حدود التقسيم"!!

وتتتالى صور المسؤولين الأردنيين إبان حرب 1948، مثل فوزي الملقي وزير الدفاع الأردني عام 1948، وسعيد المفتي وزير الداخلية ما بين نهاية 1947 ونيسان/ أبريل 1950، وفلاح المدادحة وكيل وزارة الدفاع، "وكان أحد الموقعين على اتفاق الهدنة في رودس، وعلى الخرائط المستبدلة، والتي أدّت إلى ضياع مزيد من الأراضي الفلسطينية"، حسب تعليق العارف على صورة المدادحة.

تضمّن الفصل الثامن صورتين للفريق غلوب باشا، أولهما صورة شخصية تحت عنوان "رئيس أركان الجيش العربي (الأردني) عام 1948"، ويضيف العارف تعليقًا على الصورة فيقول: "إن سيطرة غلوب باشا على الجيش (الأردني) في حرب فلسطين كانت أكبر من سيطرة الملك أو أي من وزرائه على الجيش، ورفض أن ينجد القدس"، أما الصورة الثانية فقد تقاسمها غلوب باشا مع الملك عبد الله ابن الحسين.

ويواصل عارف العارف التعليق على صور الشخصيات الأردنية في هذا الفصل، فتحت صورة القائمقام أحمد صدقي الجندي الذي ترأس الوفد الأردني إلى مفاوضات الهدنة في رودس، والتي انتهت إلى اتفاقية الهدنة الدائمة، يضيف العارف أن الجندي "كان من أقرب المقربين إلى غلوب باشا، وهو الذي وقع خرائط الهدنة وأشرف على تخطيط الحدود".

ويصف العارف الرئيس محمود موسى (العبيدات) قائد سرية الأمن الأولي في الكتيبة السادسة، تحت صورته الشخصية بأنه "قاتل اليهود في باب النبي داود، وفي الحي اليهودي بالبلدة القديمة، وقد أبلى في معارك القدس بلاءًا حسنًا" (22).

وينتقل الفصل الثامن إلى عرض عدة صور للكتائب الأردنية في القدس، إبان الحرب، منها صورة لطلائع الكتيبة السادسة، وصورة أخرى لأول مصفحة عربية تحل في باب النبي داود في القدس؛ في 26 أيار/ مايو 1948، لتليهما صورتان للكتيبة الثالثة عند وصولها إلى باب العمود، يوم 23 أيار/ مايو 1948. ويضيف العارف في تعليق الصورة: "لم تتقدم - أي الكتيبة الثالثة - شبرًا إلى الأمام، وكانت تحت قيادة الكولونيل نيومان، وهو أسترالي الجنسية".

وتلحق بهذه الصور صورتان لمدفعية الجيش الأردني، إحداهما في حي السعدية والثانية عند باب الساهرة، وتليهما صورة ثالثة لحابس المجالي، قائد الكتيبة الرابعة التي "قاتلت اليهود عند باب الواد".

(يتبع)
 

الكونت فولك برنادوت وإثر تقدّمه بمقترحات من شأنها تعديل قرار التقسيم رقم 181، ليصبح أكثر توازنًا لصالح الجانب العربي الفلسطيني، بما في ذلك بقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية، قامت كل إرغون وشتيرن، باغتياله في 17 أيلول/ سبتمبر 1948 (Getty)

 

هوامش:

(1) بينما تركز الأجزاء الستة الأولى من كتاب "النكبة" على الوقائع التي بدأت بموافقة هيئة الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين (29-11-1947) واندلاع القتال ما بين القوات الصهيونية ومقاتلي "الجهاد المقدس" وجيش الإنقاذ"، ومن ثم انسحاب الجيش البريطاني من فلسطين في أواسط أيار/ مايو 1948، واندلاع الحرب العربية الإسرائيلية فور ذلك، وهي الحرب التي انتهت بتوقيع الدول العربية الأربع المحيطة بفلسطين على اتفاقات هدنة دائمة مع إسرائيل، فإن الجزء السابع من "النكبة"، يبدأ في فصله الأول بتتبع جذور القضية الفلسطينية منذ عام 1897، وهو العام الذي شهد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، وصولًا إلى استجابة الحكومة البريطانية لمطالبة الحركة الصهيونية بإقامة دولة يهودية في فلسطين، ففي هذا الفصل الأول من "النكبة بالصور"، والذي يحمل عنوان "اليهود والانتداب البريطاني" يؤرخ العارف بالصور الفوتوغرافية ومواد بصرية أخرى، للمراحل المختلفة التي مرت بها القضية الفلسطينية، ولا سيما ما بين عام 1917 وعام 1949. وهو الأمر الذي يضفي على الجزء السابع طابعه الخاص، سواء في مداه الزمني أو أسلوب تغطيته المصورة للأحداث.

(2) أُعدّ الجزء السابع من النكبة ونُشر باللغة العربية أولًا، كما سبق أن أوضحنا ذلك، ثم صدرت الطبعة اللاحقة للكتاب باللغتين الإنكليزية والعربية. وهي التي نتناولها هنا بالعرض والتحليل. ومن الجدير بالذكر أن غلاف الطبعة مزدوجة اللغة، لا يشير إلى أنها الجزء السابع من "النكبة".

(3) أنظر المقدمة العربية لكتاب "النكبة بالصور"، ص 9.

(4) المصدر السابق، المقدمة العربية، ص 8.

(5) أنظر النكبة بالصور، المصدر السابق، الصفحات 18- 62.

(6) المصدر نفسه، ص 66/124.

(7) ثيودور هرتسل Theodor Herzl (1860- 1904): صحافي يهودي من أصول نمساوية هنغارية، تحول إلى ناشط سياسي. أسّس المنظمة الصهيونية، وقاد مؤتمراتها الأولى، وكان من أوائل من دعا إلى قيام دولة يهودية، وألّف كتابًا بهذا العنوان. وقد سعى لدى الإمبراطور الألماني ولهلم الثاني والسلطان عبد الحميد الثاني للموافقة على إنشاء كيان يهودي في فلسطين. لكنه لم ينجح في جهوده هذه. توفي عام 1904 عن 44 سنة، حيث دفن في فيينا ومن ثم نقل رفاته إلى إسرائيل.

(8) البارون أدموند روتشيلد Edmond Rothschild (1845- 1934): هو أحد كبار عائلة روتشيلد اليهودية بالغة الثراء، والذي كان داعمًا قويًا للاستيطان اليهودي في فلسطين وللحركة الصهيونية منذ نشأتها، وهو ما يفسر توجيه وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور إعلان الحكومة البريطانية عن دعمها قيام "وطن قومي لليهود في فلسطين" إلى اللورد روتشيلد في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917.

(9) أرثر جيمس بلفور Arther James Balfour (1848- 1930):، سياسي بريطاني تولى رئاسة الوزارة البريطانية (1902- 1905) قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية في الحكومة البريطانية (1916- 1919). زار فلسطين وحضر حفل افتتاح الجامعة العبرية (1-4-1925)، فوق جبل المشارف بالقدس، حيث كان ضيف الشرف في الاحتفال. وبينما استقبل الفلسطينيون بلفور بالأعلام السوداء والإضراب العام، فقد رحّب به المستوطنون في مستعمرة قارا، وفي مدينة تل أبيب.

(10) اللورد إدموند اللنبي Edmond Allenby (1861- 1936): ضابط بريطاني، قاد القوات البريطانية في مصر، والتي تقدّمت لاحتلال فلسطين وسورية خلال عامي 1917 و1918، وقد نجح في التغلب على الدفاعات العثمانية في سيناء وفلسطين. احتل غزة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، وبعد تقدّمه نحو يافا والرملة واللد، زحف نحو القدس حيث دخلها في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917 منهيًا سيطرة العثمانيين عليها وعلى فلسطين، والتي دامت أربعة قرون كاملة.

وفي عام 1919 عيّن أللنبي مفوضًا ساميًا على مصر والسودان، حيث بقي في هذا المنصب حتى منتصف عام 1925.

(11) السير هربرت صموئيل Hertbert Samuel ( 1873- 1963): يهودي بريطاني انتخب عدة مرات في البرلمان البريطاني، خلال السنوات 1902- 1910، قبل أن يشغل مناصب حكومية، منها وزير للشؤون الداخلية عام 1916. بدأ حياته السياسية معاديًا للصهيونية ليتحول فيما بعد إلى داعية متحمس للاستيطان اليهودي في فلسطين وتشجيع الهجرة اليهودية اليها، وانتهى عام 1915، إلى مبشّر بقيام "دولة يهودية ذات سيادة في فلسطين"، لتكون مركزًا حضاريًا جديدًا في المنطقة، حسب وصفه.

عيّن صموئيل كأول مندوب سامٍ بريطاني في فلسطين عام 1920، ورغم محاولاته طمأنة العرب، بدعوى أنهم أساؤوا فهم معنى الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وهوّن من شأن تدفق الهجرة اليهودية، فقد أرسى الأرضية القانونية لتنفيذ وعد بلفور، مثل قانون الهجرة، والقوانين الخاصة بانتقال الأراضي، وتنظيم المدن، إضافة إلى مرسوم دستور فلسطين الذي منح المندوب السامي صلاحيات واسعة، للتصرف بالأراضي العمومية واستغلال الموارد الطبيعية وكذلك سلطة وهب الأراضي وتأجيرها.

انتهت ولاية هربرت صموئيل كمندوب سامٍ عن فلسطين في الأول من حزيران/ يونيو 1925، منهيًا مدة خمس سنوات في هذا المنصب.


(12) نورمان بنتويتش Nourman Bentwich (1883- 1971): حقوقي يهودي بريطاني، ورث ميوله الصهيونية عن والده هربر بنتويتش. وقد شارك في جميع المؤتمرات الصهيونية السنوية، خلال السنوات 1907- 1912. عمل بنتويتش مسؤولًا قضائيًا لدى الإدارة العسكرية البريطانية لفلسطين، ثم سكرتيرًا قانونيًا للإدارة المدنية لفلسطين منذ عام 1920 وحتى عام 1931، وكان مسؤولًا عن وضع سلسلة من القوانين الحديثة التي كان من شأنها تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وانتقال الأراضي فيها إلى المستوطنين اليهود، وهو ما جعله هدافًا لإحتجاجات الفلسطينيين وكراهيتهم له.

(13) خلال الإضراب العام لسنة 1936 جنّدت حكومة الانتداب ثلاثة آلاف يهودي في الشرطة المساندة للبوليس الفلسطيني، وقد تضاعف هذا العدد بحلول نهاية عام 1938، حيث عمل هؤلاء إلى جانب قوة مكافحة التمرد البريطانية، وفي العام التالي (1939) تم تجنيد نحو ستة عشر ألف مستوطن يهودي في شرطة المستعمرات اليهودية، وهي وحدات شبه عسكرية عملت كواجهة لمنظمة الهاغاناه التي شكلت العمود الفقري للجيش الإسرائيلي بعد سنة 1948.

أنظر: الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، شرطة فلسطين خلال عهد الانتداب Palquest.org، شوهد في 2024/2/29. 

(14) تظهر هذه الصور التحول السياسي الذي عرفته القيادات الفلسطينية من موقف المراهنة على التوصل إلى حلول سياسية مقبولة مع حكومة الانتداب البريطاني، إلى ممارسة الضغوط الجماهيرية عليها، عن طريق تنظيم المظاهرات والاعتصامات ومن ثم الإضرابات العامة.

(15) عمل الكونت فولك برنادوت Folk Bernadotte (1895- 1948)، نائبًا لرئيس منظمة الصليب الأحمر السويدي، وساهم في عمليات تبادل الأسرى في الحرب العالمية الثانية. ومع اندلاع القتال في فلسطين إثر صدور قرار التقسيم عن هيئة الأمم المتحدة (29/11/1947)، عيّنته المنظمة الدولية وسيطًا بين العرب واليهود في فلسطين، حيث نجح في تحقيق الهدنة الأولى، وفي تشجيع الأطراف العربية وإسرائيل على الدخول في مفاوضات لإقرار هدنة دائمة في رودس.

وإثر تقدّمه بمقترحات من شأنها تعديل قرار التقسيم رقم 181، ليصبح أكثر توازنًا لصالح الجانب العربي الفلسطيني، بما في ذلك بقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية، مع منح الطائفة اليهودية في القدس استقلالًا ذاتيًا في إدارة شؤونها الدينية، قامت كل إرغون وشتيرن، باغتياله في 17 أيلول/ سبتمبر 1948، لمنعه من مواصلة جهوده في هذا الاتجاه.

(16) هاري ترومان Harry S.Truman (1884- 1972): هو الرئيس الـ33 للولايات المتحدة، وباعتباره نائبًا للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت فقد تولى الرئاسة مكانه بعد وفاته، حيث استمرت مدته الرئاسية ما بين 12 نيسان/ أبريل 1945 و20 كانون الثاني/ يناير 1953.

في عهده انتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام ألمانيا واليابان، وقد أمر بإطلاق قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في آب/ أغسطس 1945، كما تأسّست منظمة حلف شمال الأطلسي (1949)، وقدّم دعمًا غير محدود لإسرائيل، الذي اعترف بها بعد إعلانها بعشر دقائق، يوم 14 أيار/ مايو 1948، وكان صديقًا لحاييم وايزمان، أول رئيس لدولة إسرائيل.

(17) تريغف لي Trygve Lie (1968-1896): هو حقوقي وسياسي نرويجي، شغل عدة مناصب وزارية في بلده، منها وزير الخارجية (1939- 1946)، كما عمل رئيسًا للوزراء لفترة قصيرة قبل ذلك. ساهم كرئيس للوفد النرويجي في اجتماعي سان فرانسيسكو ولندن الراميين لتشكيل منظمة الأمم المتحدة، كبديل لعصبة الأمم المتحدة. وبناء على اقتراح الولايات المتحدة انتخب مجلس الأمن الدولي تريغف لي كأول أمين عام للأمم المتحدة، في شباط/ فبراير 1946 ولمدة خمس سنوات.

كان تريغف لي صديقًا لجون دي روكفلر، قطب العقارات اليهودي، حيث حصل منه على مبلغ 8.5 مليون دولار لشراء أرض في مانهاتن/ نيويورك، بُني عليها مقر الأمم المتحدة، وقد تم الانتهاء من بنائه في عام 1952.

خلال مداولات الأمم المتحدة بقرار تقسيم فلسطين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، ثم بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وظف تريغف لي علاقاته الواسعة وطاقم موظفيه لكسب التأييد الدولي لقرار التقسيم والاعتراف بالدولة العبرية المعلنة.

(18) تأسس مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني في القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1931. وهو تنظيم سياسي ذو توجه قومي، أسّسه يعقوب الغصين. وقد ضمّت اللجنة التنفيذية للمؤتمر جمال الحسيني (وهو سكرتير المؤتمر) (القدس)، صليبا عريضة (يافا)، سيد الخليل (يافا)، يعقوب الغصين (الرئيس) الرملة، محمد الغصين (الرملة)، عبد الغني أبو سنان (حنين)، إدموند روك (يافا)، سليم عبد الرحمن (طولكرم)، نمر المصري (اللد).

* منظمة الفتوة هي منظمة شبابية أنشأها الحزب العربي الفلسطيني في شباط/ فبراير 1936، كذراع شبابي له. وكان الحزب قد تأسس في العام السابق وانتخب جمال الحسيني رئيسًا له. وبعد أن تعرّض الحسيني للملاحقة والنفي، تفككت منظمة الفتوة، ثم أعيد إحياؤها برئاسة كامل عريقات عام 1946. وتراوحت عضويتها ما بين 2000 و5000. وكان أفرادها يرتدون الثياب العسكرية ويتلقون تدريبًا عسكريًا.

* منظمة النجادة هي حركة كشفية فلسطينية شبه عسكرية تشكلت، بمبادرة من النادي الرياضي الإسلامي في يافا في ربيع 1944، حيث ضمّت المنظمة أعضاء من النادي المذكور، وانخرطت في عملية تدريب الشباب عسكريًا. ومع ازدياد عدد أعضاء النجادة انفصلت عن النادي الرياضي الإسلامي، وحصلت على ترخيص رسمي من حكومة الانتداب في أواخر عام 1945. وقد أقامت العديد في المراكز لها في المدن الفلسطينية الرئيسية، مثل الناصرة، حيفا، نابلس، يافا، القدس، غزة وغيرها. وقد دخلت في تنافس مع منظمة الفتوة منذ نشأتها.

* الجهاد المقدس قوة عسكرية تشكلت عام 1936 للقتال ضد القوات البريطانية والعصابات الصهيونية، وكانت بقيادة عبد القادر الحسيني. وقد اتخذت الجهاد المقدس من بير زيت مقرًا لقيادتها. لكنها توقفت مع انتهاء الثورة المسلحة عام 1936، ومغادرة عبد القادر الحسيني لفلسطين، إبان الحرب العالمية الثانية. وفي أُعقاب صدور قرار تقسيم فلسطين من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947، أعاد عبد القادر الحسيني تشكيل الجهاد المقدس، حيث نظم العديد من العمليات العسكرية ضد البريطانيين ومقرّات الحركة الصهيونية. شكل الجهاد المقدس "فرقة التدمير" التي نفذت سلسلة من العمليات التي استهدفت مباني ومقرات وشوارع في مناطق التواجد البريطاني والصهيوني.

لعب الجهاد المقدس دورًا مهمًا في القتال، دفاعًا عن القدس القديمة إلى جانب الجيش الأردني، وكان من قادته حسن سلامة وكامل عريقات وقاسم الريماوي. وقد حلت الهيئة العربية الجهاد المقدس في عام 1949.

*عبد القادر الحسيني (1907- 1948) هو ابن القائد الوطني موسى كاظم الحسيني، رئيس بلدية القدس الذي عزلته بريطانيا من منصبه بعد هبة البراق، عام 1929، ثم تولى قيادة اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية حتى وفاته عام 1934، متأثرًا بجراحه التي أُصيب بها عام 1933، أثناء تظاهرة يافا الشهيرة.

ولد عبد القادر الحسيني في القدس، وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس القدس، ليلتحق بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية ببيروت، لكنه طرد منها لنشاطه السياسي، فتوجه إلى القاهرة ليلتحق بالجامعة الأميركية فيها ويدرس الكيمياء، حيث عاد بعدها إلى القدس، عام 1932. وبعد انفجار ثورة 1936 عمل عبد القادر على تدريب الشباب على السلاح، وقام بنفسه بشن عدة هجمات مسلحة ضد حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين.

خلال ثورة 1936/ 1939 جُرح الحسيني مرتين، ونجح رفاقه خلالها بإسعافه ونقله إلى المستشفى، ثم إلى خارج فلسطين، وقد انتقل إلى العراق أولًا حيث عمل مدرّسًا في إحدى المدارس العسكرية، وجراء انضمامه لثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، اعتُقل في العراق لمدة ثلاث سنوات، وبعد أن أفرج عنه عام 1943، ارتحل مع أسرته إلى المملكة العربية السعودية. ومن السعودية التي أمضى فيها عامين، انتقل إلى مصر للعلاج.

بعد صدور قرار التقسم رقم 181، عاد الحسيني إلى فلسطين، وأعاد إحياء "الجهاد الإسلامي" والتي تولت الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني والمرافق الصهيونية. وقد استشهد في معركة القسطل، يوم 8 نيسان/ أبريل 1948، حيث دفن إلى جانب ضريح والده، قرب باب الجديد. وقد شيّعته جماهير غفيرة في المسجد الأقصى وصلّت عليه.

فرقة التدمير: مثّلت هذه الفرقة التابعة للجهاد المقدس القوة العسكرية المحلية الرئيسية التي تولت مهمة مهاجمة المواقع الرئيسية للحركة الصهيونية في القدس، بعيد صدور قرار التقسيم. وقد دوّن عارف العارف الكثير من التفاصيل عن فرقة التدمير في موسوعته عن النكبة، كما نشر العديد من الصور لقادة فرقة التدمير، ولا سيما فوزي القطب (1917- 1988) قائد الفرقة وخبير المتفجرات، في كتابه "النكبة بالصور".

(19) أحمد حلمي باشا عبد الباقي (1882- 1962): ولد في صيدا لأب فلسطيني كان يخدم في الجيش العثماني في المدينة اللبنانية. وقد عمل في مطلع شبابه في المصرف الزراعي العثماني ممّا أكسبه خبرة في الأمور المصرفية والمالية. وقد أهّله هذا كي يشغل وظيفة المدير العام لوزارة المالية في حكومة علي رضا الركابي الأولى في سورية في العهد الفيصلي (1922- 1923)، كما عُيّن وزيرًا للمالية في حكومة مظهر أرسلان الثانية في شرقي الأردن (1923)، ثم في نفس المنصب في حكومة حسن خالد أبو الهدى في شرقي الأردن (1923).

عاد أحمد حلمي إلى فلسطين عام 1926 ليعمل مراقبًا عامًا للأوقاف حتى عام 1932، كما شارك في تأسيس البنك العربي، مع عبد الحميد شومان، في القدس، وتولى إدارته في السنوات 1930- 1936، وهي الفترة التي شهد فيها البنك توسعًا كبيرًا، إذ امتدت فروعة إلى مدن غزة، طولكرم، نابلس، يافا، وحيفا.

أسّس أحمد حلمي بعد مغادرته البنك العربي، البنك الزراعي وصندوق الأمة (1931)، وذلك لمساعدة المزارعين ولحماية الأرض الفلسطينية من التسرّب إلى الأيدي الصهيونية. وقد انضم إلى عضوية اللجنة العربية العليا التي تولت قيادة نضال الشعب الفلسطيني، وبحكم صفته الأخيرة نفته السلطات البريطانية عام 1937 إلى جزيرة سيشل مع عدد من رفاقه، أعضاء اللجنة العربية العليا. وإثر النكبة عام 1948، ترأس أحمد حلمي حكومة عموم فلسطين، التي تشكلت في غزة، في 23 سبتمبر/ أيلول 1948. وبعد حل حكومة عموم فلسطين استقر أحمد حلمي في القاهرة مديرًا لبنك الأمة العربية الذي كان قد أسّسه عام 1941، وإثر تأميم البنوك في مصر عام 1961، غادر إلى بيروت حيث توفى فيها عام 1963، وقد نقل جثمانه إلى القدس ليدفن في الحرم القدسي الشريف.

(20) حسين فخري الخالدي (1895- 1966): ولد في القدس، وتخرّج من الجامعة الأميركية ببيروت طبيبًا قبل الحرب العالمية الأولى. خدم في الجيش العثماني في غزة، وشهد المعارك التي خاضتها القوات العثمانية في مواجهة الحملة البريطانية لاحتلال سيناء وفلسطين.

عيّن نائبًا لمدير الصحة في فلسطين مطلع العشرينيات، إبان الانتداب البريطاني، وظل في هذه الوظيفة إلى أن انتخب رئيسًا لبلدية القدس، عام 1934.

أسّس الخالدي حزب الإصلاح عام 1935، واختير عضوًا في اللجنة العربية العليا التي قادت النضال الفلسطيني. وقد نفى البريطانيون الخالدي مع عدد من أعضاء اللجنة العربية العليا إلى جزيرة سيشل عام 1937. وبقي هناك حتى عام 1938. وشارك فيما بعد في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في لندن. وتتوج بإصدار "الكتاب الأبيض البريطاني" لعام 1939.

وبينما توزع أعضاء اللجنة العربية العليا في المنافي العربية خارج فلسطين، إبان الحرب العالمية الثانية، كان حسين فخري الخالدي القيادي الفلسطيني الوحيد الذي تواجد داخل فلسطين خلال هذه السنوات، ولا سيما بعد انفجار حرب 1948، حيث تولى قيادة العمل الوطني الفلسطيني.

خلال العهد الأردني شغل حسين الخالدي منصب وزير الخارجية لمرتين قبل أن يكلف بتأليف حكومة تحلّ محل حكومة سليمان النابلسي المقالة، في نيسان/ أبريل 1957، لكن لم يتسنَّ لها الاستمرار. وقد اعتزل الخالدي بعدها العمل السياسي وتفرّغ للتأليف والكتابة.

(21) تشكّل صور الفصل الخامس، ولا سيما المتعلقة بمصائر الحي اليهودي، ردًا غير مباشر على رواية جون فيليبس المصوّرة لقصة سقوط الحي اليهودي في البلدة القديمة، والتي قدّمها في مجلة Life الأميركية، ثم في كتابه Will to Survive، باعتبارها واقعة "تطهير عرقي" ليهود الحي.

(22) محمود الموسى العبيدات (1914- 1988): من مواليد بلدة كفرسوم، وقد درس الابتدائية في مدارس البلدة وتابعها في مدرسة إربد، وقد أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة الجزار في عكا عام 1929. التحق محمود الموسى بالجيش الأردني، عام 1930، وفي عام 1942 حمل رتبة نقيب، وفي العام التالي ترفّع إلى رتبة ملازم ثانٍ.

كتب محمود الموسى العبيدات في مذكراته قصة معركة القدس القديمة كما شارك فيها وعايشها. وقد نشر صاحب هذه السطور ذلك المقطع من مذكراته عن معركة القدس في مجلة الأردن الجديد، العدد 15/16 خريف/ شتاء 1990 ص ص 63/ 71، بمناسبة مرور عام على رحيله في آذار/ مارس 1988.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.