يا غزّة...
يا جبينةَ البحر يا سُهْدَ الندى...
أَنَعْتَذِرُ؟
إنْ فعلْنا... فبأيِّ الرِّماح؟
بأيِّ انْبطاح؟
الرُّمْح في بلادِنا لا نَصْلَ لَه
نشْحذُهُ حين يأْمرْنا الغُزاة أن يكون نَحْوَ أهْلِنا
بأيِّ لِسانٍ مَقْطوعَةٍ نعتذرُ
قَطَعوها فَأنْجزنا المَهمة
ألقيْنا يوسفَ في اليَمْ
حتى لا نقول آآآه
حتى لا نقول أخخخ
قطّعوا أيدينا... شريانَ الشرفِ الأخيرِ في عروقِنا
مرّغوا في الرَّمْلِ بُروقَنا
يااااا غزّة
يا الحبقَ المشلوعَ في برِّ السماء
يا انْتشاءَ الدَمِ وانفجارَ الفِداء
أَنَعْتَذِرُ؟
ممّن...؟ وباسْمِ مَن؟
أباسمِ بلاد العرب أوطاني؟
أباسمِ السّفاهةِ في شجى الألحانِ؟
أباسمِ الوزيرِ والأميرِ والمقاولِ والمموّلِ والمُنافقِ والمُرافقِ والمُرابعِ والمُمانعِ والشيّالِ والدلّالِ والقوّادِ والشحّادِ والمُنقادِ والمُعتادِ والمضبوعِ والمنقوعِ والديّوثِ والمخنوثِ والخسيسِ والدّسيسِ والمربوطِ والمحْبوطِ والممعوطِ والمفروطِ والمشقوقِ والمخزوقِ والمنفوقِ والمَبهوقِ والمشؤومِ والمأزومِ والمجزومِ والمجذومِ والمعدومِ والإمامِ والمأمومِ والقائمِ والصائمِ والمتفائلِ والمتشائمِ والمعوّمِ والعائمِ والمنوّمِ والنائِم؟
أباسمِ الصمتِ على الجرائِم؟
أباسمِ نُفوسٍ غابت مِنها المروءةُ ينزُّ مِنها القيءُ يَعْتريها الصَّديد؟
أباسمِ رؤوسٍ مجبولةٍ بِأَفْكارِ العبيد؟
ياااااا غزّة
يا بَلْسَمَ التُّفاح يا عندليبَ المراكِب
لا تقبلي اعتذارَنا...
اُتْرُكينا... اُتْرُكي لَنا عارَنا...
اتركي الزعيمَ يختارُ قميصَ نومِ النِّخاسة
اتركيه يوزّع على الأمواتِ نوباتِ الحِراسة
لا تُزْعجيه... لا تنادي الأسماءَ التي تعْلميها
قد بدّلوها: الكرامةُ صارت بيضاءَ الحَمامة... النَّخوة صارت رخْوة... الفزْعةُ صارت بِدْعة... الفجر مُدْلَهِم... الليل سادِرٌ طويل... أسوارُ القصرِ عاليةٌ فاعْذُريه لا يرى ما يراه الرِّجالُ الرِّجال...
يا غزّةَ الطالعةَ من كلِّ ألوانِ المُحال
يا زنبقةَ المجدِ وأثوابَ الدَّلال
لا تعْذريه... لا تعْذرينا... لا ترْسمي ما يُشْبِهُ الرجاءَ فينا... هذا رجاءٌ لا يجيء... لا رجاءَ في قبائلِ النَّسيء... لا تُحَلِّلُ... لا تُحَرِّم...
كلُّ أشهرِها حرام...
كلُّ بَراريها حلالٌ للمعتدي حرامٌ على أهل المَقام
قولي لهم يا غزّتي... يا قمرتي:
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}...
خانوكِ يا غزّةَ صدِّقيني...
سمعتهم يَنْهَقون "شهورُ الحِلِّ نَجْعَلْها حَراما"...
سمعتهم يَنْعَقون لا عليك سوف نبقى نِياما
رأيتُ الوَحْلَ يقْذِفْهم سُقاما
رأيتُ دودَ الأرضِ يَقْرِضُهُم
اللزّيق يَبْصُقُهُم
النَّاموس يَشْنُقُهُم
الكابوسُ يَخْنِقُهُم
جُبْتُ دِيارَهم سبعًا لعلِّي أَبْلُغُ النَّجدَة
لم أبلغْ سِوى جُحْدا
بلّغوني أنْ لا أبلغْكِ السلامَ
مُطأطئي الرأسِ كانوا
مَفضوحينَ كالنَّعامَة
قوامهم هُلاميّ
مسكونينَ بِالهوان
عيونُهُم مرْعوبَة
ظهورُهُم مرْكوبَة
قلوبُهُم معْطوبَة
يُتْقِنونَ تشييدَ السُّجون
يظنّون بالله كلَّ الظُّنون
البيانُ الجُمْرُكيْ: خائنون
الموديل: خائنون
النوْع: خائنون
سنةُ الصُّنْع: خائنون
لونُ العيون: خائنون
لون الشعر: خائنون
الطول: خائنون
الوزن: خائنون
رقم الهوية: خائنون
رقم (الشَّصِي): خائنون
تاريخ الولادة: خائنون
مكانها: خائنون
اسم الأب: أجامِمنون
اسم الأم: أجامِمنون
اسم الدّاية: أجامِمنون
علامات فارقة: خائنون
الأولاد: خائناتٌ بعد أنْ بدّلوا جِنسَهُم
البنات: خائنونَ بعد أنْ شوّهت بلادُنا كلَّ شيء
يا غزّةَ الجميلةَ كأنكِ النَّيْروخ
كُلُّنا مُسوخ
كلُّنا شُروخ
لا تعذُرينا
لا تبْني أملًا مُرْتبطًا فينا
لا تنادينا
قد أسمعتِ لو ناديتِ حيًّا
أمّا نحن: لا حياةَ تنبضُ في عروقنا... لا دمعَ يجْري في مآقينا...
تركنا كلَّ زُناةِ الليل يعْبثوا في مخادِعنا
كلَّ لصوصِ الأرضِ يسْرحوا... يمرحوا في مرابِعنا
ضيَّعنا كلَّ ألوانِ العَلَم
تَمْسَحنا فلا نعرِفُ الأَلَم
ما بعد حضيضِنا حضيض
نقيضُ النَّقيض
يا غزّة...
يا جدائلَ الحُور فَوْقَ مَوْجَ السَّنا
أديري الظَّهْرَ لَنا كُلَّنا
لا تنتظري اعتذارَنا
فنحن غيرُكِ وأنتِ غيرُنا
لا نُشْبِهُك... لا تُشْبِهينا...
هل تُشبهُ العِزّةُ قيعانَ الفَنا؟
أنت نورُ البُدور ونحن فَحْمُ الرذيلة
أنت حِمى الثُّغور ونحن أولادُ الدَّخيلة
أنتِ ليلةُ القَدْرِ ونحن الغُرْزة الحَمراء
أنتِ شارةُ النصرِ ونحن الخِسّة العَرْجاء
أنتِ، بعدَ اللهِ، الرَّجاء
أمّا نَحْنُ...
ما مِن رجاء
ما مِن رجاء
ما مِن رجاء...
تحميل المقال التالي...