}

الشعر الحرّ وقصيدة النثر

حاول كثير من الشعراء كتابة الشعر الحرّ منهم على سبيل المثال محمّد حسن عوض القرشي ومنصور الحازمي ومحمّد الفهد العيسى وأحمد الفاسي وناصر بو حيميد وغيرهم. لم تبتعد محاولاتهم كثيرًا عن الأسلوب التقليدي سواءٌ من حيث الشكل أو العَروض. أمّا المضمون فظلّ رومانسيًا في معظمه.

وبذا لم يظهر الشعر الحرّ بشكله الحديث (استعمال الرمزية والأسطورة والتقليد واللغة والمجاز) حتّى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وثمّة تأثيرٌ للتفكير العقلاني الغربي والمدارس الأدبية الغربية كالوجودية والسريالية. وقد شهد العالم العربي، بل والعالم بأسره، أحداثاً مثل النكسة 1967 واتفاقية كامب ديفيد 1979، والاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982. شهدت فترة السبعينيات كذلك طفرةً في المملكة العربية السعودية، أثّرت في البنيان الاجتماعي والاقتصادي تأثيرًا كبيرًا. كذا وجد جيل السبعينيات، في الشعر الحرّ شكلًا قادرًا على احتواء مشاعرهم الناشئة والتعبير عن قلقهم في ما يخصّ إيقاع التغيير والحداثة. وشهدتْ فترة السبعينيات والثمانينيات تدفّقَ الشعر الحديث.

وأدّى انعتاقه عن الأعاريض التقليدية إلى توّسع مجاله من حيث الإفادة الشعرية، ممّا خلق مزيدًا من التنوّع، وسمح للشعراء بالتجريب بصفة مستمرّة مع ولادة أسماء وأجيال جديدة. كان سعد الحميدين أوّل شاعر ينشر ديوانًا من الشعر الحرّ (رسوم على الحائط) عام 1977. وتبعتْ ذلك عدّة محاولات لعددٍ من الشعراء الشباب. وكان من بينهم من أخلص لبنية قصيدة الشعر الحرّ، ومنهم من راوح بينها وبين الشعر العمودي، مثل: علي الدميني ومحمّد الثبيتي وأحمد الصالح ومحمّد جابر الحربي وعبدالله الصيخان وعبدالله الزايد وحسن الصاب وخديجة العمري وثريا العريّض ولطيفة قاري وأشجان هندي وفاطمة القرني وغيرهم. 

يقولُ بعض النقّاد إن الموضوع غابَ عن قصيدة الشعر الحرّ وحلّ محله ما يمكن أن يطلقَ عليه الأفكار أو "وجهات النظر". فهناك مواقف تتعلّق بمصير الرجل والمرأة والحبّ والموت والأفكار والإديولوجيات والنزاعات والفلسفات وقضايا الوطن والمجتمع، ومفارقة المرء لمدينته وقريته، وكلّ ما من شأنه الحدّ من حرية الإنسان. انشغل الشعر الحرّ السعودي بهذه القضايا التي أعطته هوّيته وتميّزه عن غيره من الأصوات المشابهة في العالم العربي.

ويرجع ذلك، لتوظيف هؤلاء الشعراء أدوات مثل الرمزية والخيال الخاصّ بالبيئة المحلية، والشخصيات التاريخية والشعبية في شبه الجزيرة العربية، واستعمال المفردة الدارجة وكذلك عناصر من بيئة الصحراء، كالقوافل والرمال والألحان والمطر، وكذلك الآلات الموسيقية كالربابة، والرقصات والألحان الفولكلورية، وأيضًا الارتباط العميق بين التقنيات المذكورة ووعي سكّان شبه الجزيرة العربية لهوّيتهم. ووُظفَتِ العادات الدينية كذلك عبر الإشارة إلى القصص الدينية أو الأحداث التي جرتْ في شبه الجزيرة العربية في التاريخ الإسلامي، واستعملتْ تعابير ومصطلحات دينية.

اليوم ثمّة العديد من شعراء قصيدة النثر في المملكة منهم: فوزية أبو خالد وأحمد الملا ومحمّد الدميني ومحمّد عبيد الحربي ومنصور الجهني وعبدالله الصفار وإبراهيم الحسين وغسان الخنيزي وهدى الدغفق. وكما هو الحال في بقية العالم العربي، فإنّ بعض النقّاد في المملكة العربية السعودية، يعدّون قصيدة مبهمة كثيرًا وغامضة، ولا تعدو كونها محاولة لحرق الجسور مع الماضي والسماح بدخول من يفتقرون إلى المهارة الشعرية من الباب الخلفي. على كلّ حال، لم تزح قصيدة النثر لا القصيدة العمودية ولا قصيدة الشعر الحرّ. وظهرت لتؤسّس أسلوبها الشعري الخاص في فترة من النشاط الفكري والتاريخي الكثيف. 

(ترجمة جعفر مسعد)

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.