}

معرض «حديقة صامتة».. علاقة بشار الحروب بالأزهار والنباتات

أوس يعقوب 13 نوفمبر 2020
تشكيل معرض «حديقة صامتة».. علاقة بشار الحروب بالأزهار والنباتات
بشار الحروب أمام إحدى لوحات معرضه "حديقة صامتة"
يستمرّ معرض «حديقة صامتة» للتشكيليّ الفلسطينيّ الشابّ، بشار الحروب، في "غاليري زاوية" في مدينة رام الله، حتّى نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، المعرض الذي يحاكي بلوحاته علاقة الفنّان الخاصّة بحديقته المكتظّة بأزهار ونباتات جلبها من العديد من مدن العالم التي وطأتها قدماه، والتي أصبحت مع مرور الأيّام ملاذه الآمن، الذي يحميه حتّى من العزلة الاجباريّة التي فرضها تفشّي فايروس (كوفيد-19) كورونا.
عن هذا المعرض، وعن مدى تأثّر عمله ومشاريع الفنّيّة بما أحدثته جائحة كورونا في فلسطين والعالم، كانت لنا هذه الوقفة مع الحروب:

من معرض "حديقة صامتة"  

بداية، سألنا بشار الحروب لماذا «حديقة صامتة»؟ وأين يندرج هذا المشروع في سياق مشروعه الفنّيّ الإبداعيّ؟ فأجابنا: مشروع «حديقة صامتة» هو استمراريّة لمشاريعي التي تركّز على العلاقة الشخصيّة مع الأماكن، وبناء ذاكرة مستمرّة للمكان. لكن المشروع يقدم هذه

المرّة المكان الخاصّ، وهو حديقتي الشخصيّة كمكان، والعلاقة التي تمّ بناؤها مع نباتات غريبة لا تنتمي في الأصل إلى هذا المكان، والتي قمت بزراعتها بنفسي، فابتدأ العمل على المشروع من اللحظة الأولى التي كنت أختار فيها نباتاتي.
أضاف الحروب: بالنسبة لي هذه النباتات تمثّل الغريب والمهاجر الذي يحاول التأقلم مع أماكن جديدة، فالعلاقة اليوميّة كانت مُحفّزًا لعمل مشروعي «حديقة صامتة». هي حديقة في الواقع والملموس، لكن في النهاية ما قدّمته هو تمثيل للحديقة التي في داخلي.
وبسؤالنا: إلى ماذا يحيل عنوان مشروع «حديقة صامتة» من منظورك الشخصيّ؟ أجابنا: تمّ اختيار هذا العنوان كتعبير عن هذه العلاقة التي تربطني في الحديقة، كما أنّ الصمت فضاء كبير قابل للتأويل والسؤال.
أمّا عن المعنى الذي أصبحت فيه الحديقة ملاذه الآمن في زمن تغيّر فيه العالم، وبتنا نتحدّث جميعنا في أصقاع المعمورة عن عالم ما قبل كورونا، وعالم ما بعد كورونا؟ أجاب: أصبح موضوع القضية، في السنوات الأخيرة التي نمرُّ فيها كفلسطينيّين، أكثر تعقيدًا، وأصبحت هناك حالة من التيه جعلتني ألجأ إلى هذا المكان كملاذ آمن، وأصنع فيه عالمي، أو وطني الخاص. قد يكون ذلك تعبيرًا عن فقدان الأمل في المشروع الوطني، الأمر الذي جعلني أبحث عن وطن أبنيه في حديقة منزلي الخاصّ، بما فيه من أحلام وخيال الطفولة.
يضيف الحروب: المشروع لا يرتبط بفترة جائحة كورونا، لأنّي بدأت بالعمل عليه منذ بداية العام 2019، وانتهيت منه في فترة الحجر المنزليّ الطوعيّ، ولا يوجد علاقة ما بين المشروع والجائحة غير عرضه في هذا الوقت. لقد وجدت من خلاله نوعًا من التحدّي بأن أنظم معرضًا، وأقدّم من خلاله جرعة من الأمل والفرح للجمهور، سواء في العالم الواقعيّ، أو الافتراضيّ.

عزلة الفنّان مصدر الإلهام
في تعريفه لمشروعه الفنّيّ الجديد «حديقة صامتة»، كتب الحروب، في البروشور الخاصّ بالمعرض، أنّه عندما تكون الحديقة خلوتك، كبديل لحياة اجتماعيّة وسياسيّة صارخة، حديقة من نباتات لا تنتمي إلى المكان الذي توجد فيه، فهي تعيش بمعنى الغريب الذي يتأقلم مع بيئة جديدة غير بيئته. هذه النباتات الغريبة أصبحت بتفاصيلها جزءًا من حياتي، وبديلًا لما يدور في المدينة. هذا المكان الحيويّ الصامت أصبح كمساحة سريّة تستحضر فيها الذكريات، وتخلق التصوّرات، فهي مكان للتأمّل والبحث عن التفاصيل، ومراقبة نموها كلّ يوم، وكيف استقطبت أنواعًا مختلفة من الفراشات والطيور والحشرات داخل هذه المدينة المكتظة.

من معرض "حديقة صامتة" 

أمّا الباحثة في الفنون البصريّة، رنا عناني، فقالت عن حديقة الحروب الصامتة: أزهار ونباتات صيفيّة صاخبة تهيمن على مقدّمة المشهد حينًا، وتختفي في الخلفية أحيانًا مفسحة مكانًا شاسعًا لظلال الأزرق والأخضر والرماديّ المتغيّرة بحسب فصول السنة. لم تكن العزلة الإجباريّة

التي فرضها جائحة (كوفيد-19) مصدر الإلهام في هذه المجموعة، وإنّما العزلة التي يشعر بها الفنّان، والتي جاءت نتاج عمل على مدار سنوات في حديقته ومرسمه في آن معًا. مضيفة: ينزوي بشار الحروب في حديقته واضعًا جلّ اهتمامه في مراقبة حثيثة للتفاصيل، ومكرّسًا الوقت للحوار مع نباتاته وأزهاره من خلال الرسم. الأزهار الجديدة المتفتحة، والأوراق الخضراء الكبيرة، والظلال والتوليفات المتنوّعة بتنوّع الفصول، ينقلها الحروب على القماش بأسلوب انطباعيّ مستخدمًا ألوان الأكريليك والفحم ليذكرنا بأعمال مونيه وروسو.
تبيّن عناني، في قراءتها للمشروع، أنّ حديقة الحروب الصامتة ليست طبيعة صامتة، وإنّما مساحة تعج بالحياة، وتثير ضجة لا نسمعها، بل نراها، ونشعر بها. هروبًا من شعور باغتراب اجتماعيّ وسياسيّ يتملّك شعبًا محتلًّا فقد القدرة، موقتًا، على التغيير والتأثير في قضايا مصيريّة تمسُّ حياته ووجوده على هذه الأرض، فنرى الحروب يلجأ إلى حديقته كملاذ آمن يحاول فيه التغيير على نطاق ضيق، مستكشفًا ذاته من خلال حوار مع نباتاته وأزهاره، أثناء تبدل أشكالها خلال المواسم، مشيرةً إلى أنّ التشابه قد يكون موجودًا ما بين أزهار ونباتات الحروب التي لا تنتمي إلى الطبيعة الفلسطينيّة، وبين الاغتراب الذي يشعر به في محاولته التكيّف مع محيطه. فهنا في هذه الحديقة لا نرى زيتونة، أو ليمونة، أو شتلة زعتر، وإنّما نباتات تنتمي إلى جغرافيّات ومناخات أخرى.
عناني ترى، في قراءتها لمشروع الحروب، أنّه بصريٌّ، يظهر الحوار جليًّا بين الفنّان ونباتاته، فتنمو النباتات في اللوحات كبيرة، وتمتدّ أعناقها إلى الأعلى كأنّ رؤوسها تمتدّ على مستوى نظره. تغمرنا النباتات الكبيرة المسيطرة في اللوحات ذات القطع الكبير، وتشعرنا بأنّ هناك ضجة، وأنّها تبحث عن الفنّان وكأنّها تحوّلت إلى رفاق روحه ودربه، موضحةً أنّ حديقة بشار الحروب الصامتة هي حديقة سرية، يلوذ إليها طلبًا للتعافي الروحيّ من العزلة، ومن الشعور بالاغتراب، وتجلب السلام والطمأنينة إلى عالمه الداخليّ بعيدًا عن صخب الحياة، ولكن من غير الممكن الوصول إلى حديقة صامتة إلّا من خلال باب سرّيّ. وفي هذا المعرض، يفتح الفنّان الشابّ هذا الباب، ويسمح لنا بالدخول منه إلى عالمه الخاصّ، كاشفًا عن رحلة شخصيّة وتجربة خاصّة تجلّت خلال السنوات القليلة الماضية.

 

(كوفيد - 19) و«خرائط اللامكان»
في ختام حديثنا مع الحروب، سألناه عن تقييمه لأنشطته الفنّيّة في 2020 في ظلّ جائحة كورونا، فقال: كان هذا العام مميّزًا من حيث الإنتاج والمعارض، على الرغم من الجائحة، حيث انتهى، قبل أيّام، معرضي الشخصيّ المقام في فرنسا في متحف "بول فاليري". كما لا يزال معرض «حديقة صامتة» مستمرًّا في "غاليري زاوية" في مدينة رام الله، وكذلك معرض «الهيمنة على الحشائش» الذي تستضيفه "مؤسّسة عبدالمحسن القطان". وأضاف: في 2020، وخصوصًا في فترة الحجر الصحيّ، التي لا تزال مستمرّة، عملت على عدد من المشاريع الفنّيّة، من أهمّها مشروع «يوميّاتي البصريّة»، الذي كان من المفترض أن يكون هذا العام في مدينة الدار البيضاء في المغرب، لكن انتشار الوباء حال دون تنفيذه، فاستبدلته بعمل يوميّاتي في مدينة رام الله، وعنوان مشروع اليوميّات العامّ هو «الطريق تأخذني وأنا أريد»، وكان تحت مسمى «سأكون شجرة يومًا ما»، ومشروع اليوميّات هو مشروع سنويّ، حيث اختار مدينة كلّ سنة، وأنفذ فيها هذا المشروع الذي بدأ في 2012 في مدنية بيرغن في النرويج، ومن ثمّ في لندن، تلتها نيويورك، ثمّ شنزن في الصين، وفي مدن أخرى.
يوضح مُحدّثنا أنّ مشروع «يوميّاتي البصريّة» هو عبارة عن عمل واحد مكوّن من 80 قطعة لـ80 مدينة، كلّ قطعة عبارة عن خريطة متخيّلة مرتبط بالتجربة الشخصيّة مع هذه المدن، ويتمّ تنفيذ العمل بتقنيّة الحفر على الخشب، والطباعة اليدويّة.

من معرض "حديقة صامتة" 

يتابع الحروب قائلًا: كما عملت على مشروع آخر بعنوان «خرائط اللامكان»، وهو مشروع قدّمت له بتعريف الجمهور بما حدث معي يوم كنت في مدينة باريس في فترة تفشّي (كوفيد - 19)، واتّخاذ قرار حكوميّ بإعلان الإغلاق التامّ، فكتبت: غادرت باريس اضطراريًّا قبل يوم من الإغلاق التامّ ومنع التجوّل نتيجة انتشار فايروس كورنا، بالعودة إلى فلسطين مرورًا

بالأردن. كانت هذه الرحلة مليئة بالخوف والحذر والقلق من الوصول، وما إذا كنت أحمل الفايروس أم لا نتيجة تواجدي في فرنسا لافتتاح معرضي في متحف "بول فاليري". كانت الإجراءات في المطارات والمعابر الحدوديّة كأنّي أعيش تجربة فيلم حول نهاية العالم.. وأنّي أسير برحلة في اتّجاه واحد. في ظلّ هذه الظروف استحضرتني المدن التي زرتها في العالم من الشرق إلى الغرب والشمال والجنوب، فاستعدت صور خرائطها في مخيّلتي، خصوصًا أنّني أعتبر نفسي مشّاء. لطالما شغلتني الخرائط والأبعاد السياسيّة والثقافيّة والحضريّة والاقتصاديّة في تشكيلها ورمزيّتها في تشكيل السلطة.
عُرف عن الحروب أنّه يوظّف في أعماله العديد من الوسائل، مثل الرسم، والتصوير الفوتوغرافيّ، وفنون التركيب، وعمل هذا العام على إنتاج العديد من المشاريع الأخرى، وشارك في معارض افتراضيّة عدة في أماكن مختلفة من العالم.
يؤكّد الحروب، في حديثه معنا، على أنّ ما يحدث الآن في العالم نتيجة انتشار فايروس (كوفيد- 19)، وإغلاق وفصل المدن والدول والحدّ من الحركة، جعل السلطات تشكّل خرائط حركة محدودة للإنسان. وهو يرى أنّ الموضوع مثير له لتقديم تساؤلات حول مفهوم الدول والمدن والحدود والتواصل وحرّيّة الإنسان في الحركة لعمل هذا المشروع، مبينًا أنّه نتيجة لهذه الجائحة كان من المفترض أن يشارك في شهر أيّار/ مايو الماضي في "بينالي دكار" في السنغال، لكن تمّ تأجيله إلى أجل غير مسمّى، كذلك تمّ إلغاء إقامة فنّيّة لمدة شهرين في الدار البيضاء في المغرب، التي كان من المفترض أن تبدأ في حزيران/ يونيو الماضي.
يُشار إلى أنّ التشكيليّ الفلسطينيّ الشابّ بشار الحروب من مواليد القدس عام 1978. حصل على درجة البكالوريس في الفنون الجميلة عام 2001 من "جامعة النجاح الوطنيّة". وفي عام 2009، حصل على منحة من "مؤسّسة فورد" لنيل شهادة الماجستير في الفنون الجميلة، التي أحرزها في عام 2010 من "كلّيّة وينشستر للفنون"، "جامعة ساوثمبتون". ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش في مدينة رام الله.
شارك الحروب في عدد من المعارض والمشاريع والمهرجانات الجماعيّة في كافّة أنحاء فلسطين. وفي الخارج، في كلّ من الإمارات العربيّة المتّحدة، ولبنان، والمغرب، وعمان، والجزائر، وسورية، وبولندا، والسويد، واليابان، وفرنسا، واسكتلندا، والنرويج، والولايات المتّحدة الأميركيّة، والمملكة المتّحدة. كما اشترك في ورشات عمل الفنّانين الدوليّين التي أقامتها "مؤسّسة تراينجل للفنون"، وورشة العمل التي أقامتها "منظّمة بريزرز" في المملكة المتّحدة في عام 2007، وورشة عمل الفنّانين الدوليّين التي أقامتها "غاليري المحطة" في فلسطين في عام 2009 و2011. ولديه زمالات إقامة دوليّة عديدة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.