من كتبه ورسائله جُمعت واختُيرت بعض الأطروحات القصيرة والاقتباسات، التي تمثل، بطريقة ما، فلسفة ومزاج وانطباعات هيسه في موضوعات حياتية وأدبية وفلسفية مختلفة، ونُشرت في كتاب صغير بعنوان “Lektüre für Minuten“، أو"قراءة لدقائق" وتحتمل كلمة Lektüre إمكانية أن تكون مواد للقراءة، والقصد أنها شذرات وومضات سريعة، ولكنها محمّلة طبعاً بفلسفة هيرمان هيسه الكثيفة واللاذعة والمنعزلة عن سياقات عامة ومتفق عليها.
هنا ترجمة لعدد من هذه الشذرات:
الوضوح والحقيقة كلمتان غالباً ما يسمعهما المرء تُذكران جنباً إلى جنب، كما لو أنهما تعنيان تقريباً الشيء نفسه. ومع ذلك فهما تُحيلان إلى أشياء مختلفة تماماً. نادراً، ونادراً جداً، ما تكون الحقيقة وضوحاً، والأندر أن يكون الوضوح حقيقة! الحقيقة غالباً ما تكون معقدة، مُعتمة، غامضة. كلّ الكلمات، خصوصاً تلك "الواضحة" منها، كل كلمة تقولونها هي عنف. "الوضوح" هو دائماً عنف، محاولة أكثر عنفاً لتبسيط المُضاعفات، وجعل ما يبدو طبيعياً مفهوماً، وحتى واضحاً. الوضوح هو فضيلة الجُمل. الجُمل جميلة، قيّمة، فهي تعليمية، بارعة، كاشفة – إنها فقط ليست حقيقية. بسبب كل جملة، العكس أيضاً قد يكون هو الصحيح.
***
للقارئ الجيد قراءة كتاب تعني: التعرف على طبيعة وطريقة تفكير شخص غريب، فهمه، وربما الفوز به صديقاً.
***
زوجة فلاح تملك فقط الكتاب المقدس ولا تعرف سواه، قد تكون قرأت منه واكتسبت معرفةً، عزاءً ومتعةً، أكثر مما قد يحصل عليه رجلٌ ثري ومدلل من مكتبته المُكلفة.
***
أعداء الكتب وأعداء الذائقة الجيدة ليسوا أبداً مُزدري الكتب، بل مُكثرو القراءة.
***
قتلُ شيءٍ حيّ أكثر صعوبة من إعادة شيء ميت إلى الحياة.
***
بدون الحيوان الذي في داخلنا، نحن ملائكة مخصيّون.
***
المأساة والملهاة ليستا متناقضتين أو بالأحرى هما متعارضتان فقط لأن إحداهما تتطلّب، بلا هوادة، وجود الأخرى.
***
حيث تتلاقى المسارات الودية، يبدو العالم كله، لساعة من الزمن، وكأنه منزل.
***
يمكن للمرء أن يمتلك الحظ، فقط في حال كان لا يراه.
***
السعادة هي الحب، لا شيء آخر. من يحبّ فهو سعيد.
***
الغريب مع الحب، وكذلك مع الفن، أنه قادر على القيام بما لا يمكن لأي تعليم، أي فكر، أي نقد، أن يقوم به. إنه يربط بين ما هو أبعد، ويُجاور بين الأقدم والأحدث. يتغلّب على الزمن عن طريق ربط كل شيء بمركزه الخاص. هو وحده يمنح الأمن، وهو وحده على حق لأنه لا يريد أن يكون على حق.
***
لقد أحبَّ ووجد نفسه. الغالبية يحبّون، لكن كي يفقدوا أنفسهم.
***
بعد كلّ موت، تصبح الحياة أكثر هشاشة، أقل صلابة.
***
للفن علاقة بالتكثيف، بالصور، ولكنكم بدلاً من الصور تريدون مفاهيم.
***
من قال لنفسه: لا، لن يستطيع أن يقول للربّ: نعم.
***
كلما ضاقت المسافة بينكما، كلما زادت صعوبة أن يعرف أحدكما الآخر.
***
سواء أصبحتَ معلماً أو باحثاً أو موسيقياً، ستكون لديك رهبة من "المعنى"، لكن لا تظنّ أبداً أنه قابل للتعلُّم. بتعليمهم لـ "المعنى"، أفسد فلاسفة التاريخ نصف تاريخ العالم.
***
ليس لدى العلم عدوُّ مزعج أكثر من التعليم والتعلّم.
***
أظنّ أن المرء يمكنه في الحياة أن يرسم حدوداً دقيقة بين الشباب والكهولة. الشباب يتوقف مع التوقُّف عن الأنانية، بينما الشيخوخة تبدأ بالعيش للآخرين.
***
المشكلات ليست موجودة لكي تُحلّ، إنها مجرد أعمدة تفصل بين ما يخلق الإثارة التي تحتاجها الحياة.
***
ذوو الشخصية والجرأة مخيفون، دوماً، للآخرين.
***
حيث تَنفَقُ الحيوانات النبيلة، يفوز الأرنب. لا يثير ذلك أي اعتراضات. يشعر بنفسه مرتاحاً، ويتكاثر بلا عدد.
***
الصحيح دائماً في كل قصة هو فقط ما يعتقدُه السامع.
***
"مجرم"، هذا ما نقوله ونعني به أن أحداً فعل شيئاً منعه الآخرون من فعله.
***
العالم لن يتقدّم بسرعة إذا ما جعلتم الشعراء أبواقاً للشعب، والفلاسفة وزراء. العالم سيتقدم حيثما يقوم الإنسان بما هو موجود هنا لأجله، وما يتطلّبه جنسه، وبالتالي يفعل ذلك بشكل جيد وعن طيب خاطر.
***
كل الناس مستعدون للقيام بأعمال لا تُصدَّق عندما تصبح مُثُلُهم مهددة. لكن حين يأتي مَثَلٌ جديد، أو حين تطرق دفعة جديدة وربما غريبة وخطِرة من التطوّر الباب، فإنك لن تجد أحداً منهم.
ترجمها عن الألمانية: حسين بن حمزة.