}

نابلس: أثرٌ من شَكيم بين عيبالَ وجِرزِيم

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 20 أبريل 2024
أمكنة نابلس: أثرٌ من شَكيم بين عيبالَ وجِرزِيم
نابلس: عبق التاريخ وشجن المكان

وأنت تتجوّل في خانِها القديم... خارجًا منه نحوَ دوّار الشهداء... مارًّا بِالمصابِن (مصْبنة طوقان، وغيرها)... والجًا البوابة الواسعة لِمطعم "شرف"، صانعًا بنفسك (ساندويشة) الفلافل التي تضيف إليها ما تختار من المقبّلات، هل سألت نفسك: ما الذي تريده من نابلس؟ هل تبحث عن أماكن الماضي، أم ماضي الأماكن؟ هل "تسعى لِترتيقِ زمنيْن كما يرتقُ المرء غيمتيْن بالإبرةِ والخيْط"؟ مستعيدًا سؤال مريد البرغوثي لِنفسه ذات شهادة حول مكانه الأول ("ضفة ثالثة"، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020).
نابلس... وصفها شيخ الربوةِ الدمشقيّ بأنها "قصرٌ في بستان"... أمّا ابن بطوطة الذي زارها عام 1325 ميلادية، فقد قال عنها إنها "مدينة عظيمة... كثيرة الأشجار والماء... من أكثر بلاد الشام زيتونًا، بها مسجدٌ جامعٌ متقنٌ وحسنٌ في وسطه بركة ماء عذب"...
شمسُ الدين المقدسيّ قال فيها: "مدينة تحيطها الجبال... كثيرة الزيتون... يسمّونها دمشق الصغرى، وهي في وادٍ قد ضغطها جبلان، سوقها من الباب إلى الباب وآخر إلى نصف البلد، والجامع وسطها، مبلطة نظيفة لها نهر جارٍ، بناؤهم حجارة ولهم دواميس عجيبة"...

نابلس: دوار الشهداء 


هي قلب فلسطين لِربطها شمالها بِجنوبها وشرقها بِغربها... من أقدم مدن العالم... يعود تاريخها لأكثرِ من 5600 عام ماضية عندما أسّسها الكنعانيون عام 3600 قبل الميلاد فوق "تل بلاطة"، وَربما من هنا جاء اسمها الكنعانيّ "شكيم" أي المكان المرتفع... يزهو ماضيها وحاضرها عند ملتقى أقدام جبليّ جرزيم جنوبها وعيبال شمالها... يعشقها أبناؤها عشقًا سرمديًّا، ويغنّون لها "نابلس بعد الله"... يتوزّعون حاراتها: القرْيون، وَالحبلة، وَالعقبة، وَالغرب، وَالياسمينة، وَالقيسارية، وَرفيديا، وَالنّصر، وَفقوس، وَغيرها... وبلداتها: أوصرين، أجنسنيا، الباذان، العقربانية، الناقورة، النصارية، برقة (أو برقا)، بزارية، بلاطة، بورين، بيت إيبا، بيت إمْرين، بيت حسن، بيت دجن/ نابلس (لأن هناك بيت دجن أخرى هي بيت دجن يافا)، بيت وزن، بيتا، تل، تلفيت، جماعين (أو جماعيل)، جنيد، جوريش، حجا (أو حجة)، حوارة، خربة خنيفس، دوما، دير الحطب، دير شرف، روجيب، زعترة، زواتا، زيتا جماعين، سالم، سبسطية، صرّة، طلّوزة، عراق بورين، عزموط، عصيرة الشمالية، عصيرة القبلية (أو الجنوبية)، عقربا، عمّورية، عورتا، عين الشبلي، عينابوس (أو عينبوس)، عُورِيف، قبلان، قريوت، قصرة، قوصين، كفر قليل، لوزة، مجدل بني فاضل، مَادَما (أو مدما)، مَسْحة، ياصيد (لؤلؤة الشمال) وَيانون وَغيرها... يفْدونها بالأرواح... وإذا بِها بقوّتهم وَعزيمتهم وَبسالتهم بِالدفاع عن نابلسِهم يصبح اسمها "جبل النار"... صور شهدائها تزيّن ساحاتها وَخانها وَمفارقها وَدواويرها وَدواوينها وَكل جلسات عشائرها وَرعاة شأنها... صورهم مع بنادقِهم... فَالناس في نابلس لا يتخيّلون شابًا من دون بندقيّته... ليس حبًّا بِما يفضي إليه السلاح من قتل وَدماء... بل التزامًا بِما يحققه من ذودٍ عن الرياض، وَحماية للصغار وَالكبار... فهم يحبّون الحياة ولكنهم يحبّون نابلسَهم أكثر...

المكان وَالكرامة
يسأل النابلسيون أنفسهم: كيف تكون نابلس لهم إن لم يكونوا قادرين على التحرّك فيها، منها وَإليها؟ يقول البرغوثي في شهادته حول المكان الأول: "لكي يكون المكان مكانًا يجب أن نكون قادرين على أن نتحرّك فيه ومنه وإليه عندما نشاء. وحين يفقد المكان هذه الصفات يتغير معناه تمامًا".
المكان يرتبط، إذًا، وأساسًا، بِالقدرة على حمايته، يرتبط بِمعناه أكثر من ارتباطه بِجمالياته التي بحث عنها خلال حفرهِ في المكان غاستون باشلار في كتابه "جماليات المكان". يرتبط بِالذاكرة، وقصص الجدّات، وَبطولات الأجداد، وَتلك العلاقة الحميمة بين الخلْق وَالثّرى...
المكان هنا؛ في نابلس وباقي مدن فلسطين، هو الدافعية القصوى لِلصمود... هو شهداء الفجر... إطلالة البدر... الوحدة العميقة داخل تفاصيل التنوّع الغزير، فإذا بالسامريين يندمجون كليًّا بأهلهم في نابلس، فهم منهم، وهم بعض تاريخ المكان، كانوا هناك قبل 3673 عامًا... بنوا فوق جبل جرزيم معابدَهم وأوابدَهم... نزلوا لِلخان وَفتحوا هناك الحمّامات وَالمحلات وصلّوا باللهجة النابلسية الطازجة النديّة...
نابلس هي كرامة أهل نابلس، وَلهذا، ربّما، تجرأوا في الغناء لَها رائينَ فيها أنها المعنى الثاني بعد معنى الله... تلك الأغنية التي كنتُ أسمعها من إذاعة نابلس كل صباح "نابلس بعد الله" عندما أقمت هناك عام 2008، أكثر من 40 يومًا أعمل على إنتاج فيلم عن السامريين "السامريون والخلاف التوراتي"... وهو الفيلم الذي سعى هدفه الأهم إلى دحض أكذوبة وجود هيكل لسليمان في القدس، حيث يرى السامريون أن لا هيكل لِسليمان في القدس، يؤكدون ذلك عارضينَ عليك وثائقَهم وأدلّتهم الدامغة...
الكرامة التي لا ينغّصها إلا سجن جنيد البشع في اختلافهِ عن عمارة المكان وَروحهِ... تجد مضيفيكَ وَمرافقيك من أهل نابلس وَقراها يستديرونَ عائدين يريدونكَ أن تستدير معهم، وحين تسأل لماذا لا نكمل المسير في هذا المساء المرطّب بِعبق الوطن السليب؟ يكون ردّهم (لا نريد أن ننغّص كزْدورَتنا)، لأفهم بعد أكثر من مرّة، وَبعد تكرار مشهد التوقّف المباغت، أن السبب الرئيسيّ للاكتفاءِ بهذا الجزء من نابلس كي يطلعوني عليه هو وجود ذاك السجن المترائي، كما لو أنه نبتٌ شيطانيٌّ وسط جنّة نابلس الرحمانية العريقة الممتدة في التاريخ وعناقيد المجد.

قُطن نابلس
قد لا يعرف كثير من الناس أن نابلس القرن الثامن عشر وحتى أواسط القرن التاسع عشر، كانت من أكبر مصّدري القطن إلى أوروبا، وَخصوصًا فرنسا. يقول المؤرّخ الفلسطيني بشارة دوماني في كتابه "إعادة اكتشاف فلسطين/ أهالي جبل نابلس 1700 ــ 1900"، إن نابلس "لعبت طوال القرن الثامن عشر، دور مركز فلسطين التجاري والصناعي، وَغدا ريفها أكبر منتج في سورية الكبرى كلها، لِأهم سلعة تصدّر الى أوروبا: القطن. وقد أمدَّ توسّع الزراعة التجارية "جماعة تجار نابلس"، القوية أصلًا، بالنفوذ، إذ أتاح للتجار فرص استثمارٍ كبرى في إنتاج السلع الزراعية، وَتصنيعها، وَالاتّجار بِها".
في سلسلته الوثائقية "طريق سيدي" يقول المخرج الفلسطيني نزار حسن إن مصانع مدينة "ليون" الفرنسية كانت تربط كل إنتاجها من المنسوجات بِمحصول القطن النابلسيّ، فإن كان غزيرًا تباركت مصانعهم وَدارت عجلاتُها، إلى حد أن تلك المصانع كانت تبقى صامتة تنتظر لِحين وصول القطن النابلسي. ويزيد بِتأكيد أن بورصة أوروبا كلّها كانت ترتفع وتنخفض قياسًا لِوضع القطن النابلسي وَمدى تدفّقه إليهم. وَالسؤال هنا هل كانت نابلس تسبق مصر وقتها وَحلب في مسألة تصدير القطن؟ ربما، إذ يبدو أن الأمر كذلك.
أمّا الزيتون النابلسيّ فمن منّا لا يعرف قيمته؟ ومن منّا لا يملك ذاكرة مرتبطة بعمٍّ، أو خال، أو قريب، أو نسيب، كان يأتي من (غَرْبَة) حاملًا معه بعض بركات زيت الزيتون النابلسيّ وَتنكاتِه؟

عمارةُ نابلس
تحمل عمارة نابلس خصوصية تلتقي في كثير من تجلّياتها بطرزِ العمارة الشامية القديمة (البيت الدمشقي، وَالبحرة، وَما إلى ذلك). كما تتميّز البلدة القديمة في نابلس بسحرِها وطابعِها المعماريّ الخاص الذي أثرتْه الحضارات المختلفة التي تعاقبت عليها، مثل الحضارات الرومانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية، وغيرها. وَيبدو واضحًا لِلعيان مدى حرص كل من هذه الحضارات على ترك بصماتِها التراثية وَالمعمارية على مختلف معالم البلدة القديمة. ومن أهم أنماط البناء السائدة في البلدة القديمة حاليًا الطراز المعماري الإسلامي، وَبِخاصة الطراز المملوكي، الذي لا تزال بعض معالمه بارزة حتى يومنا هذا في عدد من البنايات والمساجد في البلدة القديمة، مثل النقوش المملوكية على البوابة الشمالية للمسجد الصلاحي الكبير، ومسجد الساطون، وَبعض الأبنية السكنية التاريخية.
إلى ذلك، تعد الحمامات التركية من أهم معالم التراث المعماري الخاص في البلدة القديمة، وهي تتوزع على مختلف أحيائها وحاراتها، وما يزال اثنان من أصل أحد عشر حمامًا من حمامات البلدة القديمة يعملان حتى يومنا هذا: حمام الشفاء (الجديدة)، وحمام الهنا (السمرا). ومع أن تسمية الحمامات العامة بالتركية جاءت نتيجة كون الطراز المعماري لِبعض هذه الحمامات تركيًا، إلا أن كثيرًا منها لم تُبْنَ خلال فترة حكم الدولة التركية العثمانية في فلسطين (1516 ــ 1918)، بل إن بعض الدارسين وَالباحثين ذهبوا إلى القول إن بعض هذه الحمامات بُني خلال فترة حكم الإمبراطورية الرومانية. وتجدر الإشارة إلى أن البلدة القديمة تحتضن العدد الأكبر من مجموع الحمامات التركية في فلسطين التي كان عددها في ما مضى 30 حمامًا.

أسماءٌ حُفرت
مما لا شك فيه أن إحاطةً شاملةً جامعةً مانعةً حول نابلس وَقراها وتاريخها وَأعلامها وَمكانتها وَعراقتها وَعبق الياسمين الدمشقيّ المتدلّي من شرفاتِ مجدها، هو مما يمكن أن يدخل في ضرب الأمنيات عندما نتحدث عن مقال في جريدة، أو موقع ثقافي، ولكن مما لا شك فيه، أيضًا، وأيضًا، أن الكتابة عن نابلس من دون التطرّق لشاعر فلسطين إبراهيم طوقان، ومن دون التطرّق لِشقيقته فدوى طوقان (سنديانة فلسطين)، مما قد يدخل في باب خيانة الموضوعية، وخيانة المدينة نفسها.

نابلس القديمة 


يكفي أن نشاهد شارة مسلسل "التغريبة الفلسطينية" ليعود لنا إبراهيم بِكامل عنفوانِه: "هو بِالباب واقفُ وَالرّدى منه خائف... فاهدئي يا عواصفُ خجلًا من جراءتِه"، القصيدة التي مستهلّها: "لا تَسلْ عن سلامتِهْ... روحُه فوقَ راحتِه... بدَّلَتْهُ همومُهُ كفنًا من وسادِتهْ" بصوت السوري الإقامة العراقي الهوية عامر حسن الخياط (والده عراقيّ موصليّ، وأمّه سورية)، وألحان وتوزيع السوري المُجيد طاهر ماملي. تذكّرٌ يعيدنا مباشرة إلى نشيدِ إبراهيم طوقان الباقي "موطني"، الذي صار اليوم النشيد الوطني العراقي.
أمّا الشقيقة الرقيقة فدوى التي ظلّت رقيقة حتى وهي تدخل عقدها التاسع، فيكفي أن نتذكّر معها في حضرة غيابها الحاضر، بعضًا من قصيدتها "على قمّة الدنيا وحيدًا"، وهي القصيدة التي لم تنس فيها عيبال، وكثيرًا من تجليات نابلس في وعيِها وشعرِها وشرايينِ ذاكرتِها:

"وجهك الغائب يلقانا على صدر الجريده
وعلى نظرة عينيك البعيده
نحن نمضي ونسافر
ونلاقيك، نلاقيك على
قمة الدنيا وحيدًا يا بعيدًا، يا
قريبًا، يا الذي نحويه فينا في الخلايا،
في مسام الجلد، في نبض الشرايين التي
وتَّرها الحزن المكابر
يا بعيدًا، يا قريبًا، نم على الصدر الذي
يفتحه "عيبال" من أجلك أسند
رأسك الشامخة اليوم إلى "القبّة"
فالصخرة في القدس احتوتك الآن
حين الموت أعطاك الحياة
أنت يا....".

لم يكونا وحدهما، إبراهيم وفدوى، أعلام نابلس، فهي قائمة تطول، وتطول، وَيكفي أن نعدد (فقط تعدادًا) منهم: حلمي الزواتي، وعبد اللطيف عقل، وليلى علوش، وعلي الخليلي، ومحمد مهيب جبر، وعادل زعيتر، وقدري طوقان، ومحمد عزة دروزة، وثريا ملحس، وأكرم زعيتر، وبسام الشكعة، وروحي خمّاش، الموسيقيّ العبقريّ الذي استقر به المَقام في العراق، وقيل إنه أضاف هناك للعودِ وترًا جديدًا، وعبد الحميد السائح، وَطاهر المصري، وعلياء طوقان، وسليمان النابلسي، وَكما قلنا تطول وَتطول...

توأمة
لو قدّر لنابلس أن تختار مدينة توأمها من خارج فلسطين، فهي حتمًا سوف تختار مدينة السلط الأردنية؛ الجبال هي الجبال، والحجر النابلسيّ الصلب الأصفر يزيّن بيوتات السلط ومبانيها وأهم معالمها. يكفي أن نعلم أن أكثر من 56 عائلة (عشيرة، حمولة) من مدينة السلط الأردنية تعود أصولهم إلى نابلس: النابلسي، أبو الراغب، المصري، الساكت، تفاحة، رشيد، الكيلاني، وغيرها، والعكس صحيح، فهنالك بعض العشائر، أو الأُسر، التي انتقلت من السلط أيام الدولة العثمانية وأقامت في نابلس. الباحث د. هاني العمد، والأديب د. محمد عطيّات، تناولا هذا الموضوع في أكثر من كتاب وَدراسة وَمقال، حيث يُرجع الدكتور عطيّات الأمر إلى نزول عدد من النابلسيين في عام 1856، عند ساحة العين (أو جسر العين، عين الماء الوحيدة أيامها في السلط)، وبقاؤهم هناك... إلى أن توسعت السلط وتوسّعوا معها واستقرّوا فيها.
من شارع الستين في السلط... يرمي عشاق الوطن الواحد شرقًا وَغربًا أبصارهم نحو القدس، وَنابلس، ورام الله... في الليالي القمرية الصافية، يرى الناس نابلس من هناك رأي العين... وَالعين هي البداية، وهي قصة أول شغف بين المدينتيْن اللتيْن تحملان عبقًا شآميًا بليغًا.

كتيبة نابلس
منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، انخرطت نابلس (جبل النار) انخراطًا عميقًا شجاعًا في النضال الفلسطيني علىى طريق تحرير الأرض والإنسان، وأما في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) فقد كان انخراطها نارًا صَلَت المُعتدينَ وَأحرقت أحلامهم بِاستعادة مملكة يهودا والسامرة. قدّمت وما تزال تقدم الشهداء. وفي داخل الخان القديم أوقعوا غير مرّة جنود الاحتلال بِكمائن أذاقتهم الويل، وَأعادت كثيرًا منهم جثثًا هامدة. واليوم تتصدّر كتيبة نابلس التابعة لسرايا القدس- الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي المشهد النضاليّ المقاوِم في نابلس. ومنذ طوفان الأقصى تتبنّى الكتيبة عمليات نوعية على طريق تثويرِ الضفة وإشعالِ فتيلِ انتفاضةٍ ثالثة ثابتةٍ فيها. إضافة إلى كتيبة نابلس، فإن "عرين الأسود" أرعب في فكرته، وفي عدم انتمائِهِ إلى حزب واحد، أو حركة واحدة، العدو المرتجف هذا اليوم الجبان كل الأيام وَالأعوام وَالقرون، وهو عرينٌ لِنابلس فيه نصيب، إنْ لم نقُل كلَّ النصيب.

عبق التاريخ
تحت كل حجر، ربما، من حجارة نابلس، يقيم التاريخ بمختلف أوابدِهِ ومعالمِهِ وآثارِهِ. ازدحامُ آثار وَمعالم يصعب حصره وَالتفصيل فيه؛ من المقبرة الرومانية، إلى كل آثار سبسطية، إلى التل، وما أدراك ما التل، إلى الخان العثماني (خان الوكالة)، مسارح قديمة (أحدها يقع أعلى حارة العقبة في منطقة حي كشيكة من رأس العين، ويعود في بنائهِ إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي)... ميادين (ميدان سباق الخيل على الطريق إلى طولكرم)... مدرجات (أحدها يقع خارج البلدة القديمة من نابلس مقابل المستشفى الوطني)... بئر يعقوب... قبر يوسف... زوايا (الزاوية البسطامية والدوريشية، وغيرهما)... سُبُل ماء (سليمان آغا طوقان، سبيل الران، وغيرهما)، إضافة إلى القصور (منها قصر طوقان، وَقصر النمر، وغيرهما). أمّا ساعة المنارة فهي تشمخُ هناك وسط البلدة القديمة لِتقول لِلعالم إن فلسطين وَمدنها وَنواحيها هي منارات حضارة ساطعة أْنبتتها حضارات وَحضارات.
كل هذا وَنحن لم نصل بعد إلى تعداد الصبّانات وَالأسواق (السوق الشرقي، الغربي، سوق الذهب، الحدادة، البصل، الخان الجديد والخان القديم، وغيرها). ولم نمرّ على: المدرسة الفاطمية، الوكالة الغربية، السرايا، البرج الصليبي، الوكالة الفاروخية، المدرسة الهاشمية، دار المفتي، المحكمة الشرعية، المنارة، مضخة القريون، القناة الرومانية والمستشفى الوطني، ومعالم أخرى كثيرة وَمنيرة وَشهيرة. وَلعيونها شجنٌ خاص: عين العسل، حسين، الصلاحي، الست، القريون، السكّر، الكاس، مِيرة، الصِبيان، الساطور، بدران، بئر الدولاب، العجيبة، التوباني وَعين التوتة. وَفي نابلس، إلى ذلك، كنائس (الكنيسة الإنجيلية، كنيسة الأرثوذكس، وكنيس سامري)، وَبوابات: البوابة الشرقية، الغربية، بوابة البيك، الدير، إدريس، باب الوكالة، بوابة الشيخ مسلم وبوابة سوق الحدادة.
فإلى أي مدى يا نابلسَ تأخذينا؟ إلى أي بابٍ ومحرابٍ وحروفِ كتاب؟
نحن لا نخشى عليك طالما أن من شبابكِ من يفدونك بأرواحهم أمثال الشهداء: نايف أبو شرخ، وفادي بحته، وجعفر المصري، ومحمد العزيزي، وعبد الرحمن صبح، وإبراهيم النابلسي، وعايد عادل القنّي، ووديع الحَوَح، وتامر الكيلاني، وجمال سليم، وجمال منصور، ومحمود أبو هنود، وقائمة تطولُ وَتطول. ولن ننسى أن كثيرًا من روح نابلس، ومن أسماء شهداء نضالها ومقاومتها، هم من أبناء مخيماتها: بلاطة (أكبر مخيمات الضفة الغربية) وعسكر، والفارعة، إضافة إلى مخيم في نابلس يحمل اسم "مخيم رقم واحد"، إذ يبدو أن الاسم يتعلّق بكونه أقدم مخيم لاجئين فلسطينيين في الضفة الغربية، ينحدر سكان المخيم الأصليون من مدن اللد، ويافا، وحيفا، وفيه آخرون من أصول بدوية. وَلِكونه أُقيم قرب عين ماء كانت تزوّد اللاجئين باحتياجاتهم في بدايات المخيم، فقد أطلق عليه أيضًا: "مخيم عين بيت الماء".
ولن نودّع نابلس، بل نستودعها الله، ومن بعده عزيمة شبابها، ونغني معهم وَلهم نشيدًا من أناشيد المدينة وَالانتفاضة وَفلسطين، من كلمات محمد أمين، وألحان فؤاد عواد، وَأداء فرقته:

"كبروا الصغار يا جبل النار صاروا ثوار
وحجارك نار خلت هالدرب بالليل نهار
يا جبل النار المضويه
يا مشعل درب الوطنية
يا مسامح يا مسامح
يا مسامح هالإنسانيه
حتى تمثال الحريه يا جبل النار
بحجارك يا جبل الناااااار كان سلاحي
واجهت الباطل ورصاصوا بنزف جراحي
زغرودة أمي صحتني وأنا مش صاحي
يا روحي بتراب بلادي لا ترتاحي
واصحابي ماشيين
ماشيين ماشيين
ع الدرب ماشيين
درب كفاحي يا جبل النار
يا متوجنا بإكليل الغار
نحن الأطفال نحن الشهدا نحن الأبرار
والأردن والنيل وبردى وكل الأحرار
مع جبل النار
يا فجر جديد يا ألف نهار
واصحابي ماشين
ماشين ماشين
ع الدرب ماشين
كل المشوار كل المشوار يا جبل النار
يا جبل النااااار".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.