كان خلدون المالح، بحسب مأمون البني، يعمل، بين سنة 1954 و1955، في الجناح الأميركي بمعرض دمشق الدولي، ويقدم برنامج "فكر تربح". وفي الأيام الأولى للوحدة مع مصر 1958، دعاه مدير الإذاعة السورية الأمير يحيى الشهابي للعمل كموظف في الإذاعة، وهذا ما كان. وقد لمع نجمه بسرعة، حتى أصبح المذيع رقم واحد من حيث الأهمية. ثم أوفدته الإذاعة مع زميليه عادل خياطة ونذير عقيل لاتباع دورة في القاهرة، ومنها أوفد الثلاثة إلى إيطاليا واتبعوا دورة (تأسيس تلفزيون).. وفي 23 يوليو/ تموز 1960 افْتُتِحَ التلفزيون السوري، وأصبح يعمل فيه بصفة معد برامج، ومذيع، وهو مَنْ شجع دريد لحام ونهاد قلعي على تقديم ثنائي يقلّد فيه دريد لحام شخصية "كارلوس" الإسباني، وخلال العمل يعزف دريد ويغني. وقد أفادني الناقد محمد منصور أن تمثيليتي "الإجازة السعيدة" و"سهرة دمشق" كانتا بداية لبرامج المنوعات التي قدمها التلفزيون السوري عام 1960 بإخراج خلدون المالح، متضمنة شخصية كارلوس.
لا توجد علاقةٌ منطقية تربط بين الإبداع الفني ولعب القمار، ولكن الظروف الاجتماعية المحيطة بعمل فني ما، خصوصاً في البلدان المتخلّفة، تشبه القمار، لأنها تَلعب دوراً في رواج العمل وشهرته أكثر مما تلعبه مقوماتُ النجاح الموضوعية... لذلك كنا نسمع، إثر عرض أي مسلسل تلفزيوني عبارة: المسلسل ضَرَب صولد!.. المقتبسة من لعبة "البوكر"، وتعني أنه قامر بأوراقه كلها وقد رقص له الحظ... وهذا ما كان بالنسبة لمقالب غوار الذي أعيد عرضه أكثر من مرة، مع احتفاظه بنسبة عالية من المشاهدة على الدوام.
المهم في الموضوع أن خلدون المالح بقي ملازماً لدريد ونهاد في الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي كان يتناوب على تأليفها كل من نهاد قلعي ودريد لحام والأديب الكبير محمد الماغوط... وبحسب ما ذكر لي المخرج هيثم حقي، فإن خلدون المالح ودريد لحام أسسا شركة إنتاج تلفزيونية في الثمانينات تحمل اسم (شمرا).. وفي التسعينات انفصلا واستقل كل منهما بشركته الخاصة، وبقي المقر الرئيسي في (المزة - فيلات) لخلدون، وفيه مكتبه، وغرف العمليات الفنية، وبالمناسبة خلدون المالح كان من أوائل الموزعين السوريين للمحطات الخليجية التي بدأت بالظهور في السبعينات، وكان مستشاراً للعديد منها، وعلاقاته تلك أهّلته لعمل الموزع الناجح.
كان نهاد قلعي، بوصفه كاتباً تلفزيونياً، شديدَ التأثر بالكاتب الإذاعي المبدع حكمت محسن، قادراً على رسم أجواء من السهل الممتنع تُمَكّنُه من السير، ببراعة، على الخط الفاصل بين كوميديا الموقف والكوميديا المُفْتَعَلة (الفارْس) والقاسم المشترك بينهما هو اختراع الكاراكترات الكوميدية، وخلال مسيرته الإبداعية ابتكرَ، إضافة إلى شخصيتي غوار وحسني، كلاً من عبدو، وأبي عنتر، وياسين، وفطوم حيص بيص، وأبي جاسم، وأبي رياح، وبدري بيك أبو كلبشة، عدا عن استعانته بكاراكترات كان قد أبدعها حكمت محسن في الإذاعة، كأبي فهمي، وأبي صياح، وأبي رشدي، وأم كامل.
إن المرء، من جهة أخرى، لا يستطيع أن يستوعب بسهولة مقدارَ الجهد الذي كان المخرج خلدون المالح يبذله في إدارة فريقه الفني. ففي تلك الأيام كانت الحلقةُ التلفزيونية تُصَوَّرُ كلها، دفعة واحدة! فإذا ارتكب أيُّ ممثل، أو عامل فني، خطأ لفظياً أو حركياً واحداً، يُضطر لإيقاف التصوير، ليعاودَ الفريقُ كله تمثيل الحلقة وتسجيلها.
إن سر نجاح خلدون المالح، برأيي، أنه كان يُخرج أعماله بطريقة السهل الممتنع نفسها، وبالسير على الخط الفاصل بين الكوميديا والفارس، ومن دون أية فذلكة، لأنه كان يهتم لنجاح العمل الفني أكثر مما يهتم لتأطير اسمه وترويجه.
الرحمة لروح خلدون المالح.