}

العادات والتقاليد الفلسطينية: إرث حضاري وتاريخي يعزّز الشعور بالهوية

سمر شمة 29 أبريل 2024
استعادات العادات والتقاليد الفلسطينية: إرث حضاري وتاريخي يعزّز الشعور بالهوية
الفرح بالعيد في مواجهة الهجمات الإسرائيلية على دير البلح(8/4/2024/الأناضول)
يعرّف علماء الاجتماع العادات والتقاليد بأنها مجموعة من الأعراف وقواعد السلوك والممارسات التي تتوارثها الأجيال لتترسخ عبر الزمن وتتحول إلى نمط حياة يتحكم في بعض جوانبه بالأفراد والمجتمعات إلى أن تطغى سلطته على سلطة القانون والدولة أحيانًا.

ويقول الفلاسفة أيضًا: إن الإنسان مفطور على الاجتماع، ولا يستطيع العيش منعزلًا، وإن العادات والتقاليد هي وليدة هذا الاجتماع الإنساني عبر مراحل تطوره الخاضعة للبيئة الطبيعية والثقافية والعمرانية والدينية، وهي في النهاية ما تنتجه وتزرعه الثقافة الجامعة، وما يتشكل نتيجة ذلك من قيم لها معانيها وترابطها ودلالاتها داخل الجماعة والأفراد.
تعني العادات لغويًا، وكما وردت في معاجم عربية عدة: نمط من السلوك، أو التصرف المعتاد الذي يتكرر مرارًا بلا جهد كبير. واصطلاحًا هي: أعراف تتوارثها الأجيال لتصبح جزءًا مهمًا من عقيدتهم، وتستمر ما دامت تتعلق بالمعتقدات والموروث الثقافي.
أما التقاليد لغويًا، فهي: عقائد وأعمال وحضارة إنسانية متوارثة يرثها الخلف عن السلف. واصطلاحًا هي: مجموعة من قواعد السلوك التي تنتج عن اتفاق مجموعة من الأشخاص، وتستمد قوتها من المجتمع، وتدل على الأفعال القديمة الممتدة عبر الزمن، وعلى الحكم المتراكمة التي يتناقلها الناس جيلًا بعد جيل، وهي بالأصل عادات اجتماعية استمرت فترات طويلة حتى أصبحت تقليدًا، ويتم اقتباسها من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، وتصبح بمثابة نظام داخلي لمجتمع معين.
وأكدّ علماء النفس أن العادة تتكون من ثلاثة عناصر مرتبطة ببعضها بعضًا، وهي: المعرفة، أي المعرفة النظرية بالشيء المطلوب فعله. والرغبة، أي توفر الدوافع والحوافز والميل النفسي لفعل هذا الشيء. والمهارة، وهي القدرة والتمكن على فعل المطلوب.
تُعد فلسطين من الدول التي تتمتع بتراث ثقافي وحضاري غني وعريق، حيث يتمسك شعبها في شتى أنحاء العالم، ودول الجوار والنزوح، والمخيمات، بعاداته وتقاليده وثقافته، ويعتزّ بها. وبالرغم من مرور أكثر من سبعة عقود، وأجيال عديدة، منذ بدء النكبة واحتلال إسرائيل لفلسطين حتى الآن، لا يزال الفلسطينيون يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم التي تتقاطع مع مثيلاتها في بلاد الشام والدول العربية عمومًا، والتي تحولت عبر التاريخ إلى ما يشبه الأعراف الجامعة، وإلى جزء مهم من الموروث الشعبي الذي يحمل في طياته المعاني الراقية والحضارية والجميلة.
وإذا بحثنا في سجل الحياة الشعبية الفلسطينية نجد كثيرًا من الغنى والعادات والتقاليد التي استمدها الشعب الفلسطيني من تاريخه، ومن حقب موغلة في القدم، إضافة إلى الثقافة الشعبية التي حُفرت في ذاكرته، وشكلت هويته الخاصة التي تلتقي مع غيره من الشعوب في بعض جزئياتها وتختلف عنها في جزئيات أخرى.
وهناك من العادات الشعبية ما هو ترسيخ لبعض جوانب الثقافة، وما هو داعم أيضًا لبعض المناسبات الدينية، ومنها ما هو مستمد من تقاليد الشعوب الأخرى مع تعديلات تناسب الخصوصية الفلسطينية.
ولعل من أبرز التقاليد والعادات الفلسطينية ما يلي:

العادات الاجتماعية

حتى في ليلة الحنة لا ينسى الفلسطيني رفع علم البلاد




نذكر من العادات الاجتماعية، احترام الأكبر سنًا وتقديره ورعايته والإصغاء إليه، وإكرام الضيف والاهتمام به، واحترام النساء وتقديرهن، والاحتشام في اللباس، والوقوف إلى جانب الجار ومشاركته أحزانه وأفراحه، والعمل على راحته وتقديم يد المساعدة والعون له، إضافة إلى مساعدة الغريب والفقراء والمحتاجين.

العادات والتقاليد التي تتعلق باللباس
وهي الملابس التقليدية المصنوعة من القطن، أو الكتان، ومنها ملابس الذكور، التي يرتدون معها الكوفيّة، أو الحطّة الفلسطينية، وملابس للنساء فضفاضة طويلة ومزركشة، إضافة إلى الثوب الفلسطيني التقليدي المطرز والمزين بأجمل الخيوط والنقوش والألوان، والشال الفلسطيني المعروف في كل دول العالم، والذي يرتديه كثيرون من الفلسطينيين والعرب والأجانب في المناسبات الوطنية والمظاهرات والاحتجاجات التي تقام دعمًا للقضية الفلسطينية ولحقوق الفلسطينيين.

العادات والتقاليد المتعلقة بالطعام

ألوان من الطعام الفلسطيني


الاعتماد على المعجنات الشعبية والقهوة العربية والشاي في أوقات محددة، والمطبخ التقليدي الذي يعبّر عن الهوية الثقافية، ويعتمد على الخضراوات والفواكه والحبوب والأعشاب والتوابل والمكسرات واللحوم والأسماك.

وهناك العادات والتقاليد المتعلقة بتسمية الطفل باسم جده لأبيه غالبًا، وفي العقود الأخيرة أصبح الأب يسمي ابنه باسم أبيه إذا كان متوفى، أو على قيد الحياة. وقد يسمى الابن باسم زعيم سياسي، أو شخصية بارزة في المنطقة. وهنالك أسر فلسطينية تسمي أبناءها باسم الأنبياء والأولياء الصالحين وصحابة رسول الله (ص). أما أسماء البنات فيُفضل أن تكون مشابهة لأسماء النساء الصالحات.

العادات والتقاليد الرمضانية
يهتم الشعب الفلسطيني كثيرًا بشهر رمضان المبارك، وهذا يتجلى في الإفطار الجماعي للأسرة في منزل الأب، أو أحد الأبناء، بشكل دوري، وعند الأقارب والأرحام والأصدقاء، وفي الجدول اليومي للطعام الذي تصنعه النساء في بعض الأسر، ويتناوبن على تحضيره يوميًا في بيت كبير العائلة. وتتجلى أيضًا في "الشعبونية": حيث اعتادت العائلات على دعوة أرحامها وأطفالها للاجتماع على مائدة واحدة سميت الشعبونية، نسبة إلى شهر شعبان، وهذه عادة منتشرة في بعض المدن الفلسطينية، وخصوصًا في نابلس، هذا إلى جانب السهرات اليومية والحفلات العائلية، بحضور العود والطبل والأهازيج الشعبية.
عادة شراء الملابس الجديدة، وإعداد الحلويات استعدادًا لعيد الفطر: حيث تجتمع النساء في منزل محدد كل يوم لتحضير كعك العيد وحلوياته.

عادات عيدي الفطر والأضحى
في عيد الفطر يستيقظ الجميع باكرًا، ويخرج الرجال للصلاة في المساجد، أو الساحات العامة، ويستمعون لخطبة العيد، ويذهبون جماعات لزيارة مقابر الموتى والشهداء، ويقرؤون الفاتحة والقرآن، ويوزعون المال على أرواحهم، ويزورون من فقد عزيزًا لمواساته. وفي عيد الأضحى، تتكرر بعض التفاصيل، ويُضاف إليها ذبح الأضاحي، وتوزيع اللحوم على المحتاجين والجيران.

عادات وتقاليد الحج
يجتمع الأهل والجيران والأصدقاء قبل موعد سفر الحجاج بأيام لوداعهم ومسامحتهم على أي خطأ ارتكبوه، وعند العودة يستقبلونهم بالاحتفالات والزينة والموائد العامرة.

عادات وتقاليد السكن الجديد
وتتجلى في قيام من انتقل إلى بيت جديد بذبح الأضاحي وتوزيع لحومها شكرًا لله تعالى، كي يبارك هذا البيت، وفي اجتماع الأقارب والجيران للمباركة والمساعدة في ترتيب المنزل.
التعليلة: وهي عادة قديمة، وتعني سهرة الجيران في المساء، وتقديم القهوة العربية السادة للساهرين.





وهنالك أيضًا عادات وتقاليد خاصة بالزواج يحرص الفلسطينيون على التمسك بها مثل: اختيار العروس الذي كانت تقوم به أم الشاب غالبًا، أو الخاطبة، وزيارة الشاب ووالده وأعمامه لأهل العروس، ويوم "التقبيضة"، وفيه يُدفع المهر للعروس، ويُدعى الأهل والأقارب إلى منزل ذويها للاحتفال. وهنالك مرحلة "الصمدة"، وهي حفل يُدعى إليه أقرباء العروسين، وليلة الزفاف والحنّاء، وحضور الماشطة التي ترافق العروس أينما كانت خلال فترة التحضير للعرس، وتفاصيل أخرى.
إضافة إلى عادات وتقاليد الوفاة، التي تتعلق بطريقة إعلانه، وتشييع الجنازة، وتقديم العزاء، وعادة "الدلايل"، وفيها يجتمع أهل الميت وأقاربه لقراءة ختمة القرآن على روحه.

وتتأرجح القيم والمفاهيم الإنسانية والعادات والتقاليد صعودًا وهبوطًا تبعًا للظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية التي يعيشها الإنسان، ولتطور المجتمعات والمفاهيم والتطور التكنولوجي وصعوبات الحياة العصرية وتفاصيلها التي تختلف عن الماضي كثيرًا. وهنالك من يرى بأنها تؤثر سلبًا على المجتمعات العربية، وتعيدها إلى البداوة والتخلف، بينما يرى آخرون أنها تبني المجتمع وتحافظ عليه.
هنالك اختلاف كبير طرأ على العادات والتقاليد في كل المجتمعات لأسباب كثيرة ومتنوعة، لأن الحياة تغيرت، ومتطلباتها وضروراتها أصبحت مختلفة، فالزواج مثلًا يتم الآن باختيار الشاب والفتاة لبعضهما بعضًا، وغاب دور الأهل والخطابة عن ذلك، وغابت الماشطة مثلًا لتحل محلها صالونات التجميل ومراكزه، وحلت الفنادق والصالات الفخمة محل المنازل والباحات كمكان للعرس، وفي الأعياد يكتفي بعضهم بالمعايدات عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الجار لا يستطيع مساعدة جاره نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وغابت كثير من عادات وتقاليد الشهر الكريم وغيره تحت وطأة الغلاء والفقر والحروب والمآسي التي تعمّ عددًا من الدول العربية.
أما في المدن والقرى الفلسطينية، وفي غزة تحديدًا، فقد تركت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ شهور بصماتها الدموية التدميرية على مناحي الحياة كافة، وعلى العادات والتقاليد، وحتى الأحلام والآمال، فشهر رمضان 2024 مثلًا، لم يكن شبيهًا بغيره، كما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، وكما شاهدنا جميعًا بالصوت والصورة، وعلى الهواء مباشرة، إذ سيطرت المجاعة وأصوات الرصاص والقصف على غزة ليلًا ونهارًا، وغابت تجمعات الأسر والجيران والأقارب على موائد الإفطار، ومعها غابت النشاطات المتعلقة بفترة ما بعد الإفطار، وقامت بعض النساء بغلي الماء غير النظيف لصنع الحساء من الصبار والأعشاب التي يجمعونها من الحقول تحت وابل من القصف الهمجي، وحاول بعضهم أن يتلقف علب التمر الصغيرة والحمّص كمساعدات رغم معرفته بأنه قد يتعرض للموت وهو يقف في انتظارها.
والمساجد سويت بالأرض، وأكثر من ألف مسجد لم يعد صالحًا للصلاة داخله، ولذلك راح الغزيون يصلّون بين الأنقاض وركام المنازل والمدارس والمستشفيات.
تشتت الأهل والجيران والأصدقاء والأسر جميعها، وفقد الغزّيون أكثر من 34 ألف شهيد، وأكثر من 77 ألف جريح، إضافة إلى استشهاد عدد كبير من الأطفال من دون القدرة على توديعهم ودفنهم، ومليوني نازح، و11 ألف جريح بحاجة إلى العلاج بالخارج، وآلاف المعتقلين والمعتقلات، وأعداد هائلة من المرضى، ولذلك أصبح أهالي القطاع بعيدين رغمًا عنهم عن عاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، رغم محاولاتهم ممارستها بأشكال مختلفة، حيث زيّن بعضهم خيمته المهترئة بفوانيس رمضان الهاربة من دمار الاحتلال، واستخدم المسحر وعاء بلاستيكيًا بدلًا من الطبلة ليوقظ النائمين، بلا زي، ولا صوت بهيج، وبلا طعام.
والحقيقة، فإن العادات والتقاليد في فلسطين تُعد إرثًا حضاريًا وتاريخيًا لا يمكن اختزاله، ولكن بالرغم مما رحل منها، وما بقي في فلسطين، وكل مكان، فإنها تساهم في التلاحم الأسري، وتعزيز الروابط بين الناس، وسد الفجوة بين الأجيال، وتعزيز الشعور بالهوية والانتماء.
لقد حافظ الشعب الفلسطيني على أقدم العادات والتقاليد، وحملها معه في البر والبحر، إلى جانب مفاتيح منازله العتيقة، وأحلامه المشروعة، وأوجاعه التي لا تنتهي، وكل ما تعرض له من خيبات وخيانات، حالمًا بالعودة يومًا ما إلى التعليلة والشعبونية في غزة والضفة والقدس ونابلس وحيفا، وكل ذرة من تراب فلسطين المجبول بدماء الشهداء والجرحى وآهات المعتقلين وعذاباتهم.


مراجع:
ــ مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
ــ الموسوعة الفلسطينية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.