}

اليونسكو والألكسو تسعيان لضم آثار الطار العراقية للحدائق الجيولوجية

علي لفتة سعيد 10 يونيو 2023
آثار اليونسكو والألكسو تسعيان لضم آثار الطار العراقية للحدائق الجيولوجية
كهوف الطار في كربلاء (تصوير: ذياب الخزاعي)

تسعى منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، إلى ضمّ آثار كهوف الطار في مدينة كربلاء (110 كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة العراقية بغداد) إلى الحدائق الجيولوجية العالمية، والتي يعود تاريخها إلى العصور الأولى. ولهذا، قام وفد من اليونسكو بجولة في هذه الكهوف برفقة أساتذة وأكاديميين من وزارة التعليم العالي العراقية وجامعة كربلاء.

التاريخ وكهوف الطار
وأنت تسير خارجًا من غرب مدينة كربلاء على بعد 30 كم على الطريق الذي يصل إلى عرعر عند الحدود العراقية ـ السعودية، تنفتح الأرض أمامك، كأنها منخفضٌ سحيقٌ كان على شكل حوض ماء، أو نهرٍ عريضٍ في يوم ما. ولأن الطار في معناها اللغوي هي الأرض المرتفعة التي تحيطها المياه، فإن هذا يعني أن المياه كانت تصل إلى هنا قبل أن تتمدّد الأراضي وتتحوّل إلى صحراءٍ شاسعة حتى الجنوب. والطار عبارة عن كهوفٍ تدل على أنها مكانٌ يصلح بعض الشيء لإيواء من يقصده من الناس خوفًا من الغرق، كما يوحي بذلك شكلها وبناؤها، وكذلك للاحتماء من الظروف الجوية القاسية، أو الحيوانات الضارية في عصور ما قبل التاريخ وما تلاها من العهود.
هذا ما يؤكّده الباحث حسن الوزني، ويضيف أن هذه المنطقة المرتفعة عن الأرض التي بطبيعتها منخفضة عن مستوى سطح البحر، تكثر فيها الكهوف، ولهذا تسمّى كهوف الطار. ويبلغ عددها أكثر من 400 كهف. ويشير الوزني إلى أن عمر هذه الكهوف لم يستقر على رأي محدّد، فهي تقدّر زمنيًا ما بين أربعة آلاف إلى 10 آلاف سنة تقريبًا. ويعتقد بعض الباحثين أن هذه الكهوف لم توجدها الطبيعة، أو بأن المياه قد حفرتها، وإنما هي من صنع الإنسان، وهي على أشكالٍ غرف، أو حجيراتٍ صغيرة، وهي ذات هندسة متّزنة ومتناسقة، حيث لكلّ كهفٍ ما يشبه بوابّة مدخل على شكل فتحة مقوّسة، ارتفاعها متر ونصف المتر، وعرضها نصف متر. ويمضي بقوله إن الكهوف تأخذ شكل الغرف، أو الحجرات الصغيرة بإطارها العام. ويؤكد الوزني أن هذه الكهوف تقع ضمن هضبةٍ قديمةٍ وواسعةٍ كانت متّصلةً مع بعضها البعض، وصولًا حتى منخفض النجف الواقع على بعد 80 كم جنوبي كربلاء، لكنها انفصلت بفعل الحركات التكتونية والتغيّرات الجيولوجية وعوامل التعرية المختلفة والمتغيّرات التي شهدها سطح الأرض في تلك المنطقة.ويمكن القول إن أوضح استخدام لهذه الكهوف كمأوى للسكن كان خلال العصر الآشوري القديم، وقد تكون هي آخر المستوطنات الآشورية ضمن حدودها الجنوبية. وهنالك حرص من قبل جامعة كربلاء، ومركز أبحاث الرزازة التابع للجامعة على إدراج هذه المنطقة ضمن قوائم التراث العالمي، كما أكدّ الباحث مهدي الدهش، كونها ستسهم في تنشيط حركة السياحة الآثارية والأبحاث الجيولوجية، فضلًا عن التواصل مع جامعات العالم ومراكزه البحثية من خلال مناقشة الأفكار العلمية مع الباحثين من مختلف دول العالم في سبيل تحديد الوضع الجيولوجي للمنطقة.

كهوف الطار يبلغ عددها أكثر من 400 كهف


ويشير الدهش إلى أن مديرية الآثار العامة في أربعينيات القرن الماضي سجلت المنطقة ضمن وثائقها الرسميّة تحت مسمى "طار كشيفة"، كاشفًا عن مرور الكهوف بثلاثة أطوارٍ سكنية، أوّلها: طور ما قبل التاريخ بأكثر من ألف وثلاثمئة عام، وثانيها الطور الفرثي، وثالثها العصر الإسلامي الأول، ذلك حسب الكشوف واللقى الأثرية التي عثر عليها في حدود المنطقة. وذكر أن البعثة الآثارية اليابانية التي بدأت بالتنقيب في المنطقة بحدود عام 1970م حدّدت أول معالم هذه الكهوف التي وجدت تربتها تتكوّن من طبقتين، طينية، ومن الحجر الرملي. ويبين الدهش أن الأمر لم يزل في حاجةٍ إلى إجراء كشوفاتٍ طوبوغرافيةٍ وجيولوجيةٍ وهيدرولوجيةٍ.




ويرى أن هذه الكهوف كانت ربما ملاجئ دفاعية للإنسان القديم، ومع التدرّج الحياتي والجيولوجي تحوّلت هذه الكهوف إلى قبورٍ خلال الفترة الواقعة ما بين القرن الثالث عشر قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد. وعن شكل هذه الكهوف، أو الغرف، يشير الدهش إلى أن شكل الغرفة غير منتظمٍ، وأن أرضية المدخل تتّصل من الجهة اليسرى بدكّة تمتد إلى قسمين. وهنالك دهاليز غير منتظمة فيهل. أما الأرضيات فمغطّاة بكمياتٍ من الصخور الرملية والكلسية. وذكر الدهش أن البعثة اليابانية عثرت على بعض الجماجم البشرية، وعظام، وفك إنسان، وخرز، وخاتم معدني مزدان بحزوز، وقرص ذهبي هلالي الشكل، مع جلود عليها آثار الخياطة، وأنسجة متنوّعة مزدانة بالرسوم والصور، مثلما عثر على نسيج قطني مضلع مزيّن بالأشكال الهندسية الملوّنة بأصباغٍ طبيعية، وأنها ذات حياكة بسيطة نوعًا ما، ربّما تعود بعض تلك الملتقطات الأثرية للعصر الهلنستي الذي ظهرت تأثيراته بوضوح مع امتداد الثقافة اليونانية والمسيحية للمنطقة الغربية من العراق خلال فترات زمنية مختلفة.
وأشار الدهش إلى أهمية هذا المعلم الجيولوجي الفريد من نوعه وتكوينه الطبيعي، مما يتطّلب المحافظة على ما تبقّى منه، ومحاولة تنشيطه سياحيًا واقتصاديًا، كذلك في الإمكان جعله مركز استقطابٍ لهواة السياحة الطبيعية في العالم، عن طريق الترويج له ضمن المحافل العلمية، ومنظمة اليونسكو، في سبيل الكشف عمّا يضم من خبايا طبيعية ومعالم أثرية لم تكتشف بعد.

بعثة الألكسو واليونسكو
يسعى العراق من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتعاون مع وفد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ووفد منظمة الألكسو، وضمن اهتماماتهم بالحدائق الجيولوجية والآثار التاريخية إلى ضم كهوف الطار والمناطق المحيطة بها إلى الحدائق الجيولوجية العالمية، بهدف تحقيق التنمية للسكان المحليين. ويقول مدير إعلام جامعة كربلاء، الدكتور يحيى عبيد الطائي، إن الوزارة بهدف تحقيق هذه الغاية عقدت ورش عمل علمية تدريبية في جامعة كربلاء، ونظمت زيارة ميدانية إلى المنطقة تحت إشرافها ومختصّين جيولوجيين من جامعة كربلاء وعرب وأجانب. وأضاف أن الوزارة جادّة وماضية في تقديم دراسةٍ شاملةٍ لمتطلبات مشروع إدراج كهوف الطار ضمن الحدائق الجيولوجية عبر جامعة كربلاء، ومن خلال أساتذتها. وذكر أن الوفد الذي ضمّ خبراء من ألمانيا وإسبانيا ودول عربية أبدى رغبته بالتعاون والدعم، كون المشروع يحتاج إلى تعاون وطني. وأفاد أن هدف الوفد هو الزيارة الميدانية للاطّلاع على المعالم الجيولوجية والآثار الموجودة في المنطقة، ومن ثم تبع ذلك عقد جلسة نقاشية وتوصيات ختامية أهمها أن جامعة كربلاء هي الجهة العلمية المختصة بتقديم دراسة "مشروع الإدراج" لتأهيل هذه الآثار، التي تحتاج إلى تأهيل شامل، وأهمها دعم السكّان المحلّيين وتثقيفهم للحفاظ على طبيعة حياة هذه المجتمعات، وأيضًا وجود بنى تحتية من المرافق الخدمية، والمطاعم، ودور الاستراحة، وطرق نقل خاصة.
من جهتها، قالت عضو المكتب التنفيذي للحدائق الجيولوجية العالمية، الدكتورة ماري لويز فري، إن هذا الموقع مهم جدًا، ليس تاريخيًا فحسب، بل من الناحية الإنسانية، لجهة تطوّر المجتمعات. وأضافت أن من المحتمل أن يتم ضم الموقع إلى إحدى الحدائق الجيولوجية العالمية بعد تقديم الدراسة، وتطوير المنطقة والمناطق المحيطة، وتحقيق تنمية مستدامة. وأشارت إلى أن المنطقة تتمتّع بعدد من التنوّعات الجيولوجية، لكنها تستدرك بأن الأمر في حاجةٍ إلى إعداد دراساتٍ إضافية تساعد على إدراج الآثار ضمن مسعى اليونسكو.
فيما قالت المتخصصة ببرنامج علوم الإيكولوجيا والأرض في مكتب اليونسكو الإقليمي للعلوم في الدول العربية، الدكتورة أليسا ستوت، إن مكتب اليونسكو في القاهرة على استعداد لتقديم الدعم التقني للعراق من أجل تحويل بعض المواقع الأثرية إلى حدائق جيولوجية، وفق معايير ومعطياتٍ معيّنةٍ لتصنيفها عالميًا. وأضافت أن المكتب يسعى بحرصٍ لإيضاح أهمية الآثار كونها غرسًا إنسانيًا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.