}

"أترك العالم خلفك": نهاية أميركا أم العالم أم الإنسان؟

سارة عابدين 2 فبراير 2024
سينما "أترك العالم خلفك": نهاية أميركا أم العالم أم الإنسان؟
يضع الفيلم الجمهور أمام مخاوفه التي يخشى مواجهتها

منذ خلق العالم ونحن البشر ننتظر نهايته بطريقة أو بأخرى، سواء عن طريق الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والزلازل والبراكين، أو عن طريق اصطدام الكواكب والمذنبات، أو حتى عن طريق الحروب والأوبئة. ولا يمكن أن يتجاهل صناع السينما هذه الاحتمالات التراجيدية الكارثية المفتوحة، لذا فإننا نجد مئات من أفلام نهاية العالم، وغالبًا ما تلاقي هذه النوعية من الأفلام نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، لأنها تضع أمام الجمهور كل مخاوفه وأفكاره التي يخشى مواجهتها.
آخر الأفلام التي صنعت حول فكرة نهاية العالم هو فيلم "أترك العالم خلفك/ Leave the World Behind" المقتبس عن رواية رومان علام التي تحمل العنوان نفسه، والتي نشرت عام 2020 في وقت كان الجميع يتوقع نهاية كارثية للعالم بسبب فيروس كورونا. يدور الفيلم حول عائلة صغيرة مكونة من أب وأم وفتى وفتاة يتطلعون إلى قضاء إجازة هادئة بعيدًا عن منزلهم في بروكلين، وبعيدًا عن عملهم، حيث تلعب جوليا روبرتس دور الأم أماندا ساندفورد (مديرة الإعلانات)، ويلعب إيثان هوك دور الزوج (أستاذ دراسات اللغة الإنكليزية). تختار أماندا تأجير منزل في منطقة نائية قريبة من الغابات لا يمكن الوصول إليها سوى بسيارة خاصة، بالإضافة إلى بعده عن الاتصالات وأماكن تواجد شبكات الهواتف المحمولة، كأنهم يرغبون بالفعل في ترك العالم بالكامل وراءهم. عندما تقرر العائلة الصغير قضاء وقت ممتع على الشاطئ، يفاجئهم حدث غريب وغير متوقع، حيث تقترب ناقلة بحرية عملاقة من الشاطئ بسرعة كبيرة، وتقتل أغلب رواد الشاطئ، وتصنع ما يشبه الفيضان، لكنهم يستطيعون النجاة والعودة إلى المنزل.

تصاعد مفاجئ للأحداث
تبدأ أحداث الفيلم في التصاعد مع ظهور ماهر شالا علي، وابنته ميهالا، مدعين أنهما أصحاب المنزل الأصليين، وأنهما في حاجة إلى البقاء ليلة واحدة في المنزل بسبب انقطاع الكهرباء في المدينة. تبدأ هنا الاحتمالات المخيفة في الحضور في رأس المتفرج، فلا يعرف هل يتعاطف بالفعل مع الرجل وابنته، أم أن هنالك سرًّا ما وراء طلبهم البقاء أكبر من مجرد انقطاع التيار الكهربائي. في نهاية الأمر، وبعد جدل كبير، وأفكار كثيرة من سوء الظن من أماندا ساندفورد ناحية أصحاب المنزل ذوي البشرة السوداء، يبقى الأب وابنته في المنزل بصحبة الأسرة المستأجرة، وتبدأ الأحداث الغريبة في التصاعد، خارج المنزل، كما يظهر المنزل الكبير نفسه كأحد أبطال الحكاية، حيث يأتي كثير من تشويق وإثارة الفيلم من الطريقة التي تتحرك بها الكاميرا من أعلى وهي تنتقل من غرفة إلى أخرى، ومن داخل المنزل إلى خارجه. يقول مخرج الفيلم سام إسماعيل: "لقد منحنا ذلك المنزل الموجود في الواقع قدرة على تحريك الكاميرا بزوايا مثيرة قد لا توجد في منازل أخرى، كما أن موقع المنزل كان مثاليًا، حيث الاندماج بين الاتساع والجمال والرعب. في اللحظة التي نظرنا فيها إلى المنزل أدركنا جميعًا أنه المنزل المناسب للتصوير". ولا يمكن تجاهل دور المصور تود كامبل لأن حركة الكاميرا لعبت دورًا أساسيًا في شعور المتفرج بالخوف غير المبرر، حيث اختار حركة الكاميرا المتأرجحة التي تثير القلق، سواء للطائرات التي تقع من السماء والمنشورات التي تتساقط، والجثث التي جرفتها الأمواج، فأصبحت الكاميرا أحد أدوات تحفيز القلق والتوتر على مدار الفيلم.

غزلان عدوانية وضجيج في فيلم كابوسي
كما لو أن أبطال الفيلم لم يكن لديهم ما يكفي من الألغاز والكوارث، فقد أجبروا على التعامل مع أشياء لا تمثل تهديدًا، لكنها تحولت إلى كارثة، أو محفز للكارثة داخل حبكة الفيلم الكابوسية. في الكوابيس كل شيء ممكن، وهو ما حدث بعد انقطاع الإنترنت، حيث أصبح الجميع عالقًا في المنزل من دون قدرة على التواصل مع العالم الخارجي بأي طريقة، وتصبح الغابة المحيطة بالمنزل هي المتنفس الوحيد للفتى والفتاة، فيذهبون لاكتشافها ويظهر الجانب المخيف فيها خلال ذلك الاستكشاف، كما تبدأ الغزلان في الظهور.




تظهر الغزلان في البداية منفردة، ثم في جماعات، وتحيط بالمنزل وتظهرها زوايا التصوير القريبة بصورة مخيفة، كأنها تمثل تهديدًا من نوع ما، حيث تعرف الغزلان بأنها كائنات مسالمة، لكنها في مشاهد الفيلم تحولت إلى كائنات مثيرة للفزع، تخرب الصورة الجميلة للمنزل والمكان المحيط به. لا تتصرف الغزلان بصورة عدائية، لكن مجرد وجودها المتزايد، وتحديقها في أبطال الفيلم عن قرب، يشعر المتفرج بالخطر الذي لا يعرف كنهه بالتحديد، ويحول الغابة المحيطة بالمنزل من مكان هادئ وجميل إلى مكان غامض يسكنه الرعب غير المفهوم. ليست الغزلان فقط التي رأى فيها بعضهم إشارات مجهولة، لكن الضجيج الشديد كان لغزًا في الفيلم، ولم تحسم الأحداث كنهه، لكن كانت هناك إشارات على أنه ربما كان سلاحًا إشعاعيًا ما مرتبطًا خاصة عندما أشارت أجهزة الإنذار إلى ظهور مستويات مرتفعة من الإشعاع.

نهاية الأبطال أم نهاية أميركا أم نهاية العالم؟
لا يربط إسماعيل بين الشخصيات بحبكة قوية، وكأن كل شخص من الأبطال يعاني من نهاية العالم خاصته، إذ يفتقد الفيلم اجتماع الأبطال نفسيًا ومعنويًا حول الهدف نفسه، كما يؤكد المخرج على ذلك الشعور حين يرسل كل منهم وحيدًا لاستكشاف شيء ما، ومواجهته وحيدًا، بعيدًا عن الجماعة، وربما يقصد إسماعيل من تلك التجارب الفردية التحدث إلى نفسياتنا الهشة الممزقة، بحيث يؤكد أن كل شخص يواجه ما يقلقه ويخيفه وحيدًا. لكن حتى وإن كان ذلك مقصده، لكن أبطال الفيلم في النصف الثاني منه تحولوا إلى ما يشبه شخصيات ثابتة تتحرك في فيلم يوصف بأنه فيلم كارثي، ومع ذلك كان من الممكن أن يكون الفيلم أكثر إثارة إذا كان هناك حدث كبير اجتمع حوله الأبطال رغم فردية المعاناة، لكن إسماعيل اختار ألا يفعل ذلك، واختار أن يبقى كل شخص داخل عزلته الخاصة، رغم أن الأحداث والحوار أشارا إلى نهاية أميركا، وهو ما لم يستشعره المتفرج، حيث بدت الشخصيات كأنها تمثل المواقف بدلًا من محاولة إثارة تعاطف المتفرج، رغم أن صراعاتها الصغيرة لو عرضت بطريقة أكثر ترابطًا كان يمكن اعتبارها نموذجًا مصغرًا للصراع الأكبر الذي يحدث حولهم، سواء كان صراع أميركا للبقاء، أو حتى صراع البقاء للعالم بالكامل.
مع تصاعد الأحداث في الجزء الثاني من الفيلم أصبح المتفرج ينتظر حدثًا كبيرًا، أكبر من كل الأحداث التي توالت على مدار الفيلم، لكن هذا لم يحدث، وبات الجزء الأخير من الفيلم الذي انتظر الجمهور أن يكون الأكثر إثارة، هو الأكثر مللًا، وتحول إلى ما يشبه مانفيستو حول الإنسانية، واهتمام البشر ببعضهم بعضًا، حتى ينتهي بصورة مفاجئة وغير منطقية، ربما تثير حنق المشاهد الذي بقى ينتظر طوال مدة الفيلم حدثًا كبيرًا لم يحدث، ونهاية لم يشعر أنها أشبعت فضوله.

إحالات:
 https://lithub.com/leave-the-world-behind-is-a-tense-uneasy-thriller/

https://screenrant.com/leave-the-world-behind-endingexplained/

https://www-nytimes-com.translate.goog/2023/12/07/movies/leave-the-world-behind-review.html?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.