ولعله من منطلق ممهدات متوافقة، وأحداث ومصائب مشابهة لذلك الزمن، من فوضى وأوبئة وحروب ومظالم شعبية، وأنظمة استبدادية، ونهوض لأحزاب يمينية وتنظيمات متطرفة، وعلوم تجنح إلى عوالم خارج الأرض، هي ما جعلت صاحب منصة التأثير الأوسع في العالم (X) أن يستعيد تنبؤات انذارات نهايات العالم، سواء بالحروب أو "بالزومبي"، وجاءت مناسبة الحديث عن الفيلم، في سياق الإشارة إلى أعداد اللاجئين المتزايدة في العالم، لتكون بوابته لإعادة إحياء ذكرى فيلم الرعب الشهير حروب الزومبي وحالات الهجرة الجماعية التي صورها.
فتلك الفوضى على الحدود الأميركية التي يئن منها المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب قبل وخلال الحوار الذي أجراه معه ماسك، والتي شبهها الأخير بأحداث فيلم الرعب، تحمل في طياتها أكثر من مجرد التعبير عن تفاقم الأعداد الهاربة من أوطانها بحثا عن الأمان لحياتها، هي أيضا على جانب آخر منها تتحدث عن ضحايا، ومسببين، وعن خراب بلدان، وفناء مدن، وعن "المنقذ" وهذه المرة لن يكون كما هو الحال في فيلم حرب الزومبي العالمية (World War z 2013)، أحد العاملين الانسانيين في الأمم المتحدة، بل هو ترامب وربما اعتمادًا على ثقافة الإلغاء التي هي أيضًا من ضمن ما أعاده مالك المنصة إلى التداول حديثًا، أي بإلغاء الأزمة، وذلك بمنع الضحايا من الهروب واللجوء إلى بلاده، وليس بمعالجة أسبابها.
في فيلم حروب الزومبي للمخرج مارك فورستر وبطولة براد بيت الذي يقوم بدور جيري لين وهو محقق سابق في الأمم المتحدة، خبير في التعامل مع الظروف الإنسانية الصعبة، مهمته المساعدة في البحث عن أصل المرض، تحت تهديده إذا لم يفعل بطرد عائلته من المحمية التي تديرها سلطة عسكرية، وذلك لتتمكن الجهات المسؤولة من صناعة المضاد للفيروس الذي يصيب الناس بحالة سعار، تجعلهم يهاجمون بعضهم، ما يتسبب بحالة هلع جماعي ونزوح ودمار شامل، وهروب فوضوي لسكان المدن، ما يتطلب المغامرة للوصول إلى عقاقير تحتفظ بمسببات أمراض قاتلة موجودة في أحد المعامل المحتلة من قبل المصابين "الزومبي"، ويقوم البطل بتجريب العقار بنفسه قبل أن يصار إلى تعميمه، أي أنه يقدم نفسه قربانا لسلام "أسرته الرهينة" لدى سلطة الأمر الواقع، وكذلك لإنقاذ المجتمع.
لا يمكن فصل تذكير ماسك بحروب "الزومبي"، عن قول سابق له عن فيروس "العقل"، الذي ينتشر عبر "سلاح تكنولوجيا المعلومات"، والذي سيؤدي إلى نهاية الحضارة البشرية، متهمًا وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الفيروس ما جعل الناس يتصرفون مثل الزومبي، وهو ما سينهي برأيه الحضارة البشرية، متجاهلا أسباب الدمار من الحروب وجرائم الاحتلال ومشكلات الفقر والاستبداد، وكأنه لا يرى ما تبثه شاشات العالم وتدوينات منصته، حيث لا يموت الناس على سبيل المثال في غزة، بضربات (X)، ولا تدمر مدنها بمفاعيل بوست فيسبوك، بل بالسلاح الأميركي والغربي المتطور، والدعم غير المقيد من دول ترفع شعار، بل تحمل مسؤولية عضوية مجلس الأمن في ضمان حقوق الانسان، وحفظ السلام والأمن الدوليين.
لا غرابة في أن الكثير من الناس يعتقدون أن زوال العالم قريب، بناء على كل مجرياته وتحولاته، من كوارث طبيعية إلى اكتشافات علمية وتكنولوجية، والتي تزاحمت علينا خلال العقود القليلة الماضية، ولعل واحدة من تلك المظاهر هو هذا الانقلاب في مواقف إيلون ماسك الذي بقي لسنوات عنوانا لتطوير العالم، وتغييره، وعنوانًا لتعزيز سلامة البيئة، ليطل علينا اليوم من على كرسي السياسة، المجاور والمساند لكرسي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمرشح ليكون القادم، بكل تجربته السابقة، وما يحمله من غرائب وطبائع ومفاجآت.
*كاتبة سورية.