}

الكاتب والحقيقة: تعالوا وشاهدوا ما يجري في غزة

منذر بدر حلوم منذر بدر حلوم 27 مارس 2024
تغطيات الكاتب والحقيقة: تعالوا وشاهدوا ما يجري في غزة
مشهد من فيلم "تعال وشاهد" للمخرج إيليم كليموف

 

ليت "الحقيقة ترجح"، في كفة ميزان التاريخ، كما ظن ألكسندر سولجينيتسن في خطبة نوبل (1970)، أنها تفعل، وأن الأدب يجب أن يجعلها تفعل، سولجينيتسن نفسه التي اتهمته آلة الصهيونية الإعلامية بمعاداة السامية. إنما سولجينيتسن وولادة الصهيونية في كتابه "مائتا عام معًا"، موضوع حديث آخر. كفة الحقيقة تتذبذب اليوم، رغم أن هناك حقائق ما زالت عصية على ممولي الباطل، فمن الحقائق المتفق عليها أن المحتل محتل، والمستعمِر مستعمِر، والإبادة الجماعية بتوصيفها الأممي القانوني وعناصرها إبادة جماعية. وليت للأدب والفن معيارًا يكشف الملوثات الدينية والعقائدية والعرقية والقبلية والعائلية والمصلحية وسواها في مدونات الكتّاب والفنانين، مدوناتهم البصرية والسمعية ومدادهم، أسوده وملونه. أن تقف مع الحقيقة، تعني أن تكون إنسانًا، بحرف كبير كما يقول الروس، أو بأل التعريف، كما نقول نحن العرب، ونشتري هذه الـ "أل" بالمال.

مع نماذج ممن لم يخونوا ضميرهم تحت الترهيب الصهيوني، ولا تحت إغراءات الجوائز والمال والشهرة، ولم يخونوا إنسانيتهم، أتوقف في هذه المطالعة:

أنت مع فلسطين أم مع إسرائيل؟

سؤال طرحته صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"(27 كانون الأول/ ديسمبر 2023) على الكاتب الروسي واسع الشهرة زاخار بريليبين، فقال: "أنا مع الدولة الفلسطينية". وفي الإجابة عن سؤال: ما سر موقف الشعب الروسي تجاه إسرائيل الناطقة بالروسية؟ ولماذا يقف الروس إلى جانب العرب؟ قال: "اختارت إسرائيل جانب أميركا، لذلك باتت كلمة ‘الصهيونية‘ في الاتحاد السوفياتي شتيمة. أشهر (الناقمين) رحلوا إلى هناك... إلى إسرائيل".

من الواضح أن في هذه الإجابة سياسة، ولكن فيها تخصيصًا للشر بالصهيونية، وليس بيهودية إسرائيل. وهذا مهم، فليست العلة في أن تكون يهوديًا أو مسيحيًا أو مسلمًا، خاصة وأن الأديان تُكتسب بالولادة وليست وليدة اختيار حر.

ألكسندر بروخانوف (يمين)- زاخار بريليبين 


غزة الخالدة

(في 19 كانون الثاني/ يناير 2024)، كتبَ الروائي والصحافي الروسي ألكسندر بروخانوف (من مواليد 1938)، في صحيفة "زافترا" التي أسّسها ويترأس تحريرها  تحت عنوان "غزة الخالدة":

"إسرائيل، سَقْطُ أميركا. كل قنبلة إسرائيلية تسقط على غزة، تُقرّب نهاية إسرائيل. كل من يقود قاذفة قنابل إسرائيلية، حفّار قبر لإسرائيل. كل دبابة ميركافا تُطلق النار على غزة، تُطلق النار على تل أبيب. كل سفينة إسرائيلية تضرب غزة، تُغرق إسرائيل في البحر. يا إسرائيل، يا بلد عديمي الرحمة، الويل، الويل لك".

وأضاف: "لقد سحقت الانتفاضة في غزة أسطورة إسرائيل، والرموز العميقة التي قامت عليها دولة إسرائيل، وهي الرموز التي من دونها يصبح التسليح الفولاذي لأي دولة، بما في ذلك الدولة اليهودية، بلا معنى. دولة إسرائيل بقوتها وقسوتها، زرعت الخوف في نفوس الشعوب العربية المجاورة، وضمنت أمنها بهذا الخوف. بينما أظهر هجوم حركة حماس الفدائي الاستشهادي على إسرائيل أن الخوف زائل، فهناك قيم أعظم من الحياة. العدالة والحرية، أغلى من الحياة؛ والشعب المعذَّب، مستعد للتضحية بأرواحه من أجل ذلك، من أجل العدالة الإلهية".

وعن عقيدة الهولوكوست، وفكرة الشعب الضحية، كتب بروخانوف: "الآن، تحول هذا الشعب المعذَّب إلى شعب معذِّب... المحرقة، التي جعلت القضية اليهودية مقدسة، دمرها نتنياهو الصهيوني، الذي أعطى الأمر بمحو غزة الفلسطينية من على وجه الأرض. فكلّ بيت في غزة تهدمه القنابل، ويُدفن ساكنوه، شيوخًا ونساءً وأطفالًا، تحت الأنقاض، وكل استهداف مباشر لمستشفى يموت فيه الأطباء والمرضى، وكل مسجد أو معبد، به هلال أو صليب، حيث المصلون يموتون تحت انفجارات القنابل الإسرائيلية، يجعل إسرائيل ملعونة. لقد جعلوها بلدًا يخلو من الصالحين، بلدًا يتقاسم مصير سدوم وعمورة".

وتابع بروخانوف: "لقد هزت غزة طبقات الإنسانية العميقة. هذه الطبقات، ارتجت وتحركت. إن تنبؤ شكسبير العظيم في مسرحية ماكبث يتحقق: "الأرض، مثل الماء، تلد غزة". تلدها فقاعات دم من الأرض. لدي أصدقاء في غزة... زرعتُ معهم بساتين زيتون حوّلتها الطائرات الإسرائيلية إلى هباب..".

لماذا لا نسمي النازيين بالنازيين؟ والفاشيين بالفاشيين؟

أتوقف قليلًا مع ما قاله المخرج السينمائي اللامع نيكيتا ميخائيلكوف، في حلقة كانون الثاني/يناير (26/01/24)، من برنامجه "بيسوغون": "إن برنامج "بيسوغون" تسبب في هستيريا "أقوياء العالم" الجالسين على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فقامت إدارة خدمة الفيديو في يوتيوب بحظر القناة. انتهك البرنامج، بزعمهم، القواعد فيما يتعلق بالخطاب التمييزي". وتساءل ميخائيلكوف: "أين الخطاب التمييزي؟ في أننا سمينا النازيين بالنازيين؟ والفاشيين بالفاشيين؟ ولأننا ضد حرب مستمرة بلا أي ضوابط على الإطلاق، حرب إسرائيل مع الفلسطينيين، التي تبيد المدن والشعوب والمستشفيات والأطفال، والنساء الحوامل وكبار السن؟".

ناديجدا كيفوركوفا - مكسيم شيفتشينكو  


تعالوا وانظروا إلى ما تفعله إسرائيل

وبعد، يا أصدقائي، قراء "ضفة ثالثة"، فقد لجأت إلى قناة ناديجدا كيفوركوفا على تيليغرام (https://t.me/kevorkova/4835)، وهي صحافية عملت مراسلة في الولايات المتحدة الأميركية ولبنان وأفغانستان وباكستان وإيران والعراق وتركيا والسودان وسورية وغزة وشمال القوقاز، مراسلةً للعديد من الصحف والقنوات التلفزيونية؛ ومؤلفة ومقدمة السلسلة الوثائقية "جهاد الأدب الروسي"، وكنت أعلم عن نزاهة هذه المرأة التي رُشّحت، في 2010، لجائزة المرأة الشجاعة الدولية، فوجدت ما لم يخب معه ظني:

منذ اليوم الأول، في 7 تشرين أول/ أكتوبر، كتبت كيفوركوفا: "الفلسطينيون جميلون. لا يمكنك إلا أن تغبطهم على هذا الثبات والمثابرة والاستعداد للموت... عندما تسير الجماعة كلها على مدى 75 عامًا ولا تتعب، فهذا رائع جدًا. تَعلّموا منهم".

وأضافت، في 7 تشرين ثاني/ نوفمبر 2023: "أحبّك أيها الشعب الذي لا يركع"؛ وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر 2023: "غزة، أزاحت كل شيء جانبًا. لأن فلسطين ليست مجرد قطعة أرض"؛ وفي 7 كانون الثاني/ يناير 2024: "المجنون بيبي مستمر في جنونه، ويجر المحتلين إلى أسوأ أنواع الجنون... هذه الحرب، مثل أي حرب أخرى في العالم، تكشف الجوهر" (جوهر الأشخاص والدول)؛ وفي 6 آذار/ مارس الجاري: "الفلسطينيون ينتصرون في كل ثانية، لأنهم لا يستسلمون... لا مثيل لمقاومتهم في التاريخ؟... الفلسطينيون، مجبولون من طين مختلف".

وأضافت، في اليوم نفسه: "الشيء الوحيد الذي يحالف الفلسطينيين هو أن عدوهم مجنون، وخاضع للشياطين". وتستشهد، لتوصيف قطيع وحوش نتنياهو، بالإنجيل، فتقول، متنبئةً لهم بالموت: "خرجت الشياطين من الإنسان ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحيرة واختنق" (لوقا 8:33)، وهي تقول بحر لا بحيرة، راجية أن يبتلع بحر غزة الغزاة الذين تشبههم بالخنازير. وتضيف: "هذا وصف لفعل الكلمة اليسوعية ضد مثل هذه الكيانات".

تعالوا نتوقف قليلًا عند قولها عن إسرائيل "كيان"، فكثير من مثقفي العرب، من باب العقلانية والواقعية السياسية، باتوا يسخرون من هذا التعبير، فيقولون "إسرائيل دولة"، ويضيفون "حضارية وديمقراطية!"، توجّعًا من بلدانهم والأنظمة المستبدة المتخلفة فيها. بل إسرائيل أكبر معسكر اعتقال على الأرض، تؤكد ناديجدا كيفوركوفا، في كثير من خطاباتها، وإن كان مسماها دولة، وقد كررت ذلك، في 11 آذار/ مارس 2024، فقالت: "كل ما في الأمر هو أن الناس في أكبر معسكر اعتقال في العالم، يقصفه النازيون، يقفون على أنقاض المساجد للصلاة ويستمرون في المقاومة. تعالوا وانظروا، على الأقل، إذا لم يكن لديكم روح لفعل ما هو أكثر من ذلك". ولعل ناديجدا كيفوركوفا، تريد تذكيرنا بفيلم المخرج إيليم كليموف "تعال وشاهد"، الفيلم الموجع الذي جرى عرضه الأول في 1985، وهو عامي الأول في لينينغراد (بطرسبورغ)، الفيلم الذي صوّر كيف حُشر النازيون سكان قرية بيلوروسية في عنبر وأغلقوه عليهم وأحرقوه بمن فيه أحياء. ما زال عدم التصديق معششًا، منذ ذلك العام، في روحي، عدم تصديق أن تصل وحشية البشر إلى هذه الدرجة، ولكنها الحقيقة. غزة اليوم عنبر كبير حشرتْ فيه إسرائيل الفلسطينيين وتحرقهم فيه أحياء، وكما في "تعال وشاهد" يلقي جنود الاحتلال من يحاول الخروج منه في الأتون، ويرمون عليهم القنابل من النوافذ التي يفترض أنها للضوء والحياة.

يسرائيل شامير (يمين) - نيكيتا ميخائيلكوف


من أجل حرية فلسطين

لم يتخلف الصحافي البارز مكسيم شيفتشينكو عن زوجته السابقة ناديجدا كيفوركوفا، التي توقفت عند أمثلة مما كتبته أعلاه، فكتب على قناته في تيليغرام Max Attacks! https://t.me/shevchenkomax_1، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر: "أصبحت حماس القوة السياسية الرئيسية للشعب الفلسطيني. والغمغمة الكاذبة التي يطلقها الدعائيون بأن "حماس خلقتها إسرائيل" أصبحت حقيقة، فالذي أنشأ حماس القوية الحديثة والتي تضم مئات آلاف المقاتلين هو جنون إسرائيل وقسوتها"...

وفي 25 من تشرين الأول/ أكتوبر، كتب: "حماس ليست جماعة إرهابية، إنما هي جماعة تحرير تناضل من أجل حرية أرضها. هذا هو الواقع"؛ ثم في 6 كانون الأول/ ديسمبر: "إن ما يفعله نظام نتنياهو في غزة لا يحتاج إلى أي تعليق إضافي. كل يوم تُرتكب هناك فظائع جديدة"؛ وأضاف: "بالنسبة إلى النخب والرأي العام في الغرب الليبرالي، الذين طالما دافعوا بأجسادهم وأرواحهم عن إسرائيل، المشكلة هي أن نتنياهو وغيره من السياسيين الإسرائيليين صدعوا رأس العالم أجمع بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية والغربية والليبرالية المتحضرة والتقدمية الوحيدة، في الشرق الأوسط. وإليكم ما يقوله الواقع الآن: الديمقراطية؛ الغرب؛ الليبرالية؛ الحضارة؛ التقدم، إلخ... هذا هو بالضبط ما يحدث في غزة اليوم. إلى متى تظنون أن هذه النخب الغربية ستستمر في دعم إسرائيل في نهجها؟ أم أنهم لا يهتمون؟".

متى يدرك العالم الإسلامي ضرورة وحدته؟

مع أن العديد من مشاهير المشتغلين بالفكر الجيوسياسي اليوم يتوقعون نهاية إسرائيل بسبب عنفها المفرط وتعنّتها في رفض إقامة دولة فلسطين (وكم يدعو إلى الأسف الحديث عن "إقامة دولة فلسطين"، فكأن فلسطين لم تكن يومًا، وما كان هو إسرائيل، والفلسطينيون هم من غزوها واستوطنوها ويريدون إقامة دولتهم مكانها؟! الأسطورة الدينية المدعومة بالمال والسلاح والإعلام أقوى من حقائق الواقع والتاريخ)، إلا أنك تتلمس أحيانًا الخوف على إسرائيل والحرص عليها، أكثر من الخوف منها، خلافًا لتوصيف المفكر السياسي الروسي الشهير ألكسندر دوغين، في حديثه لـ "ريا نوفوستي" (في 8/11/2023)، والذي جاء فيه: "هجوم حماس وإبادة إسرائيل الجماعية الانتقامية للفلسطينيين، فتحتْ خطَّ جبهة مختلفة. فالآن، دخل الغرب مرحلة المواجهة مع العالم الإسلامي برمّته، من خلال الدعم غير المشروط والأحادي الجانب لإسرائيل، على الرغم من الطبيعة الصارخة للجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين في قطاع غزة... ففي مواجهة ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة وفي بقية الأراضي الفلسطينية، ونظرًا للممارسات الظالمة السابقة ضد السكان الفلسطينيين، المحشورين في غيتوهات على أراضيهم، لا يمكن للعالم الإسلامي إلا أن يدرك وحدته".

ليس كل شامير وحش

أتوقف أخيرًا عند مدونة الكاتب الإسرائيلي- الروسي يسرائيل شامير، في  قناته على تيليغرام t.me/IsraelShamir0، فقد كتب (في 13 كانون الأول/ ديسمبر): يا لهم من مجرمين! لقد شرع الجيش الإسرائيلي في ارتكاب جريمة حرب جديدة لم يسمع بمثلها أحد منذ العصور الوسطى. فهم يضخون مياه البحر في أنفاق تحت المدينة لإغراق المدافعين عن غزة. لن يموت المحاربون وحدهم، بل ستتسمم طبقة المياه الجوفية والتربة لعدة قرون. وسوف تتحول أرض غزة الخصبة إلى صحراء قاحلة. هذه هي حقيقة اليهود: لم يحولوا الصحراء إلى حديقة غنّاء، بل الحديقة إلى صحراء. لم تظهر أي مدينة جميلة بعد عام 1948. والآن، يقومون بالقتل الجماعي وتدمير غزة. صحيح ما قاله كارل ماركس: تحرير اليهود هو التحرّر من اليهودية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.