}

رمضان غزّة بظلّ الإبادة الجماعية والتجويع: إصرار على الحياة

أوس يعقوب 24 مارس 2024
هنا/الآن رمضان غزّة بظلّ الإبادة الجماعية والتجويع: إصرار على الحياة
صورة لجدار بغزة احتفالًا بالشهر الفضيل
مع مرور قرابة الستة أشهر على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزّة المدمّر والمحاصر منذ 17 عامًا، استقبل سكّان القطاع شهر رمضان المبارك تحت القصف الإسرائيلي المستمرّ منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، والذي أدّى إلى موجات متكرّرة من النزوح والتجويع جراء الممارسات الوحشية التي ينتهجها الاحتلال بحق الغزّيين، الأمر الذي جعل من رمضان هذا العام الأصعب على الإطلاق بالنسبة إلى حوالي 2.3 مليون غزّي، وحرمهم من البهجة والفرح نظرًا لعدم توفر مقومات الحياة كافة، من بيوت وكهرباء وماء وغذاء ودواء، وسط ارتفاع عدد الشهداء، ومعظمهم من النساء والأطفال، إلى نحو 32 ألف شهيد و74 ألف مصاب، حتّى اليوم الـ 167 للعدوان الإسرائيلي (تاريخ كتابة هذا التقرير).

"لن يسرقوا منا رمضان"...
لم تكن هذه المرّة الأولى التي يشهد قطاع غزّة شهر رمضان في الحرب. ففي عامي 2014 و2019 عاش الغزّيون الشهر الفضيل تحت القصف، إلّا أنّ هذه الحرب المستمرّة منذ قرابة الستة أشهر وحتّى الآن أرادها جيش الاحتلال حرب إبادة جماعية، ما جعل منها واحدة من أسوأ الحروب وأكثرها وحشية في الألفية الثالثة، فلا توجد بيوت، ولا توجد مساجد، ولا توجد أسواق، ولا يوجد ماء صالح للشرب، ولا طعام.
ورغم المعاناة والمآسي التي يعيشها أهالي غزّة، فإنهم استقبلوا شهر رمضان بفرح، كعادتهم في السنوات السابقة، متحدّين عتمة المحتلّ والظلام الذي فرضه على القطاع وسكّانه.
ويتداول رواد منصّات التواصل الاجتماعي فيديوهات وصورًا جاءت من قطاع غزّة؛ حملت شعارات مثل "لن يسرقوا منا رمضان"، و"الفرحة من بين الجراح"، شوهد فيها الأطفال وهم يتلقون فوانيس في مخيمات النزوح التي تزينت بزينة رمضان، ويغنون لرمضان الكريم، ويدقون على الدفوف، ويتحلقون حول موائد سحور بسيطة.
وأظهر كثير من هذه الصور، التي نشرها صحافيون وصنّاع محتوى عبر صفحاتهم على منصّة "إنستغرام"، مشاهد الفرحة على وجوه سكّان القطاع، بخاصّة الأطفال منهم، عاكسة إصرارهم على الحياة ومواساة النفس.
ومع هدم وتدمير أعداد كبيرة من المساجد في قطاع غزّة خلال العدوان والقصف الإسرائيلي المتواصل على مدار الساعة، يصلي الأهالي في بيوتهم، أو بين ركام المساجد المدمّرة، التي كانت عامرةً بالمصلين الصائمين خلال شهر رمضان في ما مضى، مثل المسجد العمري الكبير، ومسجد العباس في مدينة غزّة، إضافة إلى إقامة الصلاة في جماعات بمخيمات النزوح والأماكن العامة في بقية مدن ومناطق القطاع.




وبدلًا من الاستيقاظ فجرًا على طبول المُسَحِّرين، كما كانوا يفعلون سابقًا، تُفزع أصوات الطائرات الحربية والمسيّرة والمدفعية التي لا تتوقّف أهالي سكّان قطاع غزّة.

ضحايا المحرقة في طوابير أمام التكايا الخيرية
تمضي أيّام شهر رمضان صعبة ومعقّدة للغاية على أهالي القطاع، لا سيما في محافظتي غزّة والشمال، في ظلّ شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني إلى رفح، بعد إجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي سكّان محافظات خان يونس وشمال غزّة على النزوح إليها. يعيش السواد الأعظم من النازحين في مدارس وكالة الغوث (الأونروا) التي تحوّلت إلى أماكن للإيواء، وفي الخيم، وبعضهم في الطرقات، ما يجعل التحضير والتهيئة للشهر الفضيل أمرًا مستحيلًا.
فقدَ معظم أهالي القطاع أشخاصًا عزيزين عليهم، كما فقدوا تجمّعات العائلات بعدما تشتّت أفرادها في أماكن بعيدة عن بعضها بين المناطق المختلفة في غزّة، وتراهم يفطرون على ضوء الهواتف النقالة، أو الشموع إن توفّرت، حيث لا كهرباء بعدما دمّر جيش الاحتلال البنية التحتية في القطاع.
وبعد أن كانت شوارع غزّة مزيّنة في رمضان من العام الماضي، والناس دائمًا في الأسواق، وكان كثير منهم يتسحّرون قبالة البحر، ودائمًا هناك تجمّعات وعزائم على الإفطار، تراهم اليوم محرومين من الماء والغذاء ومن لمات العائلة الحميمية عند الإفطار والسحور، ومن صلاة التراويح في المساجد.
لم يعد سكّان القطاع قادرين على تأمين وجبات رمضان التقليدية وما اعتادوا على تحضيره من الحلويات بعد الإفطار، ويكون الحظ نصيبًا لمن يعثروا على رشفات ماء وطعام لسحورهم، أو إفطارهم.
ومن ضمن ما يعيشه أهالي غزّة، الذين يرزحون تحت وطأة مجاعة لم يشهد مثلها القطاع في تاريخه المعاصر، بعد تفاقم الأزمة الغذائية من شمال القطاع إلى جنوبه مرورًا بوسطه، في ظلّ الحرب المستعرة والحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية، لجوئهم إلى المطابخ الخيرية، أو ما يطلق عليها اختصارًا التكايا، التي أصبحت الملاذ الوحيد لهم.

أطفال يحملون فوانيس في أحد مخيمات النزوح في جنوب غزة

وتشهد هذه التكايا الخيرية منذ حلول شهر رمضان انتشارًا كبيرًا في جنوب القطاع وشماله، لما يواجهه الأهالي من صعوبة كبيرة في تأمين المواد الأساسية للطبخ، خاصّة مع شحّ الموارد وغلاء الأسعار بشكل جنوني، وعدم توفّر المحروقات والحطب، وبعدما أصبحت في غالب الأحيان بديلًا عن المؤسسات الإغاثية والإنسانية التي غيّب الاحتلال دورها في إغاثة سكّان القطاع من النازحين والمكلومين المنكوبين.
تنقل لنا عدسات المصورين وصنّاع المحتوى ممن نذروا أنفسهم لنقل معاناة ضحايا المحرقة التي يرتكبها الاحتلال بحقّ أهالي القطاع، كيف يتقاطر النازحون منذ ساعات الصباح الأولى للاصطفاف في طوابير طويلة، حاملين الأواني للحصول على وجبة طعامٍ واحدةٍ لسدّ رمق أفراد عائلاتهم بعد ساعات الصيام الطويلة.

شمال غزّة المدمّر... صيام حتّى قبل رمضان
كان لشهر رمضان قبل هذه الحرب الهمجية الإبادية خصوصيّته لدى الغزّيين، وكانت تسبقه تحضيرات تتعلّق بالمأكولات والمشروبات والزينة وغيرها، ولكن تصاعد العدوان وتفاقم الأوضاع الإنسانية بسبب استمرار الحرب والقيود الإسرائيلية التي منعت دخول الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات الإغاثية والطبية، سلبا الفرح والبهجة من الكبار والصغار من أبناء القطاع.




يصوم سكّان شمال قطاع غزّة مجبرين، من قبل حلول شهر رمضان بأسابيع، وهو صيام لا إفطار فيه ولا سحور، حيث يعيش السكّان هناك بعيدًا عن بيوتهم التي حوّلتها آلة القتل الإسرائيلية إلى أنقاض، على شفا المجاعة، بحسب وصف منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن غريفيث.
وبحسب وصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، جيمي ماكغولدريك، فإنّ سكّان قطاع غزة يعيشون جميعًا في ظروفٍ "مروّعة"، بعد أن وصل الجوع إلى مستويات كارثية خاصة في شمال غزّة.
وحتّى يوم 11 من الشهر الجاري، وصلت حصيلة شهداء "حرب التجويع" نتيجة سوء التغذية والجفاف في شمال غزّة إلى 25 شخصًا، غالبيتهم من الأطفال والرضع، وبينهم شابة ومسنان، وفقًا لوزارة الصحة في غزّة.
وفي شمال غزّة، الذي يعيش فيه حاليًا نحو 800 ألف شخص، لا وجود لأيّ مشاهد تحضيرية لرمضان، فمنذ اليوم الأوّل بدت أسواق المدينة على غير عادتها البهيجة في هذا الشهر، مدمّرة وفارغة من البضائع، فلا وجود للخبز، أو الطحين، ولا للحوم والخضراوات والبقوليات والفواكه والحلويات والمعلبات... وإذا توفّر شيء من هذه السلع بين الحين والآخر فإنّها تباع بأسعار فلكية.
وقد وصلت الحال بالغزّيين هنا إلى طحن "التبن" وطبخه، وهو نبات يتم تجفيفه وإطعامه للحيوانات، أو طبخ الأعشاب وأوراق الأشجار، والمحظوظون منهم يؤمنون القليل من "الخبّيزة"، التي اقتربت من الاختفاء من أراضي شمال غزّة، بعدما أصبحت الغذاء الأساسي لمئات الآلاف من النازحين.

رمضان غزة في ظل الإبادة والتجويع 

أمّا الماء، فتشربه العائلات في شمال غزّة مالحًا، لعدم توفّر مياه الشرب، فيما كان مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قال في تقريره الأخير إنّ النازحين في شمال القطاع يستخدمون مياهًا قليلة الملوحة من محطات التحلية القريبة، بعد انعدام المياه النظيفة الكافية.
ووفقًا لشهادات وتصريحات دولية، فإنّ صور جياع غزّة تمثّل أبلغ وصف لسياسة التجويع التي ينتهجها جيش الاحتلال تجاه الغزّيين المرابطين على أرضهم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.