}

في مزاد "كريستيز": تاريخ الموسيقى الغربية

سمير رمان سمير رمان 13 نوفمبر 2023
موسيقى في مزاد "كريستيز": تاريخ الموسيقى الغربية
مخطوطة نوتة لـ باخ سعرها 206 آلاف جنيه استرليني

باعت دار المزادات الأشهر في العالم، كريستيز، مجموعة استثنائية من المخطوطات الموسيقية النادرة، التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والعشرين. تضمّ المجموعة نوتات موسيقية دينية من العصور الوسطى المبكرة والوسطى المتأخرة، بالإضافة إلى مخطوطاتٍ كتبها عباقرة الموسيقى: هايدن، فاغنر، مندلسون، فيردي، تشايكوفسكي، بوتشيني، كيج، ستوكهاوزن، وغيرهم من مشاهير الموسيقيين. افتتح المزاد تحت عنوان "تاريخ الموسيقى الغربية"، وتقرر أن تتم عمليات البيع عبر شبكة الإنترنت.
نادرًا ما تنظم دُور المزادات الشهيرة مزادات مخصصة لتاريخ الموسيقى، وتكون الحالة أكثر ندرةً عندما يتعلق الأمر بمجموعة مختارة حصريًا من المخطوطات الموسيقية، بعيدًا عن الرسائل، أو المذكرات، أو الأغراض الشخصية التي تثير عادةً اهتمام مجموعات واسعة من هواة جمع أشياء نادرة مما يتركه العظماء والمشاهير خلفهم. المفاجأة الأكبر في هذا المزاد تعود إلى كون جميع القطع الـ160 كان يملكها رجل المال النرويجي مارتن سكيغين، الذي سبق أن استحوذت مقتنياته السابقة، وهي مجموعة من الآثار المسمارية تعود إلى حضارات بلاد الرافدين (سورية والعراق)، على اهتمام كبير على مدار السنوات العشر الماضية. وكان سكيغين جمع طوال فترة طويلة مخطوطاتٍ أوروبية قديمة بدأ بها تكوين مجموعته الضخمة.
عندما نسمع عبارة "مخطوطات موسيقية قديمة" يتبادر إلى أذهاننا، في غالب الأحيان، مخطوطات موسيقية دينية تعود إلى القرنين الخامس عشر والسابع عشر، والتي تكون عادة مخطوطات ضخمة الحجم، تمكن المنشدين الكنسيين من قراءتها من مسافةٍ بعيدة. كما تكون نوتات هذه المخطوطات مكتوبة عادةً بأشكالٍ "مربعة"، ومزينةً بكثيرٍ من المنمنمات والنصوص القصيرة تجعل الناظر إليها يشعر بمتعةٍ كبيرة. تعد مثل هذه الكتب سلعةً شائعة للغاية، ولكنّ المزاد الحالي لا يعرض سوى عددٍ ضئيلٍ منها من بين 160 قطعة. ويعود عدد كبير منها إلى فتراتٍ تاريخية أقدم بكثير، فأقدمها يعود إلى ما يسمى عصر النهضة في عهد الملك كارل العظيم في القرن التاسع عشر (ضمت إمبراطوريته فرنسا وألمانيا وإيطاليا)، بالإضافة إلى نصوصٍ رهبانية من عهد الملك شارلمان في القرن الثامن. في تلك الحقبة، لم تكن النوتات المربعة متداولةً، إذ كان النظام القديم يدوّن الترانيم الكنسية بمساعدة مجموعة رموزٍ خاصّة. تأتي المخطوطات في مجموعة متنوعة نادرة تمثّل تقاليد مقاطعاتٍ قديمة، مثل: بينفنتي توسكانيا (إيطاليا)، سانت غالين (سويسرا)، وأكيتان (فرنسا)، بالإضافة إلى مخطوطتين من العهد البيزنطي. في غالب الأحيان، لا تكون هذه المخطوطات كاملةً، بل تكون عبارة عن صفحات منفصلة، أو على شكل مقاطع من بضع وريقات وصلتنا سليمة. وحده الكتاب المقدّس البينفنتي، الذي جاء متأخرًا نسبيًا في هذا السياق (القرن الثاني عشر)، يُعرض على شكل قطعة أثرية أكثر جوهرية (12 صفحة)، وبالتالي، واستنادًا إلى التكلفة الأولية له والبالغة (70 – 100) ألف جنيه استرليني، يصنّف ضمن التحف الأعلى سعرًا بين المخطوطات المعروضة.
تغيب عن المزاد مخطوطات كتبها عباقرة مثل باخ، هاندل، أو حتى موزارت. ولكنّ المزاد يضمّ مخطوطات لهؤلاء العمالقة كتبها آخرون غيرهم، عندما كان هؤلاء العظام لا يزالون على قيد الحياة، وهي نوتاتٌ لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى اليوم من وجهة نظرٍ موسيقية بحت، ولذلك تباع بأسعارٍ مرتفعة. فعلى سبيل المثال، يقدر المختصون قيمة نسخة نادرة من أنشودة باخ المعروفة بـ"توكاتا ره ماجور" بحدود (40 ـ 60) ألف جنيه.
وهكذا، وبدءًا من بيتهوفن، يصعب العثورعلى اسم موسيقي مشهور لم يمثّل في المزاد بمخطوطةٍ واحدة على الأقلّ، مكتوبة بخط يده. وتقدّر قيمة كلّ ورقةٍ من "دفتر المحادثة"، الذي كان الموسيقار الأصمّ (بيتهوفن) يتواصل عن طريقه بالأقارب والأصدقاء، بـ (50 ـ 80) ألف جنيه استرليني.




في بعض الأحيان، تكون الكتابة التي تركها موسيقار ما عبارة عن خربشات بالمعنى الحرفي للخربشة ـ على سبيل المثال، كتب الموسيقار يوهانس برامس، على عجلٍ، في أحد الألبومٍات خربشات شكّلت في ما بعد المقاطع الأولى من كونشرتو الكمان لإحدى حفلاته. في بعض الأحيان، تشكّل الخربشات والمسودات والرسوم التخطيطية، وكذلك تصحيحات كُتِبت بيد الموسيقار نفسه، نوافذ ثمينة تطلّ على إرث الموسيقار، أو أنّها قد تشكّل، كما في حال موسيقيي العصر الراهن، جداول ذكيّة إرشادية، أو رسومات بيانية متطورة، يستخدمها العازفون المزودون، ليس بالأدوات الموسيقية الأكاديمية المعتادة، بل بالإلكترونيات المتطورة بالغة التعقيد.
لا يوحي عنوان المزاد بأنّ بعض نماذج ثقافة الشرق الموسيقية ستكون من ضمن التحف التي ستعرض للبيع، ولكنّه يعرضها بالفعل: مخطوطات موسيقية من الهند والصين واليابان ومنغوليا، وحتى من هضبة التيبت (وكلّها، بالطبع، خُطّت وفق أنظمة تدوين موسيقية غريبة، لم يألفها الغرب)، بالإضافة إلى معروضات تركية تمثّل الموسيقى العثمانية التقليدية. علاوة على ذلك، لم تغب عن المزاد الموسيقى الروسية، التي كانت حاضرةً بشكلٍ لافت أيضًا: هنالك ثلاثة كتبٍ لترانيم تغنىّ أثناء تأدية طقوس دينية مدونة بطريقة خاصّة أيضًا، يقول القائمون على المزاد إنّ تاريخها يعود إلى القرن السابع عشر، ويقدرون قيمة الواحد منها بـ(7 ـ 10) آلاف جنيه استرليني. كما يعرض المزاد عددًا من النوتات الروسية النادرة التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. هذه النوتات ليست بالرخيصة أيضًا، إذ وضع، على سبيل المثال، مبلغ (3 ـ 5) ألف جنيه استرليني قيمةً تقديرية لنسخةٍ واحدة من الطبعة الأولى لأوبرا "الزواج" للموسيقار موديست بتروفيتش موسورسكي، كتب عليها الموسيقار ريمسكي كورساكوف هوامش بقلم رصاص.
غير أنّ أهمّ النوتات الروسية المعروضة في المزاد كانت بالطبع مخطوطة بقلم بيتر تشايكوفسكي شخصيًا، تضمّ نوتةً من خمس صفحات، فيها مقاطع من أوبرا Mazeppa، قدِّر ثمنها ما بين (70 ـ 100) ألف جنيه استرليني. ويعود ثمن هذه النوتات الباهظ إلى ندرة عرض نوتات كاملة بتوقيع مؤلفٍ من هذا المستوى في السوق.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.