}

الرمزية في الفن الفلسطيني: بين الرغبة بالتعبير وتجنّب الرقابة

سارة عابدين 5 ديسمبر 2023
تشكيل الرمزية في الفن الفلسطيني: بين الرغبة بالتعبير وتجنّب الرقابة
ظهرالبطيخ كرمز فلسطيني عقب هزيمة 1967 (Getty, 15/11/2023)

يعكس الفن الحياة التي يعيشها الفنان كما يعكس أفكاره ومخاوفه ولا يمكن بالتأكيد فصل الفن عن سياقه الاجتماعي والثقافي، وبالنسبة للفنانين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض المحتلة فإن استخدام الرموز ليس وسيلة للتعبير عن التراث الفلسطيني فحسب، لكنه أيضًا أداة ضرورية لتجنب الرقابة المفروضة على الفن الفلسطيني.

بعد نكبة عام 1948 ظهرت الرمزية بقوة في الفن الفلسطيني وتراجعت الرموز الدينية وصور الماضي الجميل وظهرت مكانها الأسلاك الشائكة والمفاتيح وقضبان السجون والحمام والبطيخ والكثير من الرموز، وأصبح الفن أداة الفنانين الفلسطينيين للثورة ضد الاحتلال وأداة لتوثيق التراث الفلسطيني، بسبب ظروف التهجير والشتات.

تشابك الفن الفلسطيني بعمق مع الموقف الدفاعي وحماية الهوية الوطنية في مواجهة الاحتلال، وكان لدى الفنانين إيمان عميق بدورهم كطليعة ثقافية تحافظ على الهوية وإيمان بمسؤوليتهم في دعم صمود الشعب والحفاظ على الروح الوطنية العالية، وقد ظهر ذلك الإيمان في الأعمال الفنية التي وثقت الرموز الوطنية في مواجهة سياسات الاحتلال الأساسية المتمثلة في إنكار الهوية الفلسطينية ومحاولات محوها حتى أن مجرد رفع العلم الفلسطيني كان يؤدي إلى السجن وكانت الأعمال الفنية تخضع لنفس سلطة المنشورات السياسية، وكانت سلطة الاحتلال تغرق المعارض الفنية ولم تكن هناك أكاديميات لتدريس الفنون أو متاحف للفنون الوطنية وصودرت اللوحات وحظرت الكتب كممارسات انتقامية من سلطة الاحتلال بحق الفلسطينيين.

بسبب ذلك التضييق كانت المعارض الفنية تقام في المدارس أو قاعات المجتمع المحلي واعتبر تواجد الجمهور في هذه المعارض دعما للوطنية وتأكيدا للهوية الفلسطينية، ورغم أن قلة من الناس فقط هم القادرين على شراء الأعمال الفنية الأصلية، فقد تم تداول الأعمال في جميع أنحاء فلسطين وخارجها عن طريق الملصقات والبوسترات التي عززت الهوية سواء في المجتمع الداخلي تحت الاحتلال أو في مجتمعات الشتات الفلسطيني ما أظهر الجانب الآخر من الصراع السياسي للجمهور في الدول المختلفة.

تغير طرق التعبير المباشر

مع تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 بعد اتفاق (غزة- أريحا) بدأ الفنانون بالابتعاد قليلًا عن التمثيل الرمزي للقضية الوطنية واتجهوا إلى تمثيلات أكثر عمقًا ودلالة على المكان في الرسم والنحت، وبدأ فنانو الجيل الأصغر في استخدام التصوير الفوتوغرافي وأعمال الفيديو وفنون التركيب والأداء بالتوازي مع استكشاف مجموعة كبيرة من الموضوعات المتعلقة بالهوية الشخصية والذاكرة الجماعية والمكان والحدود ومعنى الوطن خاصة هؤلاء الفنانين المقيمين في دول الشتات، لكن رغم التوسع في ممارسة الفن المعاصر إلا أن هناك الكثير من المعوقات، أهمها هيمنة سلطة الاحتلال على نقاط التفتيش بالإضافة إلى جدران التقسيم التي تمنع الفنانين من التواصل مع أقرانهم.

ارتبطت الكوفية الفلسطينية بتاريخ النضال منذ عام 1936 (gettyimages) 


أهم الرموز الفنية الفلسطينية

ظهر البطيخ كرمز تعبيري قوي في أعقاب الحرب الأخيرة بين فلسطين وإسرائيل، لكنه ظهر كرمز فلسطيني لأول مرة عقب هزيمة 1967 عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وأصبح حمل العلم الفلسطيني جريمة جنائية. استخدم الفلسطينيون فاكهة البطيخ لأنها عند تقطيعها تحمل الألوان الأربعة للعلم الفلسطيني "الأحمر، الأبيض، الأخضر، الأسود".

قبل نكبة 1948 اشتهرت فلسطين بزراعة البطيخ ومع بدء احتلال فلسطين جلب المستوطنون معهم بذورًا أخرى أغرقت السوق وخرج البطيخ الفلسطيني من المنافسة، لكن المزارعين الفلسطينيين استطاعوا التمييز بين بطيخ فلسطين وبطيخ المستوطنين، فكانوا يحتفظون بالبطيخ الفلسطيني ويستخدمون البطيح الآخر في رمي دبابات الاحتلال. وفي العقود التي تلت ذلك استعاد الفلسطينيون البطيخ كرمز احتجاجي.

في الثمانينيات من القرن الماضي أغلقت قوات الاحتلال معرضًا فنيًا كبيرًا في رام الله واعتقلت ثلاثة فنانين فلسطينيين هم: نبيل عناني وسليمان منصور وعصام بدر، بسبب دمجهم ألوان العلم الفلسطيني في أعمالهم الفنية. حكى سليمان منصور في مقابلة أجرتها معه قناة AJ  كيف حاول قائد الشرطة الإسرائيلية دفعهم لعدم تسييس فنهم قائلًا "كان يحاول إقناعنا بعدم تسييس الفن قائلًا: لماذا تمارسون الفن المسيّس؟ لماذا لا ترسمون الزهور أو النساء العاريات وسوف أشتري لوحاتكم". أمر بعد ذلك بتقديم اللوحات للجيش المحتل لأخذ إذن قبل العرض.

رفع الحظر عن العلم عام 1993 كجزء من اتفاقيات أوسلو وتم قبوله باعتباره ممثلًا للسلطة الفلسطينية. ظهر البطيخ كرمز مجددًا عام 2021 بعدما حكمت محكمة تابعة لسلطة الاحتلال بطرد العائلات الفلسطينية المقيمة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية لتسكين مستوطنين جدد.

الغزال الفلسطيني

يتجول الغزال الفلسطيني في جميع أنحاء جبال فلسطين، وحتى بالعودة إلى كلمة غزال في اللغتين الإنكليزية والفرنسية نجد أن أصلها عربي وربما تكون مشتقة من لفظ "غزة". لا تزال الغزلان حتى الآن تسكن في جبال فلسطين لكنها مهدّدة بالانقراض ورغم ذلك ليس من الصعب رؤيتها أثناء التجول في البيئات الجبلية الفلسطينية.

زهرة الخشخاش "الدحنون"

إحدى الزهور الاستثنائية التي تزين الريف الفلسطيني هي زهرة الخشخاش أو الدحنون، وهي مثلها مثل العلم الفلسطيني ينبض لونها الأحمر بالحياة أما داخلها فيتزين باللون الأسود القاتم الذي يؤكد على الصبغة النارية للون الأحمر مع الأوراق الخضراء. ترمز الزهرة إلى المشاعر العميقة بين فلسطين وأهلها لأنها نبات معمر يعيش طويلا رغم أي ظروف.

الكوفية الفلسطينية

ارتبطت الكوفية الفلسطينية بتاريخ النضال منذ عام 1936 عندما نفذ أحد الفدائيين هجومًا تسبب في مقتل وجرح عدد من الجنود البريطانيين، لكن أحد الجنود نجا وأبلغ قائده أن الرجل الذي نفذ الهجوم كان يغطي رأسه وجزءًا من وجهه بالكوفية. طلب قائد الفدائيين من الجميع خلع الطربوش وارتداء الكوفية حتى لا يتعرف الجنود على المهاجم، وقد اكتسبت شعبية كبيرة بين الناشطين والأفراد والسياسيين المتضامنين مع فلسطين. 

عادة ما توضع الكوفية حول الرقبة أو تربط كعصابة على الرأس، وهي مربعة بمقاس 120 سم*120 سم وتصنع من القطن أو الحرير أو الصوف والمصنع الذي ينتجها هو مصنع الحرباوي للنسيج في مدينة الخليل. 

يمثل الخط العريض في طرف الكوفية الطرق التجارية التي تمر عبر فلسطين ويرمز إلى تاريخ طويل من التبادل التجاري والثقافي، أما أوراق الشجر فتشير إلى أوراق الزيتون الرمز الأصيل لفلسطين، فهذه الأشجار هي كنزهم الأكبر وتمثل لهم مسألة حياة أو موت. التطريز الأخير في الكوفية يمثل شبكة الصيد والتي تدل على التقارب بين الفلسطينيين والبحر المتوسط والتقارب بينهم كشعب.

ازدادت أهمية الكوفية عام 1974 عندما ارتداها الرئيس الراحل ياسر عرفات في أثناء إلقائه كلمة فلسطين في الأمم المتحدة أمام العالم وأصبحت رمزًا وطنيًا لمقاومة المحتل وتحدي الظلم والقمع كما هي رمزًا للهوية والسيادة الفلسطينية. ونظرًا لمكانة الكوفية ورمزيتها النضالية الكبيرة بالنسبة لفلسطين فقد حددت وزارة التربية والتعليم العالي في السلطة الفلسطينية يومًا وطنيًا للكوفية يتزامن مع ذكرى إعلان دولة فلسطين في الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام.

الغزال رمزًا لفلسطين (عمل للتشكيلية الفلسطينية منال محاميد) 


الثوب الفلسطيني

بالنظر إلى الأثواب الفلسطينية نجد العديد من الرموز التي تستخدم في التطريز والتي تختلف من بلدة إلى أخرى، لكنها تتضافر معًا لخلق هوية فلسطينية تراثية وتاريخية. في عام 2021 أضافت اليونسكو التطريز الفلسطيني لقائمة التراث غير المادي المعترف به باعتباره ممارسة اجتماعية منتشرة بين الأجيال المتعاقبة في فلسطين تحكي رموزه قصة بقاء أهل فلسطين، وقد استخلصت تصميمات وألوان الأثواب من الزهور والنباتات والحيوانات المحيطة، ونجد رموزًا مثل الديك وهو رمز مسيحي قديم يدل على الإيمان، بينما تشير أزهار البرتقال إلى يافا، وتزين أشجار السرو أثواب الخليل.

يشير لون الثوب أيضًا إلى منطقته فالأثواب المصنوعة من القماش الأحمر الداكن تشير إلى رام الله ويافا وبيت لحم، بينما تأتي الأثواب المصنوعة من القماش الأحمر من غزة، وتلك المصنوعة من الأحمر مع البني الداكن تأتي من مدينة الخليل. ونظرًا للأهمية التاريخية والتراثية للثوب الفلسطيني بدأ تقليد للاحتفال بيوم الثوب الفلسطيني عام 2014 في يوم 25 تموز/ يوليو وأصبح تقليدًا سنويًّا يمارسه الفلسطينيون كرد فعل على استيلاء إسرائيل على الملابس التراثية الفلسطينية، وأصبح ذلك اليوم رمزًا للصمود وفرصة للحفاظ على استمرارية الزي التقليدي والفخر بارتدائه.

مصادر: 

https://www.iemed.org/publication/reflections-on-the-transformations-of-palestinian-art/
https://www.savoirflair.com/article/palestinian-art-and-symbols/4641f8be-c5d4-44e1-a4ea-d9396b8067e0
https://ejournal.um.edu.my/index.php/MUQADDIMAH/article/view/15706
https://www.newarab.com/features/shade-sun-redecorating-palestinian-symbol

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.