يوم الثلاثاء، الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت الهيئة المانحة لجائزة ت. س. إليوت عن قائمتها القصيرة المؤلفة من عشرة دواوين شعرية، توزعت بالتساوي بين الشعراء والشاعرات، والتي تم اختيارها بعناية من بين 187 عنوانًا قدّمها ناشرون بريطانيون وأيرلنديون للتنافس على الجائزة البالغ قيمتها 25 ألف جنيه إسترليني، وتمنح لأفضل ديوان نُشر في المملكة المتحدة أو أيرلندا خلال العام المنصرم.
في هذا الصدد، صرّحت رئيسة لجنة التحكيم ميمي خلفاتي: "إن الشعراء الذين تم اختيارهم في القائمة القصيرة لهذا العام يتّسمون بالتنوّع الهائل في اللغة والأسلوب والموضوع، حيث نجدهم يتبنّون الأسطورة والثقافات الشعبية والرياضة والإيمان والهوية المتحوّلة والذكاء الاصطناعي لتشييد حيوات عن الماضي والحاضر. لذلك تلمح في تلك الأعمال، شحنة قوية من الرثاء، تتجاوب مع أوقاتنا المظلمة بشهادات عن الخسارة والحزن. هناك أيضًا الفكاهة والحميمية والفرح والطاقة، إنها قصائد تبكيك وتلهمك، والأهم من ذلك كله أنها تدعوك للقراءة".
انضم إلى خلفاتي في لجنة التحكيم هذا العام أنتوني جوزيف، الذي فاز بالجائزة عام 2022، وهانا سوليفان، الفائزة بها عام 2018.
في مديح العمل الأول
أدرج البريطاني النيجيري غبويغا أودوبانجو في قائمة إليوت عن ديوانه الأول والأخير "آدم/ Adam"، وهو الديوان الذي تم تجميعه ونشره بعد رحيل كاتبه المفاجئ، ولم يبلغ بعد الـ27 من عمره. استوحاه أودوبانجو من حادث مروع لصبي عُثر على جثته بدون رأس يوم 21 أيلول/ سبتمبر 2001 في نهر التايمز، وكان يرتدي شورتا بناتيا برتقاليًّ اللون. آنذاك أسفرت التحقيقات عن التنكيل بجسد الفتى وتقطيع أوصاله كأضحية في أحد الطقوس الغامضة، ربما للفوز بصفقة تجارية أو حتى لضمان الحظ السعيد لجماعة من البربر، وإن لم يتمكن البحث من الوصول إلى قاتليه، ولما فشلت الشرطة في معرفة هوية الطفل ذي البشرة السمراء أطلقوا عليه اسم آدم كرمز لأي إنسان في كل زمان ومكان.
ينطلق أودوبانجو من تلك الحادثة الفظيعة لسبر بعض المعاني الملغزة حول أن تكون شخصًا مفقودًا ثم ميتًا في بؤرة غامضة، مستعينا بقصة الخلق الأول، ومازجا بين سفر التكوين وثقافة اليوروبا، وبين التراجيديا والكوميديا في آن واحد. لكن المثير في أمر شاعرنا الذي انشغلت قصائده بالاختفاء والموت، هو حادث اختفائه شخصيا يوم 26 آب/ أغسطس 2023، وبعد بحث مضن استغرق خمسة أيام عُثر على جثته في إحدى البحيرات، تماما مثل آدم بطل ديوانه الأول. لحظتها حرصت عائلته وأصدقاؤه على جمع أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني من خلال حملة تبرعات لتمويل منظمة تحمل اسمه، لدعم الكتاب السمر من ذوي الدخل المنخفض.
في سياق مغاير يتناول الديوان الأول "القفز العالي كما حكاية إيكاروس/ High Jump as Icarus Story"، للشاعر غوستاف باركر هيبيت، المولود في نيو مكسيكو، ويعيش حاليًا في دبلن، رؤى محلقة عن الطيران والسقوط تجعل من هذا الأخير انطلاقا لسمو الروح، وتأخذنا من أودية نيو مكسيكو إلى مزرعة في ويست كورك في الشتاء، في الإطار نفسه يفكك باركر ويعيد تعريف بعض المفاهيم عن البشرة الداكنة والمثلية والذكورة من خلال الأساطير والثقافة الشعبية ورياضة القفز العالي؛ كتب يقول:
داخل حلقات السيرك المتحدة المركز في المضمار،
عند رأس ملعب كرة القدم،
تعلمت أن أرتدي نظرات الآخرين مثل ملكة
ترتدي الريش.
صرّحت رئيسة لجنة التحكيم ميمي خلفاتي: "إن الشعراء الذين تم اختيارهم في القائمة القصيرة لهذا العام يتّسمون بالتنوّع الهائل في اللغة والأسلوب والموضوع" (الصورة عن صفحة الجائزة على منصة إكس) |
ألعاب زمنية مربكة
تضمنت القائمة أيضًا الديوان الرابع للشاعر البريطاني الجامايكي ريموند أنتروبس "علامات وموسيقى/ Signs Music" وهو من الشعراء الذين يتلاعبون بالزمن بطريقة مدهشة إذ يقسم ديوانه إلى سهمين، أحدهما يتجه إلى الوراء ليرصد والده الراحل، والآخر ينطلق إلى الأمام مستشرفا أبوته القادمة، حيث يستعد شاعرنا لممارسة أبوّته للمرة الأولى، مسلّطًا الضوء على الطرق التي تعطل بها الأبوة إحساس الشاعر بذاته، وكيف يثير ألم الماضي مخاوف "الفشل الأبوي":
"صرت بلا أب في السادسة والعشرين/ وغدوت أبًا في الخامسة والثلاثين/ وكلما نظرت من نافذة غرفتي/ راودني شعور بأني أصبحت الطفل الذي تركوه وحيدًا في المنزل".
مكارثي وولف أيضا شاعرة من أصول بريطانية وجامايكية، تركز في ديوانها الجديد "أعلى الدمى/ Top Doll"، على حياة المليارديرة المنعزلة هوجيت كلارك التي توفيت عن عمر ناهز 104 سنوات، تاركة مجموعة من الدمى العتيقة تقدر بملايين الدولارات. تعمل وولف على تفعيل تلك الدمى بمنحها وظيفة الراوي لقصة المرأة المكتفية بذاتها بعيدا عن صخب البشر، وذلك بالتناوب بين صوت الدمية دوللي، وهي دمية فرنسية عتيقة من الخزف، والدمية المسماة بالجنرال التي تروي تفاصيل الحرب الأهلية الأميركية وتمرد قبيلة الهايتي وتجربة العبودية السوداء، وكذلك الدمية باربي. ولا نعدم الحس الفكاهي المتفجر من هذه المأساة في عراك الدمى مع بعضها الذي يحرضنا على الضحك. بينما تؤلف البريطانية هانا كوبلي في ديوانها "طائر الزقزاق/ Lapwing" بين العديد من الأصوات لتطمس الفجوة بين الطائر والإنسان، والذات والآخر، في سيرة غنائية لطائر عرف بأسماء لا حصر لها.
في ديوانها الرابع "ريزودونت/ Rhizodont" تأخذنا الشاعرة الأسكتلندية كاترينا بورتيوس في رحلة معاصرة عبر المناظر الطبيعية القديمة، من مجتمعات تعدين الفحم على ساحل دورهام، حيث تتداخل طبقات الكربون المحتوية على الفحم مع الصخور الأحدث، إلى شواطئ نورثمبرلاند التي عثر فيها على بقايا الريزودونت. وذلك على خلفية من الزمن الجيولوجي الشاسع وتاريخ حرق الوقود الأحفوري الحديث، كوسيلة لدراسة قضايا البيئة والتغيير الاجتماعي.
مرثية عن الموت والذاكرة
شملت القائمة أيضا عدة عناوين من أميركا منها "مرثية شرسة/ Fierce Elegy"، للشاعر الأميركي بيتر جيزي الذي يتأمل كارثة الموت الوشيك بوعي إنسان يحدق إليه من مسافة قريبة. في آذار/ مارس 2021، تم تشخيص بيتر جيزي بمرض نادر جدًا في الدم، وعليه، كتب هذه القصائد التي تمزج الضوء بالموسيقى بأسلوب يزعم الشاعر أن بوسعه "تحويل القلب المكسور في عالم شرس إلى قلب شرس في عالم مكسور". يقول في قصيدة بعنوان "فكر في الجرح": الأم تفتح كل جرح/ الجرح يفتح كل كلمة.
ويأتي ديوان الشاعر الأميركي كارل فيليبس "ثلوج متناثرة باتجاه الشمال/ Scattered Snows to the North"، ليستكشف التشوهات الناجمة عن ضعف الذاكرة؛ إذا تذكرنا شيئًا، فهل حدث؟ إذا اعتقدنا أنه لم يحدث، فهل يجعل هذا اعتقادنا صحيحًا؟ ليؤكد عدم موثوقية المعرفة القائمة على الذاكرة البشرية، وحاجتنا الماسة إلى التحرر من ربقة الماضي المغلوط. وهو ما يتجاوب مع ديوان البريطانية هيلين فاريش "سقوط البنس/ The Penny Dropping" والتي تنسج عبر صفحاته إحدى العلاقات العزيزة على قلوبنا من بدايتها حتى نهايتها في شذرات غاية في التحدي والمواجهة، ما تلبث أن تنهار أمام ضعف الذاكرة التي تعجز عن تحديد مكان سقوط بنس وزمانه.
تكتمل قائمة إليوت لهذا العام بالديوان الثاني للشاعرة راشيل مان "إليانور بين القديسين/ Eleanor Among the Saints" ويطرح حمما من الأسئلة والاحتمالات لدى المتحولين جنسيًا، كما يتطرق إلى الإيمان وحدود الأسطورة واللغة في دراسة مثيرة عن "البهجة المثلية".
هؤلاء الشعراء المختارون في قائمة إليوت، سيكون عليهم أن يقرأوا بعضًا من قصائدهم في فعالية تقام بقاعة المهرجانات الملكية بمركز ساوث بانك مساء 12 كانون الثاني/ يناير 2025، في أكبر حدث شعري سنوي في المملكة المتحدة؛ على أن يتم الإعلان عن الفائز في اليوم التالي، حيث يحصل على شيك بمبلغ الجائزة بينما يحصل المدرجون في تلك القائمة على شيك بقيمة 25000 جنيه إسترليني.
من بين الفائزين السابقين بجائزة إليوت التي وصفها الشاعر أندرو موشن بأنها "الجائزة التي يرغب الشعراء في الحصول عليها أكثر من أي شيء آخر"، دون باترسون (مرتين)، وتيد هيوز، وآني كارسون، وكارول آن دافي، وديريك والكوت، وأوشن فونج. في العام السابق فاز بها جيسون ألين بايسانت عن ديوانه السابع "صورة ذاتية في هيئة أوتيلو/ Self-Portrait As Othello".