}

العلاج بالموسيقى.. شجن الأصوات وكيمياء الآلات

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 25 يوليه 2020
موسيقى العلاج بالموسيقى.. شجن الأصوات وكيمياء الآلات
لوحة «الموسيقي» للرسام إرنست رودولف (1854ـ 1932)
تتجلى الموسيقى التي يتمايل عبّاد الشمس مع أنغامها بالقدر نفسه الذي يتمايل فيه مع وميض ضوء، بوصفها مصدر إلهام للحب والحرب والتعذيب والشفاء والأرض والحياة والكائنات.

تبدأ علاقتنا مع الموسيقى قبل أن نخرج من أرحام أمهاتنا، كما تؤكد دراسة أجراها فريق أكاديمي متخصص في جامعة ماكجيل المونتريالية الكندية، فالدراسة التي قاد د. بيار ماردي على مدى تسعة أعوام الفريق الضخم لإنجازها، أثبتت أن مَلَكَةَ الاستماع للموسيقى تتململ في الشهر الرابع من عمر الجنين الذي يبتهج لسماع الأصوات المنتظمة الجميلة، وينزعج للمرتفع والعالي منها.
ثم، وفور ولادتنا، تنطلق موسيقى الدفء والحنان، تهدهدنا أمهاتنا بنغمٍ وئيدٍ متناسقٍ كي ننام. ومن منّا، في هذا المقام، لا يعرف ريما ابنة فيروز، التي غنت لها كي تنام: (يللا تنام يا ريما/ يللا يجيها النوم/ يللا تحب الصلا/ يللا تحب الصوم/ يللا تجيها العوافي/ كل يوم بيوم/ يللا تنام يللا تنام لادبحلا طير الحمام/ روح يا حمام لا تصدق/ بضحك عا ريما تتنام).
الحضارات على تعاقبها: السومرية، الفرعونية، اليونانية، البابلية، والإسلامية في عنفوان تجلياتها، وغيرها، وغيرها، أفردت مساحة واسعة للموسيقى، ليس بدءًا من دخولها في صميم الطقوس والعبادات وطرائق التعامل مع الآلهة، ولا انتهاء بجعلها واحدة من تقنيات العلاج وممكنات الطبابة.
الطبيب الفرعوني الفنان (أمحتب)، مِن أوائل مَن استخدم الموسيقى في العلاج، كما تورد الباحثة فاطمة كمال في مقال نشره لها موقع "أكاديمية نيرونت" تحت عنوان "العلاج بالموسيقى في الطب العربي".
صفحة "وادي الرافدين (وادي الحضارات)" على موقع فيسبوك، تذهب إلى أن السومريين هم أول من استخدم الموسيقى في علاج الأمراض. وتوضح أنهم، بوصفهم مؤمنين بمبدأ لكل داء دواء، رفعوا من شأن الطب المنصهر، كما تكشف الرقم الطينية، داخل أتون الدين والشعائر والطقوس. يحضّرون لطقوس الشفاء في مراسم خاصة: يجلبون معهم آلاتهم، ينشدون التراتيل ويحملون التعاويذ والنذور. تطورت تراتيلهم بعد ذلك، وأصبحت فنًّا يمارس تأثيرًا إرشاديًّا إيحائيًّا فاعلًا في المرضى.
وفي سياق تاريخيٍّ متصل، يحضر عند الحديث عن ريادة العلاج بالموسيقى: الكندي (805-873)، والرازي (864-923)، والفارابي (874-950) وابن سينا (980-1037).


أميرة الفقراء
كما تحضر عزيزة عثمانة "أميرة الفقراء"، العثمانية التونسية صاحبة الأيادي البيضاء، التي وإن اُخْتُلِفَ كثيرًا حول تاريخ ولادتها (ترجّح جميعها أنها ولدت في النصف الأول من القرن السابع عشر)، وكذا تاريخ وفاتها (تتراوح الآراء حوله ما بين نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر)، إلا أن كل الباحثات والباحثين التوانسة، أجمعوا على أنها صنعت مجدًا باقيًا رأس ماله العطاء بلا حدود، كما يكشف الفيلم الذي أنتجته "الجزيرة" الوثائقية من إخراج وليد الطايع والإشراف العام لهاجر بن نصر.



عزيزة عثمانة الأميرة التونسية التي اشترت البحر وأهدته للفقراء، لم تقتصر مآثرها على تحريرها العبيد، وتحويلها المساكين إلى مالكين، وتثبيت الأوقاف والأحباس والحقول والشواطئ وأمواج الصيد باسم البحارة والكادحين، بل امتدت لتكون من رواد من شجّعوا على استخدام الموسيقى (التي تعشقها كما تعشق الزهور) في الطبابة والعلاج، وأنشأت (بيمارستان العازفين) للأمراض العقلية والباطنية، وخصصت جزءًا من أوقافها لتأمين مصاريفه ولوازمه. وهو يحمل الآن اسمها تخليدًا لذكراها (كان يحمل اسمًا آخر أيام الاستعمار الفرنسي). بعد رحيلها أوصت بوقف جميع عقاراتها وأموالها للأعمال الخيرية، حتى أنها خصصت وقفًا لرعاية الكلاب السائبة.
د. محمد عزيزي، أستاذ التاريخ والآثار العثمانية، قال في الفيلم عنها: "ماتت لتحيا وغيرها يحيا ليموت". والصحافي طارق حسين يؤكد أن كل الشعب التونسي خرج في جنازتها.



مركز للعلاج بالفن..

  الدكتور رامي حداد 


















الأكاديمي الموسيقي د. رامي حداد، عميد كلية فنون وتصميم الجامعة الأردنية، يكشف النقاب عن تأسيس مركز للعلاج بالفن داخل مبنى كلية الفنون والتصميم في الجامعة الأم.
يقول د. حداد: "انطلاقًا من قناعة إدارة كلية فنون وتصميم الجامعة الأردنية، بأهمية الفنون في العلاج وتحسين وجوه الحياة، تقدمت الكلية ومعها كليتا الطب وعلوم التأهيل في الجامعة نفسها، من الاتحاد الأوروبي، بطلب دعم تأسيس مركز للعلاج بالفنون جميعها (الفنون الأدائية الأخرى من مسرح وغيره، والفنون البصرية مثل الفن التشكيلي وغيره)، وفي المقدمة منها الموسيقى". د. حداد يكشف أن الاتحاد الأوروبي وافق على هذا الدعم، و"نحن الآن بصدد تأسيس برنامج دبلوم مهني للعلاج بالفنون". مقر المركز سيكون، بحسب د. حداد، في كلية الفنون، وسيحصل طلبة البرنامج على دبلوم مهني تخصص العلاج بالفن. البرنامج يتضمن، كما يبيّن حداد، مواد (مساقات) من كلية الطب وأخرى يدرسها الطالب في كلية علوم التأهيل، إضافة، طبعًا، لمساقات كلية الفنون. حداد تحدث عن جامعات شريكة بعضها محلية مثل جامعة إربد الأهلية وجامعة الإسراء الخاصة، وجامعة تونسية، وهناك جامعات أوروبية شريكة من إيطاليا وكرواتيا وبلجيكا، "البرنامج البالغة مدته سنة واحدة، سيجري تدريسه في هذه الجامعات جميعها مع اختلاف في بعض المساقات".
حداد قال إن العلاج بالفن ليس حديثًا، بل هو قديم "قدم الإنسانية، منذ سمع الإنسان أول صوت، وتفاعل معه وبدأ يتأمل التأثيرات النفسية المختلفة لهذا الصوت، وبما انعكس على أدائه، فالإنسان ينوح عندما يحزن، ويصرخ عندما يغضب، وهو ما ينطبق حتى على باقي الكائنات، فالحيوانات لها أصواتها الخاصة بالفزع والبحث عن الشريك والبكاء والتهديد وغايات أخرى".
التعبيرات النفسية موجودة، يقول حداد، ولها تأثيراتها على حياة الإنسان ونفسيته، ولها مستوياتها ودرجات صوتها وتنوعاته. كما يؤكد أن الدراسات والأطروحات الجامعية حول العلاج بالموسيقى لا تتوقف، و"قريبًا سأقوم بمناقشة رسالة ماجستير تتقدم بها طالبة من كلية الآداب، حول أثر العزف والأداء الموسيقي على وظائف الدماغ، مثل التركيز وتحفيز الذاكرة والغضب وغيرها من الوظائف".


مجالات الموسيقى علاجيًّا
حددت مجموعة دراسات أجرتها الباحثة الكندية د. موناليزا تشاندا بالتعاون مع الباحث الأميركي د. دانيال ليفيتين Daniel Levitin، بعنوان "الكيمياء العصبية للموسيقى"، أربعة مجالات يمكن للعلاج بالموسيقى أن يكون فعالًا فيها، وهي: الحد من القلق، تعزيز نظام المناعة، بناء الروابط الاجتماعية والتحفيز والسعادة اللذان يمكنهما المساعدة في علاج اضطرابات الأكل على سبيل المثال، وهذه المجالات تحديدًا، ترتبط الأنظمة الكيميائية العصبية الأولية لها بالدوبامين والمواد الأفيونية والكورتيزول والسيروتونين والأوكسيتوسين التي يفرزها الجسم.
مازن المنصور (فنان وموسيقي عراقي مقيم في النرويج) يؤكد في مقال نشره في آذار/مارس 2012، في موقع "المنال"، بحسب دراسات رجع إليها، أن ثمة علاقة وجدانية بين الإنسان والموسيقى، وأن أعصابنا "تتأثر بشكل واضح عند الاستماع إلى ألحان مشوّقة"، ويذهب إلى أن هذه الحقائق شجعت على إنشاء مستشفيات خاصة ومراكز لعلاج المصابين بأمراض عصبية وعقلية ونفسية، من خلال الاستفادة من ممكنات الموسيقى.
فالموسيقى هي، بحسب المنصور، "للمرضى دواء وللمنهوكين شفاء". وهي، إلى ذلك، "تولّد في النفس رقة المشاعر وطهارة الروح، وتغرس في نفس الفرد حب التجدد والذوق السليم. كما أنها تفرج عن الإنسان المهموم الحزين، وتساعده على تمضية أكثر العمر فرحًا وطربًا".



محمد كريم.. طبيبٌ حين يغنّي



عراقيًا أيضًا، وعراقيًا دائمًا، ولكن هذه المرّة جنوبًا نحو البصرة، انشغلتْ وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بفنيِّ المختبر محمد كريم الذي يغني لمرضى كورونا في المستشفى الحكوميّ هناك.
وصلتُ إليه (أود في هذا السياق أن أشكر صديقيّ العراقيين الفنان صلاح الأسدي والشاعر فراس الصفّار)، اتصلتُ به، سألته وأجاب، سألته فغنّى، قال لي إنه لم يبحث عن أي شهرة عندما غنى للمريض والمريضة، للكبير والطفل الصغير. قال لي إن محنة إصابته هو شخصيًّا بالوباء اللعين، جعلته يدرك كم يحتاج من يُبتلى بالجائحة للدعم المعنوي، كم يحتاج إلى تعزيز كوامن جهازه المناعي عبر مجسّات الفرح، ليظل قادرًا على التمسك بالأمل.
بصوته المجرّد، بلباس الوقاية الكامل، بيدٍ تحمل قارورة العينة، ويدٍ تحدب على روح المرضى، وتطمئن روعهم، يتبنى كريم (أبو جاسم كما ينادي العراقيون على من يحمل اسم محمد)، مبادرته الآتية، كما يقول، من صميم فطرته، من بحّة صوته، وهذا الحجم المدهش من الشجن المعبأ داخل حباله الممتدة حتى وادي الطف، حيث الفداء عنوان لكربلاء، والسماء ليست بعيدة أبدًا عن عطش الارتواء.


*هل لديك معلومات حول العلاج بالموسيقى؟
- لا بكل صراحة ليس لديّ أي معلومات حول هذا الموضوع، أنا تعاملت بفطرتي فقط، وهي شكّلت البوصلة التي اعتمدت عليها بجولاتي وغنائي للمرضى، ولمن شعرت أنهم يحتاجون لهذا النوع من الدعم الوجداني النفسي. وشعرت أن الكلمة المبثوثة في المقطع الغنائي أو حتى الآيات القرآنية لأنني رتلت لرجل دين (سيّد) مصاب آيات من القرآن، حيث قدّرت أن الغناء غير لائق في حضرته، أو حتى أوراد من الأدعية الخاصة بنا (قراءات حسينية)، شعرت أن تلك الكلمة تؤتي أكلها وتحقق مرادها: الكلمة المجردة مع قليل من الأداء الغنائي والصوت المشحون بالعاطفة. مثلًا، في مرّة طلبتْ مني صبية أن أقرأ لها قراءة حسينية تتعلق بأمها الراحلة، فقرأت لها (كل ما زرت قبرك يا يُمّه). لكل أغنية قصة، ولكل مريض مقطع أو شيء ما أخصه به؛ مريض مررت قرب غرفته فناداني سائلًا لماذا لم أزره ولم أدخل غرفته، فدخلت غرفته وغنيت له: (هلا يا نور عيني ويا هليا/ حبيبي من تمر سلّم عليا)، آخر قال لي أنا كبرت ولم تعد هذه (السوالف) تناسبني، فغنيتُ له (باين عليّ الكبر). أبلغوني أن مريضًا تعافى ونريد أن نحتفل به وبخروجه فغنيت: (مو بدينا نودع عيون الحبايب)، وهكذا الأمر دواليك. لكلِّ موقفٍ أغنية، ولكلِّ حدثٍ دوزانه، ولكلِّ مناسبةٍ مقطعها. ردّةُ فعلي ليست مجانية أو خالية من المعنى، بل تنم عن حسن اختيار وخبرة كوّنتها من خلال تعاملي مع الناس وحرصي على إسعادهم.

*هل كنت تحلم أن تكون مغنيًا فإذا بك فني مختبر؟
- لم أفكر في يوم من الأيام أن أجعل الغناء مهنة لي، ولم أسع لأن أكون مطربًا، لكن ومنذ أيام دراستي المبكرة، وبعد ذلك في المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية، وبين أهلي وناسي وزملائي في العمل، كان الغناء موجودًا، يحب المحيطون بي أن يسمعوني أغني. أكون جالسًا مع أصدقائي، وإذا بواحد منهم أو أكثر: محمد غنِّ لنا. بين أقاربي، في كثير من المناسبات مثل الأعراس وأعياد الميلاد وما إلى ذلك، دائمًا هناك من يطلب مني أن أغني، وهو عادة غناء غير متصاحب مع موسيقى، ولا بوجود سماعات أو أجهزة صوت وغيره، كيف سمعتني أغني في غرف المرضى، هذا هو الأمر عادة، بصوتي المجرد: لمّة أحباب (هيتش). بالنسبة لغنائي في المستشفى، هو غير مرتبط بمرضى كورونا فقط، وبهذه الفترة فقط، فمنذ تعينت في المستشفى قبل (11) عامًا وأنا أغني للمرضى، لكن التفات الناس إليه الآن وانتشار فيديوهاتي وأنا أغني لمرضى كورونا، له علاقة بالأثر الإيجابي الذي أحدثه غنائي في هذه الأيام العصيبة، فكورونا ليس له حتى هذه اللحظة علاج، ومناعة الجسم أساسية فيه، والمناعة تحتاج، حتى تكون قوية، لمعنويات عالية، وهو ما أحاول ترسيخه داخل وجدان المرضى الذين أغني لهم.

  محمد كريم 


















*هل لتجربتك الشخصية مع كورونا دور في تعزيز شعورك بحاجة مرضى الفيروس الغدّار، إلى دعم معنويٍّ ومواساةٍ وجدانية؟
- أكيد، والمثل يقول (إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم)، فصاحب التجربة يكون أعرف بالتفاصيل، وإحساسه عال لأنه مرّ بالحالة نفسها، فما مررت به، وشعوري بحاجتي للتفاؤل والتمسك بالأمل، وتعزيز مجسات مناعتي، طبّقتها على المرضى بعد شفائي بحمد الله تعالى. ما أحسست به شعرت أن المرضى يحسّون به: الوحدة، الغربة، الإحباط، فعندما تجلس وحيدًا في غرفة، فإن رسالة الواتساب تلعب دورًا، صوت الأهل يلعب دورًا، (دقّة) الباب تلعب دورًا، أي حركة أو تفاعل من محيطك معك يلعب دورًا، فتكوّنت لديّ قناعة أن المريض يحتاج الكلمة الطيبة، الابتسامة، المواساة، الفرح. المريض يشعر بنفسه وحيدًا لا أهل (يَمّه) ولا أصدقاء، كل من حوله مرضى مثله، وكل واحد منهم (همّه على قدّه)، فشعرت أن واجبي كعامل في الحقل الطبي، وكإنسان، وكمريض سابق أن أخرجهم من هذا الجو الكئيب. التفاعل الذي تحقق فاق توقعاتي بكثير، والمرضى بدأوا يتعرفون على بعضهم البعض، وأصبحوا أصدقاء وأكثر، والكل يسأل عني، وامتلأ المستشفى بجوٍّ عامٍ إيجابيٍّ مدهش. المردود إيجابي جدًا، وقدرنا بفضل الله وحمده أن نقدم شيئًا.

ثم أسمعني بصوته:

"على الآه يا هاجر ما صبرتي

تمنيت لو أن بالطف حضرتي

أحس مو بجرح واحد ولا عشرة

يا هاجر حنة العرّيس دم نحرة

يا هاجر قصة ابنك أدري عنها

جرح شفت على نحرة وطحت منها

أحس بالوالدة المجروح ابنها

تعالي وشاهدي رملة وحزنها

يا هاجر شفت عمه يحمله

ينادون تِلقّي ابنك يا رمله

تني تيعود بالصوان ننتظره

يا هاجر حنّة العرّيس دم نحرة

تمنيت لو أن بالطف حضرتي

على الآه يا هاجر ما صبرتي".

*ما قصة هذه الأغنية؟
- كنت في مرّة آخذ عينة دم من مريضة، وفي الغرفة نفسها ثمة مريض طفل، تتحدث أمّه معه بصوت وصورة وتبكي، فتذكرت (ترويدة يا هاجر) وسمحتُ لنفسي أن أسأل الأم عن اسمها، وإذا اسمها هاجر، فطلعت الترويدة (القراءة) مني مباشرة "على الآه يا هاجر ما صبرتي"، وهي تشبه المواساة لسيدتنا هاجر أم سيدنا إسماعيل، أن لو رأيتِ ما حدث للناس في وادي الطف (مكان المعركة التي ذُبِح فيها الحسين سبط النبي محمد)، ورأيتِ كيف ثكلت رملة بن الحسن (أم القاسم) بابنها القاسم الفتى الذي كان مقبلًا على الزواج من ابنة عمه سكينة بنت الحسين، وظل يقاتل ذودًا عن عمه وأهل بيته حتى أثخنته الرماح والسهام، لكان شكّل هذا لك، ربما، بعض السلوى، وخفّف من مصابك.

محمد كريم ختم بالقول: "لم أقدم شيئًا استثنائيًا، ولم أتفضّل على أحد، فعلت ما أملاه عليّ إحساسي بالواجب، وشعوري الخاص نحو المرضى عمومًا، والذين ابتلوا بهذا الوباء على وجه الخصوص. أما الأجر العظيم الذي نلته فهو تلك الابتسامة على وجوه المرضى، وهذا الأمل الذي أضاءت به عيونهم. كل مريض يحتاج العلاج ويحتاج الدواء، ولكن في حالة كورونا، الأمل، وقوة المناعة، والرغبة العارمة بتجاوز المرض والانتصار عليه، من العوامل الحاسمة بتحقيق المراد. الشفاء يعتمد على جهاز المناعة، وجهاز المناعة يعتمد على الإيمان بالذات وتلمس أبواب سعادة تجعل المريض يرغب بالشفاء، ومواصلة طرق هذه الأبواب واكتشاف فضاءاتها، والتنعم برياضها. أضف إلى ذلك أنني أعمل بين أهلي وناسي، فأنا ابن البصرة، وهؤلاء هم عترتي وعشيرتي وأحبابي. لم أتعامل معهم بوصفي مجرد موظف يأخذ عينات الدم أو غيره، بل حاولت أن أحتوي مرضاي مدفوعًا بشعور طيبٍ عميق نحوهم، دافعي الأساسي إرضاء الله تعالى، ولست أنا الذي طلب تصويري وأنا أغني للمرضى، بل الناس هم من فعلوا ذلك، وكنت أشاهد هذه الفيديوهات مثلي مثل غيري، وهذا ما جعل أثر ما قمت وأقوم به أكبر وأقوى وأنصع: أغني من أعماق مشاعري، بصدق وإخلاص ومحبة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.