}

الفن كأداة احتجاج في قضية فلسطين

سارة عابدين 25 مايو 2021
فن الشارع هو فن يقدّم في الشوارع والأماكن العامة وعلى الجدران والأرصفة والطرق السريعة، هو فن مرتبط بالكتابة على الجدران. عادة ما يكون فن الشارع وسيلة لنقل رسالة مرتبطة بالأفكار السياسية أو الاجتماعية. يريد فنانو الشارع أن يرى الجميع أعمالهم لأن هدفهم هو إثارة الجدل والنقاش وردود الفعل. لذلك ارتبط الغرافيتي وفن الشارع بقضايا الاحتلال والثورات كونه دليل على قدرة الفنانين على السيطرة على الفضاء العام بكل ما تحمله تلك القدرة من رمزيات، بالإضافة إلى أن فن الشارع يعمل على زيادة الوعي ونشر القضايا بشكل غير مباشر وأحيانًا يكون دعوة للمشاركة والتمكين وهو علامة مرئية وواضحة على فاعلية المواطن وقدرته على الاحتجاج، كما أنه يخلق ذاكرة جمعية قوية تربط بين كل ما يشاهده حتى دون وعي.

 

الغرافيتي وفن الشارع والقضية الفلسطينية

في أوائل عام 2000 وبعد عقود من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبحجة تزايد التفجيرات والعمليات الاستشهادية من طرف المقاومة الفلسطينية، قامت الحكومة الإسرائيلية ببناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، الذي أدّى إلى تغيير جذري في المشهد السياسي للمنطقة، ولا يزال مثيرًا للجدل.

على الرغم من الضغط والوساطات الدولية، لم يقدّم أحد حلًا، لكن بقيت الجهود الفاعلة تحاول لفت الانتباه إلى النضال الفلسطيني، مع استمرار العمليات الاستشهادية والنضال السلمي عن طريق الإنتاج الفني والجداريات ورسوم الشارع والكتابات السياسية على الجدار العازل والجدران المختلفة، لتعزيز الهوية الفلسطينية ولفت الانتباه إلى النضال الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في أرضه.

أقيم جدار الضفة الغربية على بعد 14 ميلًا شرقي الخط الأخضر، وهو الحد الفاصل بين المنطقتين. صادرت حكومة الاحتلال الأراضي والمنازل الفلسطينية من أجل بناء الجدار، بالإضافة إلى فصل مئات العائلات عن منازلها ومزارعها ومصادر المياه، وتم عزلها بشكل كامل عن العالم الخارجي. يتحكّم حوالي 450 حاجزًا إسرائيليًا في حركة تنقّل الأشخاص داخل وخارج المنطقة، حيث تمنع إسرائيل الفلسطينيين من الحريات الأساسية والإمدادات المادية التي غالبًا ما تأتي من منظمات المساعدة الإنسانية ويمنعها الجيش الإسرائيلي.

 





الفن والاحتجاج

أدّى عدم احترام الحكومة الإسرائيلية لحقوق الإنسان الأساسية إلى العديد من مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين، وتطوير العديد من المبادرات للفت الانتباه الدولي إلى الوضع، مثل مبادرات دعم المقاطعة وسحب الاستثمارات، أو اقتراحات حظر المنتجات الإسرائيلية، والحثّ على مزيد من الإجراءات الدولية ضد إسرائيل.

كان جدار الفصل بالضفة الغربية مسرحًا لمختلف طرق التعبير الفني، فيما يتعلّق بالوضع في المنطقة. يمكن رؤية جميع أنواع الفنون على طول الجدار بأكمله. هذا الاستخدام للفن ليس مفاجأة، لأنه استخدم لآلاف السنين كشكل من أشكال التعبير البشري، وطريقة لتوثيق اللحظات والأحداث التاريخية الهامة والمؤثرة.

كان الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي موضوعًا للفن الفلسطيني والعالمي حتى قبل بناء الجدار. في الثمانينيات خلال الانتفاضة الأولى استخدم الفلسطينيون الفن كوسيلة للتواصل داخل المجتمعات المختلفة، وللحفاظ على صورة الرموز الوطنية التي كانت محظورة من قبل السلطة الإسرائيلية، مثل العلم الفلسطيني. كانت هذه الرسوم والعبارات والرموز هي طريقة تعبير الفلسطينيين وطريقتهم في المقاومة في بيئة خاضعة للرقابة والمراقبة الشديدة، حيث كانت سلطة الاحتلال تمحو هذه الرسوم باستمرار من على الجدران الفلسطينية عندما ظهرت كشكل للمقاومة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

وتخزّن جدران غزة سنوات من الشعارات والطبقات، التي يمثّل كل منها مجموعة مقاومة مسلّحة فلسطينية مختلفة. مع ذلك لم تكن أعمال الغرافيتي في الانتفاضة الأولى فنية بالأساس. كانت خربشات سريعة ورسائل يتم رشها سريعًا حتى لا تنكشف هوية الشباب، ولا يتم القبض عليهم أو إطلاق النار عليهم من قبل جنود الاحتلال.

بيد أن ما ظهر كشكل من أشكال المقاومة ومنصّات للدعاية الحزبية والخطاب السياسي، نما ليصبح شكلًا من أشكال الفن والثورة والاحتجاج، وسرعان ما اشتمل على كل أنواع الشعارات والرسوم الاحتجاجية.

مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من أراضي غزة عام 2005 أصبح من السهل على الفلسطينيين رسم الغرافيتي بحرية أكبر. بعض اللوحات يخلّد ذكرى النكبة، والبعض ينادي بحقوق المعتقلين الفلسطينيين، أو يستعيد ذكرى الشهداء. لكن ليس فقط اللوحات والشعارات المشحونة سياسيًا، هناك أيضًا قصص الفرح والحزن ورسائل تهنئة الحجاج، أو المتزوجين حديثًا، أو المعتقلين المُفرج عنهم، وكذلك رسائل الحداد المنتشرة في غزة.

 

فنون جدار الفصل

مع ذلك لا يزال جدار الفصل في الضفة الغربية أحد أكبر الجداريات في فلسطين، وتعتبر فنون الجدران مهمة لإبقاء القومية الفلسطينية حية، والحفاظ على أمل النصر باستمرار. في كتاب "الكتابة على الجدران: غرافيتي الانتفاضة" تروي الكاتبة جولي بيتيت قصة شابة في رام الله عندما سُئلت عمّا إذا كانت معتادة على قراءة الكتابة الموجودة على الجدران، أجابت أن ذلك كان دائمًا مصدر ارتياح لها، لأنها تعلم حينها ببقاء المقاومة، والنضال من أجل الحرية والأرض والوطن.

واستخدمت نفس الطريقة بعد بناء جدار الضفة الغربية. ولفتت مجموعات المقاومة المختلفة، والجهات الفاعلة الأخرى، الانتباه إلى معنى الجدار وحجمه الذي يدلّ على مظاهره القمعية. تغيّر المشهد بالنسبة للفلسطينيين منذ بداية الألفية، واستخدم الجدار للتعبير عن الهوية والمقاومة والحرية.

من رسومات بانكسي 


منذ الانتفاضة الأولى تغيّر الفن الحضري في فلسطين. الفن الحضري هو فن يجمع بين فن الشارع والكتابة على الجدران، وغالبًا ما يستخدم لتلخيص جميع أشكال الفنون البصرية التي تنشأ في الأماكن الحضرية. كانت أكثر التعبيرات شيوعًا في الثمانينيات هي الكلمات والرسوم التي لا تهتمّ بالمتعة البصرية، لكنها ترسل فقط رسائل محدّدة، بينما حاليًا يحتوي الجدار على الكثير من الغرافيتي السياسي وفنون الشارع والجداريات.

بدأ هذه الأمر مع زيارة الفنان البريطاني روبرت بانكسي للضفة والمدن المتضررة من الجدار في عام 2005، ورسمه لتسع لوحات جدارية كبيرة تصوّر الحاجة إلى المرور عبر الحاجز أو تدميره. انتشرت لوحات بانكسي الجدارية على طول الجدار، ما تسبب أيضًا بلفت انتباه السياسيين والمواطنين والفنانين إلى النضال الفلسطيني. وربما أثّرت تلك اللوحات في طريقة رؤية العالم للجدار، وبدأ الفنانون الفلسطينيون في رسم جداريات تكرّم أبطال القضية الفلسطينية (مثل ليلى خالد، زعيمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) وتعزيز الهوية الفلسطينية من خلال تصوير الرموز الفلسطينية التاريخية على غرار خريطة فلسطين القديمة قبل عام 1947 والمفتاح الفلسطيني والقبضة المضمومة وأشجار الزيتون.

على عكس الخريطة والعلم الفلسطيني اللذين يعتبران رمزين مشتركين للقومية الفلسطينية ويمكن فهمها بسهولة من قبل الغرباء، وكذلك القبضة المضمومة رمز النضال والمقاومة في العالم، تتطلّب الرموز الأخرى مستوى معيّنًا من معرفة التاريخ والثقافة الفلسطينية ليتم استيعابها.

أحد أشهر الرموز هو "المفتاح" حيث لا يزال يملك العديد من الفلسطينيين مفاتيح البيوت والممتلكات التي اغتصبتها حكومة الاحتلال من عائلاتهم طول العقود السبعة الماضية. ينقل المفتاح كرمز إرادتهم وأملهم في العودة إلى هذه الأراضي والبيوت. كما تعتبر أشجار الزيتون رمزًا مهمًا للصمود الفلسطيني، مثلها مثل الفلسطينيين تقاوم الظروف القاسية وتنمو من جديد في كل مرة تقطع فيها.

بعد انتشار الرسوم على الجدار الفاصل، أصبح الجدار مثيرًا لاهتمام السياح من كل العالم، وبدأوا في زيارة الجدار والتعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية والمطالبة بالسلام وتدمير الجدار. وتظهر رسائل مكتوبة بعدة لغات تنتقد عدم تحرّك الأمم المتحدة بهذا الشأن، وتشجّع الفلسطينيين على المقاومة.

في مواجهة الكم الهائل من الفن الذي أنتج على الجدار، توقفت حكومة الاحتلال عن محو الرسوم من على الجدار، ما جعله أحد أكبر اللوحات الجدارية في العالم، تمامًا مثل ما حدث مع جدار برلين. كان لوجود اللوحات والرسوم على الجدار جنبًا إلى جنب مع التقنيات الحديثة التي تسمح للسائحين بتصوير هذه اللوحات ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تأثير كبير على إثارة الجدل والنقاش وحشد الاحتجاجات ضد حكومة الاحتلال.

الجانب الآخر لتجميل الجدار

على الرغم من أهمية الفن الذي أنجز على الجدار، هناك جانب آخر لما يسمى بتجميل الجدار. حيث يعتقد الكثير من الفلسطينيين أن وجود اللوحات والكتابات يجعل الجدار أكثر قبولًا من الناس. يعتقدون أن جدارًا رماديًا كئيبًا سيكون أكثر إثارة للصدمة، وبالتالي يظهر كما هو: أداة للعنف والحرمان.

أثيرت أيضًا نقاشات حول الوكالات السياحية المتخصّصة في الجولات التي تعرض فنون الجدار، أو حول الفنانين الذين يستخدمون الجدار للترويج لأعمالهم الفنية، وبالتالي يستفيدون من النضال الفلسطيني من دون مساهمة في المقاومة. في المقابل يرى الرأي المؤيّد لفنون الجدار أن التدخّلات الفنية يمكن أن تكون حليفًا قويًا للشعب الفلسطيني، لأنها أدوات قوية تظهر للعالم الجانب الإنساني من نضاله تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما استعمل الفن دائمًا ضد الديكتاتوريات والأنظمة المحتلة وانتهاكات حقوق الإنسان.

 

مصادر:

 

https://theartsjournal.net/2020/03/03/fabiana-kent-paiva/

https://www.equaltimes.org/graffiti-in-the-west-bank-are#.YKOJPaGxVPY

 https://study.com/academy/lesson/street-art-definition-history.html

 https://cutt.ly/DnqQGHB

https://formena.org/en/banksy-and-the-history-of-palestinian-graffiti/

https://www.youtube.com/watch?v=USdMEBMQw_w

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.