}

الفيلم الصيني "أغنية الربيع": حينما تتبدّل الأدوار

مي عاشور 7 ديسمبر 2022
تغطيات الفيلم الصيني "أغنية الربيع": حينما تتبدّل الأدوار
لقطة من الفيلم


تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتضعنا الحياة بين خيارين لا ثالث لهما: إما التمسك بالأمل أو الاستسلام.  وفي فيلم "أغنية الربيع" الصيني نرى الخيار الأول، مدعمًا بطاقة استثنائية من الحب والإرادة.

يتناول فيلم "أغنية الربيع" موضوع مرض الزهايمر، والذي تُعد نسبته مرتفعة في الصين؛ فوفقًا لموقع أخبار شينخوا الصينية: عدد المصابين بمرض الزهايمر في الصين يصل إلى 10 ملايين تقريبًا، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم، وسيتجاوز عدد مرضى الزهايمر في الصين 40 مليونًا بحلول عام 2050. كما أن معظم المصابين به فوق سن الـ 65، وهناك أيضًا من هم في الـ 60 وأقل.

يعرض لنا الفيلم حكاية مختلفة. يحكي قصة أسرة مثقفة. امرأتان، أستاذتان جامعيتان، أم وابنتها تعيشان سويًا، الأم في الـ 85 من عمرها، وابنتها فنغ جي جن في الـ 65، وهي متطوعة في إحدى دور رعاية المسنين، وتقوم بأعمال تطوعية أخرى. تعمل فنغ جي جن على جمع مذكرات والدها عالم الآثار- والذي فقدته في طفولتها، مما ترك أثرًا في نفسها- لنشرها في كتاب، وتساعدها والدتها في ذلك، ببعض الملاحظات والتوجيهات.

كانت فنغ جي جن تعتني بوالدتها، ولكن تعاملها بشكل جاف، وأحيانًا تبدو وكأنها تعامل طفلة. سرعان ما تعلم فنغ جي جن أنها مصابة بمرض الزهايمر، فتتغير حياتها كليًا، وتبدأ تهيئ بيتها وترتب أمورها لاستقبال مرحلة جديدة في حياتها، بل وترسل والدتها إلى دار للرعاية، مما يثير غضب والدتها دون معرفة الدافع وراء ذلك، فتقول لها: "لي حق المعرفة، إلى متى ستبقيني هنا؟، كيف عليّ فهم ذلك؟ أهذا تخل؟ أم عقاب؟".

ولكن، في اليوم التالي تعود الأم من دار الرعاية، وتُصدم بحقيقة مرض ابنتها التي لم يخطر على بالها أبدًا، وتفهم سبب تصرف ابنتها بهذا الشكل، وانشغالها في الفترة الأخيرة. ومن هنا تتبدل الأدوار، بعدما كانت الابنة تعتني بوالدتها، تبدأ الأم في الاعتناء بابنتها من جديد. ويكون المرض بمثابة نقطة تحول في علاقتهما، وتأخذ شكلًا أكثر تفاهمًا وتناغمًا، رغم نسيان الابنة لوالدتها والكثير من الأشياء.

ثلاثية نسائية

تم عرض الفيلم الصيني "أغنية الربيع"، والذي اشتهر في الصين باسم "ماما"، على شاشات العرض الصينية في أيلول/ سبتمبر الماضي. وكان الفيلم ضمن قائمة الأفلام المرشحة لجائزة تيان تان (والتي تُمنح في مهرجان بكين الدولي للأفلام) وحصلت بطلة الفيلم وو يان ماي - والتي جسدت دور الأم في الفيلم- على جائزة أفضل ممثلة، في مهرجان بكين الدولي للأفلام في دورته 12، كذلك فازت الفنانة شي ماي جوان -التي جسدت دور الابنة فنغ جي جن- الشهر الماضي بجائزة الديك الذهبي للأفلام الصينية في دورتها الـ 35، كأفضل ممثلة.

فيلم "أغنية الربيع" سيناريو وإخراج المخرجة يانغ لي نا، وهو العمل الثالث ضمن "ثلاثية نسائية": "حلم الربيع"، "موج الربيع"، و"أغنية الربيع". ركزت الأفلام الثلاثة على مراحل الشباب، ومنتصف العمر، والشيخوخة، وتناولت موضوعات مختلفة متعلقة بالنساء.

قالت المخرجة يانغ لي نا في حوار لها: "حددتُ التقدم في العمر كموضوع للفيلم، وركزت على ثنائي: أم في الـ 85 من عمرها، وابنتها في الـ 65؛ وهذا النموذج قلما يظهر على شاشات السينما. ثم أضفت إلى ذلك مرض الزهايمر، فسواء في الحاضر أو المستقبل، ووفقًا لكل الإحصاءات والأبحاث الطبية، هذا المرض هو اختبار قاس لوطننا، ومجتمعنا وعائلاتنا. وفي نفس الوقت، للزهايمر خاصية مرعبة، ألا وهي تلاشي الذاكرة. فماذا تعني الذاكرة؟ إذا لا نتذكر أي شيء، فهل نعتبر قد مررنا بهذه الحياة؟". 
 

المخرجة يانغ لي نا تتسلم إحدى الجوائز، وملصق الفيلم


"
كيفما تكوني، أمك تحبكِ"

يصور الفيلم المعاناة التي قد يعيشها المصابون بمرض الزهايمر والمحيطون بهم، وكذلك يُعَرِّف ببعض أعراض هذا المرض، وذلك من خلال مشهد يحدث فيه الطبيب فنغ جي جن، ويقول لها: "قد تظهر هلاوس سمعية، تسمعين أصواتًا لا أساس لها، وهلاوس بصرية، أي قد ترين أشخاصًا وأشياء لا وجود لها، وأيضًا تظهر أعراض أخرى كضعف الذاكرة، وصعوبة في تحديد الاتجاهات، وتراجع في القدرات الإدراكية، مما سيؤثر في النهاية على أنشطة الحياة اليومية والوظائف الاجتماعية".

تبدأ الأعراض تظهر على فنغ جي جن تدريجيًا، ومعها تبدأ الأم الاعتناء بابنتها بكل حب ودفء، وكذلك تحميها، وتدافع عنها، وتدعمها. بل وتخبرها أن حبها لها لن يتغير أبدًا. يتجسد العطاء وعاطفة الأمومة في هذه الأم المسنة، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال الكلمات التي قالتها لابنتها:

"ما أريد قوله، الحياة لم تضغط زر التوقيف المؤقت، ربما، سيصبح تواصلنا الممل في الماضي ممتعًا أكثر، وكأننا نتعارف من جديد، قد تقاعدت لعشرين سنة، وأستريح لعشرين سنة، في الأصل أشعر وكأنني عشت بما يكفي، ولكنك بدون قصد مددتِ لي طوق النجاة. فليس عندكِ أسرة ولا طفل، أنتِ عزباء. كل أم هي ذئبة شرسة، على الرغم من تقدمي في العمر، ولكن قدرتي على التحمل لا بأس بها، والحماية هي غريزة، فبوسعي أن أحمي طفلتي جيدًا". وكذلك تطمئنها وتقول إنها تعرف جيدًا كل الأشياء التي تقلقها وتخيفها بقولها: "فإذا جاء يوم حقًا، لم تستطيعي القراءة، أو لم تتعرفي على الطريق، فسأكون عينيك وقدميك". ويمكننا أن نرى مفهوم الأسرة، ولو بشكل خاطف عند الصينيين من خلال الفيلم.

ينتهي الفيلم بمشهد يرمز إلى الإرادة والتمسك بالأمل وتحدي المرض؛ فرغم الألم وكل الصعوبات، تصحب الأم ابنتها إلى الساحل، وترقصان وسط الأمواج العالية على شاطئ البحر.

في نهاية الفيلم تُكتب هذه الكلمات: "أفنى الكبار حياتهم في سبيل الأسرة والمجتمع، فعندما يحتاجون إلى رعاية، يجب علينا أن نتحمل مسؤولية ذلك، تمامًا كما اعتنوا بنا فيما مضى".

إن طرح ومناقشة العديد من المشكلات والمسائل الاجتماعية يكون عبر طرق شتى، ولكن الطرق الأكثر تأثيرًا ليست تلك التي تصل إلى قطاع أكبر من الناس وحسب، بل وتحرك داخلهم شيئًا أو تلفت نظرهم إلى قضية ما.

            

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.